اطبع هذه الصفحة


الحوار المحمود والمذموم

فهد بن سعد أبا حسين

 
بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله الذي هدانا للإسلام وعلمنا الحكمة والقرآن وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا أما بعد :
فاتقوا الله حق التقوى واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيما ) .
أمة محمد صلى الله عليه وسلم الحوار مع الكافر والمبتدع والزنديق في الأحكام الشرعية ليس معناه التقريب وإنما هي دعوة للمخالف بطريقة يكون فيها الأخذ والرد من كلا الطرفين ، فإذا أريد بالحوار التقريب مع الكفار أوالمبتدعة والرضى بباطلهم من أجل الاجتماع فهو مذموم وممنوع في الشريعة ، لأن المسلم لا يجوز له الرضى بالكفر ولا بالبدعة ولا يجوز تعطيل أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر ، وعلماء السنة يحاربون البدع ويكشفون زيفها ويبينون زيغها ، قال يحيى بن يحيى رحمه الله : الذب عن السنة أفضل من الجهاد ، وقد نقل أبو يعلى إجماع الصحابة والتابعين على هجر المبتدع والله جل وعلا قد قال : ( أفنجعل المسلمين كالمجرمين مالكم كيف تحكمون ) .
الحوار أيها الأخوة طريق لنشر الأفكار والمعتقدات ولقد حذرنا الله جل وعلا من أولئك الذين يتبعون المتشابه فقال : ( هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبه زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله ) .
قال صلى الله عليه وسلم : " إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم " .
" احذروهم " ليس معنى ذلك احذروا من أن يقتلوكم . كلا
وإنما احذروا من أن يقتلوا دينكم بسهامهم وشبهاتهم وفسادهم وإفسادهم ولذلك كان من الخطأ والخطر نشر شبه الكفار والمبتدعة أو الرضى لهم بإثارة الشبه على معتقد أهل السنة والجماعة وعلى الإسلام عموما لأن إثارة شبه الباطل ممنوع في شريعة الإسلام ، ولأن إثارتها تضعف اعتقاد الحق في قلب المسلم وتثير الهوى وتضعف العمل .
وأخطر من ذلك دعوة المسلمين لتغيير مبادئهم وتهيئتهم للتلقي من الكفار والمبتدعة فهذه جريمة عظيمة ولا يجوز ذلك في دين الإسلام أما تهيئة الأمة للتلقي من العلماء فهذا هو المطلوب ؛ لأن المسلم قد حذره النبي صلى الله عليه وسلم من الذين يتبعون المتشابه فقال له نبيه صلى الله عليه وسلم " أولئك الذين سمى الله فاحذرهم " .
والمسلم يتلقى من العلماء الصادقين ولا يصغي بأذنه إلى صاحب بدعة .
ومن الخطأ أيضاً أن نرى غلوا وتضخيما في معرفة رأي المخالف فرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الذي جاءنا بها بيضاء نقية لما رأى قطعة من التوراة مع عمر رضي الله عنه قال : " أمتهوكون فـيَّ يا ابن الخطاب لقد جئتكم بها بيضاء نقية " .
والسؤال الذي يطرح نفسه :
لماذا شرع مجادلة المبطلين والمخالفين ؟! ومن الذي يجادلهم ؟!
فكان الجواب كما قال ابن القيم رحمه الله :
ولمناظرة المبطل فائدتان : الأولى أن يرد باطله ويرجع إلى الحق . الثانية : أن ينكف شره وعداوته حتى يتبين للناس أن الذي يعمله باطل . انتهى كلامه
وبهذا يتبين ضرورة وصول الدعوة نقية واضحة وقد كان الأنبياء عليهم السلام يدعون قومهم ، يحاورونهم ويجادلونهم ( وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر أتتخذ أصناما آلهة إني أراك وقومك في ضلال مبين ) ، وقال سبحانه : ( وحاجه قومه قال أتحاجوني في الله وقد هدان ) ، فكانوا يحاورون لإثبات الحق أمام المبطلين وحاشاهم عليهم السلام أن يبعثهم الله جل وعلا ويرسلهم فيرضى الأنبياء بكفر الكافرين وبضلال المضلين ويسمحون بالباطل بين أظهرهم .
حاشاهم عليهم السلام أن يتركوا إقامة الحجة على الخصوم وأن يتركوا بيان الحق للناس وأن يتركوا تصحيح المفاهيم الخاطئة .
فنوح عليه السلام مكث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً يدعوهم إلى الحق ويناقشهم ويبين لهم ويصحح لهم المفاهيم حتى قال عليه السلام ( إني دعوت قومي ليلا ونهارا * فلم يزدهم دعائي إلا فرارا * وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارا * ثم إني دعوتهم جهارا * ثم إني أعلنت لهم وأصررت لهم إصرارا ) .
ولذلك يا إخوة الإيمان كان من الأصول المهمة في الحوار والجدال في المسائل الشرعية إثارة نقاط الخلاف وإقامة وإثبات الحق فيها .
ومن أكبر الأخطاء أن يدخل في الحوار والجدال مع الكفار والمبتدعة ضعيف العلم بالشريعة فهذا لا يجوز له أن يحاور وأن يجادل الكفار والمبتدعة لأن الله ذم من يحاج بلا علم : ( ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم فلما تحاجون فيما ليس لكم به علم والله يعلم وأنتم لا تعلمون ) وحتى لو كان عالماً بالطب أو الهندسة أو الاقتصاد وليس عالما بالشريعة فليس له الجدال في مسائل الشريعة ولا يجوز له المناظرة فيها بخلاف السؤال للاستفادة والمناقشة لأن هذه شريعة ودين جاءت من الله جل وعلا ، والعالم بالشريعة مسئوليته عظيمة في البيان .
وأذكر أن أحد الأحبة جاء إلي في هذا المسجد وقال لي : تناقشت وتناظرت مع نصراني ، نصراني كافر فقال هذا النصراني : كيف تقولون أن عيسى عليه السلام رفع إلى السماء والقرآن يقول : ( إني متوفيك ورافعك إلي ) . فقال يا شيخ : قد أثيرت علي هذه الشبهة فما هو الجواب عنها .
فقلت لهذا الشاب : أن الوفاة في القرآن ليست معناها الموت فقط ، وإنما قد تأتي بمعنى المنام قال الله تعالى : ( الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليه الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى ) وكذلك قوله جل وعلا ( وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار ) ثم حتى لو لم يكن معناه المنام فإن الله جل وعلا قد بين بأنه سيتوفى عيسى عليه السلام وسيرفعه له ، فالآية لا تدل على أنه توفاه أولاً ثم رفعه . كلا
وإنما تدل على اجتماع الأمرين وهو رفع عيسى عليه السلام وموته أيضاً بأن الله سيتوفاه .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : وقد ينهون عن المجادلة والمناظرة إذا كان المناظر ضعيف العلم بالحجة وجواب الشبهة ويخاف عليه أن يفسده ذلك المضل كما ينهى الضعيف في المقاتلة أن يقاتل علجاً قويا من علوج الكفار فإن ذلك يضره ويضر المسلمين بلا منفعة . انتهى كلامه رحمه الله .
كما أن من الحوار المذموم أن يكون القصد منه الظلم والعدوان والمراءاة ومجرد إظهار علمه نعوذ بالله من ذلك فيكون قد خرج وإن كان معه الحق ولكنه يريد المراءاة والله جل وعلا لا يقبل من العمل إلا ما كان طيبا .
كما أن الحوار والجدال يكون بالتي هي أحسن وأن يفتح باب العودة إلى الحق للمخالف ( ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا ) .
ولا يجوز الركون للكافر والمبتدع عند الجدال ( قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله) فإن تولوا بعد ذلك فبعد دعوتهم فلنصدع بقول الله جل وعلا ( فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون ) ( لكم دينكم ولي دين ) .
وليس من الإسلام الاجتماع في نصف الطريق مع الكفار والمبتدعة فالطريق واحد لا يتعرج ولا يميل يمنة ولا يسرة ( وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ) .
والكافر محادٌ لله جل وعلا ومحادٌ لرسوله صلى الله عليه وسلم قد ترك ما أوجب الله عليه ودينه باطل ولا نرضى به ومأواه جهنم وبئس المصير إن لم يتب من ذلك ويدخل في دين الإسلام .
ولابد أن يكون المرجع هو الكتاب والسنة ( فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول ) .
كما أن من الحوار والجدال المذموم المجادلة بعد ما وضح الحق وأراد المبتدع أو الكافر نشر بدعته عن طريق الحوار ، قال ابن القيم رحمه الله في قوله تعالى : ( فلذلك فادع واستقم كما أمرت ولا تتبع أهوائهم وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب وأمرت لأعدل بينكم الله ربنا وربكم لنا أعمالنا ولكم أعمالكم لا حجة بيننا وبينكم ) فنفى الحجة ها هنا ( لا حجة بيننا وبينكم الله يجمع بيننا وإليه المصير ) يعني انتهى الأمر .
قال ابن القيم : وإذا وضح الحق واستبان فلا خصومة بيننا بعد ظهوره ولا مجادلة فإن الجدال شريعة موضوعة للتعامل على إظهار الحق فإذا ظهر الحق فلم يبقى به خفاء فلا فائدة من الخصومة .
وقد قال عمر رضي الله عنه لزياد بن حدير أتعرف ما يهدم الإسلام ؟! فقال زياد : لا !!
قال : يهدمه زلة العالم وجدال المنافق بالكتاب وحكم الأئمة المضلين .
ومن العجب أن بعض المؤسسات الإعلامية والمسئولين في الإعلام يدعون إلى الحوار ، ويتكلمون عنه كثيرا ، فإذا ما جاءت البرامج الدينية حذفوها يمنة ويسرة أو أخرجوا العالم والداعية وهو في ققص الاتهام أو أخرجوه ليتكلم بما يريدون هم ، وليس بما يريده هو أين الحوار حينئذ ؟! أين الحوار ؟
نسأل الله جل وعلا الثبات على دينه وأن يتوفانا على كتابه وسنته .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بهدي سيد المرسلين أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .

الخطبة الثانية

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه ثم أما بعد :
فإن من أهم وأعظم مميزات الدعوة الصحيحة الولاء والبراء ، وأوثق عرى الأيمان الحب في الله والبغض في الله ، ولا يستقيم إيمان المرء حتى يوالي في الله ويعادي في الله .
والواجب على الرجل أن يعلم أولاده وأهل بيته الحب في الله والبغض في الله والموالاة في الله والمعاداة فيه أعظم من وجوبه تعليمهم الوضوء والصلاة كما ذكر ذلك بعض أهل العلم .
وقد درسنا كثيرا ومر علينا كثيرا ونحن صغارا قول الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله : أصل دين الإسلام وقاعدته أمران : الأولى : الأمر بعبادة الله وحده لا شريك له ، والدعوة إلى ذلك ، والموالاة فيه وتكفير من تركه قال تعالى عن إبراهيم عليه السلام ( إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده ) الثاني من أصل دين الإسلام وقاعدته : الإنذار عن الشرك في عبادة الله والتغليظ في ذلك والمعاداة فيه وتكفير من فعله .
اللهم نور بصائرنا اللهم نور بصائرنا اللهم نور بصائرنا اللهم إنا نسألك علما نافعاً وعملاً صالحاً متقبلاً ودعاءً مستجاباً
 

فهد أبا حسين
  • مقالات دعوية
  • الصفحة الرئيسية