وأما بالنسبة لأذية الجني للإنسي فهي ثابتة وواقعة ، ولا تكون الوقاية منه إلا
بالقرآن والأذكار الشرعيّة.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
لا شك أن الجن لهم تأثير على الإنس
بالأذية التي قد تصل إلى القتل ، وربما يؤذونه يرمي الحجارة ، وربما يروعون
الإنسان ، إلى غير ذلك من الأشياء التي ثبتت بها السنَّة ودلَّ عليها الواقع ،
فقد ثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم أذِن لبعض أصحابه أن يذهب إلى أهله في
إحدى الغزوات – وأظنها غزوة الخندق – وكان شابّاً حديث عهدٍ بعُرس ، فلمَّا وصل
إلى بيته وإذا امرأته على الباب ، فأنكر عليها ذلك ، فقالت له : ادخل فدخل فإذا
حيَّة ملتوية على الفراش ، وكان معه رمح فوخزها بالرمح حتى ماتت ، وفي الحال –
أي : الزمن الذي ماتت فيه الحيَّة – مات الرجل ، فلا يدرى أيهما أسبق موتاً
الحية أم الرجل ، فلمَّا بلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل الجنان
التي تكون في البيوت إلا الأبتر وذا الطُّفتين .
وهذا دليل على أن الجن قد يعتدون على الإنس ، وأنهم قد يؤذونهم ، كما أن الواقع
شاهدٌ بذلك ، فإنه قد تواترت الأخبار واستفاضت بأن الإنسان قد يأتي إلى الخربة
فيرمي بالحجارة وهو لا يرى أحداً من الإنس في هذه الخِربة ، وقد يسمع أصواتاً
وقد يسمع حفيفاً كحفيف الأشجار وما أشبه ذلك مما يستوحش به ويتأذى به ، وكذلك
أيضاً قد يدخل الجني إلى جسد الآدمي إما بعشق أو بقصد الإيذاء أو لسبب آخر من
الأسباب ، ويشير إلى هذا قوله تعالى { الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما
يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس } .
وفي هذا النوع قد يتحدث الجني من باطن الإنسي نفسه ويخاطب من يقرأ عليه آيات من
القرآن الكريم، وربما يأخذ القارئ عليه عهداً أن لا يعود ، إلى غير ذلك من
الأمور الكثيرة التي استفاضت بها الأخبار وانتشرت بين الناس .
وعلى هذا فإن الوقاية المانعة من شر الجن أن يقرأ الإنسان ما جاءت به السنَّة
مما يتحصن به منهم مثل آية الكرسي ، فإن آية الكرسي إذا قرأها الإنسان في ليلة
لم يزل عليه من الله حافظ ، ولا يقربه شيطان حتى يصبح ، والله الحافظ .
" مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " ( 1 / 287 ، 288 ) .
وقد جاء في السنَّة أذكار يعتصم بها
الإنسان من الشياطين ومنها :
1. الاستعاذة بالله من الجن .
قال تعالى : { وإما ينزغنك من الشيطان
نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم } ، وفي موضع آخر:{ وإما ينزغنك من
الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم } .
عن سليمان بن صرد : أن رجلين استبَّا عند النبي صلى الله عليه وسلم حتى احمرَّ
وجه أحدهما فقال صلى الله عليه وسلم : إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد
: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم .
رواه البخاري ( 3108 ) ومسلم ( 2610 ) .
2. قراءة المعوذتين .
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال :
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ من الجان وعين الإنسان حتى نزلت
المعوذتان فلما نزلتا أخذ بهما وترك ما سواهما .
رواه الترمذي ( 2058 ) وقال : حسن غريب ، والنسائي ( 5494 ) وابن ماجه ( 3511 )
.
والحديث : صححه الشيخ الألباني رحمه الله في " صحيح الجامع " ( 4902 ) .
3. قراءة آية الكرسي .
عن أبي هريرة قال : وكلني رسول الله صلى
الله عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان فأتاني آت ، فجعل يحثو من الطعام ، فأخذته فقلت
لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : أعلمك كلمات ينفعك الله بهن
قلت : ما هي ؟ قال : إذا أويت إلى فراشك فاقرأ هذه الآية : { الله لا إله إلا
هو الحي القيوم } . . . حتى ختم الآية فإنه لن يزال عليك حافظ من الله تعالى
ولا يقربك شيطان حتى تصبح ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ما فعل أسيرك
الليلة ؟ قلت : يا رسول الله علَّمَني شيئاً زعم أن الله تعالى ينفعني به ، قال
: وما هو؟ قال : أمرني أن أقرأ آية الكرسي إذا أويت إلى فراشي ، زعم أنه لا
يقربني حتى أصبح ، ولا يزال عليَّ من الله تعالى حافظ ، فقال النبي صلى الله
عليه وسلم : أما إنه قد صدقك وهو كذوب ، ذاك الشيطان .
رواه البخاري ( 3101 ) .
4. قراءة سورة البقرة .
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال : لا تجعلوا بيوتكم مقابر ، وإن الشيطان ينفر من البيت
الذي تقرأ فيه سورة البقرة .
رواه مسلم ( 780 ) .
5. خاتمة سورة البقرة .
عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه قال
: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة في
ليلة كفتاه .
رواه البخاري ( 4723 ) ومسلم ( 807 ) .
وعن النعمان بن بشير رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن الله
كتب كتابا قبل أن يخلق السموات والأرض بألفي عام أنزل منه آيتين ختم بهما سورة
البقرة ، ولا يقرآن في دار ثلاث ليال فيقر بها شيطان .
رواه الترمذي ( 2882 ) .
والحديث : صححه الشيخ الألباني في " صحيح الجامع " ( 1799 ) .
6. " لا إله إلا الله وحده لا شريك له ،
له الملك وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير " مائة مرة .
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال : مَن قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك
وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة ، كانت له عدل عشر رقاب ،
وكتب له مائة حسنة ، ومحيت عنه مائة سيئة ، وكانت له حِرزاً من الشيطان يومه
ذلك حتى يمسي ، ولم يأت أحد أفضل مما جاء به إلا أحد عمل أكثر من ذلك .
رواه البخاري ( 31119 ) ومسلم ( 2691 ) .
7. كثرة ذكر الله عز وجل .
عن الحارث الأشعري أن النبي صلى الله
عليه وسلم قال : إن الله تعالى أمر يحيى بن زكريا عليه السلام بخمس كلمات أن
يعمل بها ويأمر بني إسرائيل أن يعملوا بها ، وإنه كاد أن يبطئ بها فقال عيسى :
إن الله أمرك بخمس كلمات لتعمل بها ، وتأمر بني إسرائيل أن يعملوا بها ، فإما
أن تأمرهم ، وإما أنا آمرهم فقال يحيى عليه السلام : أخشى إن سبقتني بها أن
يخسف بي أو أعذب ، فجمع الناس في بيت المقدس فامتلأ المسجد وقعدوا على الشُّرَف
، فقال : إن الله أمرني بخمس كلمات أن أعمل بهن وآمركم أن تعملوا بهن ، أولهن :
أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا ، وإن مثل من أشرك بالله كمثل رجل اشترى
عبداً من خالص ماله بذهب أو ورِق ، فقال : هذه داري وهذا عملي فاعمل وأد إلي
فكان يعمل ويؤدي إلى غير سيده ، فأيكم يرضى أن يكون عبده كذلك ؟ وأن الله أمركم
بالصلاة فإذا صليتم فلا تلتفتوا فإن الله تعالى ينصب وجهه بوجه عبده في صلاته
ما لم يلتفت ، وآمركم بالصيام فإن مثل ذلك كمثل رجل في عصابة معه صرة فيها مسك
فكلهم يعجب أو يعجبه ريحها ، وإن ريح الصائم أطيب عند الله تعالى من ريح المسك
، وآمركم بالصدقة فإن مثل ذلك كمثل رجل أسره العدو فأوثقوا يده إلى عنقه وقدموه
ليضربوا عنقه ، فقال : أنا أفديه منكم بالقليل والكثير ففدى نفسه منهم ، وآمركم
أن تذكروا الله تعالى ، فإن مثل ذلك كمثل رجل خرج العدو في أثره سراعا حتى إذا
أتى على حصن حصين فأحرز نفسه منهم ، كذلك العبد لا يحرز نفسه من الشيطان إلا
بذكر الله تعالى . . . . الحديث.
رواه الترمذي ( 2863 ) وقال : حسن صحيح .
والحديث : صححه الشيخ الألباني في " صحيح الجامع " ( 1724 ) .
الشُّرف : المكان المرتفع .
ورِق : فضة .
أحرز : حمى ومنع .
8. إمساك فضول النظر والكلام والطعام
ومخالطة الناس .
عن سهيل بن أبي صالح أنه قال : أرسلني
أبي إلى بني حارثة ومعي غلام لنا أو صاحب لنا ، فناداه مناد من حائط باسمه ،
وأشرف الذي معي على الحائط فلم ير شيئا ، فذكرت ذلك لأبي ، فقال : لو شعرت أنك
تلقى هذا لم أرسلك ، ولكن إذا سمعت صوتا فناد بالصلاة ، فإني سمعت أبا هريرة
رضي الله عنه يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن الشيطان إذا
نودي بالصلاة ولَّى وله حُصاص " .
رواه مسلم ( 389 ) .
حُصاص : ضُراط ، أو العَدو الشديد .
9. قراءة القرآن تعصم من الشياطين .
قال تعالى : { وإذا قرأت القرآن جعلنا
بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجاباً مستوراً } .
والله أعلم