اطبع هذه الصفحة


الخدم في بيوتنا
28/10/1428هـ

أحمد بن حسين الفقيهي

 
الخطبة الأولى :
فيا عباد الله : لقد اقتضت حكمة الله تعالى أن فاوت بين الناس وجعلهم على طبقات ، غني وفقير ، رئيس ومرؤوس، شريف ووضيع ، عالم وجاهل ، ليحتاج الناس بعضهم إلى بعض، ( نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ، ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضاً سخريا ) قال البغوي رحمه الله : أي ليستخدم بعضهم بعضا ، فيسخر الأغنياء بأموالهم الأجراء الفقراء بالعمل .. أ.هـ
أيها المسلمون : إن من التسخير الذي منّ الله به على عباده ، ظاهرةٌ أتسع نطاقها ، وتعددت أبعادها ، لأنها ليست وليدة الحاضر فلا يزال الناس يعبون منها عبا بدافع الطبع والتفاخر ، وطمعاً في الرفعة والشرف والتشبه بعلية القوم.
أتدرون عباد الله أي ظاهرة هذه ؟ إنها ظاهرة الخدم والخادمات .
أيها المسلمون : إن من مما يدفع الغيورين للحديث عن هذه الظاهرة تلك الدراسات المتكاثرة التي تؤكد أن جلب الخدم من حيث الإجمال لم ينشأ من حاجة حقيقة أو ضرورة اجتماعية بل أوجدت هذه الظاهرة ظروف طارئة كالطفرة الاقتصادية وما ترتب عليها من انتشار عدوى التقليد وحب الظهور إلى أن استفحلت هذه الظاهرة بخروج المرأة للعمل ، وتفشي العجز والتكاسل بين أبناء المجتمع وخاصةً بين النساء اللاتي هن ربات البيوت، ولقد أثبتت الدراسات أن وجود الخدم مع ما يترتب عليه من أثار وسلبيات يعتبر من الظواهر المقلقة اجتماعياً ، والتي تشكل عبئاً على الأسرة والدولة والمجتمع ويكفي للدلالة على ذلك تلك الأرقام المهولة التي تؤكد عظم المشكلة وخطورتها: فـ 88% من البيوت في هذه البلاد بها خادمة واحدة ، وأكثر من نصف الخادمات في الخليج أعمارهن دون العشرين، وتشكل الخادمات غير العربيات النسبة العظمى من الخادمات، والغالبية منهن من الأميات وغير المسلمات.
إن الحديث عباد الله عن هذه الظاهرة يبدأ ولا ينتهي ، وحسبنا في هذا المقام أن نلقي بشذرات متفرقة حول هذه الظاهرة فيقال: إن استغناء المرء بنفسه ، وتوكله على الله وعدم سؤاله الآخرين من خدم وغيرهم لهو الأفضل والأكمل يقول أحد الصحابة فيما رواه مسلم في صحيحه : ( بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على ألا نسأل الناس شيئاً ، حتى إن أحدنا ليسقط سوطه في الأرض ، ما يقول لأحدنا ناولنيه ) ، ولو لم يكن في الاستغناء عن الخدم والإكثار منهم إلا السلامة من عواقبهم والوقوع في سلبياتهم التي يقل الفكاك منها لكفى ، ورحم الله الإمام أحمد حينما قال: (السلامة لا يعدلها شيء) .
أيها المسلمون: إن أولى من ينصح بترك استقدام الخدم والخادمات أولئك الذين يستكثرون على أنفسهم بالديون جراء مجاراتهم غيرهم بالخدم، وهم في الواقع أقرب إلى أن يخدموا غيرهم ليستزيدوا من المال من أن يخدموا ، وحسب من ضاقت الحيلة به في عدم جلبه الخدم مع حاجته إليهم أن يتعزى بهذا الحديث : اشتكى علي رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ما تجده فاطمة من الطحن والعمل المجهد فسأله خادماً فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ألا أدلكما على ما هو خير لكما من خادم ؟ إذا أويتما إلى فراشكما فسبحا الله ثلاثاً وثلاثين واحمداه ثلاثاً وثلاثين وكبراه أربعاً وثلاثين ، فتلك مائة في اللسان ، وألف في الميزان) رواه أحمد ، قال ابن تيمية رحمه الله : فيه أن من واظب على هذا الذكر لم يصبه إعياء .أ.هـ .
أيها المسلمون : من كان منكم متخذا خادما فليعلم أن عليه مراعاة أمور هامة منها :
أولاً : أن يقتصر الاستقدام على المسلمين فقط ، فالكافر لا يجوز استقدامه لهذه الجزيرة لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( أخرجوا المشركين من جزيرة العرب ) فهذه وصية محمد صلى الله عليه وسلم بإخراج الكفار من الجزيرة لما لوجودهم من خطر عظيم على المسلمين في عقائدهم وأخلاقهم ومحارمهم، وكم في البيوت من صرعى ومرضى بسببهم وماذا عسى أن نجني من ورائهم ، فدينهم غير ديننا ، فيحلون ما نحرم ، ويحرمون ما نحل، فضلاً عما يقوم به جملة منهم من الدعوة إلى التنصير والترغيب في مللهم أثناء غفلة الأولياء عن أولادهم .
وفقراء المسلمين عباد الله: أولى من غيرهم بفرص العمل ، وهم بلا شك أقرب وأسرع إلى التكييف مع أخلاقنا وعاداتنا من غيرهم ، وعملهم في البلاد الإسلامية فرصة لهم لكي يفهموا الإسلام فهماً صحيحاً وينبذوا الكثير من البدع التي يمارسونها في مجتمعاتهم، وإن أضيف إلى الإسلام الأمانة وحسن السيرة فهو أكمل وأفضل لقوله سبحانه (( إن خير من استأجرت القوية الأمين )) .
ثانياً : وجود المحرم مع الخادمة أثناء سفرها في الذهاب والإياب لقوله صلى الله عليه وسلم : لا تسافر المرأة ألا مع ذي محرم .
إن إحضار المحرم مع الخادمة أيها المسلمون يكون بإذن الله سبباً في قلة الفواحش والبعد عن الزلل ، والأمن على النفس والعرض، وكم تسامع الناس عن أمور يندى لها الجبين جراء استقدام هؤلاء الخدم ذكوراً وإناثاً بدون محرم ، والكثير منا وللأسف لا يبالي بالسائقين والخدم ، حيث نجد امرأة مع سائق ، ورجل مع خادمة ، امرأة تتكشف لمخدومها ، وسائق يطلع على حرمات كفيله وكأنه من أهل البيت والمحارم، وهذا والله من التفريط الذي يحاسب عليه العبد يوم القيامة .
عباد الله : وإذا ولج الخدم إلى البيوت تأكدت أمور أخرى هامة منها : التزام الخدم من النساء بالحجاب والستر ، وعدم التكشف أمام الزوج والأولاد الذين بلغوا الحلم ، لأنهم أجانب عنهم فليسوا إماء ولا ملك يمين يباح النظر إليهم أو مخالطتهم فضلاً عن أن يباح لهم لبس أحسن الثياب ، أو التجمل وتسريح الشعر ، وكأنهم بين محارمهم أو بين أيدي أزواجهم .
ثانياً : عدم الخلوة والاختلاط بالخدم وسواء كان ذلك من السائق لأهل البيت أو من أهل البيت للخادمة ، وأياً كان ذلك في المنزل أو في السيارة أو في أي مكان آخر، لأن ذلك يوجد نوعاً من الألفة بينهما وبين أهل البيت من الرجال مما يتسبب في وقوع المحظور الشرعي ألا وهو الزنا أو مقدماته ، وقد حدث هذا في زمن الطُهر زمن النبي صلى الله عليه وسلم في قصة الأجير الذي كان يخدم امرأة فزنا بها ، فكيف بزماننا هذا الذي تعددت وتنوعت فيه المغريات ، وأضحت المنكرات فيه قريبة المنال، وإن الواجب على كل أب أحضر سائقاً لبيته مع قدرته على القيادة أو وجود من يقوم بذلك من الأبناء أن يتقي الله في زوجته وبناته ، وألا يترك الحبل على القارب فإن السائق رجل كباقي الرجال ، وما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما .
ثالثاً : أمر الخدم بالتزام شرع الله ، والمتابعة المستمرة لهم من ناحية أداء العبادات والأحكام المتعلقة بهم لأن الولي مسئول عنهم ما داموا يعملون عنده وتحت كفالته ، فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته .
عباد الله : إن من أنكى وأقسى المصائب التي جنيناها من جلب الخدم إلى بيوتنا إيكال بعض الآباء والأمهات تربية الأطفال ورعايتهم إلى الخدم والمربيات بسبب الانشغال بالوظيفة حينا ، ولأسباب أخرى غير ذات أهمية حيناً آخر .
ولقد جنا المجتمع من تربية الخدم صوراً مؤسفة ومحزنة ومنها :
-تأثُر الأطفال ببعض معتقدات الخدم الدينية إذا كانوا كفارا ، وببعض شعائرهم البدعية إذا كانوا مسلمين، ومما يروى في ذلك أن إحدى الأمهات جاءت ذات مرة من عملها مبكرة على غير عادتها ، فوجدت طفلها الصغير واقفاً أمام الشمعة ، فحاولت الأم أن تكلمه مراراً فلم يجبها ، وبعد برهة من الزمن أجاب الطفل نداء أمه ، فلما سُئل عن سبب صمته أجاب : بأن يصلي كما علمته الخادمة المجوسية .
ومن صور الجناية على الأطفال كذلك بسبب الخدم حرمان الطفل من حنان أمه وتمتعه بالرعاية الدافئة التي يحتاجها كثيراً ، والتي لا تستطيع الخادمة توفيرها له ، وقد ثبت بالدراسات أن جلَّ الأطفال الصغار من ذوي المشاكل النفسية هم ممن عانوا حرماناً عاطفياً كبيراً في طفولتهم المبكرة بسبب غياب أمهاتهم عنهم وإسلامهم للخدم.
أيها المسلمون : استأذنكم مرةً أخرى لنقف يسيراً مع لغة الأرقام التي تظهر شيئا قليلاً من جنايتنا بحق أبنائنا حين أسلمناهم طواعيةً إلى الخدم ليقوموا بتربيتهم، فقد أثبتت إحدى الباحثات المختصات بتطور الطفل وحياة الأسرة أن 70% من مشاكل الطفل والمراهقة النفسية ناتجة عن هروب الأم من مسؤوليتها تجاه أبنائها ، كما أظهرت الدراسة أيضاً أن 40% من الموظفات يتركن أطفالهن مع الخادمات و18% منهن في دور الحضانة .
أما عن نسبة ذكاء الأطفال فقد بينت الدراسة أن نسبة ذكاء الأطفال المرتبطبين بوالديهم تصل إلى 90 % وفي المقابل تصل نسبة ذكاء الأطفال المرتطبين بالخادمات إلى 30% فقط، ألا فلنتق الله تعالى ولنتذكر أن هؤلاء الأولاد أمانة في أعناقنا،
ليس اليتم من انتهى أبواه * من هم الحياة وخلفاه ذليلاً
إن اليتم هو الذي تلقى له * أماً تخلت أو أباً مشغولا .
بارك الله لي ولكم في الكتاب والسنة .

الخدم في بيوتنا
الخطبة الثانية
عباد الله : إن هؤلاء الخدم قد تركوا أوطانهم وأولادهم وهاجروا في سبيل طلب الرزق والمعيشة ، وقد يغيب الواحد منهم عن أهله سنوات كثيرة ، بل إن بعضهم يترك أولاده أطفالاً فيعود إليهم وقد بلغوا سن الرشد ، ولم تكن غيبته اختيارا بل اضطراراً في طلب الرزق والكد عليهم ، ونسأل الله ألا يحوجنا كما أحوجهم ، ولقد كان كثير من أهل هذه البلاد يرحلون إلى الأقطار في طلب الرزق والمعيشة ، فالحمد لله الذي بدل حالنا إلى أحسن وجعل أسباب الرزق ميسورة ومتوفرة .
أيها المسلمون : إن من حقوق الخدم علينا احترام قدرهم ، وأنهم بشر مثلنا ، فلنتلطف معهم ، ولنرحم غربتهم ، ولنرعى مشاعرهم وأن نطعمهم إذا أطعمنا، قال صلى الله عليه وسلم : إذا أتى أحدكم خادمة بطعام فإن لم يجلسه معه فليناوله لقمة أو لقمتين أو أكلةً أو أكلتين فإنه ولي علاجه (أي تعب في أعداده وتحضيره ) أخرجه الشيخان .
عباد الله : ( أعطوا الأجير حقه قبل أن يجف عرقه ) وإياكم أن تستوفوا منهم عملهم ولا توفوهم أجرهم فالله خصمهم يوم القيامة قال صلى الله عليه وسلم : ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة وذكر منهم: رجلاً أستأجر أجيراً فاستوفى منه ، ولم يعطه أجره ) أخرجه البخاري.
أيها المسلمون : إياكم وظلم العمال والخدم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة ، وإذا سولت لك نفسك عبد الله أنك قادر على ظلم الخادم أو بخسه حقه فتذكر رقابة الله عليك ، وتذكر أن للمظلوم دعوة مستجابة، وكم من دعوة مظلوم قد سلبت غنياً ماله ؟ وكم من دعوة مظلوم فرقت بين امرئ وزوجه !!؟ وكم من دعوة مظلوم هدمت لذاتٍ وفرقت جماعاتٍ .
عباد الله : إن من نعم الله علينا في بلادنا أن مكاتب دعوة الجاليات تفتح ذراعيها وتشرع أبوابها لاستقبال كل داخلٍ وزائر ، وبخاصة أولئك الذين يحضرون معهم من يريد اعتناق الإسلام فلنقدر هذه النعمة ، ولنرع الأمانة التي استرعانا الله إياها من دعوة هؤلاء الخدم والعمالة ، ليعودوا إلى بلدانهم وقد انشرحت صدورهم للإسلام ، ويكون الاستقدام فرصةً لتآلف المسلمين وتعارفهم ، ودعوة غير المسلمين للدخول في دينهم .
أيها المسلمون : صلوا على الرحمة المهداة ، والنعمة المسداة .

 

أحمد الفقيهي
  • الأسرة والمجتمع
  • شهور العام
  • قضايا المسلمين
  • الصلاة والطهارة
  • الحج
  • رمضان
  • عبادات وآداب
  • تراجم
  • مناسبات
  • الصفحة الرئيسية