الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
فهذه فائدتان عن الإمام ابن القيم – رحمه الله – في " الذِّكر " و " الجهاد "
و " النصر " ، أسأل الله أن ينتفع بهما من يطلع عليهما .
1. قال ابن القيم :
روى الترمذي والحاكم في " المستدرك " عن أبي
الدرداء قال : قال النَّبي صلَّى الله عليه وسلم : " ألا أنبئكم بخير أعمالكم
وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم وخير لكم من إنفاق الذهب والورِق وخير
لكم من أن تلقَوا عدوَّكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم ؟ قالوا : بلى ،
قال : ذِكر الله " .
وقد رواه مالك في " الموطأ " موقوفاً على أبي الدرداء قوله ، قال الترمذي :
ورواه بعضهم فأرسله .
والتحقيق في ذلك :
أن المراتب ثلاثة :
المرتبة الأولى :
ذِكر وجهاد ، وهي أعلى المراتب ، قال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إذا
لقيتم فئةً فاثبتوا واذكروا الله لعلكم تفلحون } .
المرتبة الثانية :
ذِكر بلا جهاد ، فهذه دون الأولى .
المرتبة الثالثة :
جهاد بلا ذِكر ، فهي دونهما ، والذاكر أفضل من هذا ، وإنما وضع الجهاد لأجل
ذكر الله فالمقصود من الجهاد أن يُذكر الله ويُعبد وحدَه ، فتوحيده وذكره
وعبادته هو غاية الخلق التي خلقوا لها ، وتبويب أبي داود إنما هو على المرتبة
الأولى ، والحديث إنما يدل على أن الذِّكر أفضل من الإنفاق في سبيل الله ،
فهو كحديث أبي الدرداء ، وقد يحتمل الحديث أن يكون معناه : أن الذِّكر
والصلاة في سبيل الله تضاعف على النفقة في سبيل الله ، فيكون الظرف متعلقاً
بالجميع ، والله أعلم .
" حاشية تهذيب سنن أبي داود " ( 7 / 126 ، 127 ) .
2. قال ابن القيم :
ونختم هذا الكتاب بآية مِن كتاب الله تعالى جمع
فيها تدبير الحروف بأحسن تدبير وهي قوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا إذا
لقيتم فئةً فاثبتوا واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون وأطيعوا الله ورسوله
ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين } [ الأنفال /
45 ، 46 ] ، فأمر المجاهدين فيها بخمسة أشياء ما اجتمعت في فئةٍ قط إلا نُصرت
وإن قلَّت وكثر عدوُّها :
أحدها : الثبات ،
الثاني : كثرة ذِكره
سبحانه وتعالى ، الثالث :
طاعته وطاعة رسوله ، الرابع :
اتفاق الكلمة وعدم التنازع الذي يوجب الفشل والوهن ، وهو جند يقوِّي به
المتنازعون عدوَّهم عليهم ، فإنهم في اجتماعهم كالحزمة من السهام لا يستطيع
أحد كسرها فإذا فرَّقها وصار كلٌّ منهم وحده كسرها كلها ،
الخامس : ملاك ذلك كله
وقوامه وأساسه وهو الصبر .
فهذه خمسة أشياء تبتني عليها قبة النصر ، ومتى زالت - أو بعضها - زال من
النصر بحسب ما نقص منها ، وإذا اجتمعت قوَّى بعضُها بعضاً وصار لها أثرٌ
عظيمٌ في النصر ، ولما اجتمعت في الصحابة لم تقم لهم أمُّة من الأمم ، وفتحوا
الدنيا ، ودانت لهم العباد والبلاد ، ولما تفرقت فيمن بعدهم وضعفت آل الأمر
إلى ما آل ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، والله المستعان ،
وعليه التكلان ، وهو حسبنا ونعم الوكيل .
" الفروسية " ( ص 505 ، 506 ) .