اطبع هذه الصفحة


السِّـراج

د.عبد المعطي الدالاتي

 
(( يا أبي : لن أنسى يوم قلت لي : إنّ النعامة التي دفنتْ رأسها في الرّمال, لا يمكن أن تُحدّثنا عن الجمال !.. وإنّ الأقزامَ لن يسيروا طويلاً إلى الأمام !..
ولن أنسى يوم قلت : إنّ بعضَ العبيد لا يساوي قَدْرُهم ثمنَ القيود.. فهم قد حُرموا كلّ المشاعر, حتى الألم ! وانحنتْ رقابُهم بالجهل طويلاً لكل الأمم , حتى لقد نَسوا لون السماء !..
فقل لي يا أبي : أفي الممكن أن يُحجب قرصُ الشمس بإصبع ؟! أو يحفر قبرُ الأمة بإبرة ؟! أو يُحجب القرآنُ عن الإنسان بجدارٍ من نسيجِ العنكبوت؟!
كم سؤالٍ لا أزالُ أدفنُ بالصّمت جوابه ! فأجبني قبل أن يفنى على شفتي السؤال ..
يا بُنيّ : الظلامُ مهما اشتدَّ لن يطفئ شمعة واحدة !.. وقد بدأتْ تتفتّحُ أزهارُ الانتصار .. فتعال لنعمّقَ جذور الوعي , كي تثمر هذه الأزهار .. تعال فلن تخلو أرضٌ من أوسٍ ومن خزرج, ولن يخلو زمان أبداً من الأنصار )) ..

لو كلُّ ما نُخفي بأضلعنا يُقالْ !
حار السؤالُ على فمي .. حار السؤالْ
وأنا المرارةُ في دمي , والصمتُ طـالْ
وأنا عَييتُ من السـكوتْ .. وأخـاف يا أبتي تموتْ
روحُ الحضارةِ والجمالْ.. لو مـات في ثغري السؤالْ!

* * *
هل أُنزلَ القرآنْ .. لِينشرَ الأحزانْ .. بالنّعي والإعلانْ
عـن صـورةِ الأحبابْ.. تهوي إلى التُّرابْ ؟!
مـا السّرُّ أنّا سـائرونَ بذلَّةٍ خلفَ الأُمـمْ ؟!
جهلٌ , وضعفٌ , واندحارٌ , وانحدارٌ للهِممْ ؟!
أَين القلمْ .. يُهدي الحِكمْ ؟!.. وأينَ في دمهِ الشرارهْ ؟!
أين الهـداةُ , فـلا أراهـم , أينَ أسـيادُ الحضارهْ ؟!
أيـن العزيمةُ في اليمينْ ؟! .. أين الشعاعُ على الجبينْ ؟! .. وأين سيفُ الفاتحينْ ؟!
أَيـنَ التَوَهُّجُ في القلوبِ وفي العقولْ؟!
أبمثلِ هذا – يا أبي – وصّى الرسولْ ؟!
أنا يا أبي والليلُ داجْ .. لا زلتُ أبحثُ عن سِراجْ
أنا يا أبي و الدربُ ضاعْ.. من خُطوتي
لا زلت أبحثُ عن شعاعْ .. في رحلتي
هـل من شـعاعٍ يـا أبي في أُمتـّي
هل من شعاعْ ؟!

* * *
أَبُنيَّ : اِسمعْ ما أقولُ وكُنْ حَفِيّا
أنا لم أُرِدْ إلاّ الهدى , فاسمعْ جوابي يا بُنيا
ما أُنزل القرآنْ .. لِيصنَع الأحزانْ .. ويَملأَ الرّفوفْ
بل أُنزل القرآنْ.. لِيصنَع الحياةْ .. ويُحكم الصفوفْ
في واحةِ الصلاةْ .. في ساحة الحياةْ
ما أُنزلتْ (( والعصرْ )) على رُفاتِ القبرْ
ما أُنزلتْ إلا لِتسكنَ في ضميرِ العصرْ

نحن المسلمينْ .. مُذْ قالها الأمينْ .. للمصطفى في الغارْ
( اِقرأْ ) فَهِمنا الدينْ .. بأَنه اقتدارْ ..
وأَنَّـه حضـارةٌ , وأنـه انتصـارْ
(اِقرأْ) بُنيّ هي النجاةْ.. (اقرأ) بني هي الحياةْ.. (اِقرأ) بُني هي الشعاعْ
اِسمعْ – بنيّ – لما تقولْ .. وَصِيَّةُ الهادي الرَّسولْ :
(( إنْ قامتِ القيامةُ , وفي اليدِ فسيلةُ , فَلْتغرسِ الحياةْ)) ..
ما قـالَ : دعْ مـا في اليـدِ , واهـرعْ إلى النجـاةْ

وهكذا الإسلامْ .. غَرسٌ على الدوامْ
غرسٌ كريمٌ طَيبٌ مُبارَكُ النّماءْ
الأصلُ فيه ثابتٌ والفَرعُ في السماءْ
لا رِدَّةٌ في أمتي .. لا رِدَّةٌ في الدَّعوةِ
فَذا طريقُ الجنةِ : عِمارةُ الحياةْ
وذا طريقُ الدعوة : صناعةُ الحياةْ
وهكذا القرآنْ .. وصّى بَني الإنسانْ

أَن يعمروا الحياةْ .. بالعلمِ والإيمانْ .. والطّهر والصلاةْ
وهكذا الرسولْ .. الصادقُ الأمينْ ..
قد أيقظ العقولْ .. مُذْ مَرَّ باليمينْ ..

تنسابُ من فوقِ الفِطَرْ .. لمساتُهُ كانت قدرْ
بالخيرِ مَلأى مثلُ حبّاتِ المطرْ
فحاربَ الأوهامْ .. وحطَّم الأصنامْ
بالوعيِ أيقظَهُ بأنوارِ القلمْ
فالجهلُ أسوأُ ما تُصاب به الأممْ
والجهل يَنحتُ كلّ شِركٍ أو صنمْ
فاقرأ – بُنيّ – لكيْ تكونَ مُوحّدا
واقرأ – بُنيّ – لكي تسيرَ على هُدى
واقرأ – بُنيّ – بكلّ وعيٍ واكتبِ
فبـذاكَ وصّـاني ووصّـاكَ النّبي

صلّى عليه اللهْ .. ما غرَّدَ العصفُورْ ..
في صَحوةِ البُكورْ .. أُنشودةَ الحياهْ ..
صلّى عليه اللهْ ..

* * *
" من ديوان " عطر السماء "


 

د.الدالاتي

  • مقالات
  • ربحت محمدا
  • مرايا ملونة
  • نجاوى
  • هذه أمتي
  • أنا مسلمة
  • لحن البراءة
  • مصباح الفكر