قال رحمه الله:
وقلَّ مَن خرج على إمام ذي سلطان إلا كان ما تولد على فعله من الشر أعظم مما
تولد من الخير كالذين خرجوا على يزيد بالمدينة وكابن الأشعث الذي خرج على عبد
الملك بالعراق وكابن المهلب الذي خرج على ابنه بخراسان وكأبي مسلم صاحب الدعوة
الذي خرج عليهم بخراسان أيضا وكالذين خرجوا على المنصور بالمدينة والبصرة
وأمثال هؤلاء .
وغاية هؤلاء إما أن يَغلبوا وإما أن يُغلبوا ثم يزول ملكهم فلا يكون لهم عاقبة
فإن عبد الله بن علي وأبا مسلم هما اللذان قتلا خلقا كثيرا وكلاهما قتله أبو
جعفر المنصور. وأما أهل الحرة وابن الأشعث وابن المهلب وغيرهم فهزموا وهزم
أصحابهم فلا أقاموا دينا ولا أبقوا دنيا والله تعالى لا يأمر بأمر لا يحصل به
صلاح الدين ولا صلاح الدنيا وإن كان فاعل ذلك من أولياء الله المتقين ومن أهل
الجنة فليسوا أفضل من علي وعائشة وطلحة والزبير وغيرهم ومع هذا لم يحمدوا ما
فعلوه من القتال وهم أعظم قدرا عند الله وأحسن نية من غيرهم.
وكذلك أهل الحرة كان فيهم من أهل العلم والدين خلق.
منهاج السنة(4/527-528)
وقال رحمه الله:
وكثير ممن خرج على ولاة الأمور أو أكثرهم إنما
خرج لينازعهم مع استئثارهم عليه ولم يصبروا على الاستئثار ثم إنه يكون لولي
الأمر ذنوب أخرى فيبقى بغضه لاستئثاره يعظم تلك السيئات ويبقى المقاتل له ظانا
أنه يقاتله لئلا تكون فتنة ويكون الدين كله لله ومن أعظم ما حركه عليه طلب غرضه
إما ولاية وإما مال
كما قال تعالى {فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون} . وفي
الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر
إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم رجل على فضل ماء يمنعه من ابن
السبيل يقول الله له يوم القيامة اليوم أمنعك فضلي كما منعت فضل ما لم تعمل
يداك ورجل بايع إماما لا يبايعه إلا لدينا إن أعطاه منها رضى وإن منعه سخط ورجل
حلف على سلعة بعد العصر كاذبا لقد أعطى بها أكثر مما أعطي".
فإذا اتفق من هذه الجهة شبهة وشهوة ومن هذه الجهة شهوة وشبهة قامت الفتنة
والشارع أمر كل إنسان بما هو المصلحة له وللمسلمين فأمر الولاة بالعدل والنصح
لرعيتهم حتى قال:" ما من راع يسترعيه الله رعية يموت يوم وهو غاش لرعيته إلا
حرم الله عليه رائحة الجنة ". وأمر الرعية بالطاعة والنصح كما ثبت في الحديث
الصحيح "الدين النصيحة ثلاثا قالوا لمن يا رسول الله قال لله ولكتابه ولرسوله
ولأئمة المسلمين وعامتهم".
وأمر بالصبر على استئثارهم ونهى عن مقاتلتهم ومنازعتهم الأمر مع ظلمهم لأن
الفساد الناشىء من القتال في الفتنة أعظم من فساد ظلم ولاة الأمر فلا يزال أخف
الفسادين بأعظمهما.
منهاج السنة(4/540-541)