صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







كيف نعامل خدم بيوتنا
الأحساء 17/6/1440هـ

أ.د/فيصل بن سعود الحليبي

 
الخطبة الأولى/
اللهم لك الحمد كله، ولك الشكر كله، وبيدك الخير كله، نعمك علينا كثيرة، وآلاؤك فينا جسيمة، ففي ظل رحمتك نشأنا، وفي سابغ نعمتك تقلبنا، أنت الجواد الكريم، والرؤوف الرحيم، نشهد ألا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك، سبحانك لا نحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، ونشهد أن محمدًا عبدك ورسولك، وخيرتك من خلقك، الرحمة المهداة، والأسوة الحسنة، والبشير النذير، والسراج المنير، صلى عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرا.
أما بعد: فيا رّواد بيوت الله تعالى، ويا أهل تسبيحه وتمجيده، اتقوا الله، {يا أيها الذين آمنوا حق تقاته، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون}.
أيها الإخوة الكرماء: اعلموا وفقني الله وإياكم: أن الحاجة إلى الخدم والضرورة إلى استقدامهم ينبغي أن تُقدر بقدرها، ولقد دل النبيُّ صلى الله عليه وسلم ابنتَه فاطمة وزوجها عليًّا رضي الله عنهما حينما طلبا الخادم، إلى عمل جليل يكسب القوة في البدن والصحة في النفس: فقد روى علي "أنَّ فَاطِمَةَ عليهما السَّلَامُ أتَتِ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ تَشْكُو إلَيْهِ ما تَلْقَى في يَدِهَا مِنَ الرَّحَى، وبَلَغَهَا أنَّه جَاءَهُ رَقِيقٌ، فَلَمْ تُصَادِفْهُ، فَذَكَرَتْ ذلكَ لِعَائِشَةَ، فَلَمَّا جَاءَ أخْبَرَتْهُ عَائِشَةُ، قالَ: فَجَاءَنَا وقدْ أخَذْنَا مَضَاجِعَنَا، فَذَهَبْنَا نَقُومُ، فَقالَ: علَى مَكَانِكُما فَجَاءَ فَقَعَدَ بَيْنِي وبيْنَهَا، حتَّى وجَدْتُ بَرْدَ قَدَمَيْهِ علَى بَطْنِي، فَقالَ: ألَا أدُلُّكُما علَى خَيْرٍ ممَّا سَأَلْتُمَا؟ إذَا أخَذْتُما مَضَاجِعَكُما - أوْ أوَيْتُما إلى فِرَاشِكُما - فَسَبِّحَا ثَلَاثًا وثَلَاثِينَ، واحْمَدَا ثَلَاثًا وثَلَاثِينَ، وكَبِّرَا أرْبَعًا وثَلَاثِينَ، فَهو خَيْرٌ لَكُما مِن خَادِمٍ" [رواه البخاري].
ويضاف على ذلك تعاون الجميع في القيام بأعباء المنزل، فلقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحلب شاته، ويخصف نعله، ويغسل ثوبه، ويقوم على خدمة أهله، وكان يقول: "خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي" [رواه الترمذي وقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ].
وإذا استقدمت الأسرة الخادمة، فلابد أن تعلم أنها امرأة ذات ظروف قاسية وأحوال ضعيفة، أضنى أسرتها الجوع والفقر، وألحت بها الحاجة الماسة حتى ألجأتها إلى مغادرة بلادها للخدمة بين يدي الأغنياء، ولسان حالها يقول لأهلها ولصغارها:

هجرت مهد الصبا والموطن الحاني
وعفت من أجلكم روحي وريحاني

مضيت والشوق حادٍ في ركائبه
وحبكم زورق في نهر شرياني

رحلت لكن فؤادي قيد وجهتكم
أنى اتجهتم، فهل في الدمع سلواني


أيها الأحبة في الله: إن الإسلام الحنيف عني بهذه الشريحة الضعيفة من المجتمع، وذلك بإعطائها حقوقًا تحفظ لها كرامتها، هذه الكرامة التي نالتها بكونها من بني آدم بغض النظر عن كونها مسلمة أو غير مسلمة؛ فكلهم لهم حقوق علينا في هذه البلاد العزيزة التي يعطي شرعُ الله فيها كلَّ ذي حق حقه، وقد قال الله تعالى: {ولقد كرمنا بني آدم}. ومن أهم حقوق الخدم علينا: الرحمة، إذ يجب على راعية البيت أن تراقب الله تعالى في معاملتها لخادمتها، فهي تظل إنسانة يعتريها ما يعترينا من خطأ أو نسيان أو تقصير، والذي يرى غير ذلك، فيستكبر على خدمه، ولا يرعى لهم ذمة، فقد عرَّض نفسه لمقت الله عز وجل، وخالف بذلك هدي الحبيب صلى الله عليه وسلم ، الذي بلغ قمة الرحمة والرأفة بالمماليك والخدم والضعفاء عموما، وهو الأسوة في فعله وقوله.
واسمع - وفقك الله - إلى هذه الوصية النبوية الخالدة في الخدم حيث يقول فيهم الرسول صلى الله عليه وسلم : "هُمْ إِخْوَانُكُمْ جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، فَمَنْ جَعَلَ اللَّهُ أَخَاهُ تَحْتَ يَدِهِ، فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ، وَلَا يُكَلِّفُهُ مِنَ الْعَمَلِ مَا يَغْلِبُهُ، فَإِنْ كَلَّفَهُ مَا يَغْلِبُهُ، فَلْيُعِنْهُ عَلَيْهِ" رواه البخاري.
واحذر كل الحذر أن يمكّن الله هذا الخادم منك يوم القيامة ليأخذ حقه منك بقوة أعدل العادلين، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم :"مَنْ قَذَفَ مَمْلُوكَهُ وَهُوَ بَرِيءٌ مِمَّا قَالَ؛ جُلِدَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ كَمَا قَالَ" [رواه البخاري]. وفي صحيح البخاري: عن عقبة بن عمرو أب مسعود، "كُنْتُ أَضْرِبُ غُلَامًا لِي، فَسَمِعْتُ مِن خَلْفِي صَوْتًا: اعْلَمْ، أَبَا مَسْعُودٍ، لَلَّهُ أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عليه، فَالْتَفَتُّ فَإِذَا هو رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، فَقُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، هو حُرٌّ لِوَجْهِ اللهِ، فَقالَ: أَما لو لَمْ تَفْعَلْ لَلَفَحَتْكَ النَّارُ، أَوْ لَمَسَّتْكَ النَّارُ".
ولقد أعطى النبي صلى الله عليه وسلم القدوة الحسنة في الرحمة بالخدم، فقد خدمه أنس رضي الله عنه عشر سنين، فكيف وصفه يا تُرى؟ يقول أنس رضي الله عنه: "خَدَمْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَشْرَ سِنِينَ، فَمَا قَالَ لِي: أُفٍّ، وَلَا لِمَ صَنَعْتَ، وَلَا أَلَّا صَنَعْتَ" [رواه البخاري].
وعن ابن عمر _ رضي الله عنهما _ أن رجلاً أتى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال: "إن خادمي يسيء ويظلم، أفأضربه؟ قال: تعفو عنه كل يوم سبعين مرّة"، [رواه أحمد وصححه أحمد شاكر].
ودعني بعد هذا أذكرك ببعض مواقف سلفنا الصالح في معاملتهم مع خدمهم، فهذا الفاروق عمر رضي الله عنه كان يذهب إلى مزرعته العوالي في كل سبت، فإذا وجد عبدًا في عمل لا يطيقه خفف عليه منه. وذُكر أن رجلاً دخل على سلمان الفارسي رضي الله عنه فوجده يعجن، فقال له: يا أبا عبد الله، ما هذا؟ فقال: بعثنا الخادم في شغل فكرهنا أن نجمع عليه عملين.
ويروى أن عليًا رضي الله عنه أعطى غلامه دراهم ليشتري بها ثوبين متفاوتي القيمة، فلما أحضرهما، أعطاه أرقهما نسيجًا وأغلاهما ثمنًا، وأخذ الآخر لنفسه، وقال له: أنت أحق مني بأجودهما، لأنك شاب تميل نفسك للتجمل، أما أنا فيكفيني هذا، وأخذ علي رضي الله عنه أقلهما قيمة وجودة.
وقالت جارية لأبي الدرداء: إني سممتُك منذ سنة، فما عمل السم فيك شيئًا، فقال: لم فعلتِ ذلك؟ فقالت: أردت الراحة منك، فقال: اذهبي فأنت حرة لوجه الله.
وَاغْتَاظَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها عَلَى خَادِمٍ لَهَا ثُمَّ رَجَعَتْ إلَى نَفْسِهَا فَقَالَتْ: لِلَّهِ دَرُّ التَّقْوَى مَا تَرَكَتْ لِذِي غَيْظٍ شِفَاءً.
وقيل للأحنف بن قيس: ممن تعلمت الحلم؟ قال: من قيس بن عاصم، قيل: فما بلغ من حلمه؟ قال: بينما هو جالس في داره إذ أتته خادمة له بسفود عليه شواء، فسقط السفود من يدها على ابن له فعقره فمات، فدهشت الجارية، فقال: ليس يسكن روعَ هذه الجارية إلا العتق، فقال لها: أنت حرة لا بأس عليك.
وكان الربيع بن خيثم يقول لخادمه: عليّ نصف العمل، وعليك النصف، وعلي كنس الحش.
إن ما سمعناه لطرف يسير من معاملة السلف الصالح لخدمهم، أسأل الله تعالى أن يوفقنا للاقتداء بهم، إنه سميع مجيب، يغفر الله لي ولكم، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الأخرى:

الحمد لله وكفى، وأشهد ألا إله إلا الله جل وعلا، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله النبي المصطفى، صلى اله عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه الكرام النجبا.
أحبتنا الكرام: لنتق الله في خدمنا، ولنعلم أن من حقوقهم العدل، فإن العدل في كل الأمور واجب بقول الله تعالى: {)إن اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}.
ولقد حرّم الله الظلم على نفسه وجعله بيننا محرّما، فإنه قال سبحانه في الحديث القدسي: (يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا) رواه مسلم.
فلا يجوز تأخير أجرهم الشهري من غير رضاهم، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (أَعْطُوا الْأَجِيرَ أَجْرَهُ قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ)، رواه ابن ماجه وصححه الألباني.
كما لا يجوز اتهام الخادمة بكل خطأ يقع في البيت، أو نقص في حاجاته بغير دليل أو قرينة، كما لا يجوز مخالفة بنود العقد الذي تم توقيعه معها للخدمة، كاستخدامها ساعات أكثر من الساعات المطلوبة منها من غير رغبة منها في ذلك، أو في بيت غير البيت الذي جاءت من أجل خدمته، فهذا فيه مخالفة للعقود التي أمر الله بوفائها فقال سبحانه :{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}، إلا تعطى مقابل ذلك برضاها.
وقد يكون للخادمة والدان وإخوة وأولادٌ تشتاق إليهم، فلابد أن نعطيها من الوسائل ما تتواصل به معهم، ليطيب خاطرها كما تطيب خواطرنا بوصل أحبابنا، وأذكركم وأذكر نفسي بدعوتها إلى الخير والهداية، وأجمل طريق إلى هذا: كرم التعامل معها، واحترامها، وإعطاؤها حقوقها، وإعطاؤها فرصة للصلاة وقراءة القرآن الكريم، والاستفادة من مكاتب دعوة الجاليات في ذلك، وخاصة إذا كانت غير مسلمة، فما أعظم أن تكون أنت سببا في إسلام أسرة قد تمتد فتكون قبيلة من البشر إلى يوم القيامة ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.
أما السعي في علاجها، وإشراكها في مناسبات الفرح والسرور فهذا من شيم النبلاء والرحماء، والراحمون يرحمهم الله.
ومع هذه الوصايا، فإنه ينبغي على المرء أن يبقى في حذر منهم، يتيقظ لأهله وذريته ولماله وطعامه وشرابه، ولا يسلمهم تمامًا لإدارتها، فربما كان ذلك مكمن الخطر، بل يجب أن يكون لنا عين رحيمة وعين بصيرة، ولنتذكر أن مهمتهم هي: الخدمة، وليست التربية.
نسأل الله أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
صلوا بعد هذا وسلموا على حبيب الله ومصطفاه، كما أمركم ربكم فقال: {إن الله وملائكته يصلون على النبي ، يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما}.
اللهم صل على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. اللهم أعز دينك، وأعل كلمتك، وأبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك، ويهدى فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر، اللهم اجعل خير أعمارنا أواخرها، وخير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم نلقاك فيه، برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم من أراد ديننا وبلادنا وولاة أمورنا وبلاد المسلمين ومقدساتهم بسوء فأشغله في نفسه، واجعل تدبيره تدميرًا له، يا ذا الجلال والإكرام ، اللهم أرنا في اليهود وأعوانهم من المجوس والحوثيين وأعداء الدين يومًا أسودا، مزق شملهم، وأضعف قوتهم، وبدد جنودهم، واجعلهم غنيمة للإسلام والمسلمين، اللهم وفق ولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين وولي عهده إلى كل خير، وخذ بناصيتهم إلى البر والتقوى، وارزقهما البطانة الصالحة الناصحة التي تعينهم على الخير وتدلهم عليه، اللهم نصرك المؤزر لجندنا على الثغور عامة، وعلى الحد الجنوبي خاصة، دافع عنهم فإنك تدافع عن الذين آمنوا، احفظهم من بين أيديهم ومن خلفهم، وعن أيمانهم وعن شمائلهم، ومن فوقهم ونعوذ بعظمتك أن يغتالوا من تحتهم، اللهم ردنا إليك، واجعل توكلنا عليك، واقض ديوننا، واشف مرضانا، واكشف كروبنا، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين.
اللهم صل وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.


 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك

د.فيصل الحليبي

  • مقالات
  • حوار مع القلوب
  • استشارات أسرية
  • كتب دعوية
  • الخطب المنبرية
  • مختارات صوتية
  • الصفحة الرئيسية