الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
[قال بعضهم : [... ومن الأفضل أن يقوم بعملية التحنيك - وهو : مضغ تمر، أو عسل،
أو شيء حلو، وتدليك حَنَك الطفل به - من يتصف بالتقوى والصلاح تبركاً به !
وتيمنا بصلاح المولود وتقواه ].
قلت: الصحيح الثابت أن المحنِّك "يدْعُو للْمَوْلودِ بِالبَرَكَةِ"، كما جاء في
"صحيح البخاري" (10/707) من حديث أبي موسى الأشعري. وفي صحيح مسلم (3/193) من
حديث عائشة رضي الله عنها " يُبَرِّكُ عَلَيْهِمْ" - أي: يدعو لهم بالبركة صلى
الله عليه وسلم -.
وأما التبرك بالأشخاص، بذواتهم، أو بنعلهم، أو بريقهم، أو بوضوئهم، فليس تبركاً
مشروعاً البتة، إلا ما كان مِن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، إذ إن ذاته،
وآثاره صلى الله عليه وسلم بركة - ولم يصحّ أن شيئاً بقي منها إلى الآن- أما
غيره فلا.
والتبرك المشروع له أنواعٌ كثيرةٌ،
فمنها:
أ.
التبرك بأمرٍ شرعيٍّ معلومٍ مثل "القرآن"، قال الله تعالى { كِتَابٌ
أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ} [ص/29]، ومِن بركته:
1.
أنَّ مَن أخذ به حصل له الفتح، فأنقذ الله بذلك أمماً كثيرةً مِن الشرك.
2.
أنَّ الحرف الواحد بعشر حسنات، كما في الحديث الذي رواه الترمذي (5/175) مِن
حديث ابن مسعود، وقال عنه: حسن صحيح.
3.
أنَّه يقدَّم صاحبُه على الناس في الإمامة، كما في الحديث الذي رواه البخاري
(2/234) مِن حديث ابن عمر، ومسلم (5/172) مِن حديث أبي مسعود البدري.
4.
أنَّه يقدَّم حافظهُ على غيره في اللحد ، كما فعلهصلى الله عليه وسلم في الحديث
الذي رواه البخاري (3/272) مِن حديث جابر رضي الله عنه.
5.
أنَّ الله تعالى يرفع صاحبه درجةً بكل آيةٍ كان يحفظها في الدنيا، كما رواه
الترمذي (5/177) ، وقال: حسن صحيح ، وأبو داود (2/73) ، مِن حديث عبد الله بن
عمرو.
6.
أنْ جعل الله تعالى في قراءته شفاءً للمؤمنين ، سواءً مِن الأمراض الحسيَّةِ،
أو المعنويةِ، قال تعالى {وَنُنَزِّلُ مِنْ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ
وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الإسراء /82] ، وغير ذلك كثير.
ب.
التبرك بأمرٍ حسيٍّ معلومٍ، مثل العلم، والدعاء، ونحوهما، فالرجلُ يُتبرك
بعلمه، ودعوته إلى الخير، فيكون هذا بركة لأننا نِلْنا منه خيراً كثيراً.
ج.
التبرك بهيئةٍ شرعيَّةٍ مثل الاجتماع على الطعام، والأكل مِن جوانب القصعة،
ولعق الأصابع، وكيْل الطعام.
=
قال صلى الله عليه وسلم "اجْتَمِعُوا عَلى طَعَامِكُم وَاذْكُروا اسْمَ اللهِ
عَلَيْهِ يُبَارَكْ لَكُمْ فِيهِ " رواه أبو داود (3/346)، وابن ماجه (2/1093)،
وحسَّنه شيخُنا الألباني في "السلسلة الصحيحة" (664).
=
وقال صلى الله عليه وسلم " البرَكَةُ تَنْـزِلُ في وَسَطِ الطَّعَامِ، فَكُلُوا
مِنْ حَافَّتَيْهِ، وَلاَ تَأْكُلُوا مِنْ وَسَطِهِ " رواه الترمذي (4/260) -
واللفظ له - وقال: حسن صحيح، وأبو داود (3/348) ، وابن ماجه (2/1090).
=
وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بلعق الأصابع وقال: "فإِنَّهُ لاَ يَدْرِي في
أَيَّتِهِنَّ البَرَكَةُ" رواه مسلم (13/205).
=
وقال صلى الله عليه وسلم "كيلوا الطَّعامَ
يُبَارَكْ لَكُمْ فِيهِ" رواه البخاري (4/434).
د.
التبرك بالأمكنة، فهناك أمكنةٌ جعل الله فيها البركة إذا تحقق في العمل الإخلاص
والمتابعة كالمساجد، وخاصة المسجد الحرام والمسجد النبوي، والمسجد الأقصى،
ومسجد قباء، وأحاديث فضل الصلاة فيها مشهورةٌ معلومةٌ.
هـ.
التبرك بالأطعمة، وهناك أنواعٌ مِن الطعام جعل الله فيها بركة مثل:
1.
الزيت، قال صلى الله عليه وسلم "كُلُوا
الزَّيْتَ وَادَّهِنُوا بِهِ فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ" - أي:
الزيتون- رواه الترمذي (4/285) ، وابن ماجه (2/1103) ، وانظر "السلسلة
الصحيحة"(379).
2.
الحبَّةُ السوداء، قال صلى الله عليه وسلم "الحبَّةُ السَّوْداءُ شِفَاءٌ مِنْ
كُلِّ دَاءٍ إِلاَّ السَّام" رواه البخاري (10/176) ، ومسلم (14/201) ، والسام:
الموت.
3.
ماء زمزم، قال صلى الله عليه وسلم: "إِنَّها -أي ماء زمزم - مُبَارَكَةٌ،
إِنَّهَا طَعَامُ طُعْمٍ " رواه مسلم (16/27).
و.
التبرك بالأزمنة، وهناك أزمنةٌ خصّها الشرع بزيادة فضلٍ وبركةٍ؛ مثل: شهر
رمضان، وليلة القدر، والعشر الأول من ذي الحجة، ويوم الجمعة، والثلث الأخير من
الليل. (1)
====================
(1) استفدتُه من
"القول المفيد شرح كتاب التوحيد " للشيخ ابن عثيمين (1/191)، و"التبرك المشروع
والتبرك الممنوع" للدكتور علي بن نفيع العلياني، وانظر "التبرك، أنواعه،
وأحكامه" للدكتور ناصر الجديع.