اطبع هذه الصفحة


موسم الاختبارات الدراسية

أحمد بن حسين الفقيهي

 
الخطبة الأولى :
عباد الله : يحل بالمجتمع هذه الأيام موسم الأختبارات الدراسية وما يكون فيه من أمور المذاكرة والتحصيل وما يتبع ذلك من استنفار البيوت في الوقوف بجانب أبنائها ومساعدتهم لتجاوز الاختبارات بنجاح ونيل أعلى الدرجات.
أيها المسلمون : إن العاقل حري به ألا يمر به شيء دون أن ينفذ فيه ببصره وبصيرته ليرى ما ورائه ، وليستنبط الدرس والعبرة ، والاختبارات الدراسية برغم عنائها وجهدها مدرسة حقيقة لو تأملنا فيها ، وفهمنا ما ترشدنا إليه ، وفيما يلي بعض الوقفات مع موسم الاختبارات .
الوقفة الأولى : في مثل هذه الأيام من كل عام ترتكب بعض الأخطاء وترسخ في الأذهان حتى تغدو وكأنها من الأمور المسلم بها ، ومن ذلك ما يرتكبه بعض الأولياء من جعل نجاح الطالب أو الطالبة أو إخفاقه في الامتحانات الدراسية علامة على نجاح المرء في حياته أو فشله ، فإذا نجح الولد في دراسته كال له أبواه أنواع المديح والثناء ، وتغاضوا عن أمور شرعية قد تمثل بها ذلك الولد فأحسن في أدائها ، إلا أنه لا يجد من والداه شطر ما يجده من الثناء عليه عند تفوقه في دراسته ، وعلى النقيض من ذلك إذا أخفق الولد في دراسته وباء بالفشل ، عاتبه أبواه وأنباه تأنيباً شديداً حتى يكون ذلك التأنيب حاجباً لأمور شرعية واجبة قصر الولد في أدائها ، ومن هنا تظهر فداحة ذلك الخطأ حيث يبالغ في العتاب والتأنيب في موضع لا يستحق هذا كله ،ويلغى التأنيب في موضع يستحقه وزيادة ، والوسط عباد الله في كل الأمور نعمة ربانية موفق من منَّ الله بها عليه .
عباد الله : هناك أمر يمارس مع الأبناء ، في مثل هذه المواسم من كل عام ، والدافع له هو الحرص عليهم بلا شك ، ولكنه يعود في الغالب بالضرر عليهم ، ألا وهو تهويل وتضخيم الاختبارات ، وزرع الرهبة في صدور الأبناء بسبب قدوم موسمها حتى أضحت عند كثير عند الطلاب والطالبات شبحاً وكابوساً يراد له أن ينتهي بأية صورة ، وكيفما كانت النتيجة ، فنجد بعض الأولياء ديدنه صباح مساء التشديد على الأبناء بأمر المذاكرة والحث على ذلك ، وربما صاحب ذلك شدة في القول وأحياناً شدة في الفعل ، مما يولد ردة فعل سلبية لدى الولد ، وقد تجعله يكره الدراسة لأجل ذلك ، وربما يصحب ذلك عقدة مستديمة نتيجة ذلك الأسلوب التربوي الخاطئ ، وكان الأولى بالوالدان الحكمة في التعامل فلا إفراط في الشدة ولا تفريط في الإهمال بل تقدر الأمور بقدرها ، وليحرص الوالدان على ما يلي :
1. أن يرسخا في أذهان الأبناء أن هذه الامتحانات أمرها هين ،وأنها مرحلة عادية كغيرها من المراحل ، وبقدر جهد الطالب يجني ويحصد ذلك الجهد بكل سهولة .
2. على الوالدين أيضاً أن يبينا لأولادهما أن هذه الامتحانات ليست المحطة النهائية ولا الرئيسية في حياة المسلم ، وكم من ناجح في الحياة لم يكتب له التفوق في الدراسة واجتياز المرحلة الابتدائية ، فالخسارة الحقيقية هي في ترك مرضاة الله والتعرض لسخطه وخسران الآخرة والجنة كما قال سبحانه : قل إن الخاسرين الذي خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة إلا ذلك هو الخسران المبين .
3. على الوالدين أن يجعلا جانب التوفيق الإلهي والدعاء نصب عيني أولادهما ، وأن يرسخا ذلك في نفوسهم ففي ذلك خير عظيم في الآخرة والأولى .
الوقفة الثانية عباد الله : كثيراً ما يطلب من الإنسان أن ينجز بعض الأعمال أو يقوم ببعض الأفعال فيعتذر بان هذا فوق الطاقة وربما يدخل تحت المستحيل الذي لا يمكن تحقيقه، فمثلاً حين تطلب من شخص أن يقرا كتاباً أو يسهر قليلاً في عمل خير أو يبذل جهداً في صلاة أو عبادة أو عمل صالح يخدم الدين والدنيا يحتج بان وقته وإمكاناته تقعد به عن ذلك، فإذا جاءت الامتحانات وإذ بذلك الشخص نفسه يقرأ في اليوم الواحد مئات الصفحات ، ويسهر إلى الفجر ، ويحفظ عشرات المعلومات ، وينجز أشق المهمات ،فهل تغير الإنسان في يوم وليلة أماذا حصل ؟ كل ما في الأمر عباد الله أن المرء في أيام الاختبارات يستثير همته الكامنة ويبرز مواهبه المدفونة ويخرج طاقته التي غطاها ركام الكسل والفتور والتواني مما يدل ويثبت أن لدى كل واحد منا من الطاقات والملكات والقدرات ما لا يمكن الاستهانة به ، وما نستطيع لو استثمرناه أن نحقق أقصى درجات النجاح والتميز .
عباد الله : إن ما يعانيه الطالب من المشقة والنصب لتحصيل قدر محدود من العلم ولمدة محدودة لا تتجاوز الاختبار ، إن هذا يشعرنا ويذكرنا أن طلب العلم ليس أحلاماً ولا أماني إنما هو بذل واجتهاد ، والراغب فيه لا بد أن يتنازل عن كثير من مرغوباته ومحبوباته ، ولئن كان هذا هو شأن العلم عباد الله ، فإنه أيضاً شأن كل شيء سام في الحياة ، فلا تحقق الأهداف والآمال إلا بالبذل والجهد والنصب ، ومن يظن انه يحقق ما يريد بدون أن يقدم ثمناً فهو واهم ، رأى عمر بن الخطاب رضي الله عنه رجلاً يلعب بالحصى ويقول اللهم زوجني من الحور العين فقال له : يا هذا لقد أعظمت الخطبة وأسأت المهر ، فيا أيها الراغبون في الجنة ، ويا أيها الراغبون في العلم ويا أيها الراغبون في النجاح والتفوق لن تبلغوا آمالكم إلا بالجهد والنصب فهل أنتم باذلون :
دببت للمجد والساعون قد بلغـوا * جهد النفوس وألقوا دونه الأزرا
وكابدوا المجد حتى مل أكثرهم * وعانق المجد من أوفى ومن صبرا
لا تحسبن المجد تمراً أنت آكله * لن تبلغ المجد حتى تعلق الصبــرا

أخي الطالب الموفق هذه بعض النصائح على وجه الاختصار علها أن تجد حيزاً في قلبك وعقلك : أحرص على بر والديك وطلب الدعاء منهم قبل الامتحان وأثناء الذهاب إليه وبعده ، وإياك والقلق وعدم الثقة بالنفس ولا تجعل لوساوس الشيطان عليك سبيل وليكن التفاؤل حاديك في كل أعمالك ، ثم أحذر من مصاحبك الباطلين والكسالى وأربأ بنفسك عن مجالسهم وخاصة أهل المعاصي والموبقات وأعلم أن من أقل أضرار المعاصي عدم التوفيق في شؤون الحياة .
أخي الطالب : أحذر من الغش وأعلم أنه حيلة العاجزين وطريق الفاشلين وصفة ذميمة لا تليق بالمؤمنين كيف وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من غش فليس منا ) . فكيف ترجو السداد والنجاح ونبيك يتبرأ من عمله ترتكبه، وإذا دخلت أخي الطالب صالة الامتحان فأكثر من ذكر التبرؤ من حولك وقوتك ، ولا تغتر بحافظتك أو جهدك وتوكل على الله وألجأ إليه فإن الله يحب من عبده كثرة الدعاء والإلحاح ، وقد وعدك ربك الإجابة إن أنت أقبلت إليه بصدق قال سبحانه :[وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ] {غافر:60} .
أخي الطالب : تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة وليكن إقبالك إلى الله وحرصك على طاعته في هذه الأيام دافعاً لك للاستمرار والثبات عليها إلى يوم تلقاه يروي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال : إن العبد إذا كان يدعو الله في الرخاء والشدة ثم نزلت به شدة فدعا الله قالت الملائكة : يا رب هذا صوت معروف فيشفعون فيه ، فإذا كان لا يدعو من قبل ودعا زمن الشدة قالت الملائكة : يا رب هذا صوت غير مألوف فلا يشفعون فيه " .فاحذر أخي أن تكون ممن يدعو الله في شدته وينساه عند رخائه وكن كما قال تعالى : [ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ] {الأنبياء:90}.
أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه وتوبوا إليه إن ربي غفور رحيم .

الخطبة الثانية :
عباد الله : إن الشعور برهبة الامتحان من قبل الأبناء وذلك الخوف من قبل الآباء والأولياء لهو شعور طبيعي قد يحمدون عليه ولكن المصيبة أن ترى هذا الشعور أوفر ما يكون عند أمور الدنيا واختبارها اليسير، فإذا جاء ما يخص الآخرة واختبارها الحقيقي رأيت بعض الأولياء أبرد ما يكون شعوراً ، ووجدت الأبناء أقل ما يلفون اهتماماً ، فكم من أب وأم حرصا على إيقاظ أبناءهم عند آذان الفجر في أيام الامتحانات بل في أيام الدراسة وبذلا في ذلك كل ما في وسعهم لئلا يفوتهم موعد الدراسة أو الامتحان فيخفقوا ، ولكن هذان الوالدين لم يهتما في يوم ما بإيقاظ الأبناء لصلاة الفجر أو صلاة العصر مع علمهما بأهمية الصلاة وخطورتها .
عباد الله : إن من الشقاء الواضح والخسارة الفادحة أن يظل اهتمام الإنسان منصباً على هذه الدنيا وزخارفها وأن لا يظهر حرصه إلا عليها ومن أجلها ثم لا يهمه بعد ذلك أمر الآخرة ولا أين موقعه منها ان في سعادة أو في شقاء ، والطلاب في هذه الأيام يسألون في الامتحانات ولن ينجح منهم إلا من كان مجتهداً ولن يفلح منهم إلا من اغتنم عامه من أوله ، وكذلك كل عبد سيسأل يوم القيامة عما سلف منه وكان ولن ينجح إلا أهل التقوى والإيمان " فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون ".
عباد الله : كما يحرص أهل الدنيا على إخفاء أسئلتهم في الاختبار عن الطلاب إلا أن الله من رحمته ولطفه بعباده جعل أسئلة اختبار الآخرة مكشوفة ومعلومة لكل أحد ، فقد كشفها معلم البشرية صلى الله عليه وسلم بقوله : لن تزولا قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع : عن عمره فيما أفناه ، وعن شبابه فيما أبلاه ، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه وعن علمه ماذا عمل به ، آلا فاعدوا للسؤال جواباً وأعدوا للجواب صواباً ، أحفظوا الرأس وما وعى ، والبطن وما حوى ، وتذكروا الموت والبلى ، واتركوا زينة الحياة الدنيا لتفوزوا بالآخرة والأولى .
ولو أنا إذا متنا تركنا * لكان الموت راحة كل حي
ولكنا إذا متنا بعثنا * ونسأل بعده عن كل شيء
عباد الله :صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه فقال سبحانه { إن الله وملائكته يصلون على النبي ..

 

أحمد الفقيهي
  • الأسرة والمجتمع
  • شهور العام
  • قضايا المسلمين
  • الصلاة والطهارة
  • الحج
  • رمضان
  • عبادات وآداب
  • تراجم
  • مناسبات
  • الصفحة الرئيسية