اطبع هذه الصفحة


مع الفاروق في خلافته (1)
 23/6/1429هـ

أحمد بن حسين الفقيهي

 
الخطبة الأولى

الحمدُ للهِ أكملَ لنا الدينَ، ووعدَنا النصرَ والتمكينَ، أشهدُ ألا إله إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له جعلَ العاقبةَ للمتقينَ، وأشهدُ أن محمداً عبدُه ورسولُه الصادقُ الأمينُ، صلواتُ اللهِ وسلامُه عليه، وعلى آلهِ الطيبينَ الطاهرينَ، وخلفائِه الصادقينَ الناصحينَ، وسائرِ أصحابِه والتابعينَ، ومن تبِعهم بإحسانِ إلى يومِ الدينِ أما بعد
فيا عبادَ اللهِ : اختارَ اللهُ نبيِه محمداً صلى اللهُ عليه وسلمَ، للرسالةِ إلى الخلقِ بهذا الدينِ الكاملِ لينشرَه بينَ العالمينَ، واختارَ له من الأصحابِ أفضلَ الناسِ بعدَ النبيينَ، أبرُّ هذه الأمةِ قلوباً وأعمقُها علماً وأقومُها عملاً وأقلُها تكلفاً، جاهدوا في اللهِ حقَّ جهادِه في حياةِ نبيِهم وبعدَ وفاتِه، فنصرَ اللهُ بهم الدينَ ونصرَهم به، وأظهرَهم على كلِ الأديانِ وأهلِها.
أيها المسلمونَ: إن ممن اختارَ اللهُ لنبِيه صلى اللهُ عليه وسلمَ الخلفاءَ الراشدينَ الأئمةَ المهديينَ الذين قضوا بالحقِ وبه كانوا يعدِلون، كانت خلافتُهم رضي الله عنهم أفضلَ خلافةٍ في مستقبلِ الزمانِ وماضِيه، تشهدُ بذلكَ أفعالُهم وتنطقُُ به آثارُهم.
وأفضلُ الخلفاءِ بل أفضلُ الخلقِ بعدَ الأنبياءِِ عليهم الصلاةُ والسلامُ، خليفةُ رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلمَ ورفيقُه في الغارِ أبوبكرٍ الصديقُ رضي اللهُ عنه، ومن بركتِه رضي اللهُ عنه على هذه الأمةِ ونصحِه لها وَوُفُورِ عقلِه وصدقِ فراستِه أن استخلفَ على الأمةِ بعدَه وزيرَه وقرينَه عمرَ بنَ الخطابِ رضي اللهُ عنه الذي قالَ فيه النبيُ صلى اللهُ عليه وسلمَ: ((لقد كانَ فيما قبلَكم من الأممِ ناسٌ محدَّثُونَ يُكلَّمونَ من غيرِ أن يكونوا أنبياءَ فإن يكُ في أمتي أحدٌ فإنه عمرُ)). وقال صلى اللهُ عليه وسلمَ يُخاطبُ عمرَ: ((والذي نفسي بيده ما لقيكَ الشيطانُ سالكاً فجاً قطُ إلا سلكَ فجاً غيرَ فجِكَ)) وسألَ عمرو بنُ العاصِ رسولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلمَ عن أحبِ الرجالِ إليه فقالَ: ((أبو بكر قالَ ثم من قالَ ثم عمرُ بنُ الخطابِ وعدَّ رجالاً)).
عبادَ اللهِ: لما تولى أبو بكرٍ الخلافةَ كانَ الفاروقُ رضي اللهُ عنه قاضياًً ووزيراًً له مدةَ خلافتِه، فلما حضرتْ أبا بكرٍ الوفاةُ استخلَفه من بعدِه، فكلَّمه بعضُ الناسِ في شدِّة عمرَ وقالوا له: ماذا تقولُ لربكَ إذا سألكَ من استخلفتَ عليهم قالَ أقولُ: (قد استخلفتُ عليهم خيرَ خلقِك).
أيها المسلمونَ: تولى عمرُ بنُ الخطابِ رضي اللهُ عنه الخلافةَ فصعدَ المنبرَ وقالَ: ما كانَ اللهُ لِيراني أني أرى نفسِي أهلاً لمجلسِ أبي بكر، فنزلَ درجةً واحدةً حتى يكونَ مقامُه على المنبرِ أنزلَ من مقامِ أبي بكرٍ، فحمدَ اللهَ تعالى وأثنى عليهِ، ثم قالَ: اقرؤوا القرآنَ تُعرفوا بهِ، واعملوا به تَكونوا من أهلهِ، وزِنوا أنفسَكم قبلَ أن تُوزنوا، وتزيَّنوا للعرضِ الأكبرِ يومَ تعرضونَ على اللهِ لا تخفى منكم خافيةٌ.
قالَ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ رحمه اللهُ تعالى: إن اللهَ أعزَّ به الإسلامَ وأذلَّ به الشركَ وأهلَه، أقامَ شعائرَ الدينِ الحنيفِ، ومنعَ مِن كلِ أمرٍ فيه نُزوعٌ إلى نقضِ عُرى الإسلامِ، مطيعاً في ذلكَ اللهَ ورسولَه، وقافاً عندَ كتابِ اللهِ ممتثلاً لسنةِ رسولِ اللهِ صلى اللهِ عليه وسلمَ، محتذياً حذوَ صاحبَيه، مشاوراً في أمورِه السابقينَ الأولينَ مثلَ عثمانَ وعليٍ وطلحةَ والزبيرِ وغيرِهم ممن له علمٌ أو رأيٌ أو نصيحةٌ للإسلامِ وأهلِه.
عبادَ اللهِ : قَوِيَ سلطانُ الإسلامِ في عهدِ الفاروقِ رضي اللهُ عنه وانتشرَ في مشارقِ الأرضِ ومغارِبها، حتى قيلَ إن الفتوحاتِ في عهدِه بلغتْ ألفاً وستاً وثلاثينَ مدينةَ مع سوادِها، بنى فيها الفاروقُ أربعةَ آلافِ مسجدٍ يمضي عليه أجرُها إلى يومِ القيامةِ.
كانَ رضي اللهُ عنه إسلامُه فتحًا، وهجرتُه نصرًا، وإمارتُه رحمةً، كتب له رضي الله عنه أنه أولُ من سُمي بأميرِ المؤمنينَ، وأولُ من كَتبَ التاريخِ، وأولُ من جمعَ القرآنَ في المصحفِ، وأولُ من جمعَ الناسَ على قيامِ شهرِ رمضانَ، وأوّلُ من طافَ بالليلِ يتفقّدُ أحوالََ المسلمينَ، وأولُ من فتحَ الفتوحَ فتحَ العراقَ كلَّه وأذربيجانَ وفارسَ والشامَ ومِصرَ، وقُتلَ رضيَ اللهُ عنه وخيلُه على الريّ قد فَتحوا عَامتها.
أخرجَ رضي اللهُ عنه اليهودَ من الحجازِ، وأجلاهُم من جزيرةِ العربِ إلى الشامِ وحضرَ فتحَ بيتِ المقدسِ،
وفي مجالِ السياسةِ الشرعيةِ كانَ للفاروقِ رضي اللهُ عنه قَصبَ السبقِ في وضعِ عددٍ من الأنظمةِ التي تُرتبُ وتُنظمُ شُؤونَ الناسِ ومنِها :
نظامُ الدواوينِ وهو النظامُ الذي يُعنى بمصالحِ الناسِ وتوثيقِ المعاملاتِ.. وحفظِ أسماءِ الجندِ..
ونظامُ العطاءِ: فجعلَ للناسِ رواتبَ شهريةٍ على قدرِ سوابِقهم وحاجاتِهم.
ونظامٌ للخراجِ على الأرضِ ونظامٌ للجزيةِ على جماجمِ أهلِ الذمةِ.
أيها المسلمونَ: ضربَ الفاروقُ عمرُ بنُ الخطابِ رضي اللهُ تعالى عنه أروعَ الأمثلةِ، وقدَّمَ أحسنَ النماذجِ، التي يُمكنُ أن يَتمثلَ بها كلُ حاكمٍ، وكلُ والٍٍ إلى قيامٍ الساعةِ، كانَ رضي اللهُ عنه إذا استعملَ رجلاًً كتبَ عليه كتاباًً أشهدَ عليه رهطاً من المهاجرينَ والأنصارِِ، بأنه لا يَظلمْ أحداً في جسدِه ولا مالِه، ولا يَستغلَ منصبَه لفائدةٍ أو مصلحةٍ له، أو لمنْ يلوذُ به.
وكانَ يقومُ في الناسِ في مواسمِ الحجِ فيقولُ: إني لا أبعثُ عليكم عمالي ليضربوا جلودَكم ولا ليأخذوا أموالَكم، ولكن أبعثُهم إليكم ليُعلِمُوكم دينَكم، ويحَكُموا فيكم بسنةِ نبيِكم صلى اللهُ عليه وسلمَ، فمن فُُعِلَ به سِوى ذلكَ، فليرفعُه إليّ.
لم يتركْ رضي اللهُ عنه ولاتَه من النصحِ والتذكيرِ فكانَ يكتبُ إلى عمالِه، يُحذِرهم من الترفعِ والإسرافِ، وهذا الذي يجبُ على كلِ من تولى أي أمرٍ من أمورِ المسلمينَ، كتبَ مرةً إلى عتبةَ بن فَرقَدٍ، وكانَ قد ولاه على أذربيجانَ فقالَ له يا عتبة: إنه ليسَ من كَدِّ أبيكَ ولا من كَدِّ أمكَ. أي أنَ هذا الذي تأخُذه من بيتِ مالِ المسلمينَ ليسَ من كدِّ أبيكَ ولا من كدِّ أمكَ، ثم قالَ له: فأشبعِ المسلمينَ في رحالِهم مما تَشبعُ منه في رَحلِك، وإياكَ والتنعمُ، وزِّيَ أهلِ الشركِ، ولباسَ الحريرِ. وكتبَ إلى أبي موسى الأشعريِّ فقال أما بعدُ: فإن أسعدَ الرعاةِ من سَعِدَتْ به رعيتُه ، وإن أشقى الرعاةِ عندَ اللهِ من شَقِيتْ به رعيتُه.
جاءَه رجلٌ من أهلِ مصرَ فقالَ: يا أميرَ المؤمنينَ، عائذٌ بكَ من الظلمِ، فقالَ عمرُ: عُذتَ مُعاذًاً، قالَ: سابقتُ ابنَ عمرِو بنِ العاصِ فسبَقتُه، فجعلَ يَضربُني بالسوطِ ويقولُ: أنا ابنُ الأكرمينَ، فكتبَ عمرُ إلى عمرِو يأمرُه بالقدومِ، ويَقدُم بابِنه معه، فَقَدِمَ، فقالَ عمرُ: أينَ المِصريَّ؟ ثم قالَ: خُذِ السوطَ فاضربِ، فجعلَ المصريُّ يَضربُ ابنَ عمرٍو بالسوطِ، ويقولُ عمرُ: اضربْ ابنَ الأكرمينَ. قالَ أنسٌ: فضربَ واللهِ، فما أقلعَ عنه حتى تَمنّينا أن يَرفعَ عنه، ثم قالَ عمرُ لعمرٍو رضي اللهُ عنهما: منذُ كم تعبّدتم الناسَ وقد ولدَتُهم أمهاتُهم أحرارً؟! قالَ: يا أميرَ المؤمنينَ، لم أعلمْ، ولم يأتني.
تلكَ هي عدالةُ عمرَ، وتلكَ مقولتُه الخالدةُ: متى استعبدتمْ الناسَ وقد ولدتُهم أمهاتُهم أحرارًا؟!
عباد الله: كان عمر رضي الله عنه يتفقد أحوال الناس، مهتما بأمور الرعية صغيرها وكبيرها، فيقضى لهم الحاجات، ويفرّج عنهم الكربات، خرج ذات ليلة إلى الحرة ومعه مولاه أسلم فرأى امرأة يبكي أطفالها من شدة الجوع، فقال لها: ما بالكم وما بال هؤلاء الصبية يتضاغون؟ قالت المرأة: يتضاغون من الجوع قال: فأي شيء في هذا القدر قالت: ماء أسكتهم به أوهمه أني أصنع طعاما حتى يناموا والله بيننا وبين عمر فقال: يرحمك الله وما يدري عمر بكم قالت: أيتولى أمرنا ويغفل عنا. فبكى عمر ورجع مسرعاً وحمل ما يكفيهم بنفسه، وحين طلب مولاه أن يحمل عنه قال له: أنت تحمل وزري يوم القيامة لا أم لك؟ فلم يزل عمر ينفخ النار ويطبخ لهم حتى شبعوا وجعلوا يضحكون ويتصارعون فقالت: المرأة جزاك الله خيرا أنت أولى بهذا الأمر من عمر فقال لها عمر: قولي خيرا.
ولما رجع من الشام إلى المدينة انفرد عن الناس ليتفقّد أحوالَ الرعية، فمرّ بعجوزٍ في خِباء لها فقصدها، فقالت: يا هذا، ما فعل عمر؟ قال: قد أقبل من الشام سالمًا، فقالت: لا جزاه الله خيرا، قال: ولم؟ قالت: لأنّه ـ والله ـ ما نالني من عَطائه منذ تولّى أمرَ المسلمين دينارٌ ولا درهم، قال: وما يدرِي عمر بحالِك وأنت في هذا الموضع؟! فقالت: سبحان الله! والله ما ظننت أن أحدًا يلي على النّاس ولا يدري ما بين مشرِقها ومغرِبها، فبكى عمر وقال: واعمراه، كلّ أحدٍ أفقه منك يا عمر، حتى العجائز. ثم قال لها: يا أمةَ الله، بكم تبيعيني ظلامَتك من عمَر، فإني أرحمه مِنَ النّار، فقالت: لا تستهزئ بنا يرحمك الله، فقال: لست بهزّاء، فلم يزل بها حتى اشتَرَى ظلامتَها بخمسةٍ وعشرين دينارا. فبينما هو كذلك إذ أقبل عليّ بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود فقالا: السلام عليك يا أمير المؤمنين، فوضعَت العجوز يدَها على رأسها وقالت: واسوأتاه! شتمتُ أميرَ المؤمنين في وجهِه، فقال لها عمر: ما عليك يرحمك الله، ثم طلب رقعةً من جِلد يكتب عليها فلم يجد، فقطع قطعة من مرقعته وكتب فيها: (بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما اشترى به عمر من فلانة ظلامتها منذ ولي إلى يوم كذا وكذا بخمسة وعشرين دينارا، فما تدّعي عند وقوفه في الحشر بين يدَي الله تعالى فعمر منه بريء. شهد على ذلك علي وابن مسعود)، ثم دفع الكتاب إلى أحدهما وقال: إذا أنا متّ فاجعله في كفني ألقى به ربي.
أيها المسلمون: إن الكثير من الدول، وخاصة في هذا العصر الذي يضع (حقوق الإنسان) على سلم أولوياته، لا تعرف أن الإسلام سبقها إلى كثير مما تدعيه من حقوق الإنسان ومواثيقه وإليكم شاهداً على ذلك من حياة الفاروق رضي الله عنه :
كان عمر بن الخطاب يجول في أسواق المدينة فيلقى رجلا ضريرًا يسأل الناس فسأله أمير المؤمنين: من الرجل؟ فأجاب: يهودي من أهل الذمة لا يجد طعامًا!
ويستشعر عمر، الحاكم المسلم، مسؤوليته عن إنسان من أبناء الدولة من أهل الذمة.. ويقول: "ما أنصفناه؛ أكلنا شبابه.. وتركناه في عجزه"، ويجعل له عطاء من بيت مال المسلمين يكفيه حاجته!!
.. ليكون عوناً للإنسان في شيخوخته.. عندما لا يقدر على العمل فيحفظ كرامته.. ويصونه عن الحاجة!!
وفي واقعة أخرى يتفقد الفاروق أحوال الناس، في عاصمة الخلافة ليلا ومعه تابعُه، وفي أثناء مروره بأحد الأزقة سمع بكاء طفل.. فأمر تابعه أن يطرق الباب على أهله لتصحو أمه له فسألها عن سبب بكاء الطفل ؟
قالت المرأة: إني أحاول فطامه.
- قال: ولماذا؟
- قالت: لأن عمر يفرض للطفل الفطيم ، يخصص راتبًا للطفل إذا فطم ؟ فنقل التابع ما سمعه من المرأة فضرب عمر جبهته، وأمر المرأة أن ترضع طفلها، وفي الصباح كان المنادي يعلن في المدينة إن أمير المؤمنين يفرض لكل طفل في الإسلام، فلا ترغموا أطفالكم على الفطام.
أيها المسلمون: في عهد هذا الصحابي الإمام انتظمت أمور المسلمين، واتسعت دولتهم، وعزَّ أهل الإسلام، وهابهم الأعداء، ولقد عجب الناس من رجل واحد تهابه الشياطين وتخشاه الملوك، ويشق جنوده الآفاق فاتحين ومنتصرين، ولا يملك ترسانة حربية، ويعيش فريدا بلا حراسة!
ذكر أهل السير أن الهُرْمُزَان قدم المدينة فسأل عن قصر الخليفة قالوا: ليس له قصر، قال: أين بيته؟ فذهبوا فأروه بيتًا من طين وقالوا له: هذا بيت الخليفة، قال: أين حرسه؟ قالوا: ليس له حرس، فطرق الهرمزان الباب، فخرج ابنه، فقال له: أين الخليفة؟ فقال: التمسوه في المسجد أو في ضاحية من ضواحي المدينة، فذهبوا إلى المسجد فما وجدوه، فبحثوا عنه فوجدوه نائما تحت شجرة وقد وضع درّته بجانبه وعليه ثوبه المرقع وقد توسّد ذراعه في أنعم نومة عرفها زعيم، فقال الرسول: رجل لا يَقَرّ للملوك قرارٌ من هيبته وتكون هذه حالته! ولكنك يا عمر عدلت فأمنت فنمت:
رآه مستغرقا في نومه فـرأى * فيه الجلالة فِي أسْمى معانيهـا
فوق الثرى تحت ظل الدوح مشتملاً * ببردة كاد طول العهد يبليها
فقال قولة حق أصبحت مثلاً * وأصبح الجيل بعد الجيل يرويها
أمنت لما أقمت العدلَ بينهمُ * فنمتَ نومَ قريرِ العيْـن هانيهـا

الخطبة الثانية

عباد الله: ضرب الفاروقُ رضي اللهُ عنه أروع الأمثلة في الزهد والتواضع في لباسه وطعامه ومركبه، ولما وليَ الخلافةَ قالَ للناسِ: ألا وإني قد أنزلتُ نفسي من مالِ اللهِ بمنزلةِ اليتيمِ، إن استغنيتُ أكلتُ بالمعروفِ، وإن افتقرتُ أكلتُ بالمعروفِ.
كان راتبه رضي الله عنه من بيت مال المسلمين مقابل أن يتولى الخلافة درهمين كل يوم له ولعياله، وربما احتاج أحياناً لمزيد ، فيقترض من بعض الناس لحاجته، فقيل له: ألا تأخذ قرضاً من بيت المال؟ قال: فإذا مت قلتم دعوها لورثته، فأسأل عنها يوم القيامة، لا ولكنني آخذها من رجل حريص شحيح، فإن مت أخذها من ميراثي.
خطبَ مرةً الناسَ وعليه إزارٌ فيه اثنتا عشرةً رقعةً، وأبطأ جمعةً في الخروجِ إلى الصلاةِ، فلما أن صعدَ المنبرَ اعتذر إلى الناسَ فقالَ: إنما حبسني قميصي هذا، لم يكن لي قميصٌ غيرُه .
ولما قدمَ عمرُ الشامَ عرضت له مخاضةٌ، فنزل عن بعيرِهِ، ونزعَ خفّه فأمسكهما بيده، وخاضَ الماءَ ومعَه بعيرُه، فقال له أبو عبيدة رضي الله عنه: لقد صنعتً اليومَ صنيعاً عظيماً عند أهلِ الأرضِ، فصكَّ عمرُ في صدر أبي عبيدَةَ وقال: أوه، لو غيرُك يقولُها يا أبا عبيدة، إنكم كنتم أذل الناس، وأحقر الناس، وأقل الناس، فأعزكم الله بالإسلام، فمهما تطلبوا العزة بغيره يذلَّكم اللهُ .

 

أحمد الفقيهي
  • الأسرة والمجتمع
  • شهور العام
  • قضايا المسلمين
  • الصلاة والطهارة
  • الحج
  • رمضان
  • عبادات وآداب
  • تراجم
  • مناسبات
  • الصفحة الرئيسية