الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
خاص بالأخت " محبة الإسلام "
جواباً على ما أردتِ في أول المقال من بعض طلبة العلم :
شبهة يستند إليها من يرى نجاة تارك جنس
العمل
لعل اعظم شبهة يستند إليها من يذهب إلى
نجاة تارك العمل بالكلية هي أحاديث الشفاعة التي فيها أن الله يخرج من النار
أقواما [لم يعملوا خيرا قط ]أو بعبارة [من غير عمل عملوه أو خير قدموه] وهي في
الحقيقة شبهة قوية لمن لم يقف على ما سبق من إجماع الأمة الذي نقله الإمام
الشافعي رحمه الله وغيره على كفر تارك العمل بالكلية وانه لا يجزئ اعتقاد القلب
وقول اللسان مع ترك العمل بالكلية حيث أنه ركن فيه أو لازم له ويقف على تشديد
العلماء على من يقول بنجاة تارك العمل بالكلية وأنه من المرجئة كما سبق النقل
عن الإمام أحمد وسفيان وغيره ولنأت على هذه الشبهة بما يزيل الإشكال إن شاء
الله :فأقول :
إن ظاهر هذا يرد عليه إشكالات عظيمة كالجبال مما يحملنا عل فهمه وفق النصوص
الأخرى وما سبق نقله :
أولاً:
أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم في كفر
تارك الصلاة كقوله " بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة "
وقوله صلى الله عليه وسلم " العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر
"
هذه النصوص المدعمة بإجماع الصحابة على كفر تارك الصلاة كما روي عن عبد الله بن
شقيق رضي الله عنه قال "لم يكن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يرون شيئا من
الأعمال تركه كفر غير الصلاة" (تعظيم قدر الصلاة ج: 2 ص: 904)
وروي أيضاً عن جابر رضي الله عنه وذكر الإجماع الإمام ابن نصر المروزي في تعظيم
قدر الصلاة وكذلك بن حزم في المحلى وابن تيمه في شرح العمدة وابن القيم في
الصلاة وحكم تاركها هذا وإن قدح قادح في الإجماع فلا شك أن جمهور الصحابة يرون
كفر تارك الصلاة ،فكيف نقطع بظاهر هذه الأحاديث مع هذا الإجماع من الصحابة أو
رأي جمهورهم على الأقل ،خاصة وان الذين حفظ عنهم كفر تارك الصلاة هم الذين رووا
أحاديث الشفاعة وفيها أن الله يخرج من النار أقواما لم يعملوا خيرا قط .
فعلى المتشبث بظاهر أحاديث الشفاعة وحديث البطاقة أن يجمع بين فهمه لها وفهم
السلف من الصحابة الذين يرون كفر تارك الصلاة وهم مع هذا الذين رووا هذه
الأحاديث.
ثانياً :
يلزم المتمسك بظاهر أحاديث الشفاعة أن
يخرج من النار من لم يأت بالتوحيد وعمل الشرك لأن اللفظ الوارد مطلق عام يشمل
كل الخير وكذلك كل خارج ولا نقول هذا تعسفاً ولكن لما وجدنا أن في كثير من
الأحاديث التي فيها لفظ ( لم يعمل خيرا ً قط ) قد استثني فيها بعض الأعمال منها
التوحيد كما في حديث الرجل الذي أمر أهله أن يحرقوه بعد موته وكان أسرف على
نفسه ففي الحديث أنه ( لم يعمل خيراً قط إلا التوحيد )
-وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال إن رجلا لم يعمل خيرا قط وكان
يداين الناس فيقول لرسول خذ ما تيسر واترك ما عسر وتجاوز لعل الله يتجاوز عنا
فلما هلك قال الله تعالى (هل عملت خيرا قط قال لا إلا أنه كان لي غلام وكنت
أداين الناس فإذا بعثته يتقاضى قلت له خذ ما تيسر واترك ما تعسر وتجاوز لعل
الله يتجاوز عنا قال الله فقد تجاوزت عنك)
-وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:" نزع رجل لم يعمل خيرا قط غصن
شوك عن الطريق إما كان في شجرة فقطعه وألقاه وإما كان موضوعا فأماطه فشكر الله
له بها فأدخله الجنة)"
ففي الأول استثنى التوحيد وفي الثاني والثالث ذكر أن له أعمال يجازيه الله
عليها كل هذا مع قوله -لم يعمل خيرا قط -مما يجعلنا لا نتعسف في قولنا يلزمكم
أن يخرج من النار من لم يأت بالتوحيد ويعمل الشرك طالما تمسكتم بظاهر اللفظ ولم
توجهوه بما يتوافق مع باقي النصوص وأقوال السلف رحمهم الله .
وإذا أبوا التزام هذا وقالوا هناك نصوص أخر توضح وتقصر الخارجين على الموحدين
فقط قلنا أولا خرجتم عن التمسك بظاهر اللفظ أنهم لم يعملوا خيراً قط حيث
استثنيتم منهم الموحدين بنصوص أخرى .
ثانيا :
ما المانع أن تعملوا باقي النصوص ويقيد
الخارج بالموحد الذي أتى بلوازم التوحيد من (جنس العمل) لا سيما الصلاة وتذكروا
قول الإمام ابن تيميه نقلا عن ابي طالب المكي رحمه الله :
" ومن كان عقده الإيمان بالغيب ولا يعمل بأحكام الإيمان وشرائع الإسلام فهو
كافر كفراً لا يثبت معه توحيد" وقوله " وقد تقدم أن جنس الأعمال من لوازم إيمان
القلب" فإذا قلت بنجاة من أتى بأصل الإيمان من التوحيد فجنس الأعمال من لوازمه
.
ثالثا :
قام بعض أهل العلم بتوجيه هذه اللفظة
حيث قال إمام الأئمة ابن خزيمة رحمه الله [ هذه اللفظة " لم يعملوا خيرا قط "
من الجنس الذي تقول العرب بنفي الاسم عن الشيء لنقصه عن التمام والكمال فمعنى
هذه اللفظة على هذا الأصل لم يعملوا خيرا قط على التمام والكمال لا على ما أوجب
عليه ….]التوحيد
(أقول: وهذا التوجيه يشهد له حديث المسيء صلاته، حين قال له النبي صلى الله
عليه وسلم;: " ارجع فصلِ فإنك لم تصل "، فنفى صلاته مع وقوعها، والمراد نفى صحة
أدائها، وبه استدل أبو عبيد رحمه الله في مثل هذا.
وكذلك حديث قاتل المائة نفس الذي جاء: " لم يعمل خيراً قط "؛ لأنه توجه تلقاء
الأرض الصالحة، فمات قبل أن يصلها، فرأت ملائكة العذاب أنه لم يعمل خيراً قط
بعد؛ إذ لم يزد على أن شرع في سبيل التوبة؛ ولهذا حكم الله تعالى بينهما وبين
ملائكة الرحمة بقياس الأرض وإلحاقه بأقرب الدارين، ثم قبض هذه وباعد تلك؛ رحمة
منه وإلا كان يهلك).
رابعا :
1) هذا وقد يمكن توجيه هذه النصوص التي
تقول بظاهرها إن الشفاعة قد تنال أقواماً لم يعملوا خيراً قط بحالات وأمثلة
تدخل في ذلك وقد دلت عليها نصوص أخرى فمنها على سبيل المثال والله تعالى أعلم:
أ -
سكان الأطراف البعيدة والجزر النائية، ممن لم يصلهم من الإسلام إلا اسمه،
وينتشر فيهم الشرك والجهل بالدين، فهم غافلون عنه أو معرضون عمن تعلمه، ولا
يعرفون من أحكامه شيئاً، فهؤلاء لا شك أن فيهم المعذور وفيهم المؤاخذ.
والمؤاخذون درجات. فقد يخرج بعضهم عن حكم الإسلام بمرة، وقد يكون ممن لا يخلد
في النار...وهكذا مما لا يعلم حقيقته إلا علام الغيوب.
ب -
بعض شرار الناس آخر الزمان، حين يفشو الجهل، ويندرس الدين، وعلى هذا جاء حيث
حذيفة مرفوعاً: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم : « يَدْرُسُ
الإِسْلاَمُ كَمَا يَدْرُسُ وَشْيُ الثّوْبِ. حَتّى لاَ يُدْرَىَ مَا صِيَامٌ
وَلاَ صَلاَةٌ وَلاَ نُسُكٌ وَلاَ صَدَقَةٌ. وَلَيُسْرَىَ عَلَى كِتَابِ
اللّهِ، عَزّ وَجَلّ، فِي لَيْلَةٍ. فَلاَ يَبْقَى فِي الأَرْضِ مِنْهُ آيَةٌ.
وَتَبْقَى طَوَائِفُ مِنَ النّاسِ، الشّيْخُ الْكَبِيرُ وَالْعَجُوزُ.
يَقُولُونَ: أَدْرَكْنَا آبَاءَنَا عَلَى هَذِهِ الْكَلِمَةِ: لاَ إِلَهَ إِلاّ
اللّهُ. فَنَحْنُ نَقُولُهَا » فَقَالَ لَهُ صِلَةُ: مَا تُغُنِي عَنْهُمْ: لاَ
إِلَهَ إِلاّ اللّهُ، وَهُمْ لاَ يَدْرُونَ مَا صَلاَةٌ وَلاَ صِيَامٌ وَلاَ
نُسُكٌ وَلاَ صَدَقَةٌ ؟ فَأَعْرَضَ عَنْهُ حُذَيْفَةُ. ثُمّ رَدّهَا عَلَيْهِ
ثَلاَثاً. كُلّ ذَلِكَ يُعْرِضُ عَنْهُ حُذَيْفَةُ. ثُمّ أَقْبَلَ عَلَيْهِ فِي
الثّالِثَةِ، فَقَالَ: « يَا صِلَةُ تُنْجِيهِمْ مِنَ النّارِ » .
وهذا الحديث بقدر ما يدل على نجاة مخصوصة هو يدل على الأصل والقاعدة ألا ترى أن
التابعي عجب وألح في سؤال الصحابي وما ذاك إلا لما علمه التابعون من إجماع
الصحابة رضي الله عنهم; على أن تارك العمل ليس بمؤمن ولا ينجو في الدنيا من سيف
المؤمنين ولا في الآخرة من عذاب رب العالمين. والله أعلم.
ت -
ومنها من عاشوا في أوساط الكفار، ولم يظهروا شيئاً من أحكام الإسلام ولا عملوا
بشيء من أحكام الدين، ولم يهاجروا إلى أرض الإسلام فقد ذكر الله أن هؤلاء من
تناله الشفاعة يوم القيامة قال تعالى:{ إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم
قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة
فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيراً. إلا المستضعفين من الرجال
والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً فأولئك عسى الله أن يعفو
عنهم وكان الله عفوا غفوراً } .
نقله عن بعض طلبة العلم
إحسان بن محمد بن عايش العتيبـي
أبو طارق