اطبع هذه الصفحة


أسرانا وأسرى اليهود
4/6/1427هـ
جامــع الإحسان

أحمد بن حسين الفقيهي

 
الخطبة الأولى :
إن الحمد الله نحمده ونستعينه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد ألا لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبد ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما ً كثيرا ... أما بعد :
فيا عباد الله : إن الأمة الإسلامية اليوم تمر بمرحلة عصيبة ، وظروف قاسية مريرة، مهما أوتي القلم من براعة وبيان ، ومهما وصل إليه اللسان من بلاغة وتبيان ، فلن يستطيع تصوير الواقع المأساوي المر الذي تعيشه امتنا الإسلامية .
أصبحت بلاد المسلمين هدفاً للأمم الكافرة ، والشعوب الباغية يسعون في إبادتها ، ويحصدون خيارتها ، وينتهكون مقدساتها .
قرن مضى بل أكثر ، نذهب ونعود ، نتكلم ونصمت وكأنما الحديث واحد والمسألة هنية ، وهي قضية القضايا .
قضية أرتنا كل عيوبنا ، وأوضحت خللنا وتناقضنا ، قضية مصيرية ارتبطت بها كل القضايا ، ونشأت قضايا المسلمين بعدها على شاكلتها .
رأينا في تلك القضية دمائنا التي أهدرت ، وكرامتنا التي مرغت ، كم من دماء فيها سالت ، وكم من أدمع جرت ، وكم من فضيلة محيت وقتلت ؟
إنها قضية فلسطين الجريحة وقد سها الأسير .
ونمنا عن القدس حتى تحدر *** دمع الرجولة منا دماء
وأغضى عن القدس أبطالنا *** فزلزل أولمرت منها الآباء
فلا عمر يستشير الإخاء *** ولا خالد أسد الكبرياء
ولا من صلاح يقينا البلاء *** ويحمي حمى موطن الأنبياء
عباد الله : لقد أتى على أخواننا في فلسطين قرن من الزمان وهم مرابطون في ثغور الآباء ، شامخين أمام هامات العدا ، وقفوا في وجه أعدائهم ، يقاومون بالحجر أمام أسلحتهم ومجنزراتهم ، يسارعون إلى ملاقاة ربهم ، ودماؤهم على ثيابهم وأبدانهم لم ترفع ، لتبقى وساماً فوق صدورهم ، شاهدة لهم يوم القيامة على ما قدمته نفوسهم. فمع عشرات الشهداء ، وأضعاف ذلك من الجرحى ، ومئات المعتقلين من الأسرى ، ومع الحصار الشامل لكل المدن والقرى ، ومع المجازر التي تقام في كل مكان ، مع ذلك كله يؤكد ذلك الشعب المسلم أنه لا استسلام ولا ذل ولا هوان ، ولسان حالهم يقول :
خرجنا إلى الموت شم الأنوف ** كما تخرج الأسد من غابها
نمر على شفرات السيوف ** ونأتي المنية من بابها
عباد الله : لقد أنفت المقاومة في فلسطين الذل ، وطال عليها أمد الصلح ، فأبت إلا أن تلقن عدوها درساً من دروس الآباء ، ليدرك العدو والعالم من خلفه أن دماء الشهداء، وأنين المصابين والجرحى لن يذهب سدى ، فكان الوهم المتبدد من تلك الرسائل ، والقادم أكثر بإذن الله تعالى ، وما ذلك على الله بعزيز .
إن تلك العملية والتي أسفرت عن مقتل جنديين من جنود الاحتلال ، واختطاف ثالث وجرح سبعة آخرين ،أسقطت أوهاماً إسرائيلية ، وبددت معادلات دولية ، كادت أن تسجل من مسلمات المرحلة وقوانينها التي لا مفر منها ، وأولها : السقوط المدوي لنظرية الجيش الذي لا يقهر ، والمخابرات التي لا تنام ، التي سيطرت على عقول فئة كبيرة من الناس ، لفترة طويلة من الزمن ، وجعلتهم يتوجسون من أي فعل مقاوم.
وثانيها : فشل الرهان على سياسة التجويع والحصار في تركيع الشعب الفلسطيني والحد من مقاومته .
وثالثها : فشل سياسة الإرهاب الإسرائيلية والقتل والاغتيالات في لي ذراع الحكومة وتحييدها من دائرة الصراع .
وأخيراً كانت هذه العملية البطولية رسالة لكل العالم مفادها أن الشعب الفلسطيني لن يستسلم لاستفراد الجيش الصهيوني بنسائه وأطفاله وقادته تحت أنظار العالم العاجز عن التدخل لمقاومته .
عباد الله : لقد خاض المنظمون للعملية صراعاً مخابراتياً طويلاً مع أجهزة المخابرات الإسرائيلية المختلفة لعدة شهور، وتمكنوا من خلاله من تحقيق عدد من النتائج كان لها الدور الأبرز في نجاح العملية ومن تلك النتائج :
أولاً : التمويه على نقطة بداية النفق الذي تسلل من خلاله المقاومون لتنفيذ العملية ، والذي استمرت عملية الحفر له مدة طويلة لا تقل عن ستة أشهر ، وعملية التمويه هذه عملية معقدة جداً خاصة مع انتشار العملاء المتعاونين مع الجيش الإسرائيلي على امتداد مناطق الحدود ، والذين يرصدون أي تحرك غير طبيعي على الأرض ، لا سيما وأن عملية الحفر ينتج عنها أطنان من الرمال التي يجب تصريفها دون أن تلفت أي شخص لهذا الأمر .
ثانياً : القيام بعمليات رصد واستطلاع للموقع الذي ستتم العملية ضده ، وجمع معلومات كافية عنه ، وهذه المهمة من أدق المهمات نظراً لخطورة المنطقة الحدودية ووجود العشرات من وسائل الرصد الإسرائيلية التي تهدف إلى اكتشاف أي فلسطيني يتواجد فيها .
ثالثاً : السيطرة على طاقم العمل في العملية والذي لا يقل عدده عن 50 شخصاً .
أيها المسلمون : لقد علمنا أولئك الأبطال ، كيف تعيش الأمة عزيزة كريمة ، وكيف تموت عظيمة شهيدة ، لقد علمونا أن الأمة التي تحسن صناعة الموت ، وتعرف كيف تموت الموتة الشريفة يهب الله لها الحياة العزيزة في الدنيا ، والنعيم الخالد في الآخرة.
عباد الله :هذه العملية وتلك الأحداث التي تلتها أو ضحت لنا مكانتنا ومكانة أسرانا في قلوبنا ومكانة أسرى العدو في قلوبهم ، فأسير واحد لم يبلغ العشرين من عمره ، ولم يحصل المهم من المعلومات في عمله ، تنتفض له دولة بأكملها ، وتنتصر له بأكثر من 400 قذيفة حتى الآن.
أطفال تقتل في مهدها ، ونساء تنتهك حرماتها ، بيوت تهدم فوق أهلها ، حكومة يختطف وزرائها ويهدد رؤسائها ، وتدمر كهربائها ، وتقصف طرقاتها ، وتمنع المؤن والأدوية عن مرضاها ، كل ذلك من اجل أسير واحد .
خطف امرئ في غابة جريمة لا تغتفر *** وقتل شعب كامل مسألة فيها نظر
عباد الله : ليس العجب أن يفعل اليهود هذه الأفعال ، وأن يردوا بمثل هذه الجرائم والخصال فهم أخوان القردة والخنازير ، كم من العهود نقضوا ، وكم من المواثيق جحدوا ، وكم من الجرائم والقبائح قد ارتكبوا .
ولكن العجب الذي لا ينقضي هو من موقف العالم أجمع تجاه ما يحدث في تلك البقاع الطاهرة .
إن اليهود لم يسألوا عن جريمة ارتكبوها ، ولم يعاتبوا على معاهدة نقضوها ، ولم تحجب عنهم مساعدة طلبوها ، لا يوجه إليهم لوم في جرم اقترفوه ، ولم يتأخر عنهم مدد سألوه ، وفي هذه الحادثة توافد كبار ساسة العالم من اجل أسراهم ، وبعثوا التعازي من أجل قتلاهم ، أما إخواننا في فلسطين والذين تجاوز عددهم في السجون الإسرائيلية ما يربو على عشرة آلاف أسير فضلاً عن المشردين والمبعدين عن وطنهم فهؤلاء كلهم لا بواكي لهم بل لقد قال أحد ساسة الغرب : لن نتغابى مطلقاً عن قتل جنود اليهود مهما كانت معاناة الشعب الفلسطيني .
عباد الله : أين حقوق الإنسان من شعب يعيش منذ سبعين عاماً في الملاجئ والمخيمات ، والملايين منه يعيشون في التشريد والشتات ، أين العدل ، وأين الإنصاف ، أين العالم بهيئاته ، وأين المجتمع بمنظماته ؟ أين مجلس أمنهم ، وأين هيئة أممهم ، أين هم من بكاء الثكالى ؟ وصراخ الأيامى ؟ وأنين الأرامل واليتامى ؟
يا ألف مليون ألا من سامع *** هل من مجيب أيها الأقوام
أنى أنادي والرياح عصيبة *** والأرض جمر والديار ضرام
قد بح صوتي من نداك أمتي *** هلا فتى شاكي السلاح همام
أيها المسلمون : إن مشاهدة هذه المناظر المحزنة ، ومتابعة الأحداث المتوالية تقطع الأمل في الرغبة الجادة في السلام ذلكم السلام الذي يبني على أساليب القهر والتعسف والإملاء .
أي سلام يدعون إليه ؟ هل هو السلام الذي يهدم البيوت ، ويشرد من الديار ، ويحاصر الشعوب ويعتقل المئات .
أي سلام يجعل رد الظلم من طرف إرهاباً ، ومن طرف آخر حقا مشروعاً وسلاماً ؟
أي سلام يتخذ العقوبات الجماعية منهجاً ، والحصار والتجويع سبيلا ومسلكا ؟
أين ميزان الحق إذا كان عدوان المعتدي دفاعاً عن النفس وحفاظاً على امن شعبه ، ومقاومة الشعوب للظلم والاحتلال عدواناً وارهاباً وتهديداً لأمن الآخر وشعبه ؟
أي سلام يجعل حقد العدو غضباً مشروعاً ؟ وغضب المظلوم إرهابا ممنوعاً ؟
أين السلام وما تزال مساجدي *** في كل يوم تستباح وتحرق
أين السلام وهذه أرواحنا *** من دون ذنب كل يوم تزهق
أين السلام وأمتي مغلولة *** ودمي على كل الخناجر يهرق
أين السلام وهاهم أطفالنا *** قبل الفطام تكسروا وتمزقوا
شدوا الوثاق أيا رجال عقيدتي *** فالنصر آت والرجاء محقق
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني بهدى سيد المرسلين أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم لي ولكم .

الخطبة الثانية :
الحمد لله جعل قوة هذه الأمة في إيمانها ، وعزها في إسلامها ، أحمده سبحانه وأشكره ، وأتوب إليه واستغفره ، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.. أما بعد:
فيا عباد الله : لقد هانت هذه الأمة ، حين ظهر فيها تفرق الكلمة ، واختلاف الأغراض ، وتجاذب الأهواء ، شغل بعضهم ببعض ، انقسموا إلى قوميات ، وتفرقوا في دويلات ، لهم في عالم السياسات مذاهب ، ولهم في الاقتصاديات مشارب ، استولت عليهم الفرقة ووقعت عليهم الهزيمة ، بل نهش بعضهم بعضا ، وسلب بعضهم بعضا ، حتى صيح بهم في كل جانب ، فانصرفوا عن قضاياهم الكبرى ، واستغل الأعداء هذه الأجواء ، فعاثوا في الأرض الفساد وأحدثوا البلاء .
أيها المسلمون : والله الذي لا إله غيره ولا رب سواه ، لا عز لهذه الأمة ولا جامع لكلمتها إلا كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، ليس بغير دين الله معتصم ، به العزة والمنعة ، وعليه وحده تجتمع الكلمة .
إن نزاعنا مع هؤلاء اليهود نزاع هوية ومصير ، وقتال عقيدة ودين ، وإن حقوق الأمة لن تنال بمثل هذا الخور والجبن ، ولقد أوضحت الأحداث والتاريخ كذلك أن الجهاد في سبيل الله هو السبيل الأقوم والطريق الأمثل لأخذ الحق والاعتراف به ، وأن راية الدين إذا ارتفعت تصاغرت أمامها كل راية .
إن حقاً على أهل الإسلام أن تربيهم التجارب والابتلاءات والمحن ، وإن بلوى نكبة فلسطين ، وتكراراً ذكرها ينبغي أن يكون دافعاً لنا لا محبطاً ، ومحركاً للجهود لا جالباً لليأس من عدم النصر فلا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون .
عباد الله : من اجل فلسطين وأقصانا الأسير لا بد أن نعمل شيئاً فمهما كنا ضعفاء فإننا نستطيع أن نقدم شيئاً ، نستطيع أيها المسلمون أن نحدث أنفسنا بالجهاد ، ونعد العدة ونسأل الله الشهادة ، فمن سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه .. رواه النسائي وغيره .
وفي الحديث الآخر : من مات ولم يغزو ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق ... رواه مسلم .
مهما كنا ضعفاء فإننا نستطيع أن نحمل هم هذه القضية ، وأن نتحدث بها في كل مجلس وبكل لسان ، حتى نجعلها شغلنا الشاغل في صباحنا ومسائنا ، وأن نعرف بها لنجلو الغشاوة ، ونحرك القلوب ، وندفع الآخرين للعمل .
مهما كنا ضعفاء فإننا نستطيع أن نقتطع من أموالنا وقوتنا اليسير للتبرع لإخواننا وسد حاجتهم وفقرهم .
ومهما كنا ضعفاء فإننا نستطيع أن نربي جيلاً جديداً على الإيمان واليقين وبغض القتلة المارقين ، وليكون هذا الجيل بإذن الله طلائع جيل النصر المنشود .
أيها الناس : مهما كان ضعفنا فإننا نستطيع أن ندعو لإخواننا بالنصر والفرج والتميكن ، وندعو على عدوهم بالهزيمة والعذاب والخسران .
يا مسلمون : إن الدعاء عبادة ، فاجعلوا لإخوانكم منها نصيباً ...
اللهم ربنا عز جارك ، وتقدست أسماؤك وجل ثناؤك ، سبحانك وبحمدك ، لا يهزم جنك ، ولا يخلف وعدك ، ولا يرد أمرك ، اللهم أنصر المجاهدين في سبيلك في كل مكان اللهم أنصرهم في فلسطين والشيشان ، وفي كشمير والأفغان وأنصرهم في العراق يا رب العالمين .
اللهم كن لإخواننا المستضعفين في فلسطين اللهم سدد رميهم ووحد كلمتهم وأجمع شملهم على التوحيد يا رب العالمين اللهم اجعل جهادهم عبادة ، وقتلهم لليهود إبادة وأجعل موتهم شهادة يا ذا الجلال والإكرام اللهم عليك بعدوك وعدوهم اللهم أحصهم عددا واقتلهم بددا اللهم لا تغادر منهم أحدا .

 

أحمد الفقيهي
  • الأسرة والمجتمع
  • شهور العام
  • قضايا المسلمين
  • الصلاة والطهارة
  • الحج
  • رمضان
  • عبادات وآداب
  • تراجم
  • مناسبات
  • الصفحة الرئيسية