إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله مِن شرور أنفسنا ومِن
سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضلَّ له، ومَن يضلل فلا هاديَ له، وأشهد أنْ
لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمَّداً عبدُه ورسولُه.
أما بعد…
فقد اتصل بي قبل أكثر مِن عشر سنواتٍ أخٌ من (الفلبين) -وكان آنذاك طالباً-
وسأل عن مسائل عدَّةٍ ، جلُّها يتعلق بـ (الكلب) مِن حيث طهارتُه وقطعُهُ
للصلاة وحكمُ الإناء الذي ولغ فيه والصيد به وما شابه ذلك مِن المسائل، فكنتُ
أجيبُ أحياناً وأتوقف أخرى، ثمَّ رجعتُ إلى كتب أهل العلم للبحث عنها، فشقَّ
ذلك عليَّ، حيث وجدتُ المسائل متناثرةً ومفرَّقةً على أبوابٍ عدَّة، فوقع حينها
في قلبي أنْ أجمع المسائل المتعلقة بـ (الكلب) في بحث واحدٍ ليسهل على القرَّاء
النظر فيها، وفعلاً بدأتُ في عملِ بطاقات لذلك، ثمَّ حصلتْ ظروفٌ خاصَّة بي،
ثمَّ أحداث الكويت، فتعطَّل البحثُ والنظرُ سنواتٍ.
ثمَّ إنَّني أثناء مدارستي مع بعض إخواني لبعض كتب أهل العلم كـ (عمدة الأحكام)
و (الروضة الندية) مرَّ معنا تلك المواضيع ذاتُها المبحوثةُ قديماً ولم تكن
عندي تلك البطاقات، فوقع في قلبي مرَّةً أخرى جمعَ تلك المسائل في صعيدٍ واحدٍ،
فكان ذلك، وأرسلتُ إلى بعض إخواني في (الكويت) جزاهم الله خيراً فوافوْني بما
كنتُ قد كتبتُه هناك، ثمَّ حمدتُ الله تعالى أنْ أخَّر الكتابةَ والجمعَ إلى
هذا الوقت فقد زادتْ المواضيعُ والمباحثُ على مَا كنتُ أنوي الكتابةَ فيه أولاً
ولعلَّ ذلك يُصدِّقه قوله تعالى: { فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ
اللهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً } [النساء/19].
ثمَّ عرضتُ هذه المباحث على بعضِ إخواننا من طلبة العلم - بل وعلى بعض العلماء
مثل الشيخ عبد الله البسَّام حفظه الله - فما رأيتُ أحداً إلا وشجعني على
المضيِّ قُدُماً في الكتابة فيه.
وإني كلما أخبرتُ أحداً عن موضوع هذا الكتاب وأبوابه سألني عن سبب التأليف فيه،
فأخبرتُه فرأيتُ أنْ أكتب هذا في المقدِّمةِ ليريحني ذلك من السؤال عنه في
المستقبل.
ثمَّ إني أعلمتُ بعض إخواننا عن هذا المؤلَّف فسُرَّ به وشجعني كذلك على طبعه،
وقد أعلمني أنَّ للإمام يوسف بن عبد الهادي (توفي 909هـ) رسالةً مخطوطةً حول
موضوعي هذا في المكتبة الظاهرية بـ (دمشق) بعنوان (الإغراب في أحكام الكلاب).
فاقترح عليَّ أنْ أحقِّقَها وألحقها في آخر المؤلف، فاستحسنتُ فكرتَه هذه،
وبدأتُ في طلبها، واستمر ذلك عدة أشهر ، ولم أستطع الوقوف عليها، ثمَّ إنه
-جزاه الله خيراً- بعث إليَّ يخبرني أنَّ الرسالة ذاتها حُققتْ وطُبعتْ في
(الرياض) فتوقفتُ عن دفع الكتاب إلى الطباعة ظاناًّ أنَّ كتابَ ابن عبد الهادي
مع تحقيقه قد أوفى بالغرض، وعليه فلا حاجة للتَّكرار.
ثمَّ أحضر لي بعضُ إخوانِنا ( 1 ) - وفقه الله- الكتاب
فلمَّا نظرتُ إلى حجمه -ويقع في (380 ) صفحة- ظننتُ أنَّه قد أوفى بالغرض،
فلمَّا قرأتُ فهارسه تأكد لي ذلك، لكنني فوجئتُ لما قرأتُ المسائل نفسها في صلب
الكتاب فرأيتُ اختصاراً شديداً لأبوابه ومسائله، ثمَّ إني ذُهلتُ لما وقفتُ على
تحقيق الأخويْن الفاضليْن للكتاب لِما رأيتُ في تحقيقهما عجباً لا يتناسب مع
منـزلتهما العلمية و (الأكاديمية) و { فَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٍ }
[يوسف/76].
فرأيتُ أنَّ مِن واجبِ الأمانةِ العلميَّةِ التعليقَ على تحقيق الأخويْن
الفاضليْن، واستعنتُ بالله تعالى في نشر هذا الكتاب سائلاً الله تعالى أنْ
يكتبَ لي أجرَه، ويرفعَ عني إثمه ووزره، فإنْ أصبتُ فمِن الله وإنْ أخطأتُ فمني
ومِن الشيطان.
الملاحظات على تحقيق كتاب (الإغراب في
أحكام الكلاب).
1- نفخ الكتاب0
وفي هذا إثقالٌ على طالب العلم الفقير
في شراء هذه الكتب (المنفوخة)، وقـد علق على هذا الموضوع (العصري) كثيرٌ من
الباحثين منهم شيخُنا الشيخ محمد سليمان الأشقر في مقدمة تحقيقه لكتاب الغزالي
(المستصفى)، ومنهم محمد أبو صعيليك في رسالته (جهود المعاصرين في خدمة السنة
المشرفة) [ص92-93].
فإذا علمنا أنَّ المخطوط يقع في (72)
لوحة، وصار المطبوع في (380) صفحة تبيَّن لنا حجم النفخ ، وقد وقع ذلك للأسباب
التالية:
أ- تكبير حجم الخط.
ب- تكثير سواد المقدمة والفهارس.
جـ- تكثير الحواشي - وهي السبب الأكثر شيوعاً في جهود المعاصرين-
ومِن أمثلته:
أ- كتابة آيات قصة أصحاب الكهف من الآية [9-22] !! وهذا الفعل لم يكن فيه
فائدةٌ للقارئ ألبتة.
ب- ذكر الاختلاف اليسير بين المخطوط وما رجِّح في المطبوع، أو ما كان خطأً
قطعاً، ومن أمثلته:
1- [ص143] قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قالوا: في الأصل ((قالت)) ، والتصويب من ((المسند)) !! ا.هـ
قلت: فإنْ كان في المسند (قالت)!!؟ وهل يحتاج هذا إلى ذكرٍ أولاً، ثمَّ هل
يستحق هذا الأمر الرجوع إلى المسند؟.
2- [ص191] باب ما يدعو به الرجل .
قالوا: في الأصل (يدعوا بألف)!! والصواب بدونها كما أثبتنا ا.هـ.
2- عدم الاهتمام بتخريج الأحاديث
والكلام عليها.
وللأسف إنَّ بعضَ ما تركه المحقِّقان هو
مِن الأحاديث الموضوعة، أو البيِّنة الضعف، ومِن أمثلته:
أ- [ص154] حديث (لا تطرحوا الدُّرَّ في أفواه الكلاب).
قالوا: أخرجه!! السيوطي في الجامع الصغير كما في فيض القدير [6/410]، الحديث
رقم 19823 ا.هـ ونقلوا شرحه عن (المناوي) !!.
قلت: وهو حديثٌ موضوعٌ كما بيَّنْتُه في الباب الأخير من كتابي هذا.
ب- [ص155] حديث (هذا مَثَل أمَّةٍ تكون مِن بعدكم يقهر سفهاؤها أحلامها).
قالوا: أخرجه الإمام أحمد في مسنده [2/170] ا.هـ.
قلت: وهو حديثٌ ضعيفٌ . انظر الباب الأخير من هذا الكتاب.
جـ- [ص254-255] قصَّة وحديث (مَن الداعي على الكلب آنفاً؟ … لقد دعا الله باسمه
الأعظم..).
قالوا: أخرج هذا الحديث بدون القصة من رواية أنس بن مالك ابنُ ماجه…. ا.هـ.
قلت: والقصة مع الحديث في (الطبراني) بإسنادٍ ضعيفٍ كما في (مجمع الزوائد
[10/157]).
قلت: والأمثلة كثيرةٌ. انظر الأحاديث في الصفحات [160-248-254].
3- التصحيفات في أسماء الرجال.
وحدِّث عن هذا ولا حرج. ومن أمثلته:
أ- [ص143] قالوا: … حدثنا (غندور) عن شعبة … ا.هـ
قلت: صوابه غندر وهو: محمد بن جعفر تلميذ شعبة المشهور.
ب- [ص154] قالوا: … حدثنا يحيى بن (عيينة) بن أبي (البزار) عن محمد بن (حجادة)
… ا.هـ.
قلت: والصواب: يحيى بن عقبة بن أبي العيزار عن محمد بن جحادة !! .
انظر (ميزان الاعتدال [4/397]) . (تهذيب التهذيب [9/92]).
جـ- [ص268] قالوا: وفي تاريخ الذهبي أن (ممشاد) الدينوري … وفي الهامش قالوا:
هكذا في الأصل ولم يتبين لنا مَن هو ا.هـ .
قلت: هو ممشاذ - بالذال المعجمة -. وانظر: (سير أعلام النبلاء [13/563]).
د- [ص169، 173، 176، 185…] قالوا: (تقي) بن مخلد أنبأنا أبو بكر بن أبي شيبة.
ا.هـ.
قلت: وصوابه بقي بن مخلد، الإمام المشهور راوي المصنف عن ابن أبي شيبة.
وفي [ص224] وقع اسم بقي بن مخلد : (تقي بن محمد) !!.
هـ- [ص196] قالوا: … (شعيب) بن أبي زهير -رجل من أزد شنوءة وكان من أصحاب
النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم . ا.هـ.
قلت: وصوابه: سفيان بن أبي زهير. وقد جاء على الصواب في [ص101] و [ص197] وفيها
ترجمته!!.
و- [ص175] قالوا: أنبأنا الشيخ موفق الدين (بن أبي) زرعة المقدسي. ا.هـ.
قلت: صوابه: موفق الدين أنبأنا أبو زرعة المقدسي. وقد جاء على الصواب في [ص185،
194، 196، 201].
ز- [ص155] قالوا: … حدثنا يحيى بن حماد (بن أبي) عوانة عن عطاء بن السائب عن
(ربيعة) عن عبد الله بن عمرو … ا.هـ.
قلت: صوابه: حدثنا يحيى بن حماد حدثنا أبو عوانة عن عطاء بن السائب عن أبيه !!
وهو كذلك في (المسند [2/170]) وبعده وقبله إسنادان فيهما: عطاء بن السائب عن
أبيه. والعجيب أنَّ المحقِّقَيْن الفاضليْن خرَّجا الحديث وذكرا أنَّه عند أحمد
في المسند!!.
قلت: والأمثلة كثيرةٌ وتحتاج إلى تتبع تامٍّ واستقراء.
4- أخطاء متفرقة.
أ- في [ص236] وأخبرنا جدي أنَّ رجلاً
مِن (سقبا).
قالوا -في الهامش-: هكذا في الأصل. ا.هـ.
قلت: هي كذلك ، وهي من قرى دمشق بالغوطة. انظر (معجم البلدان [3/255]).
ب- في [ص81] وقيل: بل الآية - أي: قوله تعالى: {وَاتْلُ عَلْيِهم نـَبَأَ
الَّذِي آتَيْنَاهُ………} [الأعراف/175، 176] في بلعام، وقيل: بلعم بن باعورا وقد
كان نبيّاً في بني إسرائيل فزاغ ( 2 ) .
قالوا: لم نعثر على ترجمةٍ له فيما بين أيدينا من كتب التراجم!! ولكن المؤلف
-رحمه الله- قد تكلم عنه. ا.هـ.
قلت: وفي أيِّ كتبِ التراجم ستجدون ترجمتَه وهو مِن بني إسرائيل في زمن موسى
عليه السلام - كما عليه عامة المفسرين؟!!- هَل في طبقات بني إسرائيل ؟! أم في
طبقات الأنبياء المفتونين؟!.
جـ-[ص154] قالوا:… قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تطرحوا الدر في
أفواه الكلاب)) قال محمد بن بكار: أظنه يعني (العَظْم)!!!؟ ا.هـ.
قلت: وصوابه: العِلْم. انظر (الموضوعات [1/168]) وغيره، ولما نقل المحققان شرح
المناوي كان أول ما قاله: فإنَّ الحكمة كالدرِّ بل أعظم… !!! ا.هـ.
وهو يؤكد خطأ ما أثبتوه.
د- ذَكَرَ المصنِّفُ بعضَ الخرافات ولم يعلق عليها المحقِّقان بشيءٍ، ومِن
أمثلتها:
أ- في [ص161] ذكر المصنف رحمه الله عدةَ خرافاتٍ ومنها: وإن قطع لسان الكلب
الأسود وأخذه إنسان لم تنبح عليه الكلاب!. …. وَذَكَرُهُ إذا أُخذ وعلِّق على
الفخذ هيَّج الباءةَ، ومَن كان يلقى مِن (القولنج) شدَّةً فليُقِم كلباً نائماً
ولْيَبُل في مكانه فإنَّه يزولُ عنه مِن وقته ويموتُ الكلبُ…. الخ. ا.هـ.
قلت: ولم يعلق المحقِّقان إلا قولهم: (تعليق أجزاء من الكلب طلباً للشفاء مما
يتنافى مع العقيدة الإسلامية وهذا يعد من المآخذ على مصنف هذا الكتاب) ا.هـ
وهذا التعليق إنما هو على بعض ما ذكره المصنف لا على كله.
وبعد…
فجزى اللهُ خيراً المحقِّقَيْن على
إخراج الكتاب، ووجب عليهما أن يُصلحا ما فيه مِن أخطاء، ولو عُرض الكتابُ على
متخصِّصين في الإسناد والحديث لرأينا أضعافاً مضاعفةً مِن الأخطاء والتحريفات
والتصحيفات. والله الموفق لا ربَّ سواه.
وأما خطتي في الكتاب فقد قسَّمتُ الكتاب إلى أبوابٍ وغالبها على ترتيب صحيح
البخاري، وتحت كلِّ بابٍ مباحث عدَّة وأبدأ المبحثَ بالأحاديث الواردة - إنْ
وجدتْ - ثمَّ أذكر ما يتعلق بهذه الأحاديث من فوائد وأحكام. ثمَّ إنيِّ
سمَّيْتُه (الفوائد العذاب فيما جاء في الكلاب) ( 3 ) .
هذا، وأسأل الله تبارك وتعالى أنْ يجعل كتابي هذا لوجهه خالصاً، وأنْ ينفع به
وأنْ يدَّخرَ لي عنده أجرَه. ولا يسعني في النهاية إلا أن أقدم شكري لفضيلة
الوالد أبي مالك الشيخ محمد إبراهيم شقرة على تقديمه لكتابي هذا . وأنبِّه على
أن ما في مقدمته من الإطراء والمدح فهو مما لا أرضاه ، لكن لما يكون المدح من
والدٍ لولده فإنه مقبول ، وحسبي أنه يراني بمثابة ولدٍ من أولاده ، والوالد
يعبِّر عن فرحه تجاه ما يجد من ولده من عملٍ طيب صالح . وكنتُ أود أن أعلِّق في
هامش مقدمته على بعض المواضع فيها ، لكن رأيتُ أن ذلك مخالف للأدب فأمسكت .
ومن المواضع التي أردت التنبيه عليها : أن الشيخ رضوان الجلاد هو شيخ أولادي
وهو من حفَظة كتاب الله ومن طلبة العلم ، وقد كان له فضل كبير في تحفيظ أولادي
كتاب الله ومجموعة من المتون العلمية مثل " عمدة الأحكام " و " المقدمة
الآجرومية " ، و " المنظومة البيقونية " ، ومجموعة كبيرة من أحاديث كتاب " رياض
الصالحين " وغيرها ، فجزاه الله خيراً .
ومنها : أنني لم أكن منتبهاً لكلام شيخنا أبي مالك على الطعام لأنني كنت (
جائعاً جدّاً ) ! ، وظننتُ أن الشباب ( مشغولة بي ) أي : بتقطيع اللحم !! .
والله أعلم وصلِّ اللهمَّ على محمَّدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.
============
( 1 ) وهو أخي
"شاهين الفودري " وفقه الله.
( 2 ) وهذا كلامٌ فاسدٌ يغني فساده عن إفساده.
( 3 ) والنصف الأول من التسمية من اقتراح أخي عبد العزيز
الحربي المكي وفقه الله.