الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
فهذه فائدة خطرت في البال أثناء مباحثةٍ مع بعض الأخوة من طلبة العلم حول عذر "
المرض " في " الصيام " وأنه قد ثبت عن بعض السلف أنه أفطر في " رمضان " وكان
يشتكي من وجع " الأصبع " ويرى أن هذا يدخل في عذر المرض !
ولما دافع هذا الأخ عن قول ذلك التابعي وأن " المرض " مطلق ، فينبغي أن نطلق ما
أطلقه الشرع ، قلت له : هذا ليس هو مقصود الشرع ، فردَّ عليَّ – ملزماً – بعذر
" السفر " وسألني :
هل هو لـ " مطلق السفر " ولو دون مشقة ؟
قلت : نعم ، لكن هذا ليس كعذر " المرض " .
فظن أن هذا تناقضاً فكان مني هذه
الفائدة :
وهي :
أن الشارع الحكيم جعل " المرض " عذراً في مواطن أربعة :
1.
الصيام : { فمن كان منكم مريضاً .. } .
2.
صلاة الجماعة في المسجد : " من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له إلا من عذر :
مرض أو خوف " .
3.
الجهاد : { ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج } .
4.
الحج : " إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي ولا يستطيع أن يثبت على
الراحلة أفأحج عنه ؟ قال : نعم " .
فهل الذي يعذر بمرض عن الصيام يكون له عذراً عن الجهاد أو عن الصلاة ؟
وهل ما كان عذراً لصاحبه عن الصلاة يكون عذراً عن الصيام والجهاد ؟
إن كان الجواب عن ما مضى : نعم ، فصحيح وهذا يلزمنا ، وأما إن كان الجواب : لا
، فحينئذٍ لا يكون تناقض ، ويكون فهمنا لأحكام الشرع صحيحاً .
ولننظر :
رجل يشتكي من وجع في " أصبعه " فهو –
على قول صاحبنا – معذور عن الصيام ، فهل هو معذور عن صلاة الجماعة ؟ وهل هذا
يقعده عن الجهاد ؟؟!!
إنني أجزم أن هذا الفهم لا يكاد يوجد عند أحدٍ من أئمة الإسلام .
فما علاقة وجع " الأصبع " بالتخلف عن صلاة الجماعة وبالتخلف عن الجهاد ؟
وفي ظني أن لو كان هذا ما يريده الشرع في حكمه : لما رأينا مجاهداً ولا مصلياً
في مسجد ولا صائماً ، إذ لا يخلو واحد من المسلمين من مثل هذا، وقد يدخلون فيه
: المرض النفسي ! والتألم على أحوال المسلمين فيزداد عدد المتخلفين !! ويدخل
فيه من قصَّ أظفاره " زيادة على اللزوم " فسبب له ذلك وجعاً فلا تراه في مسجد
يصلي ، ولا في رمضان يصوم ، ولا في معركة يجاهد ، إلى أن يكبر " أظفره " قليلاً
فيزول وجعه !!
لذا :
ينبغي أن يقال : إن المرض في كل شعيرة
وفي كل عبادة إنما يكون بحسب تلك العبادة ، وهو " مطلق " بهذا المعنى ، لا أنه
" مطلق " بالنسبة للمرض نفسه !!
فمثلاً :
هناك أمراض تُقعد عن الجهاد مثل قطع إحدى الرجلين أو الحمى أو مرض القلب، لكن
كل ذلك لا يمنعه من أداء صلاة الجماعة .
وهناك أمراض قد تزيد أو يتأخر برؤه لو صام وهي عنده مثل الربو أو السكري أو
أمراض الكبد ، لكن كل تلك الأمراض لا تمنعه من أداء صلاة الجماعة في المسجد .
وهناك أمراض تمنع من أداء صلاة الجماعة في المسجد مثل قطع الرجلين أو الشلل ،
لكن ذلك لا يؤثر على صيامه البتة .
وهناك أمراض تقعد العبد عن الحج كعدم مقدرته على السفر – مثل أمراض الدوار و"
الدوخة " – وهي غير مؤثرة على صلاته في جماعة المسجد .
وبعد :
فإن الظاهر من أحكام الشريعة أنها أطلقت
عذر " المرض " لكن لما تنوعت الأحكام التي يكون فيها عذراً : علم أنه يكون كل
عبادة بحسبها ، وأن كل ما يعوق أو يؤثر على أداء العبادة فيكون حينها عذراً .
وهذا يختلف من شخص لآخر فقد تكون بعض الأمراض عذراً لأصحابها من وجوب الجماعة
لبعد منزله – مثلاً – ولا يكون عذراً لآخر يكون بيته قريباً من المسجد ، وهكذا
.
ومما يؤكد هذا أن الأعذار المبيحة لترك الجهاد هي : العرج والعمى – بالإضافة
للمرض – فهل هي أعذار كذلك لصلاة الجماعة وأعذار للحج ؟ فيفهم من هذا أن المرض
الذي في عذر الجهاد هو المساوي لعذر العرج والعمى وهو ما لا يستطيع الرجل معه
الجهاد .
فإذا فهمنا معنى " المرض " في آية الجهاد علمنا أنه ليس عذراً " مطلقاً " فيكون
الباقي كذلك .
=
وأما السفر ، فإنه جعل علة بذاته للإفطار وقصر الصلاة بغض النظر عن كونه شاقّاً
أو لا ، وذلك لأن الشريعة علقت الحكم على وجوده وهو " سفر " عند كل الناس ، أضف
إلى ذلك اشتراك الجميع بكونه يُبعد عن الأهل والوطن ، وهو " العذاب " المشار
إليه بقوله صلى الله عليه وسلم " السفر قطعة من العذاب " .
ولاشتراك الناس في علة " السفر " هذا جعل مطلقاً من غير تقييد إن كان فيه مشقة
أو لا.
هذا ما خطر في البال أثناء مناقشة بعض الإخوة ، فأرجو ممن أحب أن يشارك في
تثبيت هذه الفائدة أو مناقشتها أن يتفضل .