اطبع هذه الصفحة


القنوات الفضائية
10/10/1429هـ

أحمد بن حسين الفقيهي

 
الخطبة الأولى :
عباد الله: استغل أولياء الشيطان وسائل التقنية فوظفوها في بث شبهاتهم وشهواتهم، لعلمهم بسرعة وصول أثرهم وتحقيق أهدافهم، وإن من المصائب التي بليت بها أمة الإسلام وغزيت بها في عقر دارها، تلك القنوات والأطباق الفضائية التي ما فتئ أعداء الإسلام من اليهود والنصارى يتفننون في ترويجها والدعاية لها، تسابقت شركاتهم ومؤسساتهم في تصدير بضاعتهم المزجاة إلى بلاد الإسلام والمسلمين، وغدا بثهم على مدار اليوم كله إمعاناً في الكيد للإسلام وأهله.
أيها المسلمون: لقد سخر أعداء الإسلام الإعلام العالمي، لخدمة أفكارهم وآرائهم، سخروه للطعن في الأمة وثوابتها، ووظفوه لإبعاد المجتمع المسلم عن دينه، واستخدموه للقدحِ في ماضينا المجيد وفي أعلام الهدى من هذه الأمة، ويكفي دليلاً على ذلك، ذلكم المؤتمر الذي ضم أكثر من مائة دولة وحضره أكثر من ثمانية آلاف منصر وكلف أكثر من إحدى وعشرين مليون دولار؟ أتدرون لماذا ؟ لدراسة كيفية الاستفادة من البث المباشر في تنصير العالم.
عباد الله: لقد جعل هذا الغزو القادم إلينا من الفضاء فئاماً من شباب وفتيات المسلمين يعيشون حياتهم بلا أهداف طموحة ولا معان سامية ، ولقد أخرجت هذه القنوات جـيـلاً مـشـوه الأفكار ، منكوس الفطرة ، يتبع الشهوات و يغوص في المنكرات، ويجعل من الفنانين والرياضيين وسقطة المجتمع قدوة يحاكيها في كل شيء ، وقد أوضحت بعض الأبحاث والتقارير والدراسات شيئاً من مخاطر وآثار هذه القنوات وإليكم بالأرقام شيئاً من ذلك:
- أظهرت إحصائية علمية ضمن رسالة جامعية بعضا من السلبيات المنعكسة على الأسرة بسبب متابعتها للقنوات الفضائية ، وجاء فيها أن نسبة 85 % من جمهور المشاهدين يحرصون على مشاهدة القنوات التي تعرض المناظر الإباحية ، ونسبة 53% منهم قلت لديهم تأدية الفرائض الدينية ، وقد فتر التحصيل الدراسي لدى 32% ، أما النساء المشاهدات فهناك نسبة 42% منهن يتطلعن للزواج المبكر ولو كان عرفيا .
- وفي دراسة بحثية ميدانية أخرى حول أخلاقيات الفضائيات وأثرها في المجتمعات ، أفادت الدراسة أن 89% من إعلانات الموجهة للشباب تحوي قيما سلبية كالشراهة والتبذير والانحلال ، وهناك 93% من الفضائيات تستخدم النساء ، وأن 73% من البرامج يتم تقديمها من خلال حركات المرأة ومفاتنها.
- أما عن أثر القنوات على الشباب فقد أثبتت الدراسات العلمية وجود علاقة طردية بين ما يشاهده الشباب وبين الانحراف ، وأن نسبة 16.7% فقط من شباب الأحداث يشاهدون في وسائل الإعلام برامج توجيهية ( دينية ، ثقافية ، علمية ) في حين يشاهد 51% منهم البرامج الرياضية ، بينما يشاهد 64.2% من شباب الأحداث برامج مثيرة كالأفلام والمسلسلات والمسرحيات.
- ولم يقتصر الأعداء على الشباب والفتيات فقط فوجهوا إعلامهم كذلك إلى الأطفال والناشئة حيث إن أغلب أفلام الكرتون الموجهة لأطفالنا تنقل بحذافيرها من القنوات الأجنبية ويمضي أمامها أطفالنا عشرة آلاف ساعة بنهاية المرحلة الدراسية المتوسطة فقط، وهذه بلا شك من العوامل التي تؤدي إلى انحراف الطفل وإضعاف عقيدته وتمييع خلقه.
عباد الله: ليس غريباً على أعداء الإسلام ما يفعلون فذاك من صميم نهجهم وأعظم أهدافهم ومقاصدهم " ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونوا سواء " ، " ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم " ، وسيستمر أعداء الإسلام والسنة في الكيد والمكر بالإسلام وأهله أبد الدهر.." ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم " ، لكن الغريب والمؤسف والله أن يكون لذلك الإعلام الفاسد وكلاء من بيننا من أبناء جلدتنا وممن يتكلمون بألسنتنا،
قنوات فضائية تنتسب إلى بعض الدول العربية أو الإسلامية وإلى ملاك عرب ومسلمين تتنافس تنافساً غير شريف في ترفيه غير بريء وتسلية غير مباحة أمتد ضررها وشرها إلى شهر العبادة والصيام فعكرت صفو المتعبدين وأدت إلى انحراف المشاهدين والمتابعين.
عباد الله : ماذا دهى بني قومنا؟ حتى جعلوا من وسائلهم وقنواتهم مشروعات تجارية بحتة في سوق محرمة وبضائع ممنوعة وسلعاً فاسدة يؤدي بعضها بلا شك إلى التمرد على الدين وإشاعة للفحشاء وبث للرذيلة ونشر للإباحية والاختلاط والسفور وعرض للمفاتن في مسلسلات إجرام وخيانة وعنف وإفلات من العقاب مع معارضة صريحة لحجاب المرأة المسلمة وللتعدد المشروع، لقد أخرجوا المرأة من عفتها وكرامتها وحجابها وطهرها، وأضحت الخمور والعهر من الأمور اللازمة لهذه المواد الإعلامية الساقطة ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
أيها المسلمون: لا شك أن من يقف وراء هذه القنوات الفاسدة فئات ضلت وانحرفت بأعمال وأفكار وأراء لا تتفق مع الإسلام ومبادئه وأحكامه، وهذه الفئة يجب أن يجلى أمرها ويفضح فكرها وتوجهها لأن من يقف خلفها هم الطابور الخامس المندس في صفوفنا يبث سمومه في قلوبنا وبيوتنا وأولادنا ومجتمعاتنا.
عباد الله: كيف يطمأن على الأمن الفكري وهناك من يجوس خلال الأمة بأفكار كافرة ملحدة تجأر بالتطاول على مقام الألوهية والربوبية والإسلام. وكيف يرجى الأمن وهناك من يجاهر بالقول بفصل الدين عن الدولة، ومن ينادي في الصحف والقنوات ألا يكون للدين والإسلام موقع في تصريف شؤون الحياة .
أيها المسلمون: إن هذه الوسائل والقنوات إن لم يحسن توجيهها فهي كفيلة بأن تخرج أجيالاً لا ترى الخير والمصلحة إلا فيما عند الأعداء، ولا ترى التخلف والسوء إلا فيما عند أهلها ودينها ، وإن هذه الوسائل وهذه القنوات بهذه المواد التي تقدمها إنما تلف الحبال حول الأعناق لتجر الناس نحو أعدائها جراً .
عباد الله: إنه حق على الأمة ألا تقف موقف الدفاع أو موقف التلاوم والتشكي وبث الأحزان والتأوهات، ولكن الواجب يقتضي توظيف وسائل العصر للإستفادة منها في غرس القيم والأخلاق وحماية العقول وتدعيم الثوابت الإيمانية، والتمييز بين الصالحين الغيورين على الإسلام وبين تلك الفئات الضالة المنحرفة.
أيها المسلمون: أنقل لكم في ختام هذه الخطبة كلام عالم رباني حول هذه الوسيلة وخطرها، يقول العلامة ابن باز رحمه الله تعالى : " شاع في هذه الأيام بين الناس ما يسمي بالدش ، وأنه ينقل جميع ما يبث في العالم من أنواع الفتن والفساد والعقائد الباطلة والدعوة إلي أنواع الكفر والإلحاد ، مع ما يبثه من الصور النسائية ، ومجالس الخمر والفساد ، وسائر أنواع الشر الموجودة في الخارج بواسطة التلفاز ، فلهذا وجب التنبيه على خطورته ، ووجوب محاربته والحذر منه ، وتحريم استعماله في البيوت وغيرها ، وتحريم بيعه وشرائه وصناعته أيضا ، لما في ذلك من الضرر العظيم والفساد الكبير والتعاون على الإثم والعدوان ونشر الكفر والفساد بين المسلمين ، والدعوة إلى ذلك بالقول والعمل فالواجب على كل مسلم ومسلمة الحذر من ذلك والتواصي بتركه والتناصح في ذلك عملا بقول الله عز وجل: " وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب ".

الخطبة الثانية

عباد الله: عجباً والله من مسلم أنعم الله عليه بنعمة الإيمان وبنعمة الصحة والعافية، يقضي ساعات من يومه وليلته في سخط الله وفيما يغضب الله ، ماثلاً أمام تلك الشاشات والقنوات التي تزيده عن ربه بعداً ومن الشيطان قرباً، وأما العجب الذي لا ينقضي فهو من ذلك الولي الذي يفتح ذراعيه لإدخال تلك القنوات والشاشات في داره، بل ويتابع تركيبها وتشغيلها أحياناً، ويزداد العجب إذا كان ذلك الوالد الذي أدخل تلك القنوات من أهل الجمعة والجماعة وممن يغدو إلى المسجد ويروح يرجو رحمة ربه ويخشى عقابه.
يا مسلم يا عبد الله كيف ترضى لنفسك أن ترى زوجتك وأولادك يقلبون النظر في مشاهد بذيئة تخدش الحياء وتغضب رب الأرض والسماء.
أيسرك يا مسلم أن يكون منزلك مسرحاً يستقبل الكفر والإلحاد، وتبث فيه الأفلام الداعرة والقنوات المتحللة الساقطة، قل لي بربك يا مسلم كيف ستربي أبناءك وبناتك ومن تحت يدك في هذا المكان الملوث إعلامياً، وماذا سيفعل أولادك ومن تحت يدك وهم حائرون بين الآداب التي يتلقونها منك ومن المدرسة وحلقات العلم، وبين تلك الجرعات الإعلامية الهدامة المدمرة المؤثرة التي يتلقونها كل يوم من تلك القنوات والشاشات.
إني أذكركم أيها المسلمون بالأمانة التي تحملتموها وأبت السموات والأرض والجبال أن يحملنها، وأذكركم بالمسؤولية التي استرعاكم الله إياها وسوف يسألكم عنها يوم القيامة، " يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون "
قال صلى الله عليه وسلم: كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته . متفق عليه.
فكم ذا أنـت مخـدوع وحتى * متى لا ترعـوي عنها وحتى
فلا تَرْضَ المعـايِبَ فهي عـارٌ * عظيم يورِث الإنسـانَ مَقْتًا
وتَهْـوي بالوجيـه من الثُّرَيّـا * وتُبْدِلُه مَكـان الفـوق تَحْتَا
عباد الله: ومع كل هذا الفساد الذي يبثه الغرب وأذنابه إلينا كالسيل المنهمر إلا أن هنالك إعلامًا هادفًا يبني الأخلاق والقيم ويظهر العلماء والقدوات، إعلام يحوي برامج أسريّة نظيفة ومواد للأطفال هادفة، وبين ثناياها الدورات المفيدة في المهارات والأخلاق وغيرها مما هو مفيد ونافع، ولقد أضحت هذه القنوات واقعًا إعلاميًا موجودًا ولله الحمد والمنة، وحري بهذا النوع من القنوات أن يشجَّع ويتابع؛ لأنه مما يبني شخصية الفرد بناءً صحيحًا، ويصوغها بما يفيد المجتمع في قادم الأيام والأعوام.
ثم صلوا وسلموا على من أمرتم بالصلاة والسلام عليه ..


 

أحمد الفقيهي
  • الأسرة والمجتمع
  • شهور العام
  • قضايا المسلمين
  • الصلاة والطهارة
  • الحج
  • رمضان
  • عبادات وآداب
  • تراجم
  • مناسبات
  • الصفحة الرئيسية