صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







هل السَّنَةُ تَنتَهِي بشَهرِ ذيِ الحَجَّة، وتبَدأ بالمحرمِ؟

د. ظافرُ بنُ حسنٍ آلُ جَبْعانَ
@aljebaan

 
بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
اللهمَّ اهدِني وسدِّدْني وثبِّتْني

هل السَّنَةُ تَنتَهِي بشَهرِ ذيِ الحَجَّة، وتبَدأ بالمحرمِ؟


الحمدُ للهِ على إحسانِه، والشُّكرُ له على توفيقِه وامتنانِه، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ تعظيمًا لشانِه، وأشهدُ أنَّ مُحمَّدًا عبدُه ورسولُه المُصطفَى من بينِ أنبيائِه وإخوانِه.

أمَّا بعدُ؛ فقد اختَلَف العربُ في بدايةِ العامِ بأيِّ شهورِ السَّنةِ يكونُ؟ فعندَهم اثنا عشَرَ شهرًا، فبِأيِّها يَبدؤون؟

وللإجابةِ على هذا التَّساؤلِ نقولُ:

إنَّ اللهَ -عزَّ وجلَّ- قال في كتابِه الكريمِ: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} [التَّوبة: 36]، فالأَشهُرُ اثنا عشَرَ شهرًا هِلاليَّةٌ، والهِلاليَّةُ هي الأَشهُرُ الَّتي تُعرَفُ بولادةِ الهلالِ، فإذا طلع الهلالُ من مَطلَعِه في أوَّلِ الشَّهرِ فقد دَخَل الشَّهرُ، وبهذه الأَشهُرِ الهلاليَّةِ يَعتَدُّ المسلمون في صيامِهم وحَجِّهم وأعيادِهم وسائرِ أمورِهم، وهي إمَّا تسعةٌ وعشرون يومًا، أو ثلاثونَ لا تزيدُ ولا تَنقُصُ عن هذينِ العددينِ، كما ثَبَتَ عنه -صلَّى اللهُ عنه وسلَّم- أنَّه قال: «إِنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ، لا نَكتُبُ ولا نَحسُبُ، الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا»، يَعنِى مَرَّةً تِسعةً وعِشرينَ، ومرَّةً ثلاثينَ. [أخرجه البخاريُّ (1809)، ومسلمٌ (1080) من حديثِ ابنِ عُمرَ رضي اللهُ عنهما].

وهذه الأَشهُرُ قد ذَكَر اللهُ أنَّها اثنا عشَرَ شهرًا، وأمَّا بدايةُ هذه الأَشهُرِ؛
فقد اتَّفق العربُ قبلَ الإسلامِ أن يبدؤوا عامَهم بالمُحرَّمٍ؛ لأنَّ السَّنةَ العمليَّةَ عندَهم تنتهي بذي الحجَّةِ، لأنَّهم كانوا يَسِيحُونَ في الأرضِ والأسواقِ، وأسواقُ العربِ: الشِّحْرُ، وذو المَجازِ، ومَجَنَّةُ، وعُكاظٌ، ومِنًى ... كُلُّ هذه كانت أسواقًا تجاريَّةً للعربِ، يأتون من حَضْرَمَوْتَ وينزلون في نجدٍ، ثُمَّ إلى الحجازِ؛ لِيَحُجُّوا ويحضروا مواسمَ عُكاظٍ في الحجازِ، فإذا انتَهَوْا من هذه الدَّورةِ بدؤوا سنةً جديدةً، واعتَبَرُوا أوَّلَ السَّنةِ شهرَ المُحرَّمٍ، وكانوا لا يَعتبِرون سنةً بحدٍّ مُعيَّنٍ، فكانوا يُؤرِّخُون بالأحداثِ العِظامِ كعامِ الفيلِ وغيرِه، فلم يكن للعربِ تاريخٌ يَعُدُّ السِّنينَ وتُعَدُّ به السِّنونَ، وظلُّوا على ذلك حتَّى جاء عمرُ بنُ الخطَّابِ -رضي اللهُ عنه- فأرَّخ للعربِ لِعَدِّ السِّنينَ بالهجرةِ النَّبويَّةِ الشَّريفةِ.

فصار عندَ العربِ -لا في الشَّرعِ- أنَّ السَّنةَ تبدأُ بشهرِ اللهِ المُحرَّمِ الحرامِ، ثُمَّ لمَّا جاء الإسلامُ لم يَرِدْ عن النَّبيِّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- في ذلك شيءٌ، فبَقِيتِ السَّنةُ تبدأُ بالمُحرَّمِ.

وظلَّ النَّاسُ على ذلك إلى يومِنا هذا، ولعلَّه أقربُ ما يكونُ البدءُ به، فإنَّ العبدَ بشهرِ ذي الحجَّةِ يختمُ أعمالَ الإسلامِ العظامَ، ومنها الحجُّ إلى بيتِ اللهِ الحرامِ، والحجُّ هو الرُّكنُ الخامسُ من أركانِ الإسلامِ، فبختامِه كأنَّ العبدَ أيضًا ختم أيَّامَ أعمالِه.

وقد سار السَّلفُ على ذلك، فأَقَرُّوا في كتبِهم أنَّ السَّنةَ تُختَمُ بذي الحجَّةِ، وتبدأُ بالمُحرَّمٍ، ومِن هؤلاءِ العلماءِ الإمامُ ابنُ رجبٍ الحنبليُّ -رحمه اللهُ تعالى- كما فعل في كتابِه الماتعِ «لطائف المَعارِف فيما لمَواسِمِ العامِ من الوظائف»، فقد بدأ أَشهُرَ العامِ بشهرِ المُحرَّمٍ.

وبعدَ هذا التَّقريرِ، لِيُعلَمْ أنَّ بدايةَ السَّنةِ بالمُحرَّمٍ لم يَرِدْ فيها نصٌّ لا من كتابٍ ولا سُنَّةٍ، ولكنِ استَقرَّ هذا بما تعارَف عليه النَّاسُ، فليس لنهايةِ العامِ فضلٌ، ولا لبدايتِه فضائلُ.

فما جاء عن بعضِ النَّاسِ أنَّ صحائفَ السَّنةِ تُطوَى بنهايةِ العامِ؛ فهذا لا أصلَ له، ولم يَرِدْ في ذلك دليلُ كتابٍ ولا سُنَّةٍ.

وكذلك ما يفعلُه بعضُهم من صيامِ آخرِ أيَّامِ السَّنةِ، ويقولُ: أَختِمُ عامي بصيامٍ، وأبدؤُه بصيامٍ؛ فهذا كذلك لا أصلَ له، بل فاعلُه إنِ اعتَقَد بهذا الفعلِ فضلًا فقد ابتَدَع في الدِّينِ بدعةً، وقد ثبت عنه -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- أنَّه قال: «مَن أَحدَثَ في أَمرِنا هذا ما ليسَ فيه؛ فهو رَدٌّ» [أخرجه البخاريُّ (2550)، ومسلمٌ (1337) عن عائشةَ رضي اللهُ عنها].

وكذلك ما يفعلُه بعضُهم من تخصيصِ آخرِ ساعةٍ في العامِ للذِّكرِ والدُّعاءِ، والطَّلبِ والمسألةِ؛ فهذا أيضًا لا أصلَ له في دِينِ اللهِ.

وكذلك أيضًا ما يفعلُه بعضُهم من التَّهنئةِ ببدايةِ العامِ الجديدِ، فإنَّه لا أصلَ له، فإنَّما التَّهنئةُ لِمَن تَجدَّدتْ له نعمةٌ دينيَّةٌ أو دنيويَّةٌ كما قال الحافظُ ابنُ حجرٍ رحمه اللهُ تعالى. [«فتح الباري» 8/120].

وَلْيُعلَمْ أنَّ خيرَ الهديِ هو هديُ مُحمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وشرَّ الأمورِ مُحدَثاتُها، وكُلَّ مُحدَثةٍ بدعةٌ، وكُلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وكُلَّ ضلالةٍ في النَّارِ.

اللَّهمَّ أَرِنَا الحقَّ حقًّا وارزُقْنا اتِّباعَه، وأَرِنَا الباطلَ باطلًا وارزُقْنا اجتنابَه، ولا تجعلْه مُلتبِسًا علينا فنَضِلَّ، واجعَلْنا للمُتَّقِينَ إمامًا، اللَّهمَّ اختِمْ بالصَّالحاتِ أعمالَنا، وبالسَّعادةِ آجالَنا.


واللهُ أعلمُ وأَحكَمُ
وصلَّى اللهُ وسلَّم على نبِينا محمدٍ وعلى آلهِ وصحبهِ أجمعين


وكتب
الفقيرُ إلى عفوِ سيِّدِه ومَوْلاه

د. ظافرُ بنُ حسنٍ آلُ جَبْعانَ

www.aljebaan.com
الجمعة 27/ 12/ 1431هـ

 

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
ظَافِرُ آل جَبْعَان
  • الفوائد القرآنية والتجويدية
  • الكتب والبحوث
  • المسائل العلمية
  • سلسلة التراجم والسير
  • سلسلة الفوائد الحديثية
  • المقالات
  • منبر الجمعة
  • الصفحة الرئيسية