صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







واحات الصدور
محاضرة ألقيتها في محافظة الداير بني مالك بمنطقة جازان في 24/2/1428هـ
وبثت عبر أثير إذاعة القرآن الكريم في برنامج ( محاضرة الأسبوع )

إبراهيم بن محمد الهلالي

 
الحمد لله ب العالمين والصلاة والسلام على والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين..وبعد فقد حرص الإسلام حرصًا شديدًا على تأليف قلوب أبناء الأمة بحيث تشيع المحبة وترفرف رايات الألفة والمودة، وتزول العداوات والشحناء والبغضاء والغل والحسد والتقاطع . ولهذا امتن الله على المؤمنين بهذه النعمة العظيمة فقال: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً)[آل عمران:103]. بل امتن على نبيه صلَى الله عليه وسلم بأن أوجد له طائفة من المؤمنين تألفت قلوبهم: (هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ)[الأنفال:62، 63]. وحتى تشيع الألفة والمودة لابد من سلامة الصدور، ونقصد بسلامة الصدور طهارتها من الغل والحقد والبغي والحسد. والحديث عن هذه القضية وهذا الخلق حديث مهم وتذكير لابد منه في وقت انشغل أكثر الناس بالظواهر واستهانوا بأمر البواطن والقلوب مع أن الله تعالى لا ينظر إلى الصور ولا إلى الأجساد، ولكن ينظر إلى القلوب والأعمال، ولأن الله تعالى قد علَّق النجاة يوم القيامة بسلامة القلوب: (يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ)[الشعراء:88، 89]. والقلب السليم هو القلب السالم من الشرك والغل والحقد والحسد وغيرها من الآفات والشبهات والشهوات المهلكة. ثم إن رسول الله صَلى الله عليه وسلم يقول: لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانًا ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام[البخاري]. **فضل سلامة الصدر ومنزلتها عند الله تعالى:*** **يا صاحب القلب السليم أنت من صفوة الله المختارة*** فقد سألوا رسول الله صَلى الله عليه وسلم عن أفضل الناس، فقال: كل مخموم القلب صدوق اللسان. قالوا: صدوق اللسان نعرفه؛ فما مخموم القلب؟ قال: التقي النقي الذي لا إثم فيه ولا بغي ولا غل ولا حسد. ثم نقول: **إن سلامة الصدر سببٌ من أعظم أسباب قبول الأعمال الصالحة*** ،قال صلى الله عليه وسلم: تعرض الأعمال كل يوم اثنين وخميس، فيغفر الله عز وجل في ذلك اليوم لكل امرئٍ لا يشرك بالله شيئًا، إلا امرءً كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقول: أنظروا هذين حتى يصطلحا. فانظر كم يضيع على نفسه من الخير من يحمل في قلبه الحقد والحسد والغل؟!! **سلامة الصدر طريق إلى الجنة:*** فأول زمرة تدخل الجنة: ...لا اختلاف بينهم ولا تباغض، قلوبهم على قلب رجل واحد..[البخاري]. وقصة عبد الله بن عمرو مع ذلك الرجل الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة معروفة فقد عاشره عبد الله ثلاث ليال فلم يجده كثير التطوع بالصلاة أو الصيام فسأله عن حاله فقال الرجل: ما هو إلا ما رأيت غير أني لا أجد في نفسي لأحدٍ من المسلمين غشًا ولا أحسُد أحدًا على خير أعطاه الله إياه. فأعلنها ابن عمرو صريحة مدوية :هذه التي بلغت بك... وقد أخبر الله تعالى عن حال أهل الجنة فقال: (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ)[لأعراف:43]. (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ)[الحجر:47]. **الله يمدحهم:*** ( وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ)[الحشر:9، 10].
إن أمة الإسلام أمة صفاء ونقاء في العقيدة والعبادات والمعاملات، وقد نهى النبي عما يوغر الصدور ويبعث على الفرقة والشحناء فقال : { لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا ولا تقاطعوا وكونوا عباد الله إخواناً، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث } [رواه مسلم]. وقال حاثاً على المحبة والألفة: { والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا.. } [رواه مسلم] وعندما سُئل النبي أي الناس أفضل؟ قال: { كل مخموم القلب صدوق اللسان } قالوا: صدوق اللسان نعرفه فما مخموم القلب؟ قال: { هو التقي النقي، لا إثم فيه ولا بغي ولا غل ولا حسد } [رواه ابن ماجه] وسلامة الصدر نعمة من النعم التي توهب لأهل الجنة حينما يدخلونها: وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ [الحجر:47] وسلامة الصدر راحة في الدنيا وغنيمة في الآخرة وهي من أسباب دخول الجنة. قال ابن حزم وكأنه يطل على واقع كثير من المتحاسدين والمتباغضين، أصحاب القلوب المريضة:
( رأيت أكثر الناس - إلا من عصم الله وقليل ما هم - يتعجلون الشقاء والهم والتعب لأنفسهم في الدنيا ويحتقبون عظيم الإثم الموجب للنار في الآخرة بما لا يحظون معه بنفع أصلاً، من نيات خبيثة يضبون عليها من تمنى الغلاء المهلك للناس وللصغار، ومن لا ذنب له، وتمنى أشد البلاء لمن يكرهونه، وقد علموا يقيناً أن تلك النيات الفاسدة لا تعجل لهم شيئاً مما يتمنونه أو يوجب كونه وأنهم لو صفوا نياتهم وحسنوها لتعجلوا الراحة لأنفسهم وتفرغوا بذلك لمصالح أمورهم، ولاقتنوا بذلك عظيم الأجر في المعاد من غير أن يؤخر ذلك شيئاً مما يريدونه أو يمنع كونه، فأي غبن أعظم من هذا الحال التي نبهنا عليها؟ وأي سعد أعظم من الحال التي دعونا إليها ).
وكثير من الناس اليوم يتورع عن أكل الحرام أو النظر الحرام ويترك قلبة يرتع في مهاوي الحقد والحسد والغل والضغينة، قال: قال عبد الله الأنطاكي لأحد الخرسانيين: ( يا خرساني. إنما هي أربع لا غير: عينك ولسانك وقلبك وهواك، فانظر عينك لا تنظر بها إلى ما لا يحل، وانظر لسانك لا تقل به شيئاً يعلم الله خلافه من قلبك، وانظر قلبك لا يكون منه غل ولا حقد على أحد من المسلمين، وانظر هواك لا يهوى شيئاً من الشر فإذا لم يكن فيك هذه الخصال الأربع فاجعل الرماد على رأسك فقد شقيت ).
وبعض الناس يظن أن سلامة القلب تكمن في سهولة غشه وخداعه والضحك عليه وهذا خلاف المقصود.
قال ابن القيم رحمه الله: ( الفرق بين سلامة الصدر والبله والتغفل: أن سلامة القلب تكون من عدم إرادة الشر بعد معرفته، فيسلم قلبه من إرادته وقصده لا من معرفته والعمل به، وهذا بخلاف البله والغفلة فإنها جهل وقلة معرفة، وهذا لا يحمد إذ هو نقص، وإنما يحمد الناس من هو كذلك لسلامتهم منه ). والكمال أن يكون عارفاً بتفاصيل الشر سليماً من إرادته قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ( لست بخبِ ولا يخدعني الخب ) وكان عمر أعقل من أن يُخدع وأروع من أن يَخدَع.
وسلامة الصدر من أسباب دخول الجنة فعن أنس بن مالك قال: ( كنا جلوساً مع الرسول فقال: { يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة }، فطلع رجل من الأنصار تنطف لحيته من وضوئه قد تعلق نعليه في يده الشمال فلما كان الغد قال النبي مثل ذلك فطلع ذلك الرجل مثل المرة الأولى، فلما كان اليوم الثالث قال النبي مثل مقالته أيضاً فطلع ذلك الرجل على مثل حاله الأولى، فلما قام النبي تبعه عبدالله بن عمرو بن العاص فقال: إني لاحيت أبي فأقسمت ألا أدخل عليه ثلاثاً، فإن رأيت أن تؤويني إليك حتى تمضي فعلت فقال: نعم، قال أنس: وكان عبدالله يحدث أنه بات معه تلك الليالي الثلاث فلم يره يقوم من الليل شيئاَ غير أنه إذا تعار وتقلب على فراشه ذكر الله عز وجل وكبر حتى يقوم لصلاة الفجر، قال عبدالله غير أني لم أسمعه يقول إلا خيراً فلما مضت الثلاث ليال وكدت أن أحتقر عمله قلت: يا عبدالله إني لم يكن بيني وبين أبي غضب ولا هجر، ولكن سمعت رسول الله يقول لك ثلاث مرار يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة فطلعت أنت الثلاث مرار فأردت أن أوي إليك لأنظر ما عملك فأقتدي به فلم أرك تعمل كثير عمل، فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله فقال: ما هو إلا ما رأيت غير أني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشاً ولا أحسد أحداً على خير أعطاه الله إياه. فقال عبدالله: هذه التي بلغت بك وهي التي لا نطيق ) [رواه الإمام أحمد].

من أسباب التشاحن والتباغض:

1- طاعة الشيطان: قال تعالى: وَقُل لِعِبَادِي يَقُولُوا الّتي هِىَ أحسَنُ إنّ الشَيطَانَ يَنَزَغُ بَيَنَهُم إن الشَيطَانَ كَانَ للإنَسانِ عَدُوّاً مُبِيناً [الإسراء:53] وقال : { إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكن في التحريش بينهم } [رواه مسلم].
2- الغضب: فالغضب مفتاح كل شر وقد أوصى رجلاً بالبعد عن الغضب فقال: { لا تغضب } فرددها مراراً [رواه البخاري] فإن الغضب طريق إلى التهكم بالناس والسخرية منهم وبخس حقوقهم وإيذائهم وغير ذلك مما يولد البغضاء والفرقة.
3- النميمة: وهي من أسباب الشحناء وطريق إلى القطيعة والتنافر ووسيلة إلى الوشاية بين الناس وإفساد قلوبهم، قال تعالى ذاما أهل هذه الخصلة الذميمة: هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ [القلم:11] وقال : { لا يدخل الجنة فتان } وهو النمام.
4- الحسد: وهو تمني زوال النعمة عن صاحبها وفيه تعد وأذى للمسلمين نهى الله عنه ورسوله قال : { إياكم والحسد، فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب } [رواه أبوداود] والحسد يولد الغيبة والنميمة والبهتان على المسلمين والظلم والكبر.
5- التنافس على الدنيا: خاصة في هذا الزمن حيث كثر هذا الأمر واسودت القلوب، فهذا يحقد على زميلة لأنه نال رتبة أعلى، وتلك تغار من أختها لأنها حصلت على ترقية وظيفية، والأمر دون ذلك فكل ذلك إلى زوال.
وما هي إلا جيفة مستحيلة *** عليها كلاب همهن اجتذابها
فإن تجتنبها كنت سلماً لأهلها *** وإن تجتذبها نازعتك كلابها
6- حب الشهرة والرياسة: وهي داء عضال ومرض خطير، قال الفضيل بن عياض رحمه الله: ( ما من أحدٍ أحب الرياسة إلا حسد وبغى وتتبع عيوب الناس، وكره أن يذكر أحد بخير ). وهذا مشاهد في أوساط الموظفين والعاملين.
7 - كثرة المزاح: فإن كثيره يورث الضغينة ويجر إلى القبيح والمزاح كالملح للطعام قليله يكفي وإن كثر أفسد وأهلك. وهناك أسباب أخرى غير هذه.

والمسلم مطالب بتزكية نفسه والبعد عن الغل والحقد والحسد، ومما يعين على سلامة الصدر:

أولاً: الإخلاص:
عن زيد بن ثابت قال: قال رسول الله : { ثلاث لا يغل عليهن قلب مؤمن: إخلاص العمل، ومناصحة ولاة الأمر، ولزوم جماعة المسلمين فإن دعوتهم تحيط من ورائهم } [رواه أحمد وابن ماجه].
ومن المعلوم أن من أخلص دينه لله عز وجل فلن يحمل في نفسه تجاه إخوانه المسلمين إلا المحبة الصادقة، وعندها سيفرح إذا أصابتهم حسنة، وسيحزن إذا أصابتهم مصيبة؛ سواءً كان ذلك في أمور الدنيا أو الآخرة.

ثانياً: رضا العبد عن ربه وامتلاء قلبه به:
قال ابن القيم رحمه الله في الرضا: ( إنه يفتح للعبد باب السلامة، فيجعل قلبه نقياً من الغش والدغل والغل، ولا ينجو من عذاب الله إلا من أتى الله بقلب سليم، كذلك وتستحيل سلامة القلب مع السخط وعدم الرضا، وكلما كان العبد أشد رضاً كان قلبه أسلم، فالخبث والدغل والغش: قرين السخط، وسلامة القلب وبره ونصحه: قرين الرضا، وكذلك الحسد هو من ثمرات السخط، وسلامة القلب منه من ثمرات الرضا ).

ثالثاً: قراءة القرآن وتدبره:
فهو دواء لكل داء، والمحروم من لم يتداو بكتاب الله، قال تعالى: قُل هُوَ لِلذِينَ ءَامَنُوا هُدىً وَشِفَآءٌ [فصلت:44]، وقال: وَنُنَزِلُ مِنَ القُرءَانِ مَا هُوَ شِفَآءٌ وَرَحمَةٌ لِلمُؤمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظّالمِينَ إلا خَسَاراً [الإسراء:82]. قال ابن القيم رحمه الله: ( والصحيح أن من ها هنا لبيان الجنس لا للتبعيض، وقال تعالى: يَاأيُها النّاسُ قَد جَآءَتكُم مَوعِظَةٌ مِن رَبِكُم وَشِفَآءٌ لِمَا فىِ الصُدُورِ [يونس:57].
فالقرآن هو الشفاء التام من جميع الأدواء القلبية والبدنية وأدواء الدنيا والآخرة.

رابعاً: تذكر الحساب والعقاب:
الذي ينال من يُؤذي المسلمين من جراء خُبث نفسه وسوء طويته من الحقد والحسد والغيبة والنميمة والإستهزاء وغيرها.

خامساً: الدعاء:
فيدعو العبد ربه دائماً أن يجعل قلبه سليماً على إخوانه، وأن يدعوا لهم أيضاً، فهذا دأب الصالحين، قال تعالى: وَالذِّينَ جَآءُو مِن بَعدِهِم يَقُولُونَ رَبَنَا اغفِر لَنَا وَلإخوَانِنَا الّذِينَ سَبَقُونَا بِالإيمَانِ وَلاَ تَجعَل في قُلُوبِنَا غِلاً لِلّذِينَ ءَامَنُوا رَبَنَا إنّكَ رَءُوفٌ رّحِيم [الحشر:10].

سادساً: الصدقة:
فهي تطهر القلب، وتُزكي النفس، ولذلك قال الله تعالى لنبيه : خُذّ مِن أموالِهم صَدَقَةً تُطَهِرُهُم وَتُزَكِيِهِم بِهَا [التوبة:103].
وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: { داووا مرضاكم بالصدقة } [صحيح الجامع]. وإن أحق المرضى بالمداواة مرضى القلوب، وأحق القلوب بذلك قلبك الذي بين جنبيك.

سابعاً: تذكر أن من تنفث عليه سُمُومك، وتناله بسهامك هو أخ مُسلم:

ليس يهودياً ولا نصرانياً ولا كافراً بل يجمعك به رابطة الإسلام. فلِمَ توجه الأذى نحوه.
ونحن في هذه البلاد المباركة _ أدام الله عزها في طاعته _ يجب أن نعرف نعمة الله علينا فقد كنا أعداء فألف الله بيننا ، كنَّا قبائلَ متناحرة ، وإخواناً أواصرُهم متقطعة ، تنازعتنا الأهواء وأهلها ، فأصبحنا شيعاً وأحزاباً ، لا تجمعنا آصرة ، ولا تضمنا أرض ، ولا تجمعنا راية ، فجاءنا الله بالملك عبد العزيز _ طيب الله ثراه فوحدنا الله به تحت راية التوحيد ، وجمعنا تحت حكم الشرع وألَّف الله به قلوباً كانت متنافرة ، وجمع أجساداً كانت متباعدة اسألوا كبار السنَّ ممن زار المسجد الحرام قبل توحد البلاد كيف كان الأمر لقد كان الناس متفرقين وهم حول بيت الله العتيق كل مذهبٍ من المذاهب الأربعة له منبرٌ وإمام وجماعة لا تصلي مع أختها في تعصبٍ مقيت قتل وحدة الدين فأبدلنا الله بعد الفُرقة جمعاً ، وبعد العداوة ألفة ولله مزيد الحمد والثناء ويجدر بنا هنا أن ننبه على ثلاث قضايا يجب لا نقبل حولها الجدال :
أولها : مسألة العقيدة والديانة والشرع .
ثانيها : مسألة الأمن واستقرار البلد .
ثالثها : وحدة البلد واجتماع الصف .
فإن حافظنا على تلكم المعالم والثوابت فاعلموا أن البلد في حصنٍ حصين ، يقبع المتربصون والحاقدون خلفه ، خائبةً آمالهٌم ، منكوسة أعلامهم ، لا يظفرون بشيء من مآربهم بإذن الله .

ثامناً: من أسبا تزكية النفس إفشاءُ السلام:

عن أبي هريرة قال رسول الله : { والذي نفسي بيده، لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ افشوا السلام بينكم } [رواه الإمام مسلم].
قال ابن عبد البر رحمه الله: ( في هذا دليل على فضل السلام لما فيه من رفع التباغض وتوريث الود

تاسعاً: ترك كثرة السؤال وتتبع أحوال الناس:
امتثالاً لقول النبي : من حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه } [رواه الترمذي].

عاشراً: محبة الخير للمسلمين:
لقوله : { والذي نفسي بيده لا يؤمن عبد حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه } [رواه البخاري ومسلم].

الحادي عشر: عدم الاستماع للغيبة والنميمة:
حتى يبقى قلب الإنسان سليماً: قال : { لا يبلغني أحد عن أحد من أصحابي شيئاً، فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر } [رواه أحمد] والكثير اليوم يلقي بكلمة أو كلمتين توغر الصدور خاصة في مجتمع النساء وفي أوساط البيوت من الزوجات أو غيرهن.

الثاني عشر: إصلاح القلب ومداومة علاجه:

قال : { ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب } [رواه البخاري ومسلم].

الثالث عشر: السعي في إصلاح ذات البين:

قال تعالى: فَاتَقُوا اللّهَ وَأصلِحُوا ذَاتَ بَينِكُم [الأنفال:8 ] قال ابن عباس رضي الله عنه: ( هذا تحريم من الله ورسوله أن يتقوا ويصلحوا ذات بينهم ).
وقال : { ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟ } قالوا: بلى. قال: { إصلاح ذات البين } [رواه أبو داود].
بقي أن نختم ببعض الصور المشرقة لرجالات الأمة في هذا الشأن
هذا سيد ولد آدم أجمعين عليه صلوات رب العالمين، يذهب إلى الطائف عارضًا نفسه على وجهائها وأهلها، فلم يجبه منهم أحد، فانطق مهمومًا، وإذا هو بسحابة قد أظلته فيها جبريل، ومعه ملك الجبال فناداه ملك الجبال: إن الله قد سمع قول قومك لك وأنا ملك الجبال وقد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك فما شئت، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين [جبلا مكة] فقال صاحب الصدر السليم صَلى الله عليه وسلم: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئًا. فأي صبر وسلامة صدر هذا !!!.
ثم تأمل حاله صَلى الله عليه وسلم حين ضربه قومه فأدموه (أسالوا دمه) فمسح الدم وهو يقول: اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون. واستحضر معي حالة المشركين معه صلى الله عليه وسلم في مكة وقد آذوه وسعوا في قتله حتى خرج من بين أظهرهم وكان الأمر كما أخبر الله عز وجل : (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) (الأنفال:30) فلما مكن الله له ودخل مكة فاتحا ما انتقم ولا آذى بل قال لقومه: لا تثريب عليكم اليوم. والأمثلة من حياته صَلى الله عليه وسلم كثيرة، ننصح بقراءة سيرته.

**نبي الله يوسف عليه السلام:*** وقصته مع إخوته أنموذج رائع لسلامة الصدر فبعد أن ألقوه في الجب وفرقوا بينه وبين أبيه ودخوله السجن إلى غير ذلك مما هو معروف مكن الله له وجعله على خزائن مصر فلما ترددوا عليه وعرفوه قالوا: (تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ). فما كان منه إلا أن قَال: ( لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ).ما حمل غلا. ثم لما جاء أبوه مع اخوته: (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) (يوسف:100) فلم يقل أخرجني من الجب كي لا يُخجلهم (وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ)، ولم يقل رفع عنكم الجوع والحاجة حفظًا للأدب معهم. (مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي) فأضاف ما جرى إلى السبب ولم يضفه إلى المباشر (إخوته).
ثم تأمل معي موقف الصِّدِّيقُ - رضي الله عنه - مع مسطح بن أثاثة إذ كان الصديق ينفق على مسطح فلما كانت حادثة الإفك كان مسطح ممن خاض فيها فأقسم الصديق ألا ينفق على مسطح فأنزل الله قوله تعالى: (وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (النور:22) فما كان من الصديق إلا أن أعاد النفقة على مسطح.
وهذا خالد بن الوليد رضي الله عنه في أوج انتصاراته وهو قائد الجيش يأتيه خبر عزل الفاروق له فما تكلم بما يدل على سخطه ولاترك ساحات القتال بل ظل مجاهدا كجندي من جند المسلمين بعد أن كان قائدهم.
ثم استمع إلى ابن عباس رضي الله عنهما وهو يقول : إني لأسمع أن الغيث قد أصاب بلدًا من بلدان المسلمين فأفرح به، ومالي به سائمة. أما أبو دجانة رضي الله عنه فقد دُخل عليه وهو مريض فرأوا وجهه يتهلل (منور) فكلموه في ذلك فقال: ما من عمل شيء أوثق عندي من اثنتين: كنت لا أتكلم فيما لا يعنيني، والأخرى كان قلبي سليمًا للمسلمين.

**أما عُلبة بن زيد *** فإنه لما دعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى النفقة ولم يجد ما ينفقه بكى وقال: اللهم إنه ليس عندي ما أتصدق به، اللهم إني أتصدق على كل مسلم بكل مظلمة أصابني فيها من مال أو جسد أو عرض، ثم أصبح مع الناس. فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أين المتصدق بعرضه البارحة؟ فقام عُلبة رَضي الله عنه، فقال: النبي صلى الله عليه وسلم : أبشر فوالذي نفسُ محمد بيده لقد كُتبت في الزكاة المتقبلة.
وانظر إلى الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله يُضرب ويُعذَّب على يد المعتصم، وحين أخذوه لمعالجته بعد وفاة المعتصم وأحسَّ بألمٍ في جسده قال: اللهم اغفر للمعتصم. سبحان الله!! يستغفر لمن كان سببًا في ألمه. إنه منطق عظيم لا تعرفه إلا الصدور التي حملت قلوبًا كبيرة عنوانها: **سلامة الصدر.***
وهل أتاك نبأ الشيخ ابن باز - رحمه الله - مع ذلك الرجل من الخرج ؟ فقد تولى الشيخ القضاء في مدينة الخرج وجاءه رجل في قضية فسب الرجل الإمام ابن باز رحمه الله،وشاع الخبر في المدينة وخرج الشيخ إلى الحج ،وبينما كان الشيخ في الحج مرض الرجل ومات، فلما قُدِّم الرجل ليُصلَّى عليه، أبى الإمام الصلاة عليه بسبب سبه للشيخ ابن باز، وصلَّى غيره، فلما رجع الشيخ وأُخبر الخبر عاتب الإمام جدًّا على فعله، ولم يرض ما صنع، ثم إنه سأل عن قبر الرجل فأتاه وصلَّى عليه ودعا له. فأين نحن من هؤلاء؟!!.
الثمار الحلوة للإخوة وسلامة الصدر

ولكي نتيقن من نجاح تطبيق ما قلنا في التأسيس المتين لبنيان الأخوة والمحبة يجب أن نعلم أهم آثارها على عددٍ من المستويات:


أولاً: على مستوى العمل الجماعي:
لا شك في أنَّ رُوح الفريق ستجعل من كلِّ فردٍ شُعلة نشاط يبذل كل ما في وسعه، ويأخذ بكل الوسائل لإنجاح ما يعد له: مثل اليدين تغسل إحداهما الأخرى، كما سيعمل على تنفيذ ما أعد له هو وإخوانه من تحقيق عبادة رب العالمين ، ونصرة الحق والدين ، وعلو كلمة المؤمنين ، فسيكونون جميعًا على قلب رجل واحد لتنفيذ ما اتفق عليه، متناسين أي خلافٍ قد يكون نشأ في مرحلة ما.
ولا شك في أنَّ أي صفٍّ يعمل الجميع به- قيادةً وجنودًا- بقلب رجل واحد، متجردين لله ولا يرجون من إنسان جزاءً ولا شكورًا، أقدر على تحقيق أهدافه كلها بإذن الله، فلقد حقق المسلمون الأوائل ما حققوه لعقيدتهم الراسخة وإيمانهم الوثيق بالله، ثم بأخوتهم التي أرساها المصطفي- صلى الله عليه وسلم- حين آخى بينهم.
كما تعزز الأخوة وحدة الصف بكل معانيها، كما قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنيَانٌ مَرْصُوصٌ (4)﴾ (الصف)، فروح الأخوة ستجعله صفًّا واحدًا يصعب اختراقه وتدميره.
رضي الله عنهم مملوءة بأصفى وأنصع الصفحات في ذلك لا تنقضي عجائب سيرهم لكل متأمل منصف ألحقنا الله بهم صادقين غير مفتونين .لقد ثبت العاملون للإسلام الداعون إليه في مواجهة المحن- بعد فضل الله- بإيمانهم الراسخ، ثم بالروح الأخوية بينهم فكان الواحد منهم يُضحِّي بحياته على أن يشي بأحد إخوانه أو يضر دعوته أو سمعته من قريبٍ أو بعيد، فضربوا بذلك أروع الأمثلة على روح أخوتهم العالية وسيرة صحب النبي

ثانيًا على المستوى الفردي:
إنَّ أول المستفيدين من رُوح الأخوة هو الفرد نفسه إذ يستشعر أنه ليس وحيدًا، وأنَّ معه إخوانه يساعدونه على تقوى الله، وعبادته، وطاعته، فقد جاء في الحديث: إنما يأكل الذئب من الغنم القاصيه، كما سيجد فيهم خير الأصحاب فهو إذا ذكر الله أعانوه، وإذا نسي ذكروه.
وعندما يختلط المسلم بإخوانه سيكتسب منهم خبرات، وتجارب متنوعة في شتى المناحي، وسيرتفع بذلك مستوى أدائه في المجالات جميعًا الدعوية والدنيوية والمهنية قال تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾ (المائدة: من الآية 2).
كما سيجد الفرد من بعض إخوانه، لا أقول كلهم، قدوة حسنة، تقربه من ربه، وتزرع فيه خصالاً، يحاول الوصول إليها دون جدوى، وذلك من خلال معايشته لهم، بل سيقتدي بهم في مختلف الأحوال والأوقات فيكتسب قدرات لا تُقدَّر بثمن.
وتعين الأخوة الفردَ على الثبات، ذلك أنَّ من يسير في طريق الدعوة إلى الله يكون- بطبيعة الحال- عُرضةً لملاقاةِ الأذى، والابتلاء، والفتن، فالطريق محفوف بالمكاره، مليئ بالعقبات، والمسلم في حاجةٍ لإخوانه، وقلوبهم معه، يعينونه على مكارهِ الطريق، ويتواصون معه بالحق.

ثالثًا: على مستوى المجتمع:
المجتمع الذي يكون أعضاؤه على قدرٍ كبيرٍ من المحبةِ والتعاون، ويعرف كل منهم حقوقه وواجباته، يكون مستواه متميزًا حتى لو كان هؤلاء الناس قلة لأنهم سيكونون قدوة، وسيؤثرون في المجتمع، وسيتأثر بهم المجتمع، وسيرتفع مستواه الإيماني والاجتماعى والثقافي.. إلخ، مما سيؤثر على إنتاجه في جميعِ المستويات والجوانب.
هذا المجتمع سيقف في وجه أشد الصعاب، فلقد صمد الصحابة في شعبِ أبي طالب، وأبلوا بلاءً حسنًا، بإيمانهم ثم بأخوتهم الفذة، كما صمد المسلمون في المدينة أمام التحديات الداخلية- من داخل المدينة- والخارجية وجاهدوا أفضل الجهاد.
واجهوا في بدرٍ وأحد والخندق أكبر التحديات، وكانت أكبر عدة لهم، بعد الله ثم إيمانهم الراسخ، هي أخوتهم، ووحدة صفهم، وتماسكهم ، فلقد ذاب كل واحد منهم في المجموع فتشكلت قوة واحدة منهم يصعب اختراقها بل كان النصر حليفها.
كما أن المجتمع المتحاب أفراده سيكون من القوة بمكانٍ ليقف في مواجهة شتى التحديات، أو على الأقل الخروج بأقل الخسائر؛ لأن هذه المجموعات ستشيع هذه الروح في أسرها، وعائلاتها، وجيرانها وأصدقائها من خلال فهمها الصحيح للإسلام، وبعملها به، فما بالنا لو كان المجتمع كله على هذه الدرجة العالية من الأخوة، والحب في الله؟

رابعًا: على مستوى غير المسلمين:

حبنا بعضنا بعضًا وأخوتنا وروابطنا الإسلامية العظيمة تُثير غيظ أعداء الإسلام مهما حاولوا إخفاء ذلك، لأن هذا الجانب الروحي قل- إن لم ينعدم- في مجتمعاتهم المادية. وإذا وجد أعداؤنا أننا على درجةٍ عاليةٍ من الحب والأخوة فسيهابوننا، أما تفرقنا وتشرذمنا الآن فهو برد وسلام على قلوبهم بل هو غاية مُناهم، قال سبحانه: ﴿لأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنْ اللَّهِ﴾ (الحشر).
وإذا رأى أعداؤنا فينا القوةَ والصلابةَ العقدية، والأخوة الملتحمة فسيؤثر ذلك حتمًا فيهم، ويضعفهم معنويًّا، إذ كيف يحاربون مجتمعًا متحابًا متعاونًا على قلب رجل واحد؟
وعلى العكس من ذلك تماماً فإن البلد إذا تقرق أهله أصبحوا نُهبة لكل غادر وخائن من الداخل والخارج وليس سراً ما يحدث في بلاد الرافدين العراق _ خلصها الله من غدر الغادرين _ فهل من معتبر .
ومن جانبٍ آخر فإنَّ غير المسلمين إذا وجدوا فينا الصورة المشرقة للإسلام ، ومثله العليا فربما اتجهوا إلينا لأن الإسلام دين الفطرة، فالواجب علينا- إذن أن نقدم لهم الصورة المشرفة للأخوة الإسلامية كما قدمها أسلافنا، وفتحوا بسلوكهم المتآخي كثيرًا من بقاع العالم.
وقد رأيت لسماحة شيخنا محمد بن صالح العثيمين كلاما ملخصه قوله : عرض محاسن الدين وحسن التعامل أفضل من الرد على شبهات الكافرين ) اهـ كلامه رحمه الله
والخلاصة : إذا ازدهرت شجرة الأخوة وترعرعت ونمت فلا بد من أن تنمو شجرة العمل وتزدهر، وتُعطي حينها أطيب الثمار.
ومن هنا علينا جميعًا وعلى المخلصين العاملين للإسلام خاصةً، أن يعملوا على ازدهار شجرة الأخوة، وعلى حمايتها، وصيانتها من الهجماتِ الشرسة التي تعمل على اقتلاعها.
إننا في حاجةٍ لهذه الروح وهذا الفقه ليسري في جسد الأمة، فتنبعث فيه الحياة بعد طول رقاد.
إنَّ على العلماء والدعاة والمربين العمل على غرس روح وفقه الأخوة الإيمانية في نفوس إخوانهم وحثهم على تخليص صدورهم من رواسب الحقد والضغينة من خلال برامح عملية وقدوات صادقة مخلصة، وكذلك تأصيل هذه الروح وتجذيرها في النفوس فلقد انتصر المسلمون في بدر وهم قلة مؤمنة تتمتع بقدر عالٍ من التربية والأخوة، لكنهم انهزموا في حنين على كثرتهم، ذلك أنَّ الكثرةَ قد تحوي الخَبَث الذي سرعان ما ينزوي عندما يواجه محنة أو اختبار.
أدام الله الحب والود على طاعة الله أرجاء المسلمين وعمر قلوبهم بعبادة رب العالمين وسدد على طريق الخير خطاهم , وجعل الله قلوبنا سليمة لا تحمل حقداً ولا غلاً على مسلم،
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
إبراهيم الهلالي
  • مقالات ورسائل
  • الصفحة الرئيسية