اطبع هذه الصفحة


الحوار بين الأديان
12/4/1429هـ

أحمد بن حسين الفقيهي

 
الخطبة الأولى :
عباد الله : في الآونة الأخيرة تعددت النداءات وارتفعت الأصوات لتحقيق دعوة قديمة جديدة .
دعوة يراد من خلالها إيجاد لون من ألوان التلاقي والاتصال بين الإسلام وغيره من الأديان المحرفة والملل الوثنية، عبر ما يسمى بحوار الأديان .
فما حوار الأديان ؟ وما حقيقته ؟ وما هدفه ؟ وما الموقف الشرعي منه ؟
أيها المسلمون : إن مصطلح " الحوار بين الأديان " من المصطلحات الحادثة المجملة ، وهو يتنوع بحسب أغراضه وأهدافه إلى عدة أنواع، والمنهج القويم في التعامل مع مثل هذه المصطلحات هو عدم نفي المعنى الصحيح بسبب استعماله من قبل بعض الناس في الباطل، بل نرد المعنى الباطل ونبرز المعنى الصحيح خاصة إذا علمنا أن هذا المصطلح يتعلق بأمر ضروري في دين الإسلام وهو (الدعوة إلى الله) ولأن في ظهور المعنى الصحيح تبيين للحق وتصحيح لما حصل في هذا الموضوع من الخلط والتخبط بسبب البعد عن مفهومه الشرعي الصحيح .
عباد الله: لم تبدأ الحوارات بين الأديان بواقعها الحالي بمبادرة إسلامية، ولم ترسم أهدافها وخطتها في بلاد المسلمين، بل جاءت بطلب من الغرب بعد الدراسة العميقة لها عندهم وتحديد أهدافها وغاياتها من قبلهم، فقبل ثلاثة عقود من الآن بدأت الحوارات بين الأديان بمسمى "التقارب الإسلامي المسيحي" ثم لطفت فسميت "الحوار الإسلامي المسيحي" ثم وسعت بين يدي " اتفاقية أوسلو" للتطبيع مع اليهود، فصارت : "حوار الأديان" وربما "حوار الأديان الإبراهيمية" ، ثم لم تزل تتسع في ظل الدعوة إلى العولمة لتصبح "حوار الحضارات" فتشمل الهندوسية، والبوذية، وسائر الملل الوثنية .
أيها المسلمون: الكفار من أهل الكتاب وغيرهم هم خصوم الماضي والحاضر، وهم يملكون اليوم الآلة العسكرية، والقوة الاقتصادية، والهيمنة الإعلامية، ومع ذلك تنطلق من مراجعهم الدينية والسياسية الدعوة إلى التقارب والحوار فما السر في ذلك ؟

عباد الله : إن هناك الكثير والكثير من الأهداف والبواعث الخفية والظاهرة التي دعت الغرب للدعوة إلى حوار الأديان والتقريب بينها، إلا أن من أشهر تلك البواعث والأهداف وأعظمها أثراً ما يلي:
الباعث الأول باعث الصد عن سبيل الله : حيث أرعب الكنائس الغربية انفتاح شعوبها على الحق، واعتناق ألوف منهم الإسلام ، فرأوا أن لا جدوى من المواجهة ، فهي أضعف من أن تقف أمام متانة العقيدة الإسلامية ، فتفتقت عقولهم عن فكرة ( التقريب والحوار) ليطفئوا روح التشوف لدى شعوبهم، ويقروا في قلوبهم أن الفروق بين الأديان فروقا شكلية، وكلها تؤدي إلى الله، فلا حاجة للتغيير، وصدق الله ومن أصدق من الله قيلا ، حيث أخبرنا أن من صفاتهم السعي للصد عن سبيله فقال :" قل يأهل الكتاب لم تصدون عن سبيل الله من آمن تبغونها وأنتم شهداء وما الله بغافل عما تعملون" (آل عمران:99)، وقال: " وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون" (آل عمران:72).
أيها المسلمون: وأماالباعث الثاني للحوار بين الأديان فهو التنصير حيث يحتل التنصير موقعاً متميزاً في الديانة النصرانية، وحين تبنى النصارى خيار الحوار ، لم يكن ذلك تخلياً منهم عن وظيفتهم الأصيلة، حيث صرح مجلس الكنائس العالمي أن الحوار وسيلة مفيدة للتنصير، لأنه وسيلة لكشف معتقدات وحاجيات الآخر، وهي نقطة البداية الشرعية للتنصير، وإنه في الوقت الذي يرتفع فيه نداء الحوار بين الأديان، تتزايد كثافة الحملة التنصيرية في العديد من الجهات وعلى رأسها قارة أفريقيا حيث رفع فاتيكان الكاثوليك – الذي أقام مؤسسات الحوار مع المسلمين – رفع شعار" أفريقيا نصرانية سنة 2000م " فلما أزف الموعد ولم يتحقق الوعد مد أجل هذا الطمع إلى 2025م ، ولقد تبين أيها المسلمون أن مفهوم الحوار الإسلامي المسيحي لدى الفاتيكان ملغوم ومحشو بالغايات التبشيرية والصليبية، وأنه إطار عام لتنفيذ مؤامرة التنصير خارج العالم المسيحي ، فمتى يتعظ اللاهثون خلفه بذلك، وقد أخبرنا ربنا قبل أن تتبين الحقيقة على الواقع أن أهل الكتاب لن يرضوا عنا حتى نتبع ملتهم فقال سبحانه: "ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم" (البقرة: ).
عباد الله: وأما الباعث الثالث للحوار بين الأديان فهو طغيان المد الشيوعي الملحد على العالم، وتهاوي معاقل النصرانية ، فكانت تلك الخطوة بمثابة محاولة للوقوف أمام المد الشيوعي ، خاصة في الشرق الأوسط ، كما أن الحكومات الغربية تبنت الحوار والتقريب بين الأديان لتتمكن من دمج المهاجرين المسلمين في البلدان والمجتمعات الغربية واتخاذهم ورقة ضغط على الحكومات الإسلامية لتعزيز نفوذ الأقليات النصرانية في البلدان الإسلامية ، ومهاجمة مشروع الدول الإسلامية ، وتطبيق الشريعة فيها.
أيها المسلمون : هناك ثلاث اتجاهات يجري الحوار الإسلامي النصراني المعاصر في مضمارها، وتنتظم تلك الاتجاهات هذا الكم من المؤتمرات والمنتديات، وتفصح عنها أدبيات الحوار وبياناته الختامية، وتلك الاتجاهات هي :

أولاً : اتجاه التقريب بين الأديان : وهو الاتجاه السائد، ويمثل معظم المحاولات العالمية والإقليمية والمحلية التي يتواضع عليها المتحاورون، ومن أبرز معالم هذا الاتجاه :
1 – واعتقاد إيمان الطرف الآخر، وتسويغه، وإن لم يبلغ الإيمان التام الذي يعتقده هو .
2 – والاعتراف بقيم الآخر، واحترام عقائده وشعائره، وعدم تخطئته أو تضليله أو تكفيره.
3 – وتجنب البحث في المسائل العقدية الفاصلة، للحفاظ على استمرار الحوار.
4 – وتجنب دعوة الآخر، وحسبان ذلك خيانة لأدب الحوار .
5 – والدعوة إلى نسيان الماضي التاريخي ، والاعتذار عن أخطائه ، والتخلص من آثاره .
6 – وتبادل التهاني والزيارات والمجاملات في المناسبات الدينية المختلفة .
عباد الله: وأما الاتجاه الثاني فهو التوحيد بين الأديان: وهو يستصحب هذا الاتجاه معظم الخصائص السابقة ويزيد عليها ما يلي :
1 – اعتقاد صحة جميع المعتقدات، وصواب جميع صور العبادات .
2 – والاشتراك في صلوات وممارسات وطقوس مشتركة ، ويمثل هذا الاتجاه غلاة الصوفية قديماً كابن عربي وغيره، وبعض المتمسلمين الأوربين .
أيها المسلمون: وأما آخر الاتجاهات للحوار بين الأديان فهو اتجاه التلفيق بين الأديان : ويهدف هذا الاتجاه إلى تشكيل دين جديد ملفق من أديان وملل شتى، ودعوة الآخرين للانخلاع من أوضاعهم السابقة، واعتناق دين مهجن ، ويمثل هذا الاتجاه قديماً ( البهائية) ، وحديثاً (المونية) التي يعتنقها أكثر من ثلاثة ملايين شخص في العالم ، وتعقد مؤتمرات للحوار باسم (المجلس العالمي للأديان).
عباد الله : هذا هو تأريخ ما يسمى بالحوار بين الأديان ، وهذه بواعثه وأهدافه ، وهذه اتجاهاته في الوقت الحاضر ، ويأتي السؤال عن نتائج تلك المؤتمرات والحوارات وماذا جنينا من ورائها ؟
أيها المسلمون : إن المكاسب المزعومة للإسلام من خلال التطبيق المعاصر للحوار بين الأديان هي مكاسب وهمية ليس لها رصيد من الواقع ، فمع كثرة المؤتمرات واللقاءات المعقودة في هذا الشأن إلا أنها لم تفد شيئاً يذكر في مجال التقارب الحقيقي وبناء أعمال مؤسسية لهذا الغرض، ولم يتوصل المسلمون المشاركون في هذه الحوارات بعد مفاوضات طويلة إلى الاعتراف من النصارى بان محمداً صلى الله عليه وسلم نبياً من الأنبياء، وله رسالة صحيحة كغيره من الأنبياء ، ويقول أحد المشاركين في هذه الحوارات بعد أن يئس منها: إن موقف الآخرين من الإسلام والمسلمين هو موقف الإنكار ، وعدم الاعتراف أو القبول ، فلا إسلام في عرفهم دين سماوي ، ولا رسوله صادق في رسالته، ولا كتابه وحي من السماء .
عباد الله : لقد وصل الحال والمخالفة لمنهج النبوة من قبل بعض المنهزمين من المسلمين المشاركين في هذه الحوارات أن وافقوا على مبدأ ترك الدعوة إلى الدين بين الطرفين، ولا شك أن الخاسر في هذا هو الطرف الإسلامي، لأن الأعداد المتكاثرة التي تدخل من النصارى في دين الإسلام لا تقارن بالذين ينسلخون من الإسلام إلى النصرانية ، مع أن النصارى لم يلتزموا بهذا الشرط ، فلا تزال إرساليات التنصير تجوب بلاد المسلمين طولاً وعرضاً، وإن من القرائن التي تدل على فساد مقصد الغرب من هذه الحوارات ما ذكره أحد المشاركين أنه اكتشف أن الكنسية الأمريكية التي ترعى الحوار وتتفق عليه قد اتخذت من إحدى القلاع التي بناها الصليبيون إبان حروبهم ضد المسلمين " قاعدة " ومقراً لإدارة هذا الحوار .
أيها المسلمون : خلاصة القول في الحوار الذي يجري الآن وبخاصة في السنوات الثلاثين الأخيرة بين العالم العربي والإسلامي وبين الغرب أنه فخ منصوب يجب الحذر منه ، وإن الكثير من المؤسسات والجهات الإسلامية القائمة بالحوار في العصر الحاضر قائمة على منهج مخالف للمنهج الرباني ، ولعل من أبرز الأسباب أن الدعوة جاءت من النصارى وليست من المسلمين ، فنحن لم نساهم في وضع قواعد هذا الحوار ولا أهدافه ولا عناصره، كما لن نختر الأطراف التي نحاورها ، وهنا يرد السؤال الذي لا جواب عليه إلى الآن : لماذا بقينا نركض للحوار مع أوربا والغرب دون دون أن تبادر للحوار مع دول الحضارة الآسيوية ؟.
إن مبررات الجغرافيا وحدها لا تفسر لنا هذا الانحياز للحوار مع الغرب ، بقدر ما يفسرها اختيار الغرب لنا بسبب ماضيهم الاستعماري في بلداننا الإسلامية وطموحهم في استمرار سياستهم الاستعمارية ، وهو ما يفسر أيضاً خضوعنا لهذا الإرث الاستعماري ، فلا نختار الحوار الذي نريد ، ولا الطرف الذي نريد ، ولا الأهداف التي نريد ، ويوم نفعل ذلك نستطيع أن نقول إننا امتلكنا زمام المبادرة ، وتخلصنا من الماضي وكسبنا المستقبل " وإن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم " .

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم .

الخطبة الثانية

عباد الله : لا مزايدة علينا في أن دين الإسلام يحث على الحوار ويدعو إليه ، ولقد تكاثرت النصوص في الكتاب والسنة الدالة على أصالة الحوار في دين الإسلام، فهاهو القرآن الكريم يروى لنا حوار الرسل مع أقوامهم ومن ذلك: حوار نوح عليه السلام مع قومه " قالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين " وحوار إبراهيم مع قومه " وحاجه قومه قال اتحاجوني في الله وقد هدان .." ونقل القرآن كذلك حوار الله تعالى مع الملائكة " إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء " بل صرح القرآن بحوار الله تعالى مع شر خلقه إبليس حين أبى السجود ، ولقد امتثل المصطفى صلى الله عليه وسلم خلق الحوار في دعوته ومسيرته فحاور صلى الله عليه وسلم أهل الكتاب من يهود المدينة ونصارى نجران ، وكاتب ملوك الأرض وأبرز مثال في ذلك كتابه إلى هرقل عظيم الروم .
أيها المسلمون : إن الحوار مع أصحاب الديانات الأخرى من أجل دعوتهم للدين الإسلامي الخاتم والناسخ لجميع الأديان السابقة ، وإيضاح محاسن الإسلام لهم ، وبيان ما هم عليه من باطل ، واستنقاذهم من ظلمات الشرك والجهل ، من أعظم ما يدعو إليه الإسلام ، وهذا النوع من الحوار مطلوب شرعاً وعقلا ، وعلى منواله نأمل أن تتجه مبادرات ولاة الأمر من علماء وأمراء .
ثم صلوا وسلموا رحمكم الله على من آمركم الله بالصلاة والسلام عليه .

اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة ..
يا حي يا قيوم عافنا في أبداننا وأسماعنا وأبصارنا .
اللهم اجعلنا أغنى خلقك بك وأفقر عبادك إليك ..
اللهم أبرم لأمة محمد أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك .

 

أحمد الفقيهي
  • الأسرة والمجتمع
  • شهور العام
  • قضايا المسلمين
  • الصلاة والطهارة
  • الحج
  • رمضان
  • عبادات وآداب
  • تراجم
  • مناسبات
  • الصفحة الرئيسية