صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







العيد وعشر ذي الحجة
6/12/1426هـ

أحمد بن حسين الفقيهي

 
الخطبة الأولى :
عباد الله : إن من نعمة الله على عباده أن فاضل بين الأزمان والأماكن والأوقات ، فاصطفى منها ما شاء بحكمته ، ورتب عليها عظيم الثواب ليغتنمها العبد في زيادة الحسنات واستدراك ما فات من الطاعات ، ولتكون عوناً للعبد على تجديد النشاط والقرب من الله تعالى ، والفائز عباد الله من اغتنم هذه الأيام ، واستغل مرورها قبل أن يفاجئه الموت ، ولات حين مندم .
مضى أمسك الماضي عليك معدلاً * وأعقبه يوم عليك جديد
فإن كنت بالأمس اقترفت إساءة * فبادر بإحسان وأنت حميد
ولا تبق فعل الصالحات إلى غد * لعل غداً يأتي وأنت فقيد

عباد الله : إن إدراك عشر ذي الحجة نعمة عظيمة من نعم الله تعالى على العبد ، فيجب علينا استشعار هذه النعمة ، واغتنام الفرصة ، فنخصها بمزيد عناية ونجاهد أنفسنا على الطاعة ، وقد كان هذا حال السلف رحمهم الله تعالى ، روى الدارمي أن سعيد بن جبير رحمه الله تعالى : كان إذا دخلت العشر اجتهد اجتهاداً حتى ما يقدر عليه وكان يقول : لا تطفئوا سرجكم فيها .
عباد الله : من العبادات التي اختصها المولى سبحانه بهذه الأيام صيام يوم عرفة ، ذلك اليوم الذي أقسم الله به ، ولا يقسم المولى إلا بعظيم فقال سبحانه : " وشاهد ومشهود " قال أبو هريرة رضي الله عنه ، قال النبي صلى الله عليه وسلم{ اليوم الموعود يوم القيامة ، واليوم المشهود يوم عرفة ، والشاهد يوم الجمعة .. } .
ومن فضائل ومزايا يوم عرفة أنه يوم إكمال الدين وإتمام النعمة : ففي الصحيحين عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رجلاً من اليهود قال : يا أمير المؤمنين آية في كتابكم تقرؤونها لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيداً قال : أي آية قال : { اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا } الآية ، قال عمر : قد عرفنا ذلك اليوم والمكان الذي نزلت فيه على النبي صلى الله عليه وسلم وهو قائم بعرفة يوم الجمعة ، قال ابن رجب رحمه الله تعالى : وإكمال الدين في ذلك اليوم حصل لأن المسلمين لم يكونوا حجوا حجة الإسلام من قبل ، فكمل بذلك دينهم لاستكمالهم عمل أركان الإسلام كلها ، ولأن الله أعاد الحج على قواعد إبراهيم عليه السلام كلها ونفى الشرك وأهله ، فلم يختلط بالمسلمين في ذلك الموقف منهم أحد ، وأما إتمام النعمة فإنما حصل بالمغفرة فلا تتم النعمة بدونها ، كما قال الله لنبيه : " ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك " الآية أنه ومن فضائل ومزايا يوم عرفة كذلك أنه يوم مغفرة الذنوب والعتق من النار، عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ما من يوم اكثر من أن يعتق الله فيه عبدا ً من النار من يوم عرفة ، وإنه ليدنوا ثم يباهي بهم الملائكة فيقول : ماذا أراد هؤلاء ؟
أما صيام يوم عرفة فأجره كبير وثوابه جزيل:عن أبي قتادة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم يوم عرفة فقال : يكفر السنة الماضية والباقية، وهذا إنما يستحب لغير الحاج ، أما الحاج فلا يسن له الصيام يوم عرفة لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة .
عباد الله : بعد هذه الفضائل والمزايا التي اختصها الله بهذا اليوم أليس مغبون من فرط في صيام هذا اليوم ، وقصر في اغتنام لحظاته بالعبادة والتقرب للمولى سبحانه ؟ قال ابن عباس رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إن هذا اليوم من ملك فيه سمعه وبصره ولسانه غفر له " . أخرجه الإمام أحمد .
عباد الله : إن من أعظم ما يغتنم فيه يوم عرفة بعد الصيام الإكثار من الدعاء وسؤال الله المغفرة والعتق من النار ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال : خير الدعاء دعاء يوم عرفة وخير ما قلت أنا والنبيون من قلبي : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير .. أخرجه الترمذي ، قال ابن عبد البر رحمه الله تعالى : وفي الحديث دليل على أن دعاء يوم عرفة مجاب في الأغلب ، وأن أفضل الذكر لا إله إلا الله " .
فادعوا عباد الله وأنتم موقنون بالإجابة ، واحذروا الاستعجال في الدعاء ، فإن الله قريب من عباده لا تخفى عليه خافية ، عفوه واسع ومغفرته عظيمة ، ورحمته وسعت كل شيء .
عباد الله : ومن أنواع العبادة التي شرعها الله في هذه الأيام العشر التقرب إليه سبحانه بالأضاحي، تلك الشعيرة التي تجمع بين التعبد المالي وبين إنهار الدم ، تقرباً إلى الله تعالى وتعظيماً له وامتثالاً لأمره " قل إن صلاتي ونسكي ومحيياي ومماتي له رب العالمين "...
أيها المسلمون: لقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على الشعيرة العظيمة ورغب فيها وأكد عليها بقوله وفعله ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من كان له سعة ولم يضح فلا يقربن مصلانا .. أخرجه ابن ماجة والحاكم ، وعن أنس رضي الله عنه قال : "ضحى النبي صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين أقرنين ، ذبحهما بيده ، وسمى وكبر ووضع رجله على صفاحهما " أخرجه السبعة .
عباد الله : هناك عادات درج عليها كثير من الناس تحتاج إلى دليل شرعي يعتمد عليه، ومن ذلك : المسح على ظهر الأضحية قبل ذبحها واعتقاد أن ذلك من كمال ذبح الأضحية وقبولها ، ومن ذلك أيضاً ما اشتهر عند بعض الناس أنه إذا أخذ الإنسان من شعره أو ظفره أو بشرته في أيام العشر فإنه لا أضحية له ، فهذا ليس بصحيح لأنه لا علاقة بين صحة التضحية والأخذ من هذه الثلاثة ، ولو قدر أن أحداً أراد الأضحية وأخذ شيئاً من شعره أو ظفره أو بشرته فإن كان ناسياً فلا إثم عليه ولا حرج ، وإن كان متعمداً فهو آثم ولا كفارة عليه ولا علاقة للأخذ من الشعر أو غيره بذبح الأضحية.
ومن الأخطاء أيضاً ما اعتاده بعض الناس من صبغ رأس أضحيته بالحناء ، واعتقاد أن ذلك أفضل ، وكل هذا يحتاج إلى دليل ، ولا دليل عليه .
ومن الأخطاء أيضاً : ما يفعله من عجز عن الأضحية من الامتناع عن الأخذ من شعره أو ظفره أو بشرته بدعوة مشابهة المضحين ومشاركتهم في الأجر .
ومن الأخطاء أيضاً أن بعض المضحين إذا ضحى بالواحدة من الغنم عن نفسه منع أهل بيته من الأخذ من أشعارهم وأظفارهم وأبشارهم شيئاً ، بدعوى انه أشركهم معه في الأجر ، والصواب انه هو الذي يمسك دون أهل بيته ، فالواحدة من الغنم تجزى حكماً عن واحد ، وأما في الأجر فلا حد لمن أراد إشراكهم معه ، " ضحى النبي صلى الله عليه وسلم بكبشين وقال : اللهم هذا عن محمد وعن آل محمد " ، ومع هذا لم يمنع النبي صلى الله عليه وسلم أحداً من آل بيته عن اخذ شيء من الشعر والظفر والبشرة .
عباد الله : وأما يتعلق بتجزئه الأضحية ، فقد ذكر بعض أهل العلم أنه ليس هناك تحديد معين لمصارف الأضحية ، لكن قد ورد الخبر بالأكل منها والتزود منها والإطعام كما قال تعالى : " فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر " ، ومن السنة قوله صلى الله عليه وسلم : "وتزودوا ـــ وفي رواية : كلوا وأطعموا واحبسوا وادخروا .. رواه مسلم ، ومن هذه النصوص وغيرها ذهب بعض العلماء إلى تجزئة الأضحية جزئين ، وذهب آخرون إلى تجزئتها إلى ثلاثاً ، وكان ابن مسعود رضي الله عنه يثلث أضحيته ، ويجوز أن يعطى الكافر شيئاً من لحم الأضحية تألفاً لقلبه ، وإظهاراً لشعائر الدين .
أخيراً عباد الله : تذكروا أن هناك أناسا لا يذوقون اللحم طوال العام لشدة فقرهم وحاجتهم فأطعموهم من الأضاحي ، واعطفوا عليهم ، واشكروا نعمة الله عليكم يزدكم من فضله .
أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه وتوبوا إليه إن ربي غفور رحيم .

الخطبة الثانية :
عباد الله : لقد شرع الله للمسلمين في كل عام عيدين عظيمين يظهرون فيهما شعائر دينهم الحنيف وأمرهم يوم الفطر أن يخرجوا زكاة أبدانهم صاعاً من غالب قوت البلد يواسى به الفقير والمسكين والبائس الضعيف ، ويوم النحر أمرهم بالأضاحي وحثهم عليها وذبحهم لها وجعل ذلك من أفضل ما يتقرب به العبد إلى ربه الخبير اللطيف .
عيدان عند أولي النهى لا ثالث * لهما لمن يبغي سبيل محمد
الفطر والأضحى وكل زيادة * فيها خروج عن سبيل محمد

عباد الله : لقد بين العلماء أن للعيد آداباً وسنناً ينبغي أن تراعى اقتداء بما شرعه النبي صلى الله عليه وسلم لأمته وبما فعله أصحابه رضوان الله عليهم ومن ذلك :
- استحباب الاغتسال والتطيب ولبس أحسن الثياب للعيد فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغتسل يوم الفطر ويوم الأضحى ... رواه ابن ماجه ، وروى البخاري في صحيحه عن ابن عمر أن عمر رضي الله عنهما أخذ جبة إستبرق تباع في السوق فأتى رسول الله فقال : ابتع هذه تجمل بها للعيد والوفود ، وكان ابن عمر رضي الله عنهما يلبس في العيدين أحسن ثيابه .. أخرجه البيهقي وصححه ابن حجر رحمهما الله .
- ومن سنن هذا اليوم العظيم استحباب التكبير إلى صلاة العيد ، قال البخاري رحمه الله : باب التبكير إلى العيد ثم ذكر حديث البراء رضي الله عنه قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر فقال : إن أول ما نبدأ به يومنا هذا أن نصلي ، قال ابن حجر رحمه الله : هو دليل على أنه لا ينبغي الانشغال في يوم العيد بشيء غير التأهب للصلاة والخروج إليها ، ومن لا زمه ألا يفعل شيئاً غيرها فاقتضى ذلك التبكير إليها .
- ومن السنة التكبير والتهليل وذكر الله تعالى فقد ثبت في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم ذكر فضل عشر ذي الحجة ثم قال : " فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد" ، ويبدأ التكبير لغير الحاج من يوم عرفة إلى آخر أيام التشريق وصفته : الله اكبر الله اكبر لا إله إلا الله ، الله أكبر الله اكبر ولله الحمد .
ويستحب أن يخرج المصلي إلى الصلاة يوم الأضحى قبل أن يتناول شيئاً فإذا عاد ذبح أضحيته واكل منها ، ورد عند الترمذي والحاكم من حديث بريدة رضي الله عنه قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يخرج يوم الفطر حتى يطعم ، ولا يطعم يوم الأضحى حتى يصلي .
- والسنة عباد الله لمن حضر الصلاة أن يستمع الخطبة فلا ينبغي ترك سماعها في هذا اليوم الفضيل إلا أنها ليست واجبة كسماع خطبة الجمعة لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما فرغ من الصلاة قال : إنا نخطب فمن أحب أن يجلس للخطبة فليجلس ، ومن أحب أن يذهب فليذهب رواه أبو داود والنسائي ، فلو كان سماع الخطبة واجباً لما أجاز لهم صلى الله عليه وسلم الانصراف بعد الصلاة ، فإذا قضيت الصلاة والخطبة هنأ المسلمون بعضهم بعضا بالعيد بما تعارفوا عليه من ألفاظ حسنة كقولهم تقبل الله منا ومنكم ونحو ذلك .
عباد الله : تذكروا رحمكم الله وانتم تستقبلون عيد الأضحى المبارك في امن وأمان اخواناً لكم في العقيدة في بلاد كثيرة من العالم مشردين عن أوطانهم ومنازلهم ، مضطهدين في عقر دارهم ، مستضعفين لا حول لهم ولا قوة ، قد بدل الأعداء أمنهم خوفاً ، وفرحهم حزناً وصفوهم كدراً ، لا يعرفون للعيد طعما ، ولا للفرحة سبيلا .فاشكروا الله على أن أهل عليكم عيد الأضحى المبارك بالأمن والأمان والسلامة والإسلام ، وأعلموا رعاكم الله أن النعم إنما تدوم بالطاعة والشكر ، والابتعاد عن المعاصي والذنوب . ثم صلوا وسلموا على المبعوث رحمة للعالمين كما أمركم الله بذلك في كتابه الكريم .


 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
أحمد الفقيهي
  • الأسرة والمجتمع
  • شهور العام
  • قضايا المسلمين
  • الصلاة والطهارة
  • الحج
  • رمضان
  • عبادات وآداب
  • تراجم
  • مناسبات
  • الصفحة الرئيسية