اطبع هذه الصفحة


الرد على عبدالوهاب أبو سليمان

اضغط هنا لتحميل الكتاب على ملف وورد

فهد بن سعد أبا حسين

 
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً .
أما بعد،،،
فقد اطلعت على ما نشرته صحيفة عكاظ بقلم الدكتور : عبدالوهاب إبراهيم أبو سليمان .
حول عناية الملك عبدالعزيز رحمه الله بالأماكن التاريخية المأثورة في مكة .
وكانت في أربع مقالات ـ السبت 3/3/1427هـ ـ الأحد 4/3/1427هـ ـ السبت 10/3/1427هـ ـ الأحد 11/3/1427هـ .

دعا فيها الكاتب إلى إحياء تلك الأماكن التاريخية ، وذكر أن السلف شيدوا عليها المساجد ، وأن الأماكن التاريخية التي شهدت أحداثاً حاسمة هي من مكتسبات الأمة . وأن المحافظة عليها يزود الأمة بتيار روحي .. وذكر أن الدولة السعودية لها الحظ الكبير في المحافظة على هذه الآثار وذكر أن الآثار والأماكن التاريخية موضوعٌ مهمٌ في كتب المسلمين مما يدل على الاهتمام به .

ثم دعا إلى بناء المكان الذي ولد فيه النبي  صلى الله عليه وسلم  ببناء يتلاءم مع العصر ..

وذكر أن العلاج لما يفعله الجهال عند هذه الآثار هو إرسال المرشدين إليها مع بقاء هذه الآثار والأماكن .

ولما كان كلامه يخالف الأدلة الشرعية .. ومنهج سلف الأمة ويترتب عليه غلو الجهال في هذه الآثار .. وإنفاق الأموال في غير وجهها .. ومشابهة اليهود والنصارى في تعظيمهم لآثار أنبيائهم وصالحيهم . رأيت أن أبين الحق في هذه القضية بالأدلة من الكتاب والسنة وأفعال وأقوال السلف رحمهم الله .

فأقول مستعيناً بالله :

أولاً : ما هو الموضوع الذي يتحدث عنه الكاتب ؟

الكاتب يتحدث عن الأماكن التي ولد فيها الأنبياءُ والصالحون والبيوت التي سكنوها وصلوا فيها .. وكذلك جلسوا فيها .. وهكذا الأماكن التي قاتلوا فيها مثل معركة بدر .. والخندق .. وهكذا دار الأرقم وبيت خديجة رضي الله عنها .. وما شابه ذلك .

فهو يرى أن هذه الأماكن لها مزية .. فينبغي أن تُبنى بناءً إسلامياً .. ويبنى فيها المساجد .. ويوضع فيها مرشدين .. فتُحيا هذه الأماكن .

ثانياً : ذكر الكاتب أن المحافظة على الآثار من الحضارة والرُقي . كما في المقال المنشور 4/3/1427هـ .

هذا هو رأيه .. بخلاف علماء السنة الذين يرون أن إحياء هذه الآثار من الجاهلية .

فقد ذكر الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله في كتابه مسائل الجاهلية المسألة الحادية والثمانون : [ اتخاذ آثار أنبيائهم مساجد كما ذكِر عن عمر ] أ ـ هـ

فاتخاذ آثار الأنبياء والصالحين مساجد وجعلها مزارات من فعل أهل الجاهلية .

يقول سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله ـ مجموع فتاوى ومقالات متنوعة 1/391 : ( وأما تعظيم الآثار بالأبنية والزخارف والكتابة ونحو ذلك . فهو خلاف هدي السلف الصالح ، وإنما ذلك سنة اليهود والنصارى ومن تشبه بهم ، وهو من أعظم وسائل الشرك . وعبادة الأنبياء والأولياء كما يشهد به الواقع ، وتدل عليه الأحاديث والآثار المعلومة في كتب السنة فتنبه واحذر ). أ ـ هـ .

ويقول الشيخ صالح الفوزان حفظه الله ـ شرح مسائل الجاهلية ص227ـ في من يذهب إلى غار حراء وغار ثور ويصلون فيه وما شابه ذلك قال : (هذا كله من دين الجاهلية فالجاهلية هي التي تُعظِّم آثار أنبيائها ).

وقال الشيخ صالح الفوزان أيضاً في الكتاب السابق ص238 : ( تعظيم آثار المعظمين من العلماء أو من الملوك أو من الرؤساء ، بأن تُحيا هذه الآثار وترمم وتصان ، فهذا العمل وسيلة من وسائل الشرك ، وهذا من دين الجاهلية ؛ لأنه يأتي جيل فيما بعد يقولون ـ أو يقول لهم الشيطان ـ: إن آبائكم ما احتفظوا بهذه الآثار إلا لأن فيها بركة وفيها خيراً ، فيعبدونها من دول الله ؛ لأن الجيل الأول هيأ لهم الأسباب ، كما فعل الشيطان مع قوم نوح لما أمرهم بتصوير الصالحين لأجل أن تبعث فيهم النشاط على العبادة ، فهم أسّسوا هذا الشيء بنية صالحة ، ولكن جاء جيل جُهّال فعبدوها ) أ ـ هـ .

ثالثاً: دعا الكاتب إلى إحياء وبناء هذه الآثار والمحافظة عليها مع إيجاد مرشدين يعلمون ويرشدون من يفعل البدع والجهالات في تلك الأماكن ويدعونهم إلى الله . ويعلمونهم العقيدة الصافية ، ويصححون مفاهيمهم ، ويعرفونهم بتاريخ الإسلام والمعاني التاريخية السامية ..

ويكون ذلك كله من طريق تنظيم جموع الزائرين لمشاهدة هذه الأماكن بقيادة هؤلاء المرشدين !

هذا ما ذكره الكاتب .. وهي دعوةٌ منه إلى جعل تلك الأماكن التاريخية مزارات يزورها الناس.. كما يزورون المسجد الحرام والمسجد النبوي والمسجد الأقصى.

وهذه الشبهة التي ذكرها الكاتب ليست وليدة العصر. بل سبقه بها من سبقه،وممن سبقه:صالح محمد جمال . كما في صحيفة (الندوة) في عددها الصادر في 24/5/1387هـ .

ودعا الكاتب صالح محمد جمال إلى بناء ما تهدم من الآثار مع إيجاد مرشدين يبصرون الناس.

ورد على هذا الكاتب سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله رداً وافياً كما في مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله 1/402 .

والعلاج الذي ذكره الكاتب من إحياء تلك الآثار مع إيجاد مرشدين. إنما هو طريق لإحياء البدع . والآثار الجاهلية ولكن بطريقة عصرية .

وإلا فالأنبياء عليهم السلام والصحابة  رضي الله عنهم  والسلف رحمهم الله لا يعرفون هذا الطريق الذي ذكره الكاتب .

وإنما كانت طريقتهم هدم الأوثان وقطع السبل الموصلة إلى اتخاذ الأوثان آلهة تعبد مع الله ونذكر الأدلة على ذلك . وعلى بطلان الشبهة التي ذكرها الكاتب .

الدليل الأول :

أن الرسول  صلى الله عليه وسلم  حطم الأوثان والأصنام .. فهدم اللات والعزى ومناة . مع أنها آثار قديمة .

ولم يتركها الرسول  صلى الله عليه وسلم  ويرسل لها مرشدين .

فالرسول  صلى الله عليه وسلم  لم يقتصر على تحطيم الأصنام فقط . بل والمباني والأحجار التي كانت تعبد مع الله .

وقد ذكر محمد بن إسحاق والأزرقي ( كما في أخبار مكة للفاكهي 5/134) وغيره أن عمرو بن لحي هو أول من دعى العرب إلى عبادة الأصنام من دون الله ـ تعالى ـ ، إلا أن قريشاً قبله كانوا يعظمون أحجار مكة ، ويظعنون بها معهم إذا ظعنوا تعظيماً لها،حتى دعاهم عمرو بن لحي إلى عبادة الأحجار والأشجار وغير ذلك. أ ـ هـ

ولذلك نهى النبي  صلى الله عليه وسلم  أمّته عن الغلو، الذي كان سبب تغيير دين الرسل عليهم الصلاة والسلام؛ مخافة ذلك ؛ لأنه سريع السراية في محو سنن المرسلين ، وتبديل عبادة رب العالمين بعبادة الشياطين ، حتى إنه ليصعب على عابديها الخروج من ذلك .

وقد سُئِل سفيان بن عيينة : ( كيف عبدت العرب الحجارة والأصنام ؟ فقال : أصل عبادتهم الحجارة أنهم قالوا : البيت حجر ، فحيث ما نصبنا حجراً فهو بمنزلة البيت) . وقد روى هذا الأثر بإسناده ابن الجوزي كما في تلبيس إبليس ص71 .

ومما هدمه النبي  صلى الله عليه وسلم  من الأوثان :

العزى : قال ابن جرير الطبري رحمه الله في تفسيره (27/59) : ( وأما العزى فاختلف أهل التأويل فيها فقال بعضهم : كانت شجرات يعبدونها ، وقال آخرون : كان بيتاً بالطائف تعبده ثقيف ، وقال آخرون : بل كانت ببطن نخلة ، وقال آخرون : كانت العزى حجراً أبيض ) أ ـ هـ .

وقال ابن كثير رحمه الله كما في تفسيره (7/455) : ( كانت شجرة عليها بناءٌ وأستارٌ بنخلة وهي بين مكة والطائف كانت قريش يعظمونها ) أ ـ هـ .

وروى النسائي في السنن الكبرى برقم (11547) بإسناده عن أبي الطفيل قال : لما فتح رسول الله  صلى الله عليه وسلم  مكة بعث خالد بن الوليد إلى نخلة، وكانت بها العزى ، فأتاها خالد وكانت على ثلاث سمُرات ، فقطع السَّمرات ، وهدم البيت الذي كان عليها ثم أتى النبي  صلى الله عليه وسلم  فأخبره ، فقال : (( ارجع فإنك لم تصنع شيئاً )) . فرجع خالد ، فلما أبصرته السدنة ـ وهم حَجَبتها ـ أمعنوا في الحيل وهم يقولون : (( يا عزى ، يا عزى )) فأتاها خالد فإذا امرأة عريانة ناشرة شعرها تحفن التراب على رأسها ، فغمسها بالسيف حتى قتلها، ثم رجع إلى رسول الله  صلى الله عليه وسلم  فأخبره ، فقال : (( تلك العزى )) .

فهذه العزى أصلها شجرة ذات سمرات ثلاث وقد عبدها المشركون .

اللات : فقد روى ابن عباس كما في صحيح البخاري برقم (4859) بأن ( اللات ) كان رجلاً يلت للحجيج في الجاهلية السويق . فلما مات عكفوا على قبره فعبدوه .

ونقل ابن كثير في تفسير الآية (7/454) أن هذا هو قول مجاهد والربيع بن أنس .

ذو الخلصة : وقد اختلف أهل العلم في (ذو الخلصة ) هل هو صنم أو بيت كان يعبد وقد رجح الأزرقي كما في أخبار مكة (1/375) أنه بيت كان يدعى الكعبة اليمانية فيه نصُب.

وقد جاء في صحيح مسلم برقم (2456) من حديث جرير  رضي الله عنه  أن ذا الخلصة كان يقال له الكعبة اليمانية والكعبة الشامية . فقال رسول الله  صلى الله عليه وسلم  : (( هل أنت مريحي من ذي الخلصة والكعبة اليمانية والكعبة الشامية ...)) الحديث ، وفيه فحرقها بالنار .

وروى البخاري في صحيحه برقم (7116) عن أبي هريرة  رضي الله عنه  : (( لا تقوم الساعة حتى تضطرب أليات نساء دوس على ذي الخلصة )).

فالرسول  صلى الله عليه وسلم  هدم وأزال أنواعًا من المعبودات منها الأصنام والمباني والأشجار والأحجار وغيرها ، ولم يقتصر على الأصنام فقط وكان هدمه لتلك الأوثان بالنظر إلى ما يفعل عندها من أولئك الجهال ولم يقتصر على ذلك بل أمر بإزالة أسباب الشرك وقطع الطرق الموصلة إلى الشرك فأمر بكسر التماثيل .. وطمس الصور .. وتسوية القبور إذا لم تعبد .. فكيف إذا عبدت .

قال ابن القيم ـ في قصة هدم اللات لما أسلمت ثقيف ـ : ( فيه أنه لا يجوز إبقاء مواضع الشرك والطواغيت بعد القدرة على هدمها وإبطالها ، يوماً واحداً .

وكذلك حكم المشاهد التي بنيت على القبور، والتي اتخذت أوثاناً تعبد من دون الله، والأحجار التي تقصد للشرك والنذر ، لا يجوز إبقاء شيء منها على وجه الأرض مع القدرة على إزالتها . وكثير منها بمنزلة اللات والعزى ومناة ، وأعظم شركاً عندها وبها . فاتبع هؤلاء سنن من كان من قبلهم ، وسلكوا سبيلهم حذو القذة بالقذة ، وغلب الشرك على أكثر النفوس ؛ لظهور الجهل وخفاء العلم . فصار المعروف منكراً والمنكر معروفاً، والسنة بدعة والبدعة سنة . وطمست الأعلام واشتدت غربة الإسلام، وقل العلماء ، وغلب السفهاء ، وتفاقم الأمر ، واشتد البأس ، وظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس) . أ ـ هـ زاد المعاد (3/506).

فهذه الأحجار والمباني في مكة هي آثار مع أن أصلها حجارة ، لكن لما عبدت من قبل أولئك الجاهلين انتقلت من كونها آثاراً إلى أوثان تعبد مع الله ، فكان صنيع النبي  صلى الله عليه وسلم  هو تحطيمها .

وهكذا آثار الصالحين .. وبيوتهم وأماكن ولادتهم متى ما كانت تعبد مع الله فيسجد لها وينذر لها وتدعى مع الله فهي أوثان لابد من هدمها لكي يقطع الشرك وأسبابه.

وهذه الأعمال الشركية من قبل الجهال هي التي تنقل هذه الآثار إلى كونها أوثاناً ؟

والعجب أن الكاتب يقول في هذه الأماكن التاريخية والآثار الإسلامية ينبغي أن لا يربط بينها وبين ما خالطها من بدع وخرافات.

ولست أدري لماذا ربط الأنبياء بين الأوثان وبين أعمال الجهال عندها ؟

لماذا هدموا المباني التي عبدت وتركوا المباني التي لم تعبد ؟

لماذا سميت أوثان ؟ لأنها مبنى فقط ؟ أو لأن هناك خرافات وشركيات وجهت إلى هذا المبنى ؟؟؟

والوثن أعم من الصنم . فقد يكون صنماً وقد يكون بناءً أو بيتاً أو حجراً ولذلك قال الأعشى :
تطوف الحفاة بأبوابه *** كطوف النصارى ببيت الوثن
انظر [ الصبح المنير في شعر أبي بصير ص19] .

وقال ابن فارس : (الوثن واحد الأوثان ، وهي حجارة كانت تُعبد من دون الله ). انظر : مجمل اللغة ص916، والمقاييس 6/85 .

وتأمل في احتياط النبي  صلى الله عليه وسلم  وخوفه من إحياء الأوثان حينما أتاه رجل فقال : إني نذرت أن أنحر إبلاً ببوانة ؟ فقال  صلى الله عليه وسلم  : (( هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد ؟ فقال : لا . قال : فأوف بنذرك )) رواه أبو داود وصحح إسناده ابن حجر كما في التلخيص (4/198) .

فدل هذا الحديث على أن الرسول  صلى الله عليه وسلم  يمنع من فعل العبادة في مكان الأوثان ، وإن أزيلت تلك الأوثان خشية أن تحيا بالعبادة مرة أخرى .

فالرسول  صلى الله عليه وسلم  حطّم معاقل الشرك .. وسد كل طريق يوصل إلى إحياءها .

الدليل الثاني : ما جاء في صحيح مسلم من حديث أبي الهياج الأسدي قال : قال لي علي  رضي الله عنه  : ( ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله  صلى الله عليه وسلم  . أن لا تدع صورة إلا طمستها ، ولا قبراً مشرفاً إلا سويته ).رواه مسلم 2/969.

دل هذا الحديث على أن ما كان فيه فتنة للناس كارتفاع القبر .. ووجود الصور فإنه يزال ... ولا يترك مع القدرة على إزالته ويرسل له مرشدين .

قال الإمام القرطبي رحمه الله : (وأما تعلية البناء الكثير على نحو ما كانت الجاهلية تفعله تفخيماً وتعظيماً فذلك يُهدمُ ويزال ). تفسير القرطبي 10/381 .

وقال ابن تيمية رحمه الله : ( فهذه المساجد المبنية على قبور الأنبياء والصالحين والملوك وغيرهم ، يتعين إزالتها بهدم أو بغيره هذا مما لا أعلم فيه خلافاً بين العلماء المعروفين ) اقتضاء الصراط المستقيم 2/675 .

وقال الإمام ابن القيم رحمه الله عن حكم المساجد المبنية على القبور : ( حكم الإسلام فيها أن تهدم كلها حتى تسوى بالأرض ، وهي أولى بالهدم من مسجد الضرار ) أ ـ هـ . إغاثة اللهفان 1/210.

الدليل الثالث : تحطيم إبراهيم عليه السلام للأصنام .. فلم يبقها ويرسل مرشدين يعلمون الناس . قال الله عز وجل عن إبراهيم : {فَجَعَلَهُمْ جُذَاذاً } يعني فتاتاً .

وهكذا موسى عليه السلام عندما حرَّق العجل . الذي افتتن به بنو إسرائيل .

لقد صنع السامري العجل على طريقة تلاءم عصره .. وصنعه بطراز يجعل النفوس تميل إلى هذا العجل وذكِر أنه صنعه من ذهب .

فلما كان ذلك العجل ببناء مثير .. وعلى طرازٍ يجذب الأنظار افتتن به بنو إسرائيل فعبدوه مع الله .

ولقد ناصحهم هارون عليه السلام أشد المناصحة . . ونهاهم وزجرهم أتم الزجر .. {وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِن قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُم بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ ...} .

ولكن وجود هذا الصرح الشركي القائم .. والوثن الذي اتخذ إلهاً مع الله . وجوده مع وجود خيرة المرشدين وهم الأنبياء عليهم السلام لا يكفي . إذ لابد من هدمه .

وهكذا صنع موسى عليه السلام : {قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَن تَقُولَ لَا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَّنْ تُخْلَفَهُ وَانظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً * إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً}

وقال سبحانه في الذين اتخذوا العجل : {إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ }.

{وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ } قال بعض السلف : مسجلة لكل صاحب بدعة إلى يوم القيامة .

الدليل الرابع : ما روى محمد بن وضاح (ص87) وغيره أن عمر بن الخطاب أمر بقطع الشجرة التي بويع تحتها النبي  صلى الله عليه وسلم  .وقد روى هذا الأثر ابن سعد في الطبقات بسنده عن نافع، الطبقات الكبرى 2/100 ، وذكره ابن حجر في الفتح (7/513) وقال : ( ثم وجدت عند ابن سعد بإسناد صحيح عن نافع أن عمر ... ).

وقال ابن وضاح (ص87) في كتابه البدع والنهي عنها : ( سمعت عيسى بن يونس مفتي طرسوس يقول : أمر عمر بن الخطاب بقطع الشجرة التي بويع تحتها النبي  صلى الله عليه وسلم  لأن الناس كانوا يذهبون فيصلون تحتها فخاف عليهم الفتنة ). أ ـ هـ .

قال أبو بكر الطرطوشي في كتابه : [الحوادث والبدع ] ص38 بعد أن ذكر حديث أبي واقد الليثي : ( فانظروا رحمكم الله أيضاً أينما وجدتم سدرة أو شجرة يقصدها الناس ، ويعظمون من شأنها ، ويرجون البر والشفاء من قبلها ، وينوطون بها المسامير والخرق ، فهي ذات أنواط فاقطعوها ) أـ هـ .

وقال عبدالرحمن بن إسماعيل المعروف بأبي شامة في كتابه [الباعث على إنكار البدع والحوادث] ص24 : ( ولقد أعجبني ما صنعه الشيخ أبو إسحاق الجبيناني رحمه الله تعالى ـ أحد الصالحين ببلاد أفريقية في المائة الرابعة ـ ، حكى عنه صاحبه الصالح أبو عبدالله محمد بن أبي العباس المؤدب أنه كان إلى جانبه عين تسمى : عين العافية، كانت العامة قد افتتنوا بها، يأتونها من الآفاق ، من تعذر عليها نكاح أو ولد ، قالت : امضوا بي إلى العافية فتعرف بها الفتنة ، قال أبو عبدالله : فإنا في السحر ذات ليلة إذ سمعت أذان أبي إسحاق نحوها فخرجت فوجدته قد هدمها ، وأذن الصبح عليها ، ثم قال : اللهم إني هدمتها لك فلا ترفع لها رأساً . قال : فما رفع لها رأس إلى الآن ) أ ـ هـ .

فكيف يقول الكاتب بعد ذلك أن في إزالة هذه الأماكن التاريخية اعتداءٌ على مشاعر المسلمين .. واعتداء على التاريخ .

فهل ما ذكرناه من فعل الأنبياء والصحابة والسلف رضي الله عنهم اعتداءٌ على التاريخ وعلى مشاعر المسلمين ؟

أم أن بقاء تلك الآثار مع تلك البدع اعتداء على الإسلام والتوحيد الخالص ؟؟؟.

وكأن الكاتب ذكر أنموذجاً لهذا التطور حينما ذكر " دار الخيزران" فقال (كما في صحيفة عكاظ 11/3/1427هـ ) : ( تدعى هذه الدار بـ "دار الخيزران" نسبة إلى أم الخليفة الرشيد رحمه الله تعالى، وفي التعريف به ورد أن "دار الخيزران" هي دور حول المختبى ملكتها الخيزران أم الرشيد شراءً لما حجت ، وتناقلت في يد الملاك إلى أن صارت الآن من جملة أملاك السلطان مراد خان ، وفي إتحاف فضلاء الزمن : وفي سنة اثنتا عشرة ومائة وألف عمر إبراهيم بك دار الأرقم ، وهي دار البيعة ، ومجتمع الصحابة قبل الهجرة ، جددها من أساسها إلى فوقها ، وجعل فيها قبة عظيمة ، وطاجنين ، ورمم البيت الشريف وجعل لمبرك ناقته  صلى الله عليه وسلم  مسجداً ، وله محراب صغير خلف المحل الشريف مما يلي الطريق ، وعمره من أساسه بالحجر الشبيكي ، والشميسي ، وجعل على جداره شراريف ، وطبطب أعلى سطح الجميع بالنورة ) . أ ـ هـ .

أهذا المثال الذي ارتضى الكاتبُ أن يذكره ؟
هل يريد الكاتب أن يجعل هذا المثال أنموذجاً لبناء الآثار بناءً إسلامياً عصرياً ؟!
هل يريد الكاتب أن نبني الآثار الإسلامية ونجعل لها القباب ويفتتن الناس بهذه الأماكن .. والقباب .. والمباني ؟
ثم نأتي بالمرشدين الذين يدعون لترك الخرافة ... الخ ؟؟.

أهذا المثال الذي ذكره الكاتب هو الذي صنعه الملك عبدالعزيز رحمه الله بتلك الآثار .. فهلا استنطقت التاريخ لترى هل الملك عبدالعزيز يبني القباب ... أو أن التاريخ يشهد بأن الملك عبدالعزيز رحمه الله هو الذي قضى على معالم الشرك في هذه البلاد !.

كيف تحيا الأماكن ونحن نرى فيها أهل الضلال وما يحدثونه من تلك الظلمات المتراكمة..والبدع المتلاطمة.. حتى انقلبت الأوضاع في قلوب أولئك فصار الحق باطلا ... والباطل حقاً والخالق مخلوق ، والمخلوق خالق .

وبناءُ ذلك المكان بطراز يبهر النفوس هو دعوةٌ للأعمال الخرافية .. وتأجيج لنار الوثنية في قلوب أولئك الجهَّال .

وكان الأولى بالكاتب أن يكتب عن أسباب القضاء على الشرك في العالم .. لا أن يذكر أسباب إحياء الشرك والبدع والخرافة .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ اقتضاء الصراط المستقيم ( 2/655) : ( فهذه البقاع التي يعتقد لها خصيصة كائنة ما كانت ـ فإن تعظيم مكان لم يعظمه الشرع شر من تعظيم زمان لم يعظمه ، فإن تعظيم الأجسام بالعبادة عندها أقرب إلى عبادة الأوثان من تعظيم الزمان ، حتى أن الذي ينبغي تجنب الصلاة فيها ، وإن كان المصلي لا يقصد تعظيمها ، لئلا يكون ذلك ذريعة إلى تخصيصها بالصلاة فيها ، كما ينهى عن إفراد الجمعة وسرر شعبان بالصوم ، وإن كان الصائم لا يقصد التخصيص بذلك الصوم ، فإن ما كان مقصوداً بالتخصيص ، مع النهي عن ذلك ، ينهى عن تخصيصه أيضاً بالفعل .

وما أشبه هذه الأمكنة بمسجد الضرار الذي أسس على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم . فإن ذلك المسجد لما بني ضراراً وكفراً ، وتفريقاً بين المؤمنين وإرصاداً لمن حارب الله ورسوله من قبل ـ نهى النبي  صلى الله عليه وسلم  عن الصلاة فيه ، وأمر بهدمه .

وهذه المشاهد الباطلة ، إنما وضعت مضاهاة لبيوت الله ، وتعظيماً لما لم يعظمه الله ، وعكوفاً على أشياء لا تنفع ولا تضر ، وصداً للخلق عن سبيل الله،وهي عبادته وحده لا شريك له بما شرعه على لسان رسوله  صلى الله عليه وسلم  تسليماً، واتخاذها عيداً هو الاجتماع عندها واعتياد قصدها ، فإن العيد من المعاودة ). أ ـ هـ .

وأختم هذه الوقفة بسؤال يتساءله كل مسلم .

وهو : هل تأملنا إذا أحييت تلك الأماكن ما الذي سيضعه دعاة الشرك والبدع والخرافة هناك ... وما الأحداث التي سيحدثونها وما الباطل الذي سينشرونه ؟

رابعاً : ذكر الكاتب : أن الأماكن التاريخية مكتسبات الأمة ، وأن المحافظة عليها يزود الأمة بتيار روحي يجدد حياتها ، وأن الأماكن التاريخية لها إيحاءاتها وإشعاعاتها الإيمانية .

ثم ذكر أن السماع إذا صاحبه المشاهدة لمكان الحدث يحرك في الشاب نوازع الإيمان ... كما في صحيفة عكاظ 3/3/1427هـ وكذلك 4/3/1427هـ .

وما ذكره الكاتب يذكرنا بقصة قوم نوح عليه السلام حيث كانوا يجدون في صور صالحيهم وتماثيلهم تحريكاً لنفوسهم للعبادة . وكانت تلك الأصنام والأماكن تخرج منها إشعاعات وإيحاءات حركت نفوس قوم نوح لكن حركتها إلى الباطل والشرك .

فتحريك النفوس موجود في كل أمة . ولكننا نبحث عن أمرين في تحريك النفوس .
أما الأمر الأول : فهو أين من يحرك النفوس للحق لا للباطل .
أما الأمر الثاني : أين المنهج الصحيح .. أين منهج النبي  صلى الله عليه وسلم  وطريقه في تحريك النفوس .
فالرسول  صلى الله عليه وسلم  لم يأخذ الصحابة إلى مكان مولده ليحرك نفوسهم ؟
وإنما حرك نفوسهم بالمواعظ الإيمانية ... والقرآن .... الخ .

فالبحث عن تحريك النفوس بأي طريق حتى لو خالف طريق النبي  صلى الله عليه وسلم  هذا فيه هلاك للعبد ... ومن تأمل في قصة قوم نوح عليه السلام فإنه يحذر أشد الحذر في هذه القضية .

لقد كان الطريق الخاطئ لتحريك النفوس سبباً لإخراج قوم نوح من نور الإيمان إلى ظلمات الشرك سبباً لخروجهم من الطمأنينة إلى الحيرة والتشتت لقد خرجوا من العزة والرفعة في عبادتهم لرب العباد إلى المذلة لشتى الأرباب .

فوقعوا في الظلم الوخيم .. والشر المستطير .. إنه الشرك بالله العظيم .

الشرك الذي هو انقطاع ما بين الله والعباد لا يبقى لهم معه أملٌ في مغفرةٍ حتى يتوبوا منه .

قال الله جل وعلا : {وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلَا سُوَاعاً وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً * وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيراً ... }.

قال ابن عباس  رضي الله عنه  كما في صحيح البخاري (4920) : ( هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح . فلما هلكوا . أوحى الشيطان إلى قومهم : أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصاباً وسموها بأسمائهم ، ففعلوا ولم تعبد ، حتى إذا هلك أولئك ونسي العلم عُبدت ) .

فقوم نوح لم يريدوا بفعلهم هذا إلا الخير ، والتزود في العبادة ... وتحريك النفوس .

لكن هل الطريق الذي أرادوا به الخير طريقاً صحيحاً ؟

الجواب : لا .

بل إن الذي دعاهم إلى هذا الطريق في تحريك النفوس هو الشيطان نعوذ بالله منه ، حتى زين لهم ذلك المكان الذي كان يجلس فيه الصالحون . بأن ذلك المكان إذا وضعت فيه الصورة ذكرتهم بالعبادة ... ورقّة قلوبهم . ( فانصبوا في مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصاباً )، وكانت هذه هي الخطوة الأولى للشرك .

حيث قال ابن عباس : ( ففعلوا ولم تعبد ، فلما مات أولئك القوم ونسي العلم عُبدت ).

وهكذا النصارى إذا نظروا إلى آثار الصالحين وقبورهم وجدوا تلك الإشعاعات .. والإيحاءات .. ولكنها إشعاعات وإيحاءات قادتهم إلى الشرك بالله عياذاً بالله من ذلك .

وكثير من أصحاب البدع لم يأتوا ببدعتهم إلا لزعمهم أنها تؤثر على قلوبهم ... وتحرك نفوسهم ... أو تؤثر على غيرهم .

ولذلك فإن بعض الطوائف المنتسبة إلى الإسلام إذا ذهبت إلى تلك الأماكن التاريخية تصيبهم تلك الإشعاعات والإيحاءات التي تكلم عنها الكاتب .. فيبكون هناك .. ويخشعون .. ويصنعون ما لا يصنعونه عندما يتلون القرآن .

فلو رأيت تلك الطوائف وتعظيمهم لتلك الأماكن ... وكيف يتبركون بها ويعتقدون إجابة الدعوة عندها .

حتى استعذبت قلوبهم تلك البدع ، واستغنت بها عن كثير من السنن حتى إن كثيراً من تلك الطوائف ليحافظ على البدع ما لا يحافظ فيه على الواجبات والسنن ، ويتلذذون بالبدع ما لا يتلذذون بالسنن .

فجهلوا دين المرسلين ، ونشطوا في زرع طريقة الجاهلين .
فإذا ببدعهم تسرق الطبع إلى الانحلال من ربقة الاتباع .

وفوات سلوك الصراط المستقيم ... حتى عظمت المفاسد وكثرت القبائح ... التي لا يدركها إلا من استنارت بصيرته وسلمت سريرته .

ولذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ( ولذا تجد من أكثر من سماع القصائد لطلب صلاح قلبه تنقص رغبته في سماع القرآن ، حتى ربما كرهه ، ومن أكثر من السفر إلى زيارات المشاهد ونحوها لا يبقى لحج البيت الحرام في قلبه من المحبة والتعظيم ما يكون في قلب من وسعته السنة ، ومن أدمن على أخذ الحكمة والآداب من كلام حكماء فارس والروم ، لا يبقى لحكمة الإسلام وآدابه في قلبه ذاك الموقع ، ومن أدمن قصص الملوك وسيرهم لا يبقى لقصص الأنبياء وسيرهم في قلبه ذاك الاهتمام ، ونظير هذا كثير .

ولهذا جاء في الحديث عن النبي  صلى الله عليه وسلم :(( ما ابتدع قوم بدعة إلا نزع الله عنهم من السنة مثلها)) رواه الإمام أحمد.

وهذا أمر يجده من نفسه من نظر في حاله من العلماء ، والعباد ، والأمراء والعامة وغيرهم . ولهذا عظمت الشريعة النكير على من أحدث البدع ، وكرهتها . لأن البدع لو خرج الرجل منها كفافاً لا عليه ولا له لكان الأمر خفيفاً . بل لابد أن يوجب له فساداً ، منه نقص منفعة الشريعة في حقه ، إذ القلب لا يتسع للعوض والمعوض منه .... الخ ). اقتضاء الصراط المستقيم 1/484 .

وإذا دخلت الأهواء في مثل هذا الباب أفسدت فساداً عريضاً .. واتباع الأهواء في الديانات أعظم من اتباع الأهواء في الشهوات ، لأن اتباع الأهواء في الديانات حال الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين كما قال سبحانه : {فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ } انظر الفتاوى لابن تيمية ( 28/132 ).

وقد قال قتادة رحمه الله : ( لقد تكلفت هذه الأمة شيئاً ما تكلفته الأمم قبلها ) رواه الطبري في التفسير 1/537 ، والأزرقي في أخبار مكة 2/29.

وإذا علمنا ذلك علمنا كيف خاف الأنبياء على أنفسهم من الشرك فقال تعالى عن إبراهيم عليه السلام : {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ } فإبراهيم عليه السلام يدعو بهذا لما شهده وعلمه من كثرة من ضلوا بسبب هذه الأصنام من الناس .. ومن فُتِنوا وافتتنوا بعبادتها ... وهم خلق كثير {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ } .

فالمقصود أن الطريق الذي يدعو إليه الكاتب للتأثير على النفوس بإحياء تلك الأماكن .. وبناء المساجد عليها وما شابه ذلك . هو طريق خاطئ .. وهو طريق هلكت بسببه أممٌ قبلنا .. وليس من دين الإسلام في شيء .

والتأثير الصحيح على النفوس إنما يكون بتذكيرها بهذا الوحي العظيم .. تذكيرها بالكتاب وسنة النبي  صلى الله عليه وسلم  كما كان يفعل  صلى الله عليه وسلم { فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ }.

ثم ذكر الكاتب ما نقله العلامة محمد بن سعد بن منيع الزهري في الطبقات الكبرى بسنده إلى معاذ بن محمد الأنصاري قال :( سمعت عطاء الخراساني في مجلس فيه عمران بن أبي أنس يقول وهو فيما بين القبر والمنبر : أدركت حجر أزواج رسول الله  صلى الله عليه وسلم  من جريد النخل على أبوابها المسوح من شعر أسود فحضرت كتاب الوليد بن عبدالملك يُقرأ بإدخال حجر أزواج النبي  صلى الله عليه وسلم  في مسجد رسول الله ، فما رأيت يوماً أكثر باكياً من ذلك اليوم .

قال عطاء : فسمعت سعيد بن المسيب يقول يومئذ : والله لوددت أنهم تركوها على حالها ، ينشأ ناشئ من أهل المدينة ، ويقدم القادم من الأفق فيرى ما اكتفى به رسول الله  صلى الله عليه وسلم  في حياته فيكون ذلك مما يزهد الناس في التكاثر، والتفاخر .

قال معاذ : فلما فرغ عطاء الخراساني من حديثه قال عمر بن أبي أنس : كان منها أربعة أبيات بلبن لها حُجَر من جريد ، وكانت خمسة أبيات من جريد مطينة لا حجر لها ، على أبوابها مسوح الشعر ، وذرعت الستر فوجدته ثلاث أذرع في ذراع ، والعظم ، أو أدنى من العظم ، فأما ما ذكرت من البكاء يومئذ فلقد رأيتني في مجلس فيه نفر من أبناء أصحاب رسول الله  صلى الله عليه وسلم  ومنهم أبو سلمة بن عبدالرحمن بن عوف ، وأبو أمامة بن سهل بن حنيف ، وخارجة بن زيد بن ثابت وإنهم ليبكون حتى أخضل لحاهم الدمع ، وقال يومئذ أبو أمامة : ليتها تركت فلم تهدم حتى يقصر الناس عن البناء ، ويروا ما رضي الله لنبيه  صلى الله عليه وسلم  ، ومفاتيح الدنيا بيده ) . وهذا الأثر رواه محمد بن سعد عن محمد بن عمر عن معاذ بن محمد الأنصاري .

و قد تكلم الحفاظ في رجال إسناده مثل محمد بن عمر ومعاذ بن محمد الأنصاري .

وهكذا عمران بن أبي أنس . الذي تكلم بعد عطاء الخراساني فإن عمران قال عنه البخاري منكر الحديث .

ومن المعلوم أن كتب السير تجمع الصحيح والمنكر وقد قال ابن جرير رحمه الله في تاريخه : ( ومعلوم أن المؤرخين لا يهتمون بالسند وصحته ، وإنما ينقلون ما يبلغهم ويجعلون العهدة على من حدثهم ) أ ـ هـ .

وقال الحافظ زين الدين العراقي :
وليعلم الطالب أن السير *** تجمع ما صح وما قد أنكر
وكم أتعجب من الكاتب حينما يأتي بأخبار السير ولم يأتِ في بحثه بحديث واحد صحيح في بيان الاهتمام بهذه الآثار والأماكن .
وكان الواجب على الكاتب أن يبحث عن الأحاديث الصحيحة الثابتة وأن لا يعول على الأخبار والسير .

خامساً : ذكر الكاتب بأن السلف حرصوا على ترميم تلك الأماكن ودونوها في كتبهم ، كتب التاريخ والسيرة النبوية ، وسير الصحابة وكتب المناسك ... الخ .

ونقول للكاتب: واهتمامهم بشيء من ذلك كاهتمامهم بنقل أخبار الأصنام والأوثان وأماكنها ... وكاهتمامهم بنقل أخبار المشركين والوقائع التي وقعت بين المشركين أنفسهم وأماكنها ، ومن قرأ في كتاب ابن إسحاق في السيرة ظهر له ذلك.
بل وأُفرِدت كتب عن الأصنام وأماكنها مثل كتاب الأصنام لابن الكلبي ، وذكر أغلب هذه المعبودات الأرضية.
فآثار الصالحين وأماكنهم ليس لها خصوصية في النقل .
وكان تدوينهم لذلك كله نقلٌ للأخبار والأحداث . ولم يكن تدوينهم للاعتقاد ولإحياء تلك الأماكن بالعبادة عندها .
كما أنهم لمّا نقلوا تلك الأخبار عن الأصنام وغيرها لم يكن لشدِّ الرحال إليها .
ولذلك لا تجد في كتب السنة دعوة إلى إقامة المساجد في أماكن الصالحين .. ولا إحياء أماكنهم بالعبادة . ولا الحث على الذهب إلى تلك الأماكن وتتبعها .
وإنما تجد فيها التحذير من الغلو في تلك الأماكن .

وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله الفتاوى 27/444 : ( بأنه ليس في معرفة قبور الأنبياء بأعيانها فائدة شرعية . وليس حفظ ذلك من الدين . ولو كان من الدين لحفظه الله كما حفظ سائر الدين ). أ ـ هـ .

سادساً : ذكر الكاتب أن الملك عبدالعزيز رحمه الله كان له رعاية واهتمام بالأماكن التاريخية الإسلامية .. وأنه وظف تلك الأماكن توظيفاً عصرياً عقلانياً .( صحيفة عكاظ 3/3/1427هـ)

ثم قال : ونحن واثقون في هذا العهد المبارك عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود أن يطور هذا الموقع ( مكان مولد النبي  صلى الله عليه وسلم  ) بزخمه الإسلامي والتاريخي بما يتلاءم والتطور الفكري والعلمي ، والمادي لهذه البلاد في عهده الميمون ، وأن يسجل له التاريخ كما سجل لوالده رحمه الله من المآثر ما يشيد به شكراً ، وثناءاً عطراً ... الخ

كما في صحيفة عكاظ 11/3/1427هـ.

وكلام الكاتب غير صحيح .

فالملك عبدالعزيز رحمه الله لم يعتنِ بالآثار .. ولم يعرف عنه كلمةٌ واحدة للاهتمام بالآثار .. وتشييدها وجعلها مزاراً.

وإنما عرف عنه محاربته للشرك والبدع والخرافة . وهدم القباب والمعالم الشركية فرحمه الله رحمة واسعة .

وكان من أبرز معالم الدول السعودية الثلاث هدم القباب والمشاهد وقد ذكر الشيخ صديق حسن "الدين الخالص (3/557) " أنهم هدموا المشاهد التي كانت في ( العلى ) مقبرة مكة المكرمة ، والقباب التي كانت ببقيع الغرقد في المدينة . أ ـ هـ .

والعالمُ يشهد بذلك .. وأهل البدع أجلبوا بخيلهم ورجلهم لإحياء تلك الآثار فلم يستطيعوا .. وذلك بفضل الله .

ثم بسبب قوة تمسك الملك عبدالعزيز رحمه الله بالعقيدة الصحيحة.

ولذلك في إحدى المؤتمرات لما جاءت جمعية الخلافة في الهند إلى المملكة العربية السعودية ، وتكلم محمد علي وأخاه شوكت علي ... وطالبا بإعادة بناء القباب والزخارف على القبور التي هدمت . أصدر الملك عبدالعزيز رحمه الله بياناً يؤكد فيه أنه لا يقبل أي امتياز لأحد دون أحد .

وجميع الوافدين لهذه البلاد ينبغي أن يخضعوا للشريعة الإسلامية . أ ـ هـ .

انظر كتاب : [مكانة المنطقة الشرقية في السعودية] . لـ : خالد الغليقة ص75.

وقد ذكر الكاتب مصطفى أمين الكاتب في صحيفة الندوة . في عددها الصادر 24/6/1380هـ .

بأن البقيع التي دفن فيها أزواج وعمات الرسول  صلى الله عليه وسلم  وقبر إبراهيم،وقبور الصحابة كانت في الماضي بالقباب.

حتى جاءت الدولة الرشيدة وأزالت القباب وتركت القبور كما هي لم تُعلَّم .

انظر مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لابن باز 1/397.

فالملك عبدالعزيز رحمه الله لم يعتنِ بذلك . وإنما اعتنى بإرسال العلماء والدعاة .. وبنى المدارس التي تعلم الناس العقيدة الصافية .. ولم يسمح بغيرها .. وبنى المساجد.. ولم يبنِ مسجداً واحداً على تلك الآثار التي تكلم عنها الكاتب .

والعجب أن الكاتب ذكر أن كثيراً من هذه الآثار التي بجوار الحرم قد اختفى عن الأنظار .
لغرض توسعة الحرم .
وإعادة تخطيط المدينة المقدسة .

وبحسب ما جدَّ فيها من طرق وزيادة عدد السكان وزيادة عدد الحجيج كل ذلك أدى إلى غياب بعض تلك الأماكن من الوجود ضرورة هذا ما ذكره الكاتب ؟.

وغاب عن ذهن الكاتب أن من أعظم أسباب اندثار هذه الأماكن نشر الملك عبدالعزيز رحمه الله للوعي .. ومحاربته للخرافة والبدع فعرف الناس بعد ذلك أن هذه الآثار ليست مكاناً للعبادة ، ولا تضر ولا تنفع .

لقد جاءت هذه الدعوة .. دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله وناصرها حكام آل سعود .. فانكسرت شوكة الشرك بفضل الله ورُفع علم التوحيد ، وتحررت عقول كثير من المسلمين من دناءة التفكير ووضاعة التصور ، فارتقت إلى التوحيد بعد أن كانت في وحل البدعة والشرك . وتوجهت القلوب إلى الله الواحد الأحد .

فرأيت دين الله أضحى ساطعاً *** والشرك يغشى وجهه الإظلام

ومازالوا يحاربون الشرك والبدع في عهد الملك عبدالعزيز رحمه الله .. بل من عهد الدولة السعودية الأولى حتى صار الوضع كما قال الكاتب : ( بأن آخر ما تبقى من تلك الآثار النبوية حول الحرم هو مكتبة مكة مكان مولد النبي  صلى الله عليه وسلم  ) . صحيفة عكاظ 11/3/1427هـ .

ولست أدري كيف يذكر الكاتب أن تلك الأماكن محفوظة خلفاً عن سلف وأن الملك عبدالعزيز اهتم بذلك ثم لا يبقى إلا مكانٌ واحد من تلك الأماكن المأثورة التي كانت بجوار الحرم ؟؟؟

وقد دعا الكاتب الملك عبدالله بن عبدالعزيز وفقه الله إلى أن يطور مكان مولد النبي  صلى الله عليه وسلم  بما يتلاءم والتطور الفكري والعلمي والمادي ، وأن يسجل له التاريخ كما سجل لوالده رحمه الله من المآثر ما يشيد بها شكراً . وثناءاً عطراً . أ ـ هـ .

لست أدري هل الكاتب يدعو إلى أن يكون ذلك المكان مبنى يضاهي بناء المسجد الحرام ؟

هل الكاتب يدعو إلى أن يكون ذلك المكان مزاراً للجهال والمبتدعة ؟

ولكن المأمول في الملك عبدالله حفظه الله وسدده أن يجعل هذا المكان بما يتوافق مع مصالح المسلمين .. أو مصالح المسجد الحرام على وجه يقطع فيه اتصال الجهال بذلك المكان .

سابعاً : ذكر الكاتب أن الملك عبدالعزيز اهتم بالأماكن التاريخية للأمة الإسلامية . بعد استشارته لكبار العلماء السلفيين الوسطيين . كما في صحيفة عكاظ 10/3/1427هـ

ثم قال في آخر هذا المقال :
(يحسب الحفاظ على هذه الأماكن التاريخية في موازين جلالة الملك عبدالعزيز رحمه الله ، ثم أولئك العلماء الذين أخلصوا مشورته ، وأثبتوا بسلفيتهم الصادقة ، المخلصة أنهم أصحاب أفق واسع ، ودراية بمآلات الأمور يدركون أهمية هذه الأماكن التاريخية ، وأثرها الكبير على توجيه الأجيال ... الخ ).

ثم قال في المقال المنشور يوم الأحد 11/3/1427هـ صحيفة عكاظ :
آخراً وليس أخيراً إن الاهتمام بهذه الأمكنة في العصر الحديث أصبح متعدد الأغراض ، متنوع المنافع ، فهي أولاً وقبل كل شيء مجال للدراسات العلمية ، وتحقيق الأحداث التاريخية ، ينبغي أن لا يربط بينها وبين ما خالطها من بدع وخرافات ، الأمر الذي أدى إلى ردة فعل أدى بالبعض إلى نفي بعضها ، وادعاء عدم صحتها برغم التواتر العلمي ، والمحلي الذي يفيد القطع ، واليقين ، حملهم السلوك المنحرف تجاهها من بعض الجهلة إلى المطالبة بإزالتها ، ما من شك أن في هذا إزالة حق لسلوك باطل وهو أسلوب غير صحيح تحدث عنه كبار العلماء، وهو غير مجد في الوقت الحاضر خصوصاً وقد تعددت الوسائل في صد هذا التيار ؛ ذلك أن المغالاة والمبالغة ليست من الإسلام في شيء ، بل هي الأبعد عن سنن الإسلام ، وهديه . وكذلك المجافاة فهي تبلد العواطف ، وقسوة في المشاعر تتعارض مع شفافية الروح .

هذا ما ذكره الكاتب .
ولعلي أنقل فتاوى العلماء السلفيين حول بقاء هذه الآثار وزيارتهم .

أولاً : فتوى اللجنة الدائمة رقم (19729) ـ تاريخ 27/6/1418هـ ومما جاء في الفتوى .
وقد ثبت أن عمر رضي الله عنه قطع الشجرة التي رأى الناس يذهبون للصلاة عندها خوفاً عليهم من الفتنة وقد ذكر عمر بن شبه في أخبار المدينة وبعده العيني في شرح البخاري مساجد كثيرة ولكن لم يذكروا المساجد السبعة بهذا الاسم وبهذا العرض الموجز يعلم أنه لم يثبت بالنقل وجود مساجد سبعة بل ولا ما يسمى بمسجد الفتح والذي اعتنى به أبو الهيجاء وزير العبيديين المعروف مذهبهم وحيث أن هذه المساجد صارت مقصودة من كثير من الناس لزيارتها والصلاة فيها والتبرك بها ويضلل بسببها كثير من الوافدين لزيارة مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام فقصدها بدعة ظاهرة وإبقاؤها يتعارض مع مقاصد الشريعة وأوامر المبعوث بإخلاص العبادة لله وتقضي بإزالتها سنة رسول الله  صلى الله عليه وسلم  حيث قال : (( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد )) فتجب إزالتها درءاً للفتنة وسداً لذريعة الشرك وحفاظاً على عقيدة المسلمين الصافية وحماية لجناب التوحيد اقتداء بالخليفة الراشد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه حيث قطع شجرة الحديبية لما رأى الناس يذهبون إليها خوفاً عليهم من الفتنة وبين أن الأمم السابقة هلكت بتتبعها آثار الأنبياء التي لم يؤمروا بها لأن ذلك تشريع لم يأذن به الله ... ) . انتهى .

ثانياً : فتوى بتاريخ 29/11/1415هـ .
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده .. وبعد :
فقد اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء على ما ورد إلى سماحة المفتي العام من المستفتي / عبدالله بن عبدالرحمن . والمحال إلى اللجنة من الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء برقم (4574) وتاريخ 3/11/1415هـ . وقد سأل المستفتي سؤالاً هذا نصه : ( لي أخ يقوم بتزوير الحجاج والمعتمرين إذا قدموا إلينا في المدينة المنورة ، على بعض المزارات وبعضها غير شرعي ، كالمساجد السبعة ، وبئر عثمان ، وبئر الدود ، وتربة الشفاء ، ومسجد العريض ، وبعض الأماكن الأخرى كمسجد القبلتين .

ويأخذ مقابل ذلك أجرة مالية ، يشترطها قبل إركاب الحجاج معه ، أو يتفق مع المسئول عن حملة الحجاج في ذلك .

فهل عمله ذلك جائز شرعاً ؟ وهل ما يأخذ من أجرة تجوز له ؟ أفتونا عن ذلك مفصلاً . ولكم الأجر والمثوبة ).

وبعد دراسة اللجنة للاستفتاء أجابت بأن هذا العمل الذي يقوم به أخوك وهو الذهاب بالحجاج والمعتمرين إلى أماكن في المدينة لا تجوز زيارتها كالمساجد السبعة وما ذكر معها هو عمل محرم وما يأخذ في مقابله من المال كسب حرام وعليك بمناصحته بترك هذا العمل فإن لم يتمثل فأبلغ عنه هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر للأخذ على يده . وبالله التوفيق .

وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .

ثالثاً : بل إن اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء برئاسة سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز ـ رحمه الله ـ ردت على أحد الكتاب في جريدة الرياض في هذا الشأن حيث قالت اللجنة :
( الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه أما بعد ... :

فقد نشرت جريدة الرياض في عددها الصادر 21/10/1412هـ مقالاً بقلم : س ر تحت عنوان : ترميم بيت الشيخ محمد بن عبدالوهاب بحريملاء ، وذكر أن الإدارة العامة للآثار والمتاحف أولت اهتماماً بالغاً بمنزل مجدد الدعوة السلفية الشيخ : محمد بن عبدالوهاب ـ رحمه الله ـ في حي غيلان بحريملاء ، حيث تمت صيانته وأعيد ترميمه بمادة طينية تشبه مادة البناء الأصلية .. إلى أن قال : وتم تعيين حارساً خاصاً لهذا البيت ... الخ) .

وقد اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في المملكة العربية السعودية على المقال المذكور ورأت أن هذا العمل لا يجوز ، وأنه وسيلة للغلو في الشيخ محمد بن عبدالوهاب ـ رحمه الله ـ وأشباهه من علماء الحق ، والتبرك بآثارهم والشرك بهم ، ورأت أن الواجب هدمه وجعل مكانه توسعة للطريق سدًّا لذرائع الشرك والغلو ، وحسماً لوسائل ذلك وطلبت من الجهة المختصة القيام بذلك فوراً ، ولإعلان الحقيقية والتحذير من هذا العمل المنكر جرى تحريره . كما في فتاوى ابن باز ( 7/425)

رابعاً : رد سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله على الكاتب صالح محمد جمال .
حيث دعا الكاتب صالح جمال إلى شيء مما دعا له د. عبدالوهاب إبراهيم أبو سليمان .

فقد جاء في كتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة 1/401 لسماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله :

الحمد لله ، وصلى الله وسلم على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه .
أما بعد فقد اطلعت على ما نشرته صحيفة ( الندوة ) في عددها الصادر في 24/5/1387هـ بقلم الأخ صالح محمد جمال تحت عنوان ( الآثار الإسلامية ) فألفيت الكاتب المذكور يدعو في مقاله المنوه عنه إلى تعظيم الآثار الإسلامية ، والعناية بها ، يخشى أن تندثر ويجهلها الناس .

ويمضي الكاتب فيقول : ( والذين يزورون الآن بيت شكسبير في بريطانيا ، ومسكن بتهوفن في ألمانيا لا يزورونها بدافع التعبد والتأليه ، ولكن بروح التقدير والإعجاب لما قدمه الشاعر الإنجليزي والموسيقي الألماني لبلادهما وقومهما مما يستحق التقدير فأين هذه البيوت التافهة من بيت محمد ودار الأرقم بن أبي الأرقم وغار ثور وغار حراء وموقع بيعة الرضوان وصلح الحديبية ، إلى أن قال : ومنذ سنوات قليلة عمدت مصر إلى تسجيل تاريخ (أبو الهول) ومجد الفراعنة ، وراحت ترسلها أصواتاً تحدث وتصور مفاخر الآباء والأجداد ، وجاء السواح من كل مكان يستمعون إلى ذلك الكلام الفارغ إذا ما قيست بمجد الإسلام ، وتاريخ الإسلام ورجال الإسلام في مختلف المجالات . ويريد الكاتب من هذا الكلام أن المسلمين أولى بتعظيم الآثار الإسلامية كغار حراء وغار ثور ، وما ذكره الكاتب معهما آنفاً من تعظيم الإنجليز والألمان للفنانين المذكورين ، ومن تعظيم المصريين لآثار الفراعنة . ثم يقترح الكاتب أن تقوم وزارة الحج والأوقاف بالتعاون مع وزارة المعارف على صيانة هذه الآثار والاستفادة منها بالوسائل التالية:

كتابة تاريخ هذه الآثار بأسلوب عصري معبر عما تحمله هذه الآثار من ذكريات الإسلام ومجده عبر القرون إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها .

رسم خريطة أو خرائط لمواقع الآثار في كل من مكة والمدينة المنورة .

إعادة بناء ما تهدم من هذه الآثار على شكل يغاير الأشكال القديمة ، وتحلية البناء بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية على لوحة كبرى يسجل بها تاريخ موجز للأثر وذكرياته بمختلف اللغات.

إصلاح الطرق إلى هذه الآثار . وخاصة منها الجبلية كغار ثور وغار حراء وتسهيل الصعود إليها بمصاعد كهربائية كالتي يصعد بها إلى جبال الأرز في لبنان مثلاً مقابل أجر معقول .

تعيين قيم أو مرشد لكل أثر من طلبة العلم يتولى شرح تاريخ الأثر للزائرين ، والمعاني السامية التي يمكن استلهامها منه بعيداً عن الخرافات والبدع ، أو الاستعانة بتسجيل ذلك على شريط يدار كلما لزمت الحاجة إليه .

إدراج تاريخ هذه الآثار ضمن المقررات المدرسية على مختلف المراحل . ) انتهى نقل المقصود من كلامه .

ولما كان تعظيم الآثار الإسلامية بالوسائل التي ذكرها الكاتب يخالف الأدلة الشرعية وما درج عليه سلف الأمة وأئمتها من عهد الصحابة رضي الله عنهم إلى أن مضت القرون المفضلة ويترتب عليه مشابهة الكفار في تعظيم آثار عظمائهم ، وغلو الجهال في هذه الآثار من الأمور الشرعية ، وهي في الحقيقة من البدع المحدثة ، ومن وسائل الشرك ، ومن مشابهة اليهود والنصارى في تعظيم آثار أنبيائهم وصالحيهم واتخاذها معابد ، ومزارات .

رأيت أن أعلق على هذا المقال بما يوضح الحق ويكشف اللبس بالأدلة الشرعية والآثار السلفية ، وأن أفصِّل القول فيما يحتاج إلى تفصيل ، لأن التفصيل في مقام الاشتباه من أهم المهمات ، ومن خير الوسائل لإيضاح الحق ، عملاً بقول الرسول  صلى الله عليه وسلم  : (( الدين النصيحة )) ، قيل : لمن يا رسول الله ؟ ، قال : (( لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم )) فأقول والله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله :

قد ثبت عن رسول الله  صلى الله عليه وسلم  أنه قال: (( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد )) أخرجه الشيخان وفي لفظ لمسلم : (( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد )) وفي صحيح مسلم عن جابر  رضي الله عنه  قال كان رسول الله  صلى الله عليه وسلم  يقول في خطبته يوم الجمعة : (( أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد  صلى الله عليه وسلم  وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة )) والأحاديث في هذا المعنى كثيرة . وهذه الآثار التي ذكرها الكاتب كغار حراء وغار ثور وبيت النبي  صلى الله عليه وسلم  ودار الأرقم بن أبي الأرقم ومحل بيعة الرضوان وأشباهها إذا عظمت وعبدت طرقها وعملت لها المصاعد واللوحات لا تزار كما تزار آثار الفراعنة ، وآثار عظماء الكفرة ، وإنما تزار للتعبد والتقرب إلى الله بذلك . وبذلك نكون بهذه الإجراءات قد أحدثنا في الدين ما ليس منه ، وشرعنا للناس ما لم يأذن به الله وهذا هو نفس المنكر الذي حذر الله عز وجل منه في قوله سبحانه : {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ } وحذر من النبي  صلى الله عليه وسلم  بقوله : (( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد )) وبقوله  صلى الله عليه وسلم  : (( لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه )) قالوا : يا رسول الله اليهود والنصارى ؟ قال : (( فمن؟! ))متفق على صحته ، ولو كان تعظيم الآثار بالوسائل التي ذكرها الكاتب وأشباهها مما يحبه الله ورسوله لأمر به  صلى الله عليه وسلم  أو فعله ، أو فعله أصحابه الكرام  رضي الله عنهم ، فلما لم يقع شيء من ذلك علم أنه ليس من الدين بل هو من المحدثات التي حذر منها النبي  صلى الله عليه وسلم  .

وحذر منها أصحابه  رضي الله عنهم  . وقد ثبت عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب  رضي الله عنه  أنه أنكر تتبع آثار الأنبياء ، وأمر بقطع الشجرة التي بويع النبي  صلى الله عليه وسلم  تحتها في الحديبية لما قيل له إن بعض الناس يقصدها ، حماية لجناب التوحيد وحسماً لوسائل الشرك والبدع والخرافات الجاهلية .... ثم نقل سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله كلام العلماء في ذلك إلى أن قال : وكلام أهل العلم في هذا الباب كثير لا نحب أن نطيل على القارئ بنقله . ولعل فيما نقلناه كفاية ومقنعاً لطالب الحق .. إذا عرفت ما تقدم من الأدلة الشرعية وكلام أهل العلم في هذا الباب علمت أن ما دعا إليه الكاتب المذكور من تعظيم الآثار الإسلامية كغار ثور ومحل بيعة الرضوان وأشباهها وتعمير ما تهدم منها والدعوة إلى تعبيد الطرق إليها ، واتخاذ المصاعد لما كان مرتفعاً منها كالغارين المذكورين واتخاذ الجميع مزارات ووضع لوحات عليها ، وتعيين مرشدين للزائرين ـ كل ذلك مخالف للشريعة الإسلامية التي جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها ، وسد ذرائع الشرك والبدع وحسم الوسائل المفضية إليها . وعرفت أيضاً أن البدع وذرائع الشرك يجب النهي عنها ولو حسن قصد فاعلها أو الداعي إليها لما تفضي إليه من الفساد العظيم وتغيير معالم الدين وإحداث معابد ومزارات وعبادات لم يشرعها الله ولا رسوله  صلى الله عليه وسلم  . وقد قال الله عز وجل : {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً } [ المائدة : 3 ] ، فكل شيء لم يكن مشروعاً في عهده  صلى الله عليه وسلم  وعهد أصحابه رضي الله عنهم لا يمكن أن يكون مشروعاً بعد ذلك . ولو فتح هذا الباب لفسد أمر الدين ودخل فيه ما ليس منه ، وأشبه المسلمون في ذلك ما كان عليه اليهود والنصارى من التلاعب بالأديان وتغييرها على حسب أهوائهم واستحساناتهم وأغراضهم المتنوعة . ولهذا قال الإمام مالك بن أنس إمام دار الهجرة في زمانه رحمه الله كلمة عظيمة وافقه عليها أهل العلم قاطبة .

وهي قوله : ( لن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها ) . ومراده بذلك أن الذي صلح به أولها . ولقد صدق في ذلك رحمه الله فإن الناس لما غيروا وبدلوا واعتنقوا البدع وأحدثوا الطرق المختلفة تفرقوا في دينهم ، والتبس عليهم أمرهم وصار كل حزب بما لديهم فرحون وطمع فيهم الأعداء ، واستغلوا فرصة الاختلاف وضعف الدين ، واختلاف المقاصد ، وتعصب كل طائفة لما أحدثته من الطرق المضلة ، والبدع المنكرة حتى آلت حال المسلمين إلى ما هو معلوم الآن من الضعف والاختلاف وتداعي الأمم عليهم .... الخ . أ ـ هـ

كما أنني أحيل القارئ لعدد من فتاوى العلماء الراسخين وعلى رأسها :

فتوى الشيخ العلامة محمد بن إبراهيم على الاستفتاء الذي وجهته جريدة الندوة في عددها الصادر 20رمضان1383هـ . فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم (1/151) .

فتوى سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله في الرد على الكاتب مصطفى أمين . كما في مجموع فتاوى ومقالات متنوعة ـ لسماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله 1/391 .

فتوى اللجنة الدائمة رقم (19729) ـ تاريخ 27/6/1418هـ .وهو جواب لسائل يسأل عن حكم زيارة المساجد الأثرية بالمدينة للإطلاع والتأمل في تاريخ السلف ...الخ. وهي في خمس صفحات .

فتوى اللجنة الدائمة برقم (19592) وتاريخ 16/4/1418هـ .في حكم الذهاب إلى آثار قديمة في مدينة البدع .

ولم أذكر هذه الفتاوى خشية الإطالة . وقد ذكرت من الفتاوى ما فيه كفاية .
فهؤلاء هم العلماء السلفيون الوسطيون . أفتوا بتحريم تعظيم الآثار التي يدعو الكاتب إلى إحياءها .
ويدعون إلى هدمها .

قال الكاتب : هذا هو الفكر الوسط المستنير في التعامل مع هذه الأماكن ـ كما في صحيفة عكاظ 10/3/1427هـ .
والوسطية لا تكون بمجرد دعوى تُرفع ؟
لأن الدعاوى إذا لم تقم عليها البينات فهي مجرد ادعاء .
الوسطية ليست قولاً بين السنة والبدعة ؟
الوسطية ليست أن تختار قولاً ورأياً وتظن أن رأيك بين رأيين وقولين .
وإنما الوسطية باتباع الكتاب والسنة .

ثامناً : ذكر الكاتب دار الأرقم بن أبي الأرقم وقال : إنها تقع في زقاق متفرع عن المسعى على يسار الذاهب إلى الصفا ، وهذا الزقاق يبعد عن جبل الصفا بحوالي الخمسين متراً زقاق الخيزران ، أما دار الأرقم فكانت تبعد عن المسعى بنحو مائة متر ، وهي قريبة من دور سدنة الكعبة المشرفة آل الشيبي ... .

حتى جاء مشروع توسعة الحرم فهدم هذا المبنى عام 1375هـ ... الخ صحيفة عكاظ 10/3/1427هـ .

ودار الأرقم بن أبي الأرقم تعامل معها الصحابة  رضي الله عنهم  كتعاملهم مع بقية الدور يقول الشيخ محمد بن إبراهيم . كما في فتاويه (1/152) .(وكان الصحابة يعتبرون هذه الدار داراً للأرقم له التصرف فيها شأن غيرها من الدور ، وكان الأرقم نفسه يرى هذا الرأي حتى إنه تصدق بها على أولاده ، فكانوا يسكنون فيها ويؤجرون ويأخذون عليها حتى انتقلت إلى أبي جعفر المنصور ، ثم سلمها المهدي للخيزران التي عرفت بها ، ثم صارت لغيرها) . أ ـ هـ .

وقد حدد الكاتب مكان هذه الدار ، ولكن هذا التحديد يحتاج إلى إثبات بأن هذا المكان هو دار الأرقم.

يقول الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله في فتاويه (1/154) : ( وهذا كله على تسليم كون الدار المعروفة اليوم بدار الأرقم هي دار الأرقم في الواقع وفي النفس من ذلك شيء لأمرين :

أحدهما : أن موقع دار الأرقم حسب ما تقدم في رواية ابن سعد على باب الصفا ، وفي تلك الرواية يقول يحيى بن عمران بن عثمان بن الأرقم إني لأعلم اليوم الذي وقعت ـ أي دار الأرقم ـ في نفس أبي جعفر انه ليسعى بين الصفا والمروة في حجة حجها ونحن على ظهر الدار في فسطاط فيمر تحتنا لو أشاء أن آخذ عليه قلنسوة لأخذتها ، وانه لينظر إلينا من حين يهبط بطن الوادي حتى يصعد إلى الصفا . وهذا غير موقع الدار المعروفة اليوم بذلك الاسم. وما في رواية ابن سعد المذكورة موافق لما في تاريخ مكة للأزرقي ومستدرك الحاكم انها عند الصفا ولما في أسد الغابة لابن الأثير أنها في أصل الصفا .

الثاني : ما ذكره ابن كثير في تاريخه البداية والنهاية في حوادث سنة (173هـ) في ترجمة الخيزران، قال : قد اشترت الدار المشهورة فيها بمكة المعروفة بدار الخيزران فزادتها في المسجد الحرام . فان هذا وان كان بعيداً ومخالفاً لرواية ابن سعد المتقدمة ولم يذكره الأزرقي وغيره فانه مما يشكك في اشتهار الدار الموجودة اليوم باسم (دار الأرقم) في زمن ابن كثير إذ لو كان الأمر كذلك لما خفي عليه . أ ـ هـ .

تاسعاً : ذكر الكاتب مكان ولادته  صلى الله عليه وسلم  ، وأنه في مكان مكتبة مكة الحالية بجوار المسجد الحرام .

وذكر أنه لا خلاف فيه بين الفقهاء والمؤرخين وعلماء السيرة جيلاً بعد جيل ونقل عن ابن القيم أن رسول الله  صلى الله عليه وسلم  لا خلاف أنه ولد بجوف مكة . زاد المعاد 1/76 .

وكأن الكاتب يرى أن مكان ولادته  صلى الله عليه وسلم  في المكان المذكور شبه متواتر ، وقال : إن المجال هنا يضيق بعرضها ومناقشتها . كما في صحيفة عكاظ 11/3/1427هـ .

ولم ينقل الكاتب قولاً للنبي  صلى الله عليه وسلم  يحدد فيه مكان ولادته  صلى الله عليه وسلم  ولم ينقل قول أحد من الصحابة  رضي الله عنهم ، ولا التابعين .

وإنما نقل الإجماع على ذلك .
ولم يذكر لنا من سبقه بهذا الإجماع .

وغاية ما ذكر من إجماع المسلمين في مكان مولده  صلى الله عليه وسلم  أن الشيخ عبدالله بن دهيش رحمه الله رئيس قضاة المحكمة الشرعية الكبرى بمكة أنه عبَّر في صك وقف المكان المذكور بقوله: ( الشهير في محلته شهرة تغني عن تحديده ووصفه ) ثم قال الكاتب بعد ذلك : وهذه عبارة من الشيخ عبدالله بن دهيش صريحة تشير إلى التواتر المحلي الذي لا يدع مجالاً للشك .

وكلام الشيخ عبدالله بن دهيش رحمه الله ليس نقلاً للإجماع .

وإنما نقل أن هذا المكان مشتهر بين الناس ؟ ولو سلمنا أن الشيخ عبدالله بن دهيش رحمه الله نقل الإجماع . لو سلمنا ونحن لا نسلم ! فنقول من أين له بالإجماع رحمه الله .

وأخطر من ذلك أن يقول الكاتب إن التواتر في تحديد مكان مولد النبي  صلى الله عليه وسلم  نقله جيلاً بعد جيل .

مثله مثل التواتر في تحديد أمكنة المشاعر ينقلها جيلاً بعد جيل .

وكلام الكاتب خطأٌ واضح وبيّن .

فالرسول  صلى الله عليه وسلم  أجمع العلماء على أنه حج  صلى الله عليه وسلم  ولكن العلماء لم ينقلوا حديثاً واحداً بأن الرسول  صلى الله عليه وسلم  أشار أو حدد مكان ولادته .

والعلماء نقلوا عن الصحابة صفة حجهم ولم ينقلوا نقلاً واحداً عن الصحابة في تحديد مكان مولده  صلى الله عليه وسلم  .

وجاءت الأحاديث في تحديده  صلى الله عليه وسلم  للمشاعر ونقلها الصحابة واستفاضت بين الناس بخلاف مكان مولده  صلى الله عليه وسلم  .

وقد قال ابن وضاح : فعليكم بالاتباع لأئمة الهدى المعروفين فقد قال بعض من مضى : كم من أمر هو اليوم معروف عند كثير من الناس كان منكراً عند من مضى، ومتحبب إلى الله بما يبغضه ، ومتقرب إليه بما يبعده منه ، وكل بدعة عليها زينة وبهجة أ ـ هـ . ( البدع والنهي عنها ص89)

وأما ما نقله الكاتب عن ابن القيم رحمه الله : ( في أنه لا خلاف في أنه  صلى الله عليه وسلم  ولد في جوف الكعبة ) ليس دليلاً على أنه ولد في مكان مكتبة مكة التي بجوار الحرم . وإنما دليل على أنه ولد في مكة فقط دون تحديد المكان في مكة .

وكم أتعجب من الكاتب حينما ذكر أن المجال ضاق بذكر التحقيق في مكان ولادته  صلى الله عليه وسلم  . ولم يضق عليه المجال في عدِّ هذه الأماكن والآثار التي ذكرها . كبيت خديجة رضي الله عنها ودار الأرقم وغيرها ؟؟؟

وعند التحقيق في مكان مولد النبي  صلى الله عليه وسلم  فإني لا أعرف حديثاً بيناً ولا إجماعاً قاطعاً ولا آيةً من القرآن قبل ذلك ، ولا قول صحابي يحدد مكان مولد النبي  صلى الله عليه وسلم  ، مما يدل على عدم اهتمام السلف رحمهم الله بمكان مولد النبي  صلى الله عليه وسلم  ، وإنما اهتموا باتباعه .

بل إن المؤرخين اختلفوا في ذلك وممن كان يرى أن المكان المذكور ليس مكان مولد النبي  صلى الله عليه وسلم  عبدالله بن محمد بن أبي بكر العياشي المتوفى سنة (1090هـ) حيث قال في كتابه (ماء الموائد 1/225) بعد ما ذكر الخلاف في مكان مولده  صلى الله عليه وسلم  قال : ( والعجب أنهم عينوا محلا من الدار مقدار مضجع ، وقالوا له : موضع ولادته  صلى الله عليه وسلم  ، ويبعد عندي كل البعد تعيين ذلك من طريق صحيح أو ضعيف ، لما تقدم من الخلاف في كونه في مكة أو غيرها، وعلى القول بأنه فيها ففي أي شعابها ؟ وعلى القول بتعيين هذا الشعب ففي أي الدور ؟ وعلى القول بتعيين الدار يبعد كل البعد تعيين الموضع من الدار ، بعد مرور الأزمان والأعصار ، وانقطاع الآثار ) .

ثم قال أيضاً رحمه الله مستبعداً صحة تحديد ذلك المكان : ( والولادة وقعت في زمن الجاهلية ، وليس هناك من يعتني بحفظ الأمكنة ، سيما مع عدم تعلق غرض لهم بذلك ، وبعد مجيء الإسلام فقد علم من حال الصحابة وتابعيهم ضعف اعتناقهم بالتقييد ، بالأماكن التي لم يتعلق بها عمل شرعي ، لصرفهم اعتناءهم  رضي الله عنهم  لما هو أهم ، من حفظ الشريعة ، والذب عنها بالسنان واللسان ) أ ـ هـ .

وممن ساق الخلاف في مكان مولد النبي  صلى الله عليه وسلم  الشيخ حمد الجاسر رحمه الله حيث بين ذلك في محاضرة ألقاها في جامعة أم القرى ليلة الإربعاء 13 جمادى الآخرة 1402هـ . ثم نشر بحثه في مجلة العرب ( س 20 ، 14 ـ 2 شعبان 1405هـ ص37 ـ 46)

ومما قاله الشيخ حمد الجاسر رحمه الله : وهذا الاختلاف في الموضع الذي ولد فيه النبي  صلى الله عليه وسلم  يُحمل على القول بأن الجزم بأنه الموضع المعروف عند عامة الناس باسم المولد ، لا يقوم على أساس تاريخي صحيح . أ ـ هـ

وكان الشيخ حمد الجاسر رحمه الله قد ساق في بداية كلامه الخلاف في مكان مولد النبي  صلى الله عليه وسلم  . ونقل عدداً من نقولات العلماء كقول الحافظ مُغَلْطَاي الحنفي (689/762هـ) في كتابه "الإشارة إلى سيرة المصطفى ، وتاريخ من بعده من الخلفاء " وهو من مخطوطات مكتبة الحرم المكي ، ونصُّ كلامه : ( وُلِد  صلى الله عليه وسلم  بمكة ، في الدار التي كانت لمحمد بن يوسف أخي الحجاج ، ويقال : بالشِّعب ويقال : بالرَّدم ، ويقال : بعسفان ) .

وقول ابن سيد الناس محمد بن محمد اليعمري (671/734هـ) في كتابه "عيون الأثر ، في سيرة سيد البشر" : ( وولد في الدار التي تدعى لمحمد بن يوسف أخي الحجاج ، وقيل : إنه وُلِد في شعب بني هاشم ) وقول الإمام السهيلي في "الروض الأنف" : ( وولد بالشعب ، وقيل : بالدار التي عند الصفا ) .

ثم أورد كلام مؤرخ مكة تقي الدين الفاسي : ( مولد النبي  صلى الله عليه وسلم  بسوق الليل وهو مشهور ، وذكر السهيلي في خبر مولد النبي  صلى الله عليه وسلم  ما يستغرب ) ثم أورد كلامه وأضاف : وأغرب منه ما قيل من أنه  صلى الله عليه وسلم  ولد في الردم ، ردم بني جُمَحٍ ) . أ ـ هـ

عاشراً: ذكر الكاتب أن السلف شيدوا المساجد في تلك الأماكن . لتكون شواهد تاريخية على من حل بها، أو ما حل بها . كما في صحيفة عكاظ 4/3/1427هـ .

ولم يذكر الكاتب أي فعل أو قول على هذا النقل . إلا ما ذكره في مقاله الأخير المنشور في صحيفة عكاظ 11/3/1427هـ بأن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه جعل بيت خديجة رضي الله عنها مسجداً يصلَّ فيه .

وقد بحثت عن ذلك في كتاب أخبار مكة للأزرقي فلم أجد إسناداً بأن معاوية بنى مسجداً مكان بيت خديجة رضي الله عن الجميع .
وإنما يروي الأزرقي هذا الخبر بلا إسناد .
وكان الواجب على الكاتب أن لا يستدل إلا بما ثبت عن معاوية رضي الله عنه .
والكاتب يدعو لبناء مساجد في تلك الأماكن وهي دعوةٌ لإقامة معابد (مساجد) للمسلمين في أماكن الأنبياء والصالحين التي مشوا فيها . . أو سكنوها .. أو جلسوا فيها ..
وهذه قضية خطيرة من الكاتب . تحتاج إلى تحرير وبيان للحق فيها .

فاختيار بقعة وتخصيصها بأن تكون مسجداً يحتاج إلى دليل .. فإذا لم يوجد دليل على تخصيص هذه البقعة ببناء مسجد عليها فقد قال  صلى الله عليه وسلم  : (( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد )) رواه مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها .

والمساجد تبنى في كل مكان إلا الأماكن التي نهي عن البناء فيها كالمقبرة والحمام .

فالرسول  صلى الله عليه وسلم  عمَّمَ فقال : (( وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً )) . فلا يجرؤا أحد على أن يخصص بقعة ببناء مسجد عليها إلا بتخصيص من النبي  صلى الله عليه وسلم  .

ولست أدري ! لماذا ربط الكاتب بين الأماكن التاريخية وبين إحياء المساجد عليها ؟؟
مع أن الكاتب يدعو إلى محاربة الأفعال البدعية والخرافية هناك .
ولم يذكر الكاتب دليلاً صحيحاً صريحاً في المسألة ... وغاية ما نقله أخبار في السير بلا إسناد .. أو بإسناد لا يصح .
والسلف رحمهم الله لم يبنوا مساجد في أماكن الصالحين .. والتي مشوا عليها ولا البيوت التي سكنوها .. وإنما حاربوا البناء في تلك المواطن .

فقد نهى عمر رضي الله عنه عن البناء على آثار الأنبياء.كما قال المعرور بن سويد خرجنا مع عمر في حجه ، فقرأ بنا في الفجر : {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ} و {لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ} فلما قضى حجه ورجع ، والناس يبتدرون ، فقال : ( ما هذا ) ؟ فقالوا : مسجد صلى في رسول الله  صلى الله عليه وسلم  ، فقال : ( هكذا هلك أهل الكتاب ، اتخذوا آثار أنبياءهم بيعاً ، من عرضت له منكم الصلاة ، فليصل،ومن لم تعرض له منكم فيه الصلاة ، فلا يصل فيه). أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (2/376) ، وعبدالرزاق (1/118 ـ 119) ، وابن وضاح في البدع والنهي عنها (87) وصحح إسناده شيخ الإسلام ابن تيمية كما في التوسل والوسيلة (161) وصحح إسناده أيضاً ابن كثير في مسند الفاروق (142).

وتأمل في جبل الطور الذي كلم الله فيه موسى  عليه السلام  ، وأنزل عيه الأحكام ، هذا الجبل الذي تجلى له ربه فجعله دكا ، وخر موسى صعقاً ، هذا الجبل هل ذهب إليه نبينا  صلى الله عليه وسلم  ؟ هل ذهب الصحابة  رضي الله عنهم  إلى قبر موسى  عليه السلام  أو قبر غيره من الأنبياء ؟؟

الجواب : لا .

بل إن أبا هريرة  رضي الله عنه  ذهب إلى جبل الطور فلما أقبل قال له أبو بصرة الغفاري : ( من أين أقبلت ؟ ، قال : من جبل الطور . قال : أما إني لو أدركتك لم تذهب ، إني سمعت رسول الله  صلى الله عليه وسلم  يقول : (( لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد ... )) ). رواه مالك في الموطأ (1/108) ، والنسائي (3/113) ، وقال ابن حجر في الإصابة (1/166) إسناده صحيح .

قال الشيخ ولي الله الدهلوي : ( كان أهل الجاهلية يقصدون مواضع معظمة بزعمهم يزورونها وبتبركون بها فسدّ النبي  صلى الله عليه وسلم  الفساد لئلا يلحق غير الشعائر بالشعائر ، ولئلا يصير ذريعة لعبادة غير الله والحق عندي أن القبر وجبل الطور كل ذلك سواء في النهي ) كتاب الحجة البالغة (1/192) .

ثم نسألُ فنقول : لماذا لم تحفظ الشريعة أماكن آثار الصالحين ، بل وقبور الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، كقبر الخليل ، وموسى عليهم السلام ؟

لماذا لم تحث الشريعة على حفظ قبور الصحابة  رضي الله عنهم  ؟ بل لماذا نهت الشريعة عن الكتابة على القبور والبناء عليها ، وتجصيصها ، والصلاة عندها ؟

بل إن الكاتب قال : عن المكان الذي ولد فيه الرسول  صلى الله عليه وسلم  إنه آخر أثرٍ عند المسجد الحرام .. فأين بقية الآثار ... لماذا لم يحافظ عليها المسلمون ؟

ومن الأدلة التي تدل على عدم اهتمام الصحابة  رضي الله عنهم  بالأماكن التاريخية فضلاً عن بناءهم مساجد فيها . ما أخرجه البخاري (2958) في صحيحه من حديث نافع عن ابن عمر  رضي الله عنه  قال : ( رجعنا من العام المقبل فما اجتمع اثنان على الشجرة التي بايعنا تحتها ، كانت رحمة من الله ) .

قال ابن حجر في الفتح (6/118) تعليقاً على هذا الحديث : ( وبيان الحكمة في ذلك وهو أن لا يحصل بها افتتان لما وقع تحتها من الخير فلو بقيت لما أُمن تعظيم بعض الجهال لها حتى ربما أفضى بهم إلى اعتقاد أن لها قوة نفع أو ضر كما نراه الآن مشاهداً فيما هو دونها وإلى ذلك أشار ابن عمر بقوله : ( كانت رحمة من الله ) أي كان خفاؤها عليهم بعد ذلك رحمة من الله تعالى )أ ـ هـ.

قال أبو عبدالله بن وضاح القرطبي في كتابه البدع (ص88) : ( وكان مالك بن أنس وغيره من علماء المدينة يكرهون إتيان تلك المساجد وتلك الآثار للنبي  صلى الله عليه وسلم  ما عدا قبا وأحداً ).

قال ابن وضاح : (وسمعتهم يذكرون أن سفيان الثوري دخل مسجد بيت المقدس فصلى فيه ، ولم يتبع تلك الآثار ولا الصلاة فيها ، وكذلك فعل غيره أيضاً ممن يقتدى به ، وقدم وكيع أيضاً مسجد بيت المقدس فلم يعدُ فعل سفيان ).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية بعدما ذكر أن طائفة من المصنفين في المناسك استحبوا زيارة مساجد مكة وما حولها ، قال رحمه الله تعالى مبيناً خطأ هذا العمل : ( تبين لنا أن هذا كله من البدع المحدثة التي لا أصل لها في الشريعة، وأن السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار ، لم يفعلوا شيئاً من ذلك ، وأن أئمة العلم والهدى ينهون عن ذلك ، وأن المسجد الحرام هو المسجد الذي شرع لنا قصده للصلاة والدعاء والطواف ، وغير ذلك من العبادات ، ولم يشرع لنا قصد مسجد بعينه بمكة سواه ، ولا يصلح أن يجعل هناك مسجداً يزاحمه في شيء من الأحكام وما يفعله الرجل في مسجد من تلك المساجد من دعاءٍ وصلاة وغير ذلك إذا فعله في المسجد الحرام كان خيراً له ، بل هذا سنة مشروعة ، وأما قصد مسجد غيره هناك تحرياً لفضله فبدعة غير مشروعة ) اقتضاء الصراط المستقيم (2/802) .

وقال الشيخ صدّيق حسن بعد أن ساق جملة من تلك المساجد المحدثة ، ونحوها من المواضع : ( هذه المساجد والمواضع ليس دخول شيء منها لمن اجتاز بها فرضاً ولا سنة ) رحلة الصدّيق إلى البيت العتيق لصديق حسن خان (ص121).

ولو شُرِع بناء المساجد والمزارات في المواطن التي مشى فيها النبي  صلى الله عليه وسلم  ومشى عليها الصالحون . لو فٌتِح هذا الباب لصار كثير من ديار المسلمين أو أكثرها مساجد ومزارات .

ومن الأدلة على ذلك أن النبي  صلى الله عليه وسلم  نهى عن بناء المساجد على القبور فقد أخرج البخاري (427) ومسلم (528) عن عائشة أن أم حبيبة وأم سلمة ذكرتا كنيسة رأينها بالحبشة فيها تصاوير فذكرتا للنبي  صلى الله عليه وسلم  ، فقال : (( أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات ، بنوا على قبره مسجداً ، وصوّروا فيه تلك الصور ، فأولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة )) .

وأخرج البخاري (437) ومسلم (530) عن أبي هريرة أن رسول الله  صلى الله عليه وسلم  قال : (( قاتل الله اليهود والنصارى ، اتخذوا قبور أنبياءهم مساجد )) .

وأخرج مسلم (532) عن جندب  رضي الله عنه  قال : سمعت النبي  صلى الله عليه وسلم  قبل أن يموت بخمس وهو يقول : (( إنني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل ، فإن الله تعالى قد اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً ، ولو كنت متخذاً من أمتي خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً ، ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد ، إني أنهاكم عن ذلك )) .

في هذا الحديث حذر عليه الصلاة والسلام من هذا الفعل قبل موته بخمسة أيام ، بل وحذّر منه عليه الصلاة والسلام وهو في سياق الموت ، كما أخرج البخاري (435) و (436) ومسلم (531) كلاهما من حديث الزهري عن عبيدالله بن عبدالله بن عتبة أن عائشة وعبدالله بن عباس قالا : لما نزل برسول الله  صلى الله عليه وسلم  طفق يطرح خميصة له على وجهه ، فإذا اغتم بها كشفها عن وجهه ، فقال وهو كذلك : (( لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد )) يحذر ما صنعوا .

فالرسول  صلى الله عليه وسلم  نهى عن بناء المساجد على أجساد الصالحين الأموات .
فإن قال قائل هذا النهي عن بناء المساجد على القبور .
فلماذا ينهى عن بناء المساجد على آثار الصالحين ؟

قيل : إذا كان جسد العبد الصالح إذا مات لا يبنى عليه مسجد خشية تعظيم هذا العبد الصالح ، فكذلك المكان الذي مشى فيه العبد الصالح .. والمكان الذي سكنه ذلك العبد الصالح . لا يُبنى فيه مسجد خشية تعظيم ذلك المكان .

ولا شك أن الذي سيُعظِّم الآثار التي مشى عليها الصالحون والأماكن التي سكنها الصالحون .. سيعظِّم قبور أولئك الصالحين ومن بنى مسجداً على تلك الآثار سيبني مسجداً على قبور أهل تلك الآثار . إذ أن أبدان الأنبياء أفضل من التراب الذي مشوا عليه .

والرسول  صلى الله عليه وسلم  نهى عن بناء المساجد على القبور خشية أن تعظَّم وتعبد مع الله . وإذا كان الأمر كذلك فما الفرق بينها وبين تعظيم بيوت الصالحين وأماكن جلوسهم وعبادتهم ؟ ما الفرق بين قبور الصالحين أمواتاً ... وبيوتهم أحياءاً ؟

والرسول  صلى الله عليه وسلم  لم يصلِّ في مكان أحدٍ من الصالحين . ولم يقصد ذلك ولم يقل لناس أن الصلاة في بيته  صلى الله عليه وسلم  أفضل من المسجد . وإنما المؤمن إذا صلى في بيته كان أفضل من الصلاة في بيته  صلى الله عليه وسلم  ، هذا في النفل ، وأما في الفريضة فالصلاة في مسجده  صلى الله عليه وسلم  بألف صلاة.

وإذا كان الرسول  صلى الله عليه وسلم  قد قال : (( لا تتخذوا قبري عيداً )) ، وهو قبره  صلى الله عليه وسلم  ، فهل بعد ذلك نتخذ من مكان ولادته عيداً ؟ هل نهيّئ الناس لهذا الأمر !

وهل نبنيها على طريقة تستهوي قلوب الجهال ؟ ليزوروا تلك الأماكن . . ويفعلوا البدع والشركيات؟؟؟

وختاماً هذا ما تيسر من التنبيه حول مقال الكاتب سائلاً المولى جل وعلا أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه .والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد .
 

وكتبه / فهد بن سعد بن محمد أبا حسين
Fahad_a@islamway.net
 

فهد أبا حسين
  • مقالات دعوية
  • الصفحة الرئيسية