اطبع هذه الصفحة


سلسلة حوار مع القلوب
الظل الوارف

د. فيصل بن سعود الحليبي

 
السلام عليكم ..
هكذا فقط .. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، غير أني لم أعد أطيق تقطيب هذا الجبين أبدًا !
ماذا تريديني أن أفعل ؟ هل تريدني أفتعل الأنس ، وأتمثل الفرح ، وأنا أتعس الناس نفسًا ، وأضيقهم صدرا ؟
لا لا لم أتصور أن صدرك مملوء بالهم إلى هذه الدرجة .
هذه هي المشكلة .
أي مشكلة تقصد ؟
أقصد أنه حتى أنت يا أعز الأصدقاء لا تملك أن ترجع السكينة إلى فؤادي ، والطمأنينة إلى نفسي .
ما الأمر يا صاحبي ؟
لقد طال خريفي ، وأحرقني لهيب الصيف ، ومللت انتظار إطلالة الربيع على أرضي المقفرة .
الذي يسمعك يقول بأنك تعيش على كوكب آخر غير هذه الأرض !
لقد اختصرت عليّ الطريق ، وأحسنت الوصف .
هذا تشاؤم ، وإلا فمن ذا لا يصاب بالغموم ؟
غير أن الغموم عندي طاب لها المقام ، فألقت عن ظهرها عصا التسيار .
إنني أشعر أنك تبالغ في كلامك كثيرًا .
ولذا فإني سألوذ بالصمت ، وأكتم الوحشة ، وأدعوك إلى الصبر على تقطيب هذا الجبين العابس .
لا أقصد هذا ، وإنما ..
أرجو أن تعذرني في إنهاء الموضوع بهذه الطريقة التي أراها غاية في السذاجة ، ولكني أجد نفسي مشدود الأعصاب ، ضيق النفس .
حتى متى يا صاحبي ؟
حتى أجد الدليل إلى السعادة التي مازالت شمسًا في سمائي ، أرهقني انتظار إشراقها .
ماذا تعني بالسعادة التي تنشدها ؟
أريد أن تأمن نفسي ، وتخمد ثورة الهموم في قلبي ، أليس لي حق أن أبتسم كما يبتسم الناس ، وأهنأ كما يهنئون ، وأنام كما ينامون ، وتورق الخضرة في أرضي بعد الجدب ، ويزهر روضي بعد القفر ، حتى متى تفرّخ الهموم في صدري ، ولا أجد لي من يخفف من لهيبها ، وإلى أي عمر أحتسي الوحشة مرًا شرابها ، ومنغصًا عيشها ، لقد سئمتها الساعات تمر على قلبي كأمثال الجبال الراسيات .
لقد أذبت حشاشة فؤادي ألمًا وحسرة على حالك المرير ، الآن لا أستطيع أن ألقي بالملامة عليك ، وكيف ألومك ونحن نعيش في عالم يعج بالمنكرات ، ويتفنن في عرض الفتن ، ويقدس المادة ، وتعبث أهواؤه بالعقول ، حتى غدا الحليم فيه حيران .
ثم ماذا يا رفيق الدرب !! أتراني أجد في جعبتك مفتاحًا للسعادة ؟
السعادة كنز عظيم ، مودع في صندوق ثمين ، غير أنه محكم غاية الإحكام ، ومفتاحه الذي تسأل عنه له أسنان كغيره من المفاتيح ، غير أنها دقيقة ، تحتاج إلى مراعاة وتيقظ .
أنت بذلك تزيد الأمر تعقيدًا .
الأمر كذلك يا أخي لو لم يكن لنا هادٍ ومرشد .
ماذا تعني ؟
أما ترى ما يصنع الاضطراب النفسي ، والفراغ الروحي بشباب الغرب والشرق ، مع أنهم عن شهواتهم لا يمنعون ، وعن رغباتهم لا يصدون ، فأنت ترى الآلاف منهم تقودهم همومهم إلى المخدرات ، ومنها إلى الهلوسة والهذيان ، ومن ذلك كله إلى الانتحار والعياذ بالله .
نعوذ بالله من الهمّ ، ومن خاتمة لا ترضي الله تعالى .
إذن لعلك أدركت أن السبب الأقوى في نجاة المسلمين في غالبهم من عواقب القلق والوحشة : هو أن لهم طريقًا اختطه الله لهم ، ووعد من سار عليه منهم بطيب الحياة في الدنيا والآخرة .
أرى أنوار الفرج تشع على شفتيك .
بل إنها شعت ببزوغ شمس هذه الشريعة المباركة على الخلق أجمعين ، أما قرأت قوله تعالى : { مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } الآية : (97) ، من سورة : النحل ..
يا له من وعد أكيد من قادر على الوفاء .
إن كثيرًا من الناس اليوم وخصوصًا الشباب الذين هم هدف الفتنة ومرتعها الخصب ، تراهم يبحثون عن مخرج من ضوائقهم النفسية ، ولا أراهم يصلون له إلا أن يفلحوا في العثور على المخرج الرباني الذي أرشدنا الله إليه في قوله : { وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا(2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ } من الآيتان : (2) ، و (3) ، من سورة الطلاق ..
 

د.فيصل الحليبي

  • مقالات
  • حوار مع القلوب
  • استشارات أسرية
  • كتب دعوية
  • الخطب المنبرية
  • مختارات صوتية
  • الصفحة الرئيسية