اطبع هذه الصفحة


غربة التوحيد
27/ 3 /1429هـ

أحمد بن حسين الفقيهي

 
الخطبة الأولى :
عباد الله : هناك ظاهرة : تتكرر كل حين ، في شكل موجات عاتية من الهجوم على ثوابت الأمة وعقائدها ومناهجها ، وهي موجات وهجمات تتحد في غاياتها ، وإن كانت تختلف في أساليبها وأدواتها ورموزها، وإن هذه الهجمات والظواهر تعد من أخبث وأخطر ما يواجه المسلمين في عصرهم الحاضر ، حيث يراد لها أن تمحو شريعة الله الحقة من الأرض ، وتقصيها من واقع المسلمين .
أيها المسلمون : لقد ظلت معالم التوحيد ، والعقيدة السلفية إلى عهد قريب في مأمن من السهام الطائشة ، والآراء المارقة ، حتى نبتت نابتة ، ومرقت مارقة في بلاد المسلمين، جندوا أنفسهم لهدم مجتمعاتهم وبث بذور الشر والفساد فيما يقولون ويكتبون ، فخاضوا في مسلمات العقيدة وثوابت الملة بما تمليه عليهم عقولهم وأهواؤهم الفاسدة .
أيها المسلمون : ما كنا نتصور أن يوجد في بلاد المسلمين من يصحح عقائد الكفرة أو يشك في كفرهم .
وما كنا نظن أنه يوجد في أرض المسلمين من يرى أن لا اله إلا الله لا تثبت معبوداً فرداً ولا تنفي ديناً باطلاً .
ولكنها غربة التوحيد التي استحكمت في هذا الزمن ، حتى أضحت مظاهر منافاة التوحيد لا يصح إنكارها أو كشف باطلها .
عباد الله :
ضاقت فجاج الأرض عن صرخاتنا *** وتكسرت بأكفنا الأقـلام
فتحت لأهل الشر أبواب المدى *** فتقاطروا وعلى الدروب زحام
وتداعت الأوباش تعلن غيها *** ويؤزها نحو الخنا الإعــلام
رقموا وكان الكفـر في كلماتهم *** ما دونه شـك ولا أوهـام
عباد الله : إن كفر من لم يؤمن بدين الإسلام من مسلمات الشريعة وقواطع الملة ، ومما هو معلوم من الدين بالضرورة ، وإن الآيات الدالة على كفر من لا يدين بدين الإسلام قطيعة الثبوت والدلالة ، فرسالة محمد صلى الله عليه وسلم ناسخة لكل شريعة سابقة .
ومن الآيات التي تدل على ذلك قوله تعالى :" إن الدين عند الله الإسلام ". وقوله تعالى .. "ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلا يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين" .
أيها المسلمون : إن من بلغته رسالة محمد صلى الله عليه وسلم ولم يؤمن بها فهو كافر في الدنيا ، ومستحق لعذاب النار في الآخرة ، وفي هذا يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم ...." والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أهل النار ".. رواه مسلم . وخص الحبيب صلى الله عليه وسلم اليهود والنصارى لأنهم أكثر الأديان انتشاراً في عهده ، ويدعون اتباعهم لكتاب منزل ، ويدعون أنهم على التوحيد .
عباد الله : لقد حكم الله جل جلاله من فوق سبع سموات بكفر اليهود والنصارى ، بل قد جاء ذلك صريحاً في كتابه الذي جعله الله نوراً وهدى للناس فقال عز من قائل سبحانه .". لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة ". وقال تعالى : " لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح بن مريم " وقال تعالى :" لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة " .
عباد الله : إن من لم يكفر اليهود والنصارى أوشك في كفرهم أو سوغ اتباع دينهم أو صحح ما هم عليه من اعتقادات باطلة فهو كافر باتفاق المسلمين ، قال العلامة محمد بن عبد الوهاب ــ رحمه الله ــ في نواقض الإسلام : من لم يكفر المشركين أو يشك في كفرهم أو صحح مذهبهم كفر .
أيها المسلمون : إن لفظة كافر ليست لفظة اصطلاحية مبتكرة ، بل هي لفظة قرآنية محكمة لا لبس فيها ، فكلمة كافر ليست خاصة باليهود والنصارى فقط ، بل تطلق على كل من لم يبتغ الإسلام ديناً ، كالبوذي والمجوسي ، والشيوعي ناهيك باليهودي والنصراني ، بل حتى من يدعي الإسلام وهو يمارس ناقضاً من نواقضه معلوماً من الدين بالضرورة فهو كافر ، يعامل معه كما يعامل أمثاله من الكفار .
أيها المسلمون : إن الردة هي الرجوع عن الإسلام إما باعتقاد أو قول أو عمل ، فقد تكون الردة قولاً باللسان كسب الله تعالى أو رسوله صلى الله عليه وسلم ، أو الاستهزاء بدين الله تعالى ، وقد تقع الردة بعمل ظاهر من أعمال الجوارح كالسجود للصنم أو إهانة المصحف . وقد تقع الردة كذلك بقول القلب وعمله .
والمرتد خارج عن دين الإسلام يجب قتله ، ولا يغسل ولا يصلى عليه ، ولا يدفن في مقابر المسلمين ، لقوله صلى الله عليه وسلم ــ من بدل دينه فاقتلوه ــ وقد التزم الصحابة رضوان الله عليهم بهذا الحكم ، وقام خلفاء وملوك الإسلام وفي عصور مختلفة بإقامة حكم الله تعالى في المرتدين أسوة برسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا يخفى موقف الصديق رضي الله عنه تجاه المرتدين وقتاله لهم ، وسار على ذلك بقية الخلفاء ومن تبعهم بإحسان .

عباد الله : لقد ظن كثير من الناس أن ظاهرة الردة قد وئدت إلى غير رجعة ، بوأد أبي بكر رضي الله عنه لها ، ولكن الأمر على العكس من ذلك ، فهاهي الردة عن الإسلام تطفئ نارها تارة ، وتضرم تارة أخرى ، وفي الآونة الأخيرة تطاول شرذمة من السفهاء فوصفوا الأحكام الشرعية المترتبة على الردة بأنها استبداد وقسوة ومناقضة لحرية الرأي وحرية التعبير ." أفغير دين الله يبغون ، وله أسلم من في السموات والأرض طوعاً وكرهاً وإليه يرجعون " .
أيها المسلمون : إن الردة التي جاهر بها بعض شراذم هذا العصر ليست مجرد ردة فقط ، بل ضموا إلى هذه الردة المحاربة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، والإفراط في العداوة ، والمبالغة في الطعن في دين الله تعالى ، وصاحب هذه الردة المغلظة لا يسقط عنه القتل ــ وإن تاب ــ بعد القدرة عليه ، كما حرر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بقوله : إن الردة على قسمين : ردة مجردة ، وردة مغلظة شرع القتل على خصوصها ، وكلتاهما قد قام الدليل على وجوب قتل صاحبها ، والأدلة الدالة على سقوط القتل بالتوبة لا تعم القسمين ، بل إنما تدل على القسم الأول ( الردة المجردة ) كما يظهر ذلك لمن تأمل الأدلة على قبول توبة المرتد ، فيبقى القسم الثاني ( الردة المغلظة ) وقد قام الدليل على وجوب قتل صاحبها ، ولم يأت نص ولا إجماع بسقوط القتل عنه . أ. هـ
عباد الله : إن حماية جناب التوحيد ، والحفاظ على مقام الدين من أن يمس من أعظم الواجبات ، وإن جهاد هؤلاء المفسدين من أعظم جهاد الكلمة ، والنصح للأمة والتواصي بتعرية هؤلاء وتجلية هذه المسائل من أشرف أنواع التواصي بالحق والبر.
وكلنا أمل بعد الله تعالى في علمائنا ودعاتنا وولاة أمرنا أن يبقى صوتهم بالحق مجلجلا ، فبهم تهتدي الأمة وترشد ، وبهم يقتدي الأنام لأنهم ورثة الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام .
بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة ...

الخطبة الثانية

عباد الله : إن حرية الرأي مزلة في مثل مسلمات العقيدة ، ويجب ألا تطال حرية الرأي المقدسات الدينية والثوابت الشرعية، إذ مس المقدس يعتبر خروجاً عن إطار الحرية الفردية ، ونكاية بمعتقدات الجماعة ، وخاصة في بلد يقوم على اعتبار الإسلام مرجعيته النهائية التي لا يجوز لأحد أن يتعدى عليها أو يمسها بسوء .
أيها المسلمون : إن الحرب على الإرهاب والتكفير لا يعني انتفاء الردة من الإسلام ، ولا يعني أن تُتخذ هذه القضية وسيلة وحيلة لكل من تسول له نفسه أن يقول في الإسلام ما يشاء ، فكما أن المجتمع كله يقف ضد من يتخذ من التكفير وسيلة لإزهاق الأرواح وترويع الآمنين ، فإن اتخاذ حرية الرأي والتعبير وسيلة لإشاعة الكفر لا يقل خطورة عن الأول .
عباد الله : إنه متى ما قدح في التوحيد ونيل منه أختل الأمن واضطرب الحال وإليكم مصدق ذلك من كتاب ربكم في قوله " الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون "
أيها المسلمون :
حتى متى يتطاول الأقزام *** وإلى متى يغشى النهار ظلام
إني أرى خلل الرماد توقدا *** وأرى الوهاد تهزها الألغام
إن ضيعت شأن الثوابت أمة *** وغدت بأبخس ما يكون تسام
فهناك يهدم كل صرح شامخ *** ويباح أصل وهو قبل حرام
وهناك يهزأ بالشريعة جهرة *** وتزين الزلات والآثام
ولسوف يكرم كل خب فاسق *** وكأنه الصوام والقوام
فاستيقظوا يا قومنا من رقدة *** ما حاز مجداً معشر نوام

ــ اللهم أبرم لهذه الأمة أمراً رشدا ، يعز فيه أهل طاعتك ويهدي فيه أهل معصيتك ...
اللهم أجر عبادك الموحدين من كيد الأعداء ، وأحفظ عليه من دينهم ، وحماة دينهم .

 

أحمد الفقيهي
  • الأسرة والمجتمع
  • شهور العام
  • قضايا المسلمين
  • الصلاة والطهارة
  • الحج
  • رمضان
  • عبادات وآداب
  • تراجم
  • مناسبات
  • الصفحة الرئيسية