بسم الله الرحمن الرحيم
من كانت له عناية بعلم الفرق يلاحظ أن كثيرا من العلماء يعولون في ضبط الفرق
على ضبط أصولها ؛ إذ ضبط آحادها إما متعذر أو متعسر ؛ وأقرب طرقهم في ذلك ردها
إلى خمسة أصول :-
1- الخوارج ، وهم أول الفرق ظهورا ، وفرقهم الرئيسة خمس ؛ المحكمة الأولى ،
والأزارقة ، والنجدات ، والصفرية ، والإباضية .
2- الشيعة ؛ وهم إما زيدية ، أو إمامية ، أوغلاة ؛ كالخطابية والبيانية
والمختارية .
3- القدرية ؛ وهم إما غلاة أو نفاة ؛ وإطلاق القدرية على النفاة أغلب ، ويدخل
في ذلك القدرية الأولى نفاة العلم ، والثانية نفاة عموم المشيئة والخلق .
4- المرجئة ؛ وهم الذين أخرجوا العمل عن مسمى الإيمان ، فالإيمان عندهم مجرد
قول ؛ إما قول القلب واللسان كما تقول مرجئة الفقهاء ، أو قول اللسان فقط كما
ينسب للكرامية ، أوقول القلب كما تقول الجهمية وغيرهم . وقد يطلق الإرجاء على
من وقف في الحكم على المشتركين في الفتنة فلم يشهد لهم بكفر ولا إيمان ! وكذلك
على من أسقط وعيد الكبائر كلية أو جوز العفو عن جميع أصحاب الكبائر ؛ لأن
النصوص تواترت بالعفو عن بعض دون بعض !
5- الجهمية ؛ وهو اسم جامع لكل من نفى الصفات ؛ كالجهمية الأولى ، والفلاسفة ،
والمعتزلة ، وهم الذين كان يطلق عليهم السلف لفظ التجهم كثيرا . وقد يطلق على
من كان فيه شعبة من التجهم ؛ كالكلابية ، والأشعرية ، كما في كتاب بيان تلبيس
الجهمية لابن تيمية .
وهذا الحصر المشهور وإن كان نافعا جدا في ضبط الفرق إلا أنه يلاحظ أنه غيب أصلا
هاما من أصول الفرق ، وهو التصوف ؛ فلا نرى ذكرا للتصوف العملي ولا الفلسفي ،
ولا للطرق التي امتزج في كثير منها التصوف العملي بالفلسفي ؛ وهي كثيرة جدا ؛
مثل التيجانية والختمية !!
والسبب في تقديري يرجع إلى أن علم الفرق تولى كبر الكتابة فيه علماء الكلام
فأهملوا مالا يعرفون ؛ حتى قيل لبعض المتكلمين قد ذكرت الطوائف وعارضتهم ولم
تذكر الصوفية ؟ فقال : لم أعرف لهم علما ولا قولا ولاما راموه !
وقد ذهب الشاطبي إلى أبعد من ذلك فرأى أن تخصيص الافتراق بالعقائد يخالف النصوص
؛ لأنها تدل على العموم ، ولفظ البدع لايختص بالعقائد وإنما يشمل الأقوال
والأفعال ! الاعتصام 2/ 198 .
|