اطبع هذه الصفحة


دعوة إلى الزواج
19/2/1428هـ

أحمد بن حسين الفقيهي

 
الخطبة الأولى :

عباد الله : السعادة في هذه الحياة مطلب عظيم ، ومقصد جليل ، يسعى إليها كل حي ، ينشدها بكل وسيلة ، ويطلبها في كل سبيل، غير أن السعادة والطمأنينة في هذه الحياة لا تحصل إلا بما شرع الله عز وجل لعباده ، وما أرشدهم إليه من طاعته ومرضاته ، والأخذ بما وضع الحق جلا وعلا من سنن وما شرع من أسباب، وإن مما شرع الله عز وجل من أسباب السعادة وجبل النفوس عليه الارتباط برباط الزوجية .
أيها المسلمون: لقد خلق الله الزوجين ، الذكر والأنثى ، وركب في كيان كل واحد منهما الميل إلى الآخر ، فطرة الله التي فطر الناس عليها والذي يعاند هذا الميل الفطري يحمل نفسه رهقاً، ويكلفها شططا ، ويسبب لها عنتاً، وعندما تغالب الفطرة فإنها في النهاية تغلب من يعاندها ومن ثم يتفجر هذا الكبت المغالب ، فيدمر المجتمعات في انحراف عن السلوك السوي ، وارتكاب للفواحش والمحرمات
عباد الله : لقد رغب الله عز وجل في كتابه في الزواج بصور متعددة فتارة يخاطب خليله مبيناً أن الزواج من سنن المرسلين قبله : " ولقد أرسلنا رسلاً من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية " ، وتارة يخبر أن الزواج آية من آيات الله الدالة على حكمته ، والداعية إلى التفكر في عظيم خلقه وبديع صنعه : ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون " ، وأحياناً يذكر الزواج في سبيل الامتنان : " والله جعل لكم من أنفسكم أزواجاً وحعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ورزقكم من الطيبات ".
وقد يتردد المرء في الزواج ، فيحجم عنه خوفاً من تكاليفه وهروباً من تحمل أعبائه ، فيلفت الإسلام نظره إلى أن الله سيجعل الزواج سبيلاً إلى الغنى قال تعالى : وانكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم أن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم .
أيها المسلمون: لقد حث نبيكم صلى الله عليه وسلم أمته على الزواج فقال كما في الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم : يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء، ولم يكتف عليه الصلاة والسلام بذلك بل اتبع القول العمل فتزوج من النساء إحدى عشرة امرأة .
عباد الله: إن الإسلام يحث على الزواج حتى في اللحظات التي يريد فيها الإنسان أن يتبتل وينقطع للعبادة ، " أتى ثلاثة رهط إلى منزل النبي صلى الله عليه وسلم فسألوا عن عبادته ، فكأنهم تقالوها - أي رأوها قليلة - فقال أحدهم : أما أنا فأصوم فلا أفطر وقال الآخر أما أنا فأقوم ولا أرقد ، وقال الثالث : وأما أنا فلا أتزوج النساء ، فلما سمع النبي صلى الله عليه وسلم بمقالتهم قال لهم مبيناً السبيل الأقوم : ما بال أقوام يقولون كذا وكذا ، أما والله إني أقوم وأرقد ، وأصوم وأفطر ، وأتزوج النساء ، فمن رغب عن سنتي فليس مني. أخرجه الشيخان.
أيها المسلمون : إن ديننا دين يسر وفسحة يراعي الفطر ويحفظ عليها ولذا لم يرض صلى الله عليه وسلم فعل هؤلاء الثلاثة وبين لهم أن فعلهم مناف للفطرة ومغاير لسنة الأنبياء المرسلين وسلف الأمة الصالحين: يقول ابن مسعود رضي الله عنه : لو لم يبق من اجلي إلا عشرة أيام لتزوجت كراهية أن ألقى الله عزباً أخرجه عبد الرزاق ، ويقول ابن عباس رضي الله عنه : لا يتم نسك الناسك حتى يتزوج ، وها هو الإمام أحمد رحمه الله يقول : ليست العزوبة من الإسلام في شيء ، من دعاك إلى غير الزواج دعاك إلى غير الإسلام ، وذات يوم لقي إبراهيم بن ميسرة طاووس فقال له : لتنكحن ، أو لأقولن ما قال عمر بن الخطاب لأبي الزوائد : ما يمنعك من النكاح إلا عجز أو فجور.
عباد الله: إن النفس الإنسانية قد أودع الله فيها غريزة ميل الرجل إلى المرأة ، وميل المرأة إلى الرجل ، ولا حيلة للبشر في دفع هذه الميول الغريزية ، ولا خير لهم في كبتها واستئصالها ولذا شرع الله سبحانه الوجهة التي تهذب من خلالها تلك الغريزة بلا فساد ولا فوضى ، وتلك الوجهة هي الزواج واختيار المرأة المناسبة ، وإلا فلو بقي الرجل أو المرأة دون لقاء مشروع لحصل الفساد الأخلاقي ، وانتشرت المحرمات ، وشاعت المنكرات ، قال صلى الله عليه وسلم إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه ألا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير . رواه الترمذي .
أيها المسلمون: نحن في زمن كثر فيه الفساد ، وتنوعت فيه وسائل الباطل ، وتعددت مصادر الشر ، هذه الصور الخليعة ، وتلك الأفلام الماجنة ، ناهيك عن المظاهر السيئة التي تؤدي بالإنسان إلى مزالق الهوى ، وإن الغريزة المركبة في أبنائنا وبناتنا إن لم نعن على وضعها في الحلال فيوشك أن تجد طريقها عبر الحرام والعياذ بالله.
عباد الله: إن من منافع النكاح وأهدافه حصول الأنس والمودة والراحة والطمأنينة بين الزوجين، وقد صور ذلك القرآن الكريم وبينه بألطف عبارة وأدق تصوير قال جلا وعلا: ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون " ، قال الإمام ابن كثير رحمه الله تعالى : ثم من تمام رحمته ببني آدم أن جعل أزواجهم من جنسهم ، وجعل بينهم مودة وهي المحبة ورحمة وهي الرأفة ، فإن الرجل يمسك المرأة إما محبة لها أو لرحمته بها بأن يكون لها منه ولد أو محتاجة إليه في الإنفاق أو للألفة بينهما وغير ذلك .. ا هـ .
عباد الله: ومن منافع الزواج أيضاً : تكثير النسل وتحصيل الذرية ، التي تعبد الله وحده لا شريك وبالوالدين إحساناً ، والنبي صلى الله عليه وسلم حث أمته على ذلك فقال : تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة ... رواه أحمد وغيره، ثم أن الوالدين ينالهم بسبب الأولاد الذين يأتون بالزواج خير عظيم وفضل عميم ، فإضافة إلى أنهم زينة الحياة الدنيا ، فإنه ليس أحب إلى الإنسان من ولد صالح يسعى في بره بطاعته وخدمته في حياته ، وبعد وفاته يدعو له بالمغفرة والرحمة والرضوان .
أيها المسلمون : إن في الزواج فتحاً لطريق من طرق تحصيل الأجر والثواب فإن الرجل قد أوجب عليه الشرع الإنفاق على أهله وأولاده ورعايتهم وحسن تعليمهم وتأديبهم ، وهو بهذه الأعمال ينال الأجر والثواب ويحتسب ذلك عند الله ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : دينار أنفقته في سبيل الله ، ودينار أنفقته في رقبة ، ودينار تصدقت به على مسكين ، ودينار أنفقته على أهلك ، أعظمها أجراً الذي أنفقته على أهلك رواه مسلم ، وفي الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم قال : إذا أنفق الرجل على أهله نفقة وهو يحتسبها كانت له صدقة .
عباد الله : إن من أبرز ما يقف أمام الشباب في طريقهم نحو الزواج تلك التكاليف الباهظة التي تثقل كواهلهم وتجعلهم حبيسي الدين وربما حبيسي الغرف خلف القضبان .
ولقد تكفل الله سبحانه بجعل الزواج سبيلاً إلى الغنى يقول سبحانه " وانكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادتكم وإيماءكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم " ، قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه : أطيعوا الله فيما أمركم به من النكاح ينجز لكم ما وعدكم من الغنى ، وقال ابن عباس رضي الله عنهما : رغبهم الله تعالى في التزويج ووعدهم عليه بالغنى فقال : إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله ، فأبشر يا طالب العفاف فأنت من بين الثلاثة الذين حق على الله عونهم : قال صلى الله عليه وسلم ثلاثة حق على الله عونهم وذكر منهم : الناكح يريد العفاف .
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمت أمرنا ...

الخطبة الثانية :

فيا عباد الله : لقد شرع الله النكاح لمصالح الخلق وعمارة هذا الكون ، وبقدر عناية المجتمع وحرص الأمة على أمر النكاح والسعي في تزويج الناشئة ، وتسهيل سبل الزواج ، يتحقق للأمة ما تؤمل من سعادة أبنائها ، وحصول الأمن والطمأنينة في مجتمعاتها .
غير أن الواقع المؤلم هو ابتعاد كثير من مجتمعات المسلمين عن هدى الإسلام وتشريعاته الداعية إلى تسهيل سبل النكاح وتيسير أسبابه ، فنجد البعض يغالي في طلب المهور العالية والتكاليف الباهظة ، ويسرفون في إقامة الولائم والحفلات ويبذلون في سبيل ذلك الأموال الطائلة التي تبدد مال الأغنياء وتثقل كاهل الفقراء .
أيها المسلمون: كم في مجتمعات المسلمين اليوم من فتيان وفتيات حيل بينهم وبين ما يشتهون من الرغبة في النكاح وبناء الأسرة والعيش تحت ظلها الوارف بسبب التكاليف الباهظة ، أو العادات والتقاليد المخالفة لهدى الإسلام، مما أدى إلى مفاسد كبرى تنوء بحملها تلك المجتمعات ، ألا فلنتق الله عباد الله و لتتضافر منا الجهود ، ولا سيما من ذوي التأثير فينا من العلماء ، والوجهاء وحملة الأقلام ورجال الإعلام ، وأصحاب الثروة والمال في الحث على تسهيل أمور النكاح وتيسير أسبابه ، تحقيقاً لمصالح الأمة ، ودرءا للأضرار والأخطار عنها .
عباد الله : صلوا على الرحمة المهداة ...

 

أحمد الفقيهي
  • الأسرة والمجتمع
  • شهور العام
  • قضايا المسلمين
  • الصلاة والطهارة
  • الحج
  • رمضان
  • عبادات وآداب
  • تراجم
  • مناسبات
  • الصفحة الرئيسية