صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







الإمامُ وموسمُ رمضانَ

ظَافِرُ بْنُ حَسَنْ آل جَبْعَان

 
بسم الله الرحمن الرحيم

الإمامُ وموسمُ رمضانَ


الحمدُ للهِ وكفى، وصلاةً وسلامًا على نبيِّه الَّذي اصطَفَى، وعلى آلِه وصحبِه أجمعينَ.

أمَّا بعدُ؛ ففي المواسمِ السَّنويَّةِ يحرصُ أهلُ الدُّنيا وأربابُ التِّجاراتِ على استغلالِ سوانحِ الفُرَصِ،
واقتناصِ بوادرِها لتحقيقِ مصالحِهم، وزيادةِ أرباحِهم، وتوسعةِ مشاريعِهم.

ومعَ إقبالِ شهرِ الخيرِ والإحسانِ يُقبِلُ النَّاسُ على العبادةِ، وتَتهيَّأُ نفوسُهم لسماعِ الحقِّ، فتَتشرَّبُه القلوبُ فتَعقِلُه، وتَعِيه الأفئدةُ وتعملُ به، فينبغي على الدُّعاةِ والعاملين لدينِ اللهِ أن يَجِدُّوا ويجتهدوا، ويَبذُلوا ويُضَحُّوا في استغلالِ هذا الموسمِ الجليلِ بما يكونُ فيه خيرُ العبادِ والبلادِ، ونفعُ أنفسِهم وغيرِهم.

إنَّ إقبالَ الأَنفُسِ في رمضانَ على سُبُلِ الخيراتِ والمسابقةِ إليها، والحرصِ على النَّفعِ والاستفادةِ؛ لَدليلٌ على سلامةِ الفِطْرةِ، وصفاءِ المعدنِ، وحُبِّ الخيرِ وأهلِه، ومَن كانت هذه نفسَه فإنَّه إلى الخيرِ أقربُ وإنْ نَدَّتْ به نفسُه أحيانًا، وغلَبه هواه، وتَزيَّنتْ له شهوتُه، فإن وجَد مَن يأخذُ بتَلابِيبِ قلبِه ويدعوه إلى الخيرِ؛ اهتدَى وانتفَع.

ومِن هذا البابِ والمسلكِ، فالواجبُ على الدُّعاةِ عمومًا والأئمَّةِ خصوصًا أن يُسابِقوا إلى نفعِ النَّاسِ، والأخذِ بحُجَزِهم إلى الخيراتِ، وتحذيرِهم من كلِّ ما يُفسِدُ عليهم دينَهم، ويجلبُ لهم البلاءَ والفتنةَ.

إنَّ أعظمَ واعظٍ يُوعَظُ به النَّاسُ، ويبني فيهم الخيرَ، ويَحُثُّهم على كلِّ فضيلةٍ وكرامةٍ: هو القرآنُ الكريمُ، فقراءتُه على أسماعِهم، وتَدبُّرُ آياتِه معَهم، واستنباطُ عِبَرِه وعظاتِه، والتَّفقُّهُ فيه؛ له الأثرُ الأكبرُ والنَّفعُ الأعظمُ في إعادتِهم للحقِّ وتثبيتِهم عليه.


أيُّها الإمامُ:
لا تَظُنَّ أنَّ الإمامةَ هي أن تَؤُمَّ النَّاسَ في الصَّلاةِ ثُمَّ تخرجُ بعدَ ذلك ظانًّا أنَّك انتهيت من مُهِمَّتِك؛ بل هي أعظمُ وأعظمُ، فأنت إمامُهم وقدوتُهم، وفيك يَرَوْنَ الخيرَ، ومنك يَصْدُرون، فمسؤوليَّتُك جليلةٌ، وأمانتُك عظيمةٌ؛ فأَدِّ حقَّها، وسارِعْ في حُسْنِ أدائِها، وسيُعِينُك اللهُ جلَّ وعلا.

أخي الإمامَ، أنصحُك بنصائحَ لعلَّ اللهَ أن ينفعَني وإيَّاك بها:

أوَّلًا: احرِصْ على الختمِ،
ولا يَحمِلَنَّكَ تحقيقُ رغباتِ النَّاسِ على التَّقصيرِ في حقِّ الصَّلاةِ والقرآنِ؛ فإنْ كنتَ ممَّن يَعجِزُ عن الختمِ في رمضانَ لأيِّ سببٍ من الأسبابِ، فأمامَك طريقانِ:

1- أن تقرأَ ما يسَّر اللهُ لك في رمضانَ هذا، وتُتِمَّ ما بقي في رمضانَ القادمِ، وبذلك تكونُ قد ختَمتَ القرآنَ في مِحْرابِك، وأَسمَعتَه النَّاسَ.

2- أن تبدأَ في الختمةِ في شعبانَ، حتَّى يأتيَ رمضانُ وقد قرأتَ عشَرةَ أجزاءٍ أو أكثرَ فتختمَ في رمضانَ، وبهذا تَتحقَّقُ مصالحُ عظيمةٌ؛ منها: إسماعُ النَّاسِ القرآنَ كاملًا، وتعويدُهم على العبادةِ والصَّبرِ عليها، ووعظُهم به، ورفعُ هِمَّتِهم، وغيرُ ذلك.


تنبيهٌ:
لِتَعلَمْ أنَّ المرادَ هنا ليس الختمَ لذاتِ الختمِ، وإنَّما المرادُ إسماعُ النَّاسِ القرآنَ ووعظُهم به في الصَّلاةِ.

ثانيًا: قدِّمْ لهم ما ينفعُهم ويستفيدون منه،
ففَكِّرْ فيما تَطرَحُه على النَّاسِ من المواعظِ، وما المواضيعُ الَّتي تُناسِبُهم ليتمَّ تحضيرُها وإعدادُها، فإنْ عجزتَ عن ذلك فلا أقلَّ من أن تبحثَ عن كتابٍ مناسبٍ للقراءةِ منه على جماعةِ مسجدِك، بعدَ العصرِ، أو بعدَ التَّراويحِ، أو بعدَ الفجرِ، وأقترحُ عليك في هذا:

-
أن تَتأمَّلَ في آيِ القرآنِ، فتَقِفَ كلَّ يومٍ معَ آيةٍ أو آيتينِ، تُبيِّنُ ما فيها من المواعظِ والعِبَرِ، والفوائدِ والأحكامِ.
-
أو تعيشَ كلَّ يومٍ معَ قِصَّةٍ من قصصِ القرآنِ الكريمِ، فتُبيِّنَها وتأخذَ العِبَرَ منها.
-
أو تتأمَّلَ في مقاصدِ السُّوَرِ، فتَقِفَ كلَّ يومٍ معَ مَقصَدِ سورةٍ من السُّوَرِ، وتضربَ عليه الأمثلةَ.
-
أو تأتيَ على بعضِ الكلماتِ الغريبةِ في القرآنِ فتُبيِّنَها، وتَعِظَ النَّاسَ ببلاغةِ القرآنِ.
-
أو تأتيَ على بعضِ الآياتِ الَّتي قد يُشكِلُ فهمُها على بعضِ المُصلِّين، فتُبيِّنَها وتُوضِّحَها.
-
أو تتأمَّلَ في الإعجازِ القرآنيِّ، وأثرِه في الإيمانِ، ونحوِ ذلك.
-
أو تُعلِّمَ النَّاسَ أحكامَ العباداتِ من صلاةٍ وصيامٍ وغيرِهما.
-
أو تتأمَّلَ في أسماءِ اللهِ الحسنى، وتَقِفَ معَها لمعرفةِ معانيها، والتَّأمُّلِ في ثمراتِها.
-
أو تأخذَ فصولًا من السِّيرةِ النَّبويَّةِ، وتَحدِّثَ النَّاسَ عن نبيِّهم صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وعن صفاتِه وأخلاقِه، وغزواتِه وتعاملاتِه.
-
أو تُعرِّفَ المُصلِّينَ بسَلَفِ هذه الأُمَّةِ من الصَّحابةِ والتَّابعينَ ومَن سار على نهجِهم إلى يومِنا هذا، فتَقِفَ كلَّ يومٍ معَ سيرةِ عَلَمٍ من الأعلامِ؛ ليعرفَ النَّاسُ القدواتِ الحقيقيِّين، ويظهرَ لهم زَيْفُ غيرِهم.
-
أو تختارَ مواضيعَ تربويَّةً تنفعُ النَّاسَ وتَمَسُّ حياتَهم اليوميَّةَ.

أيُّها الإمامُ:
اربِطْ قلبَك وقلوبَ النَّاسِ بالقرآنِ، وحرِّكْ كوامنَ النَّفسِ به؛ فإنَّه أعظمُ واعظٍ، وأنفعُ دواءٍ، به يزدادُ الإيمانُ، ويَطمَئِنُّ القلبُ، وينشرحُ الصَّدرُ، وصدَق اللهُ إذْ يقولُ: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا} [الإسراء: 9].

ثالثًا: رغِّبْهم في الجلوسِ بعدَ الفجرِ أو بعدَ العصرِ في المسجدِ لقراءةِ القرآنِ، وتكثيرِ الختماتِ؛
فانصَحْ لهم بأن يتَّخِذوا مصحفًا خاصًّا، ويُهيِّؤوا مكانَهم في المسجدِ ليَلزَموه، فيكونَ مُعِينًا لهم على قراءةِ القرآنِ وتكثيرِ الختماتِ.

رابعًا: جالِسْهم بعدَ العصرِ أو بعدَ التَّراويحِ في حلقةٍ تقرؤون فيها حزبًا من القرآنِ،
فتُصحِّحُ لهم قراءتَهم، وتَتدارَسون بعضَ الآياتِ الَّتي قرأتُموها، وَلْتَكُنِ المُدَّةُ قصيرةً لا تتجاوزُ ثُلُثَ السَّاعةِ.

وأَقترِحُ عليك أن تُصحِّحَ لهم تلاوةَ سورةِ الفاتحةِ وقِصارِ المُفصَّلِ.


خامسًا: حذِّرْهم من كثرةِ التَّنقُّلِ بينَ المساجدِ حتَّى لا تضيعَ أوقاتُهم وتَفتُرَ هِمَمُهم،
بل لِيلزموا مسجدًا واحدًا لتُقبِلَ نفوسُهم فيه، وينضبطَ لهم الوقتُ، فيعرفوا أوقاتَ التَّراويحِ والقيامِ، ومواعيدَ المواعظِ ونحوِها فينتفعوا.

سادسًا: اعقِدْ لهم بعضَ المسابقاتِ الخاصَّةِ بالقرآنِ الكريمِ؛
فإنْ عجزتَ فوَكِّلْ بها مَن يُعِينُك من أهلِ الحيِّ، وضَعُوا عليها شيئًا من الجوائزِ الَّتي تُشجِّعُ النَّاسَ وتُرغِّبُهم في الاهتمامِ.

سابعًا: الإفطارُ الجماعيُّ في المسجدِ،
فخَصِّصْ يومًا من رمضانَ لإفطارِ جماعةِ الحيِّ في المسجدِ، فإنَّ لذلك عظيمَ الأثرِ في نفوسِهم وتآلفِهم.

ثامنًا: لا تَحرِمْهم وعظَ غيرِك،
وهذا من بابِ التَّنويعِ عليهم ومَحْضِ النُّصحِ لهم، فاطلُبْ ممَّن يُحسِنُ الوعظَ والتَّذكيرَ أن يَعِظَهم ويُذكِّرَهم، وتَخَوَّلْهم بذلك فإنَّ فيه نفعًا عظيمًا لهم.

تاسعًا: اهتَمَّ بمُصلَّى النِّساءِ، فإنَّهُنَّ يُقبِلْنَ في رمضانَ، ويُرِدْنَ الخيرَ؛ فأَعِنْهُنَّ، وضَعْ لهنَّ بَرْنامجًا لتصحيحِ التِّلاوةِ بعدَ التَّراويحِ.

عاشرًا: إحياءُ سُنَّةِ الاعتكافِ،
فأَحْيِها في مسجدِك، وحُثَّ النَّاسَ ورغِّبْهم فيها، ولو بما قيل في أقلِّها، فإنَّ للاعتكافِ أثرًا ملحوظًا في تربيةِ النَّفسِ وتهذيبِها، وتعويدِها على العبادةِ والتَّلذُّذِ بها.

أخيرًا:
أَعلَمُ حرصَك وبَذْلَك، وحُبَّك للخيرِ وتضحيتَك في سبيلِه، لكنَّ كلماتي هذه هي من بابِ التَّذكيرِ لي قبلَك، وشَحْذِ الهِمَمِ؛ فإنَّ النَّفسَ تَكِلُّ وتَمَلُّ، وتحتاجُ إلى مَن يُذكِّرُها وينصحُ لها، وأسألُ اللهَ لي ولك التَّوفيقَ والسَّدادَ، وأن يجعلَنا وإيَّاك أئمَّةَ هُدًى ومصابيحَ دُجًى، اللَّهُمَّ آمِينَ.

وصلَّى اللهُ وسلَّم على حبيبِنا وقدوتِنا مُحمَّدٍ، وعلى آلِه، وصحبِه أجمعينَ.

 

الثُّلاثاء 5/ 8/ 1443هـ

 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
 
  • الفوائد القرآنية والتجويدية
  • الكتب والبحوث
  • المسائل العلمية
  • سلسلة التراجم والسير
  • سلسلة الفوائد الحديثية
  • المقالات
  • منبر الجمعة
  • الصفحة الرئيسية