وقفات في حياة
الإمام
العلامة محمد ناصر الألباني رحمه الله
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
ما أن كادت دموعنا تجف ، وقلوبنا عن اضطرابها تخف بوفاة الشيخ الإمام عبد
العزيز بن باز ؛ حتى فُجعنا بعد عصر 22 / جمادى الأولى / 1420 هـ ، الموافق 2 /
10 / 1999 م بوفاة إمام السنَّة ، وعلم الحديث ، الإمام المحدث شيخنا الشيخ
محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله .
وكان لزاماً علينا أن نعرِّف الأمة بشيءٍ من حياته ، وترجمة مختصرة عن أعماله ،
لعله أن يكتسب بسببها دعوة مِن محبٍٍّ ، أو عدل من منصف .
اسمه ومولده
هو ناصر الدين بن نوح بن نجاتي الألباني
، وقد أضاف إلى اسمه اسم محمد لما في اسمه الذي سمي به من تزكية ، فكان أحق
الناس أن يكون ناصر الدين – عنده ، وهو الواقع - هو نبينا محمد صلى الله عليه
وسلم .
وقد ولد في مدينة (( أشقودرة )) في ألبانيا ، سنة 1332 هـ ، الموافق 1914 م ،
وقد توفي بعد عمر في هذه الفانية بلغ حوالي 85 سنة .
هجرته واستقراره
هاجر هو وأهله من ألبانيا ، وكان عمره
آنذاك تسع سنوات ، حفاظاً من والده على دين أهله ، واستقر به المقام في دمشق
عاصمة سوريا ، ثم تنقل بين بيروت والإمارات حتى استقر به المقام في عمَّان
الأردن ، حيث توفي فيها .
طلبه للعلم
كانت بدايته في طلبه للعلم – رحمه الله
– مع كتاب الحافظ العراقي (( المغني عن حمل الأسفار )) ، وهو كتاب خرَّج فيه
الحافظ العراقي كتاب "إحياء علوم الدين" لأبي حامد الغزالي ، فقام الشيخ
الألباني بنقل كتاب العراقي ، وأتم أحاديثه ، وشرح غريبه ، وقد انتفع بهذا
الكتاب كثيراً كما قال هو رحمه الله .
وقد كان لمجلة المنار ، وبالأخص مقالات صاحبها محمد رشيد رضا أعظم الأثر في
حياة الشيخ رحمه الله للعلم .
جلده في طلب العلم
ونذكر في ذلك حادثتين :
الأولى :
أنه أصيب في عينه أيامه الأولى في الشام ، وطلب منه الطبيب أن يمكث شهراً لا
يعمل بمهنة الساعات ، و لا يقرأ شيئاً ! فمكث أياماً ، ثم أصابه الملل ، فطلب
من بعض إخوانه أن ينسخ له من المكتبة الظاهرية في دمشق كتاب "ذم الملاهي " لابن
أبي الدنيا .
فنسخ الناسخ حتى وصل إلى مكان فيه ورقة ضائعة ، قطعت اتصال الكلام ، فلما أخبر
الشيخ بذلك طلب إليه الشيخ أن يستمر بالنسخ .
فلما فرغ الناسخ وانتهت مدة العلاج ؛ ذهب الشيخ يبحث عن تلك الورقة الضائعة في
المكتبة الظاهرية ، فظل الشيخ ينقب عن تلك الورقة ، فلم يجدها ، وفي تلك
الأثناء كان يدون الأحاديث التي يقف عليها في المخطوطات ، حتى دوَّن أكثر من
أربعين مجلداً من الأحاديث بخط يده !! وكان عدد المخطوطات آنذلك حوالي عشرة
آلاف مخطوطة !!
الثانية :
وقد بلغت الهمة والجلَد في الشيخ رحمه الله أنه كان ينسى معهما الطعام والشراب
، فكان يأتي إلى مكتبة الظاهرية قبل موظفيها ، ويخرج بعدهم !!
ويأتيه أهله بطعام الإفطار ، فيظل على ما هو عليه إلى موعد الغداء ، فيؤخذ طعام
الإفطار ويوضع طعام الغداء ! وهكذا مع العَشاء .
وقد ظل الشيخ الإمام رحمه الله على هذه الهمة إلى أن توفاه الله ، فإذا كان
يعجز عن البحث قرأ ، فإذا عجز عن القراءة قُرِأ عليه .
ومن رأى همة الشيخ ونشاطه قبل مرضه الأخير لم يفرق بين أول حياته وبين هذه
الأيام .
وإذا قيل للشيخ في رحلاته أن يرتاح ، قال : إن راحتي في الكلام والبيان !! لا
في السكوت .
رجوعه إلى الحق
والشيخ رحمه الله عرف عنه رجوعه إلى
الحق ، حتى أصبح متميزاً به ، فكم من حديث صححه وانتشر في الآفاق بسببه ، ولما
تبين له ضعفه من بعد الطلبة تراجع عنه بقوة وإنصاف ، ومثال ذلك حديث دخول
المنزل (( اللهم إني أسألك خير المولج وخير المخرج )) فهو حديث صححه الشيخ ثم
تراجع عنه .
وقل الأمر نفسه في المسائل الفقهية العملية ، كما هو الحال في مسألة جماع
الزوجة بعد طهرها من الحيض ، حيث كان الشيخ يرى أنه يكتفى بانقطاع الدم دون
الغسل ، ثم تراجع عنه إلى قول الجمهور ، وهو عدم جواز الجماع إلا بعد الغسل .
وهذا الأمر – أعني تراجعه إذا تبين له الحق – استغله بعض الجهلة والحساد لبيان
أن ذلك من تناقضه ولم يدر هؤلاء أن هذا من أعظم أخلاق الدين ، وقد قل أهله في
هذا الزمان ، فكم من إنسان جادل بالباطل من بعد ما تبين له الحق فأصر مستكبراً
كأن لم يسمع الحق ؟!!
والشيخ برأه الله من ذلك وكتبه طافحة برجوعه عن أقواله التي تبين فيها خطؤه
ملياً ، ولم ينقصه ذلك بل رفعه الله به، ولكن عند المنصفين العقلاء ، وهذا هو
المهم، والأهم أنه كان يراقب ربه ولا يهمه ما يقال بعد لك .
تعظيمه لاعتقاد السلف ومنهجهم
وقد كان الشيخ رحمه الله من أعظم
المدافعين والمنافحين عن دين الله عز وجل في هذا القرن ، حتى عدَّه بعض الأفاضل
– وهو الشيخ مقبل الوادعي - من المجدِّدين لهذا الدين ، وقد سلك سبلاً كثيرة في
توضيح اعتقاد السلف الصالح والدفاع والذب عنه ، فكان أن أخرج للناس مختصر العلو
للذهبي وضمنه تلك المقدمة الماتعة في بيان اعتقاد سلف هذه الأمة ، وبيان زيغ
أعدائها وضلالهم .
وكذلك أخرج للناس كتابه (( تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد )) وقد حذر فيه
كثيراً من عمل المشركين الذي سرى إلى المسلمين في بناء الأضرحة والمقامات ودعاء
الأولياء الأموات ، والذبح والنذر عندها .
وأما منهج السلف وفهمهم للكتاب والسنة ، فقد كان رحمه الله من أعظم المتمسكين
به في نفسه ، الداعين له من خلال كتبه وأشرطته ، وقد كان قوله تعالى : (( ومن
يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى
ونصله جهنم وساءت مصيراً )) شعاراً له رحمه الله .
كتبه ومؤلفاته
وهي بحمد الله كثيرة نافعة ، ولا يُعلم
له رسالة مكررة أو أنه يمكن للباحث أن يستغني عن العلم الذي فيها ، وقد بلغ
المطبوع منها أكثر من 40 ما بين تحقيق وتأليف ، وله من المؤلفات المخطوطة في
خزانته ما لعله أن يبلغ ضعف هذا العدد .
وقد نفع الله بكتبه كثيراً من الناس ، فنهلوا من علمها واستفادوا من التحقيق
الذي فيها ، وإن كان بعضهم سطا عليها سرقة منها دون أن يشير ولو بأدنى إشارة
أنها لغيره، ويصدق على هذا قوله تعالى : (( ولا تحسبن الدين يفرحون بما أوتوا
ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا ..)) وينطبق عليهم قوله صلى الله عليه وسلم :
(( المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور )) .
ثناء العلماء عليه
وقد أثنى عليه أهل العلماء ثناء عطراً ،
وهو يستحق أكثر منه ، فقد قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله : (( ما علمت
تحت أديم السماء أعلم بالحديث من الشيخ الألباني )) ، وللشيخ محمد بن صالح
العثيمين ثناء عليه وقد وصفه بالعلامة المحدث ، وقد أثنى عليه غيرهما ، وقيلت
فيه أشعار لطيفة يمكن للقارئ أن ينظرها في كتاب (( حياة الألباني)) لأخينا محمد
بن إبراهيم الشيباني .
عداءُ أهل البدعة له
لا يحب الألباني إلا صاحب سنَّة ، أو
فطرة سليمة ، ولا يبغضه إلا صاحب بدعة ، أو جاهل بقدره ، وقديماً قال السلف :
(( من علامة أهل البدع الوقيعة في أهل الأثر )) .
وقد تكالب على الشيخ رحمه الله أهل البدع والضلال من جميع الطوائف والفرق ،
فكان رحمه الله كالطود الشامخ يرد على هذا ، ويفند شبهة هذا ، حتى أتى على
بنيانهم من قواعده فخر عليهم السقف من فوقهم .
فتوى الهجرة من فلسطين
وقد شنع على شيخنا بعض المشاغبين من أهل
الجهل ؛ فراح يُلبس الشيخ رداءً ليس له ، ويحمِّل كلامه ما لم يحتمله ، أو
يزوِّر الحقائق التي أتى بها الناس .
وملخص هذه المسألة أن الشيخ رحمه الله سئل عن أناس يعيشون في بلادٍ لا يستطيعون
إظهار شعائر دينهم فيها ، فقال لهم الشيخ بوجوب الهجرة إلى بلاد يستطيعون فيها
ذلك استدلالاً بقول الله تعالى : (( قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا
فيها )) وهذا تبكيت من الملائكة لمن ظلَّ بين الكفار أو العصاة فأثر ذلك في
دينه فاحتج على فعله بغيره .
ولما سئل الشيخ : هل هذا ينطبق على فلسطين ؟ قال : على كل بلاد الدنيا ، ما
الفرق بين فلسطين وغيرها ؟! كما أن مكة أعظم عند الله من فلسطين ، ومع هذا هاجر
منها المسلمون وعلى رأسهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، ومن الصحابة من هاجر
إلى الحبشة وهي بلاد كفر ، لما لم يكن يستطيع إظهار دينه .
فقام وطبل وزمر لهذه الفتوى أهل التطبيل والتزمير من أهل الجهل والضلال وكان
ذلك قرب موعد الانتخابات النيابية ، ظنَّاً منه أنه يستطيع استعطاف الناس
للحصول على الأصوات !! أما أن تكون القضية قضية دين فلا ، فهو غارقٌ في تصوف
بالٍ ، وسادر في جهل فاضح .
والعجب من أولئك المشايخ - وأغلبهم دكاترة في الشريعة - اجتماعهم على تخطئة
الشيخ رحمه الله ، ولم نرَ اجتماعهم هذا على تضليل الحبشي مثلاً ، أو على
التحذير من فسقٍ أو فجور أو ضلال ، وبعض من وقَّع على ذلك يعتبر من غلاة
الأشاعرة ، وبعضهم لا يدرى منهجه أو اعتقاده !! وبعضهم على خير لكن استجر على
التوقيع .
والقضية علمية شرعية تكلم فيها الشيخ بعلم وأدلة ، ومن خالف لم يحسن من ذلك
شيئاً ، وبعضهم – لغباء أو جهل أو شرود ذهن – ظن أن أهل فلسطين يقفون على
الحدود رافعين جوازاتهم ينتظرون فتوى الألباني ليغادروا فلسطين !! والأكثر لا
يهمهم دين من بقي بين اليهود ، فتخلق بأخلاقهم وتعودوا على عاداتهم ، فمنهم من
زوج ابنته ليهودي !! ومنهم من شكك في كفرهم !!.
والمهم عند هؤلاء ألا يخرج من فلسطين ولو ضيع دينه أي أن المهم ألا تضيع الأرض
!!
نشاطه في الدعوات والزيارات العلمية
والشيخ رحمه الله من النشيطين في الدعوة
إلى الله ، فلم يكن ليكتفي بالتأليف حتى أضاف إليه الخروج إلى الناس وزياراتهم
في بلدانهم وقراهم .
فمنذ أن كان بالشام وهو يسافر إلى حلب وحماة وإدلب و غيرها ، وحدثني بعض من كان
هناك أن الشيخ كان يأتيهم كل أسبوع على دراجة هوائية ، وكانت المسافة من دمشق
إليهم حوالي 45 كيلو متراً !!
وقد سافر الشيخ رحمه الله إلى أسبانيا والكويت والإمارات وقطر وطاف في مناطق
المملكة العربية السعودية جميعها تقريباً !!
وكذا أمره عندنا في الأردن ، فما من أحدٍ يدعو الشيخ إلا ويلبي دعوته ويزوره
ويلقي عندهم ما يسر الله من العلم النافع ، وكان الشيخ قد شرفني بزيارة إلى
بيتي في إربد ، وسجل اللقاء تحت عنوان " مسائل فقهية " ، ولم تكن هذه الزيارة
هي الأولى له إلى الشمال ، فقد سبقها أخوات لها .
نماذج من أخلاق الشيخ رحمه الله
كراهيته للمدح
لم يكن الشيخ رحمه الله يحب أن يمدحه
أحد ، وخاصة في وجهه ، وكتبه كلها ليس فيها لفظ (( الشيخ )) قبل اسمه !! وقد
مدحه مرة الشيخ محمد إبراهيم شقرة في وجهه فبكى ، ومدحه آخر فبكى وأنكر على من
مدحه.
خوفه من الرياء
وجاءه مرة بعض إخواننا من بنغلادش – من
أهل الحديث – وقالوا للشيخ : إن عددهم حوالي أربعة ملايين وإنهم يودون بزيارة
الشيخ لهم هناك ، وقد جهزوا ملعباً يتسع لأعداد كبيرة للقائه والاستماع إليه ،
فرفض الشيخ الدعوة . فقال الداعي : إنها أسبوع يا شيخ !! فرفض الشيخ : فأنزل
المدة إلى ثلاثة أيام !! فرفض الشيخ فأنزلها إلى يوم واحد !! فرفض الشيخ وبشدة
، فقال الداعي في النهاية : نريد محاضرة وتغادر على نفس الطائرة !! فرفض الشيخ
وبشدة أيضاً فتعجب الرجل من رفض الشيخ وكذلك الذين معه ، وانصرف الرجل حزيناً ،
فسأل الأخُ أبو ليلى - وهو الذي حدثني بهذه القصة – الشيخَ : لم رفضت يا شيخ ؟
فرد عليه رحمه الله : ألم تسمع ماذا قال ؟ فقال أبو ليلى : وماذا قال يا شيخ ؟
فقال : ألم تسمع قوله إنهم أربعة ملايين !! فتصور أني أحاضر بمثل هذا العدد ،
فهل آمن على نفسي من الرياء ؟!! وكان درساً عظيماً من الشيخ لتلاميذه وللناس
جميعاً بالبعد عن المواضع المهلكة للداعية .
تفقده لإخوانه
= كنا مرة في رحلة معه ، فانتهينا منها
في الواحدة ليلاً وكنا في خمس سيارات ، وأنا أقود واحدة منها ، فسبقنا الشيخ ،
ففوجئت بأن إطار سيارتي قد ذهب هواؤه ، فأصلحته وقد ذهبتْ السيارات جميعاً ،
فما هي إلا لحظات حتى رجع إلينا الشيخ مع السيارات ، وسأل عن سبب التأخر ، فلما
رأى السبب علم بالحال ، وكان رحمه الله قد افتقدنا في الطريق ورأى أن سيارة قد
نقصت ، فسأل عنها ، فلما لم يُعطَ جواباً رجع من طريقه فرآنا على تلك الحال ،
فطلبنا من الشيخ أن يذهب إلى أهله وبيته ونحن نصلح الإطار ، ونلحق بهم ،فأبى
رحمه الله إلا أن ينتظرنا لننتهي مما نحن فيه ، وكان ذلك وغادرنا سوياً .
= وحدثني بعض تلامذته أنه كان يتصل بالشيخ كل يوم ، وفي يومٍ من الأيام لم يفعل
ذلك، فما هو إلا أن يدق جرس الهاتف ، ويتبين للأخ أنه الشيخ الإمام الألباني !!
وأنه افتقد هذا الأخ لعدم اتصاله ، فسارع للسؤال عنه .
= ودخل هذا الأخ نفسه المستشفى لحادث وقع له ، وإذ بالشيخ الإمام يأتي لزيارته
في المستشفى !! قال : فأثرت هذه الزيارة فيَّ وفي أهلي الشيء الكثير .
مقابلته الإحسان بالإحسان
وكان بعض تجار عمان على علاقة بالشيخ
رحمه الله ، قال : ففاجأني الشيخ يوماً بزيارة إلى محلي !! وجاء معه بمجموعة
قيمة من الكتب وقدَّمها هدية لي !!
بكاؤه
والشيخ رحمه الله – على خلاف ما يظن
الكثيرون – رقيق القلب ، غزير الدمع ، فهو لا يُحدَّث بشيء فيه ما يبكي إلا
وأجهش في البكاء ، ومن ذلك :
أ.
حدثته امرأة جزائرية أنها رأته يسأل عن الطريق
الذي سلكه النبي صلى الله عليه وسلم ، فدُلَّ عليه فسار على خطواته لا يخطئها ،
فلم يحتمل كلامها ، وأجهش بالبكاء .
ب.
وفي آخر لقاء لي به رحمه الله ، حدثته عن رؤيا رآها بعض إخواننا ، وهي أنه رأى
هذا الأخ النبيَّ صلى الله عليه وسلم ، فسأله : إذا أشكل عليَّ شيء في الحديث
مَن أسأل ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : سل محمد ناصر الدين الألباني .
فما أن انتهيت من حديثي حتى بكى بكاءً عظيماً ، وهو يردد " اللهم اجعلني خيراً
مما يظنون ، واغفر لي ما لا يعلمون " .
ج.
وحدثه بعض إخواننا عن سب والده للرب والدين – والعياذ بالله – فبكى الشيخ لما
سمع من جرأة من ينتسب للدين على بعض هذه القبائح و العظائم في حق الله ، وحكم
على والده بأنه مرتد كافر .
د.
وأخبره بعض إخواننا عن مشكلة حصلت معه، وأنه في ورطة ، فقال الأخ : فما هو إلا
أن رأيت الشيخ وقد دمعت عيناه ودعا لي بأن يفرج الله كربي ، فكان ذلك .
هـ.
وهذا غير ما سبق من بكائه عند مدحه في وجهه .
زوجاته وأولاده
تزوج الشيخ الإمام رحمه الله من أربع
نسوة :
أ .
فأنجب من الأولى : عبد الرحمن ، و عبد اللطيف ، و عبد الرزاق .
ب .
ومن الثانية : عبد المصور ، و عبد المهيمن ، ومحمد ، وعبد الأعلى ، و أنيسة ، و
آسية ، و سلامة ، وحسَّانة ، و سكينة .
ت .
ومن الثالثة : هبة الله .
ث .
ولم ينجب من الرابعة ، وهي " أم الفضل " ، وهي التي ظلت معه إلى آخر أيامه .
مرضه ووفاته
وقد أصابت الشيخ أواخر حياته أمراض
مؤلمة ، نزل وزنه بسببها إلى أن وصل يوم وفاته إلى أقل من 30 كيلو .
وقد أكرمه الله بصفاء ذهنه وعدم تخليط عقله ، وكان يعرف زواره ؛ بعضهم بأسمائهم
، وبعضهم بصورهم وأشكالهم .
وقد كان يبذل جهداً كبيراً في الكلام وكان أغلب وقته في الفراش .
وكان رحمه الله لا يهدأ في أوقات القدرة عن البحث والمطالعة وإذا لم يستطع ذلك
أمر بعض أبنائه أو من عنده بأن يحضر له كتاباً معيناً ويقرأ منه .
وهكذا قضى رحمه الله أكثر من ستين سنة بين كتب أهل العلم دراسة وتدريساً ،
علماً وتعليماً ، إلى آخر أيام حياته.
فما أحلاها من حياة وما أكرمها من أيام ، وما أجملها من سنوات ، وما أغلاها من
لحظات تلك التي قضاها إمامنا وشيخنا غفر الله له ، وألحقنا به على خير .
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
كتبه
أبو طارق
إحسان بن محمد بن عايش العتيـبي
23 / جمادى الآخر / 1420 هـ
3 / 10 / 1999 م