اطبع هذه الصفحة


وحيُ الألم ( 5 ) ...

د.عبد المعطي الدالاتي


في الرضا بالقدر ، وفي الصبر على المِحن ، تحقيقٌ لمعنى العبودية ..
ومن شروط العبوديّة ، الشكرُ على النّعماء ، والصبرُ على الضرّاء ، مع الأمل والرجاء ..
يقول الرافعي :
" لا مفرَّ للخلق من العبودية ..
و يا بُؤسَ النفوس التي تذِلُّ لأحقر مَن في الأرض ، ثم لا تثورُ إلا على السماء ! " ..
والدعاء مِن أجلى مظاهر هذه العبودية ..
فمِنْ حِكَم المِحن أنها تسوقنا إلى ساحة الرحمن ندعوهُ ، ونتضرع له ، ونرجوه ..
فهذه المِحَنُ هي مِنَحٌ في شكل بلاء ..
وما البلاءُ الحقيقيّ إلا ما يَشغَلنا عن الله تعالى ، وعن نجواه ..
ومن شروط الدعاء ألاّ يكونَ فيه اعتداء ،
كطلبِ ظلمٍ أو إثمٍ أو ما يخالف سُنن الكون والحياة ..
وقد يستعجل الإنسان ، ويستبطىء الفرج ..
" ولا يزال العبد بخير ما لمْ يستعجِل ،
يقولُ : دعوتُ فلم يُستجَب لي " ..
يقول الرافعيّ :
" إنّ المؤمنَ يُدرك بفطرته السليمة ما لا يُدركُه الفلاسفة منَ الملحدين ،
وهي : أنَّ الله لا يُمسكُ عنا فضله إلا حين نطلبُ ما ليس لنا ، أو ما لسنا له "..
فما يَنبغي أن يُنازَعَ القدير ، أو يُعترَضَ على الحكيم ..
واللهُ قد ضمِن الإجابة فيما يَختار ، لا فيما نختار ..
وفي الوقت الذي يُريد ، لا الوقت الذي نريد..
ولرُبَّ دعوةٍ لو أجيبتْ لكان فيها ذهاب الدين !
يقول الله تعالى:
( ولو اتّبعَ الحقُّ أهواءَهمْ لفسَدتِ السماواتُ والأرضُ ومَنْ فيهنّ ) ..
ويقول الإمامُ عمر ، رضي الله عنه :
" أنا مِنْ أنْ أمْنَعَ الدعاء ، أخوَفُ منّي مِن أنْ أمنع الإجابة "..
بل أرى أنّ الدعاءَ في حدّ ذاته إجابة ، أليستْ مناجاة الله تعالى غايةً في ذاتها ؟!
فالدعاءُ عطاء ، وهو مثوبة ذاتِه ..
ولقد تمنّى أحدُ الصالحين أن يؤخّرَ اللهُ عنه الإجابة ، لِما وجدَ في التضرّع والنجوى منَ المعرفة والهناءَة والنعيم !

وحيُ الألم ( 6 ) ..

 


 

د.الدالاتي

  • مقالات
  • ربحت محمدا
  • مرايا ملونة
  • نجاوى
  • هذه أمتي
  • أنا مسلمة
  • لحن البراءة
  • دراسات في أدب الدالاتي
  • مصباح الفكر