اطبع هذه الصفحة


 من روائع تفسير ابن رجب ( 1 )

إبراهيم بن محمد الهلالي

 
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين أما بعد :

فإن التدبر في كتاب الله تعالى هو دأب الصالحين ، ومطية العاملين المخلصين ، ومركب نجاة المسافرين ، وخير ما يُعين على فهم كلام الله هو مطالعة شروح أئمة السلف الصالح ، حيث جمعوا بين العلم والعمل ، ونوَّر الله بصائرهم للتعلم بالتقوى ، فجزاهم الله عنا خيراً ورزقنا اقتفاء آثارهم ، والسير على منهاجهم آمين.

ولقد اخترت لكم إخوتي في الله عَلَماً من أعلام هذه الأمة ، وجهبذاً من جهابذتها ، طرح الله _ فيما أحسب _ نوراً من نوره على كلامه وعلمه ، شهد له أئمة الدين ، وحماة الشريعة بالتضلع في العلم ، وترسم آثار النبوة في جميع مؤلفاته ومن سبر حاله عرف ، وقد أثنى عليه شيخنا وحبيبنا

الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير حفظه الله

في أكثر من من درس ودورة علمية وقال بنص العبارة :

( ابن رجب يكتب كتبه بنفَسِ السلف )

وقد أوصاني بكتبه ومطالعتها وتكرير مراجعتها فضيلة شيخي ومَنْ له الفضل عليَّ بعد الله فضيلة الشيخ خالد بن عبد العزيز الهويسين حفظه الله ذخراً ، ومن وصيَّة شيخيَّ عزمت على أن أبدأ في طرح وقفات مختارة من تفسير الإمام ابن رجب رحمه الله والذي جمعه مشكوراً مأجوراً فضيلة الشيخ الدكتور ( طارق بن عوض الله بن محمد ) طبع دار العاصمة بالرياض عام 1422هـ أسطرها تباعاً بإذن الله على شكل حلقات وأسأل الله العون على ما عزمت عليه وأن ينفعني بهذا العمل والإمام ابن رجب وكل مسلم ومسلمة آمين .

فأقول وبالله التوفيق :

بدأ الإمام ابن رجب رحمه الله في تفسير فاتحة الكتاب التي هي أعظم سورة في كتاب الله وبعد كلام له في التأمين خلف الإمام ذكر الحديث الشهير الذي رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى :

(( قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ، ولعبدي ما سأل ، فإذا قال العبد ( الحمد لله رب العالمين ) قال الله حمدني عبدي ... الخ الحديث .

قال الإمام ابن رجب رحمه الله معلقاً عليه : فهذا الحديث يدل على أن الله يستمع لقراءة المصلي حيث كان مناجياً له ، ويردُّ عليه جواب ما يُناجيه به كلمة كلمة ، فأول الفاتحة حمد ، ثم ثناءٌ ، وهو تثنية الحمد وتكريره ، ثم تمجيدٌ والثناء على الله بأوصاف المجد والكبرياء والعظمة ، ثم ينتقل العبد من الحمد والثناء والتمجيد إلى خطاب الحضور ، فقال

(( إيَّاك نعبد وإيَّاك نستعين )) وهذه الكلمة قد قيل فيها أنها تجمع سر الكتب المنزلة من السماء كلها لأن الخلق خُلقوا ليُؤمروا بالعبادة ، كما قال تعالى

(( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ))

وإنما أرسلت الرسل وأنزلت الكتب لذلك ، فالعبادة حق الله على عباده ، ولا قدرة للعباد عليها بدون عون الله لهم ، فلذلك كانت هذه الكامة بين الله وبين عبده ، لأن العبادة حق الله على عبده ، والإعانة من الله فضلٌ من الله على عبده.

وبعد ذلك الدعاء بهداية الصراط المستقيم ، صراط المُـنعَـم عليهم ، وهم الأنبياء وأتباعهم من الصديقين والشهداء الصالحين ، كما ذكر ذلك في سورة النساء .

فمن استقام على هذا الصراط حصل له سعادة الدنيا والآخرة ، واستقام سيره على الصراط يوم القيامة ، ومن خرج عنه فهو مغضوبٌ عليه ، وهو من يعرف طرق الهُدى ولا يتبعه كاليهود ، أو ضالٌّ عن طريق الهدى كالنصارى ونحوهم من المشركين.

فإذا ختم القارئ في الصلاة قراءة الفاتحة ، أجاب الله دعاءه فقال :

(هذا لعبدي ولعبدي ما سأل )

وحينئذٍ تُؤمِّن الملائكة على دعاء المصلي ، فيُشرع للمصلين موافقتهم في التأمين معهم ، فالتأمين مما يُستجاب به الدعاء .

وفي صحيح مسلم عن ابي موسى الأشعري رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا قال الإمام

(( غير المغضوب عليهم ولا الضالين )) فقولوا آمين يُجبْكم الله ) اهـ كلامه.

.......................

إلى هنا تنتهي هذه الوقفة وسنعاود الكرة _ إن شاء الله _ مع الإمام بن رجب رحمه الله في روائعه حيث سيتحدث بعد هذا عن الاستعانة بكلام لا يستغني عنه مسلم إلى ذلكم الحين نستودعكم الله وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وآله وصحبه.

تم تحريره يوم الاثنين 19/6/1429
 

إبراهيم الهلالي
  • مقالات ورسائل
  • الصفحة الرئيسية