الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
فقد اشتهر بين العامة والخاصة خبر تضحية ! خالد القسري بالجعد بن درهم ، الذي
عطَّل صفات الرب عز وجل ، ونفى أن يكون الله قد كلَّم موسى – عليه السلام – أو
اتخذ إبراهيم خليلاً .
وسنذكر كلام الإمام الذهبي في أنه كان
ناصبيّاً ، وأنه كان رجل سوء ، وأنه بنى لأمه كنيسة !!
هذا ، بالإضافة إلى ضعف القصة التي فيها
تضحيته بالجعد بن درهم وإن تناقلتها كتب العقائد والتراجم .
وإنه لمن الغريب حقا أن تكون مثل القصة قد حدثت بالفعل ثم لا تنقل لنا إلا من
طريق رجل واحد مجهول ! فأين الحضور في صلاة العيد ؟ وأين العلماء والرواة عن
التثبت منها ونقلها للعامة بأسانيدهم الخاصة بعد التثبت من حصولها ؟ فإن ذكرتنا
مثل هذه القصة بشيء فإنها تذكرنا بتلك القصة المكذوبة في خروج يد النبي صلى
الله عليه وسلم من قبره لمصافحة أحمد الرفاعي أمام خمسين ألفاً ! في المسجد
النبوي !! وسبحان من جمعهم ! في تلك اللحظة لشهود ذلك الحفل ! وسبحان من وسَّع
الدائرة والحلقة ليشاهد ذلك العدد موقفاً واحداً !! وسبحان من وسَّع المسجد
ليتسع لذلك العدد !
وسنذكر شيئاً من ترجمة خالد هذا ، ثم شيئاً من ترجمة الجعد بن درهم ، ثم القصة
، ثم من أخرجها ، ثم تضعيفها .
والله الموفق
1. خالد القسري :
قال الذهبي :
الأمير أبو الهيثم : خالد بن عبد الله
بن يزيد بن أسد بن كرز البجلي القسري الدمشقي ، أمير العراقيْن لهشام ، وولي
قبل ذلك مكة للوليد بن عبد الملك ثم لسليمان .
وكان جواداً ممدحاً معظماً عالي الرتبة ، من نبلاء الرجال ، لكنه فيه نصْب
معروفٌ ، وله دار كبيرة في مربعة القز بدمشق ، ثم صارت تعرف بدار الشريف
اليزيدي وإليه ينسب الحمَّام الذي مقابل قنطرة سنان بناحية باب توما .
قال خليفة بن خياط :
عزل الوليدُ عن مكة نافعَ بن علقمة بخالد القسري سنة تسع وثمانين ، فلم يزل
واليها إلى سنة ست ومائة ، فولاه هشام بن عبد الملك العراق مدة إلى أن عزله سنة
عشرين ومائة بيوسف بن عمر الثقفي .
ابن أبي خيثمة :
حدثنا محمد بن يزيد الرفاعي سمعت أبا بكر بن عياش يقول : رأيت خالداً القسري
حين أتى بالمغيرة بن سعيد وأصحابه وكان يريهم أنه يحيى الموتى ، فقتل خالدٌ
واحداً منهم ثم قال للمغيرة أحيِه فقال : والله ما أحيي الموتى ، قال : لتحيينه
أو لأضربنَّ عنقك ، ثم أمر بطنٍّ من قصب فأضرموه وقال : اعتنقه ، فأبى ، فعدا
رجلٌ من أتباعه فاعتنقه ، قال أبو بكر : فرأيتُ النار تأكله وهو يشير بالسبابة
، فقال خالد : هذا والله أحق بالرئاسة منك ، ثم قتله وقتل أصحابه .
قلت :
كان رافضيّاً ، خبيثاً ، كذاباً ، ساحراً ، ادَّعى النُّبوة ، وفضَّل عليّاً
على الأنبياء ، وكان مجسِّماً سقتُ أخباره في " ميزان الاعتدال " .
وكان " خالد " على هناته يرجع إلى الإسلام !!
وقال القاضي ابن خلكان :
كان يُتَّهم في دينه ، بنى لأمِّه كنيسةً تتعبَّد فيها ، وفيه يقول الفرزدق ألا
قبح الرحمن ظهر مطية *** أتتنا تهادى من دمشق بخالد
وكيف يؤم الناي من كان أمه *** تدين بأن الله ليس بواحد
بنى بيعة فيها الصليب لأمه *** ويهدم من بغض منار المساجد
قال عبد الله بن أحمد :
سمعتُ ابنَ معين يقول : خالد بن عبد الله القسري رجل سوء ، يقع في " علي " ،
وقال : فضَّل بن الزبير سمعت القسري يقول في " علي " ما لا يحل ذكره .
الأصمعي :
سمعتُ شبيب بن شيبة يقول : كان سبب عزل خالد أن امرأةً قالت له : إن غلامك
المجوسي أكرهني على الفجور وغصبني نفسي ، قال : كيف وجدت قلفته ؟ فكتب بذلك
حسَّان النبطي إلى هشام فعزله .
عن أبي سفيان الحميري قال :
أراد الوليد بن يزيد الحج فاتعد فتية أن يفتكوا به في طريقه وسألوا خالد القسري
الدخول معهم فأبى ، ثم أتى خالد ، فقال : يا أمير المؤمنين دع الحج ، قال : ومن
تخاف سمهم ، قال : قد نصحتُك ولن أسميهم ، قال : إذاً أبعث بك إلى عدوك يوسف بن
عمر ، قال : وإن فبعث به إليه فعذبه حتى قتله .
ابن خلكان قال :
لما أراد هشام عزل خالدٍ عن العراق وعنده رسول يوسف بن عمر من اليمن قال : إن
صاحبك قد تعدَّى طوره ، وفعل ، وفعل ، ثم أمر بتخريق ثيابه ، وضربه أسواطا ،
وقال : امض إلى صاحبك فعل الله به ، ثم دعا بسالم كاتبه وقال : اكتب إلى يوسف :
سر إلى العراق والياً سرّاً واشفني من ابن النصرانية وعمَّاله ، ثم أمسك الكتاب
بيده وجعله في طي كتاب آخر ولم يشعر الرسول ، فقدم اليمن ، فقال يوسف : ما
وراءك ؟ قال : الشر ، ضربني أمير المؤمنين ، وخرق ثيابي ، ولم يكتب إليك بل إلى
صاحب ديوانك ، ففض الكتاب ، وقرأه ، ثم وجد الكتاب الصغير فاستخلف على اليمن
ابنه الصلت ، وسار إلى العراق ، وجاءت العيون إلى خالد ، فأشار عليه نائبه "
طارق " ائذن لي إلى أمير المؤمنين وأضمن له مالي السنة مائة ألف ألف ، وآتيك
بعهدك ، قال : ومن أين هذه الأموال ؟ قال : أتحمل أنا وسعيد بن راشد أربعين ألف
ألف وأبان والزينبي عشرين ألفا ألف ويفرق على باقي العمال ، فقال : إني إذاً
للئيم أسوغهم شيئاً ثم أرجع فيه ، قال : إنما نقيك ونقي أنفسنا ببعض أموالنا ،
وتبقى النعمة علينا ، فأبى فودعه طارق ووافى يوسف ، فمات طارق في العذاب ، ولقي
خالد كل بلاء ، ومات في العذاب جماعة من عماله بعد أن استخرج منهم يوسف تسعين
ألف ألف درهم .
وقيل :
إن هشاماً حقد على خالد بكثرة أمواله وأملاكه ؛ ولأنه كان يطلق لسانه في هشام
وكتب إلى يوسف أن سر إليه في ثلاثين راكباً فقدم الكوفة في سبع عشرة ليلة فبات
بقرب الكوفة ، وقد ختن واليها طارق ولده فأهدوا لطارق ألف عتيق وألف وصيف وألف
جارية سوى الأموال والثياب فأتى رجلٌ طارقاً فقال : إني رأيتُ قوماً أنكرتهم
وزعموا أنهم سفار ، وصار يوسف إلى دور بني ثقيف ، فأمر رجلا فجمع له من قدر
عليه من مضر ودخل المسجد الفجر فأمر المؤذن بالإقامة فقال لا حتى يأتي الإمام
فانتهره وأقام وصلى وقرأ { إذا وقعت } و { سأل سائل } ثم أرسل إلى خالد وأصحابه
فأخذوا وصادرهم .
قال أشرس الأسدي
: أتى كتاب هشام يوسف فكتمنا ، وقال : أريد
العمرة فخرج وأنا معه فما كلم أحداً منا بكلمة حتى أتى العذيب ، فقال : ما هي
بأيام عمرة ، وسكت حتى أتى الحيرة ثم استلقى على ظهره وقال :
فما لبثتنا العيس أن قذفت بنا *** نوى غربة والعهد غير قديم
ثم دخل الكوفة فصلى الفجر وكان فصيحا طيب الصوت .
وقيل :
إن هشام بن عبد الملك كتب إلى يوسف لئن شاكت خالداً شوكةٌ لأقتلنك فأتى خالد
الشام فلم يزل بها يغزو الصوائف حتى مات هشام .
وقيل :
بل عذَّبه يوسف يوماً واحداً وسجنه بضعة عشر شهراً ثم أطلق فقدم الشام سنة
اثنتين وعشرين .
ونقل ابن خلكان
أن يوسف عصَره حتى كسر قدميه وساقيه ، ثم عصره على صلبه ، فلما انقصف مات وهو
في ذلك لا يتأوه ولا ينطق ، وهذا لم يصح ؛ فإنه جاء إلى الشام ، وبقي بها حتى
قتله الوليد الفاسق .
قال ابن جرير :
لبث خالد بن عبد الله في العذاب يوماً ، ثم وضع على صدره المضرسة ، فقتل من
الليل في المحرم سنة ست وعشرين ومائة في قول الهيثم بن عدي ، فأقبل عامر بن
سهلة الأشعري فعقر فرسه على قبره فضربه يوسف بن عمر سبع مائة سوط .
قتيبة بن سعيد وغيره :
قالا حدثنا القاسم بن محمد عن عبد الرحمن ابن محمد بن حبيب عن أبيه عن جده قال
شهدت خالدا القسري في يوم أضحى يقول ضحوا تقبل الله منكم فإني مضح بالجعد بن
درهم زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلا ولم يكلم موسى تكليما تعالى الله عما
يقول الجعد علوا كبيرا ثم نزل فذبحه .
قلت :
هذه من حسناته !! هي وقتله مغيرة الكذاب .
" السير " ( 5 / 429 ، 432 ) .
2. الجعد بن درهم :
هو الجعد بن درهم ، مبتدع ضال ، قال
بخلق القرآن ، ونفى صفات الله تعالى ، بل هو أول من نفى الصفات ، وعنه انتشرت
مقالة الجهمية إذ ممن حذا حذوه في ذلك : الجهم بن صفوان عاملهما الله تعالى
بعدله ، وزعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلاً ، ولم يكلِّم موسى تكليماً ، هلك
سنة 118 هـ.
انظر " ميزان الاعتدال " ( 1 / 399 ) و " شذرات الذهب " ( 1 / 169 ) .
3. القصة :
عن عبد الصمد بن محمد بن حبيب بن أبي
حبيب عن أبيه عن جده قال شهدت خالد بن عبد الله القسري يخطب يوم النحر فقال من
كان منكم يريد أن يضحي فلينطلق فليضح فبارك الله في أضحيته فإن مضح بالجعد بن
درهم زعم أن الله لم يكلم موسى تكليما ولم يتخذ إبراهيم خليلا سبحانه عما يقول
الجعد علوّاً كبيراً ثم نزل فذبحه .
4. تخريجها وتضعيفها :
رواها البخاري في " خلق أفعال العباد "
( ص 12 ) و أبو بكر النجاد في " الرد على من يقول القرآن مخلوق " ( ص 54 )
واللالكائي في " اعتقاد أهل السنة " ( 2 / 319 ) .
وهي قصة ضعيفة .
قال الشيخ بدر البدر – في هامش " خلق
أفعال العباد " - : إسناده ضعيف ، فإن أبا عبد الرحمن وهو محمد بن حبيب مجهول
كما في " الميزان " للذهبي ( 3 / 508 ، 509 ) ، والتقريب لابن حجر ، وعبد
الرحمن بن محمد قال عنه ابن حجر : مقبول ، يعني حيث يتابع وإلا فليِّن ، وجدُّه
حبيب قال عنه : صدوق يخطئ .
والحمد لله أولا وأخيراً