اطبع هذه الصفحة


ترجمة (إمام المسجد الحرام) (نيابةً) الشيخ سعد وقاص البخاري 1309ـــــ 1373 هـ

د.عبد الله بن أحمد آل علاف الغامدي
@DrAllaf


بسم الله الرحمن الرحيم

الشيخ سعد وقاص البخاري
1309ـــــ 1373 هـ


اسمه ونسبه :

هو الشيخ العلامة السلفي سعد وقاص بن السيد سلطان بن السيد صديق البخاري ، ويتصل نسبه إلى الحسين بن علي بن أبي طالب –رضي الله عنهما- ، وكان الشيخ –رحمه الله – إذا ذُكِر له ذلك ردد قول النبي صلى الله عليه وسلم (ومن بطّأ به عملُه لم يسرعْ به نسبُه)رواه مسلم .

ولادته وأسرته :

ولد الشيخ عام 1309هـ ، في مدينة أنديجان في جمهورية أوزبكستان ، ونشأ في أسرة اشتهرت بالعلم والفضل والدعوة ، فوالده السيد سلطان كان مفتياً وقاضياً وكان يلقب في بلده ب( سلطان قاضي ) ،وتوفي –رحمه الله- في مدينة بيشاور بباكستان الآن ،مجاهداً وداعياً في سبيل الله ،أما جده السيد صديق فكان يلقب ب( مفتي خوجه ) أي كبير المفتين ،وتوفي –رحمه الله- بالصين داعياً للإسلام ، ووالدته السيدة هاجر من فضليات النساء ،وكانت تحفظ القرآن الكريم ،وممن أعان ابنها على حفظ كتاب الله.

نشأته وتعليمه :

حفظ القرآن الكريم وجوّده وهو ابن سبع سنوات وأمَّ المصلين وهو ابن عشر سنوات، وبعد ذلك تعّلم على أبيه و جدّه وعلى علماء بلده العلوم الشرعية كعلم القراءات والحديث والتفسير والفقه ‘ وكذلك علوم اللغة العربية من صرف ونحو ، إضافة إلى الحساب وعلم الفلك .

رحلاته واستقراره بمكة :

وكانت أول رحلات الشيخ إلى أفغانستان وسبب ذلك أن ملك أفغانستان في ذلك الوقت طلب من أبيه السيد سلطان أن يتولى منصب وزير للشؤون الإسلامية والأوقاف بمملكة أفغانستان ‘ فأعتذر الأب واقترح على الملك أن يرسل له ابنه الشيخ سعد وقاص فوافق الملك، فرحل الشيخ إلى أفغانستان وتولّى هذا المنصب ،ثم بعد مدة أراد الشيخ الرحلة إلى مكة المكرمة لآداء فريضة الحج ، وكان هذا في بداية الثلاثينات من القرن الماضي ،وقبل حكم الملك عبدالعزيز –رحمه الله- ،فلما نزل الشيخ مكة التقى بشريفها وكان هو الحاكم انذاك فأعجب الشريف بسعة علم الشيخ وطلب منه أن يبقى في مكة ،وأن يعينّه مدرّسا في الحرم المكي ‘ويروي تلميذه وصهره فيما بعد الشيخ ضياء الدين خوجه،فيقول : (قدمت إلى مكة مرافقًا للشيخ وقاص وعندما قرر البقاء في مكة أرسلني إلى أفغانستان باستقالته وبالعهد وبوكالة لإحضار من ترغب من زوجاته وتطليق من لا ترغب فكان سؤال الزوجات عن الحياة في مكة فقلت نعيش على ماء زمزم وعيش التكية فرفضن جميعًا مغادرة أفغانستان فطلقتهن وعدت إلى مكة , ثم بعثني لإحضار ابنته شريفة التي بلغت من العمر سنتان) .

ثم لما دخل الملك عبدالعزيز-رحمه الله- مكة عام 1342 هـ ، كان الشيخ من أوائل المبايعين وكان أيضا من المشاركين في المناظرة التي حصلت بين علماء نجد وعلماء مكة ، وعيّنه الملك عبدالعزيز فيما بعد مدّرسا في المسجد الحرام، إضافة لإمامته في المسجد الحرام بصفة غير رسمية وخاصةً اذا لم يحضر الإمام لظرف ما ،وكان ذلك إلى عام 1369 هـ ثم لم يؤم بعدها لإصابته بمرض الربو .

صفاته :

كان ملازمًا للصف الأول خلف الامام ، دائمًا لتلاوة القران الكريم محبًا لصلاة الجماعة وكان يسعى لقضاء حوائج الناس ،وقد أوقف عددًا من العمائر للفقراء والمساكين .

تلاميذه :

1) الشيخ العلامة عبدالعزيز بن باز – رحمه الله ، مفتي عام المملكة العربية السعودية ورئيس هيئة كبار العلماء سابقاً- (ت1420 هـ ).
2) الشيخ إبراهيم بن محمد بن إبراهيم آل الشيخ –وزير العدل سابقاً– (ت 1428 هـ)
3) الشيخ عبدالعزيز بن محمد بن إبراهيم آل الشيخ – المستشار بالديوان الملكي وعضو مجلس الشورى سابقاً- (ت 1426 هـ).
4) الشيخ حسن بن عبدالله بن حسن آل الشيخ -وزير التعليم العالي سابقاً (ت 1407 هـ).
5) الشيخ عبدالله بن محمد الخليفي إمام وخطيب المسجد الحرام سابقاً ( ت 1414 هـ ).
6) الشيخ العلامة الأثري عبدالله بن حسن بن قعود .-عضو هيئة كبار العلماء سابقاً –
(ت 1426 هـ)
7) الشيخ علي بن محمد الهندي –المدرس بالمسجد الحرام وبجامعة أم القرى سابقاً (ت1419 هـ).
8) الشيخ محمد بن إبراهيم بن جبير رئيس مجلس الشورى سابقاً (ت 1422 هـ ) .
9) الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن بن جاسر التميمي – رئيس محكمة التميز بالمنطقة الغربية سابقاً ( ت1401 هـ ).
10) الشيخ عبدالله بن خثلان أمين العاصمة المقدسة سابقا (.......).
11) الشيخ راشد بن صالح بن خنين – عضو هيئة كبار العلماء سابقاً(ت1435 هـ).
12) الشيخ عباس بن صدقة بن عبدالجبار-امام المسجد الحرام سابقاً(ت1388هـ ) .
13) الشيخ عبدالفتاح بن عبدالرحيم القارىء – المدرس بالجامعة الاسلامية بالمدينة النبوية سابقاً – (ت 1385 هـ ).
14) الشيخ محمد أمين قاضي مخدوم المدرس بالمسجد الحرام سابقاً ،وكان من أخصّ تلاميذ الشيخ (ت 1389 هـ ) .

أعماله :
1) مفتي في بلده أنديجان في أوزبكستان .
2) وزيرا للشؤون الإسلامية والأوقاف بمملكة أفغانستان .
3) مدرّسا بالمسجد الحرام في العهد الهاشمي .
4) مشاركته في المناظرة بين التي جرت بين علماء نجد وعلماء مكة بعد دخول الملك عبدالعزيز رحمه الله عام 1344 هـ .
5) ثم أعيد تعيينه في العهد السعودي مدّرسا في المسجد الحرام في شهر صفر عام 1349 هـ ، وكان –رحمه الله- يدرّس كتاب المغني لابن قدامة ، وكتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبالوهاب ، وتفسير ابن كثير ، ودرس في التجويد وعلم القراءات ، وكان مكانه بباب زيادة .
6) إمامته بالمسجد الحرام بصفة غير رسمية إلى عام 1369 هـ ثم توقف بعد ذلك لإصابته بمرض الربو ،كما ذكرنا سابقا .

مكانته :

لمعرفة مكانة هذا الإمام سوف نستعرض بعض أقوال تلاميذه :
- قال عنه الشيخ عبد الله الخليفي : (من أراد أن يستمع لقراءة الشيخ سعد وقاص فليستمع لقراءتي فهي هي) .
- وقال الشيخ محمد بن جبير:) الشيخ سعد وقاص أستاذنا وأستاذ أساتذتي .(
أما الشيخ عبدالله بن خثلان فيروي بعض المواقف التي يتذكرها عن شيخه فيقول: ( طلب منه بعض الأشراف في الطائف أن يصلي بهم صلاة الاستسقاء حيث انقطع المطر وجفت الأودية فذهبت أنا والشيخ عبد الله بن دهيش معه إلى الطائف وانضم إلينا الشيخ محمد بن علي البيز وكان ذلك ليلاّ، فنام الشيخ البيز والشيخ سعد في غرفة ونمت أنا والشيخ بن دهيش في غرفة أخرى ، ثم لمّا اقترب الفجرطلب من الشيخ البيز الآذان لصلاة الفجر فصلينا وفطرنا ثم صلى بنا صلاة الاستسقاء فلم نصلي الظهر إلا تحت المطر واستمر المطر ثلاث أيام مدة إقامتنا وسالت الأودية) .
ويقول الشيخ إبراهيم بن محمد آل الشيخ : ( حجينا مرة مع والدنا الشيخ محمد بن إبراهيم ال الشيخ و مع الشيخ سعد وقاص وكان عمري 5 سنوات وعمر أخي عبدالعزيز 6 سنوات ،فقرأت على الشيخ سعد جزء عمّ وأعطاني إجازة خطية في ورقة صغيرة احتفظ بها )
وفي موقف اخر يقول (كنا نتناول طعام الافطار وكان معنا الشيخ سعد وقاص ، وإذا بصوت طلق ناري فخرجنا لمعرفة السبب فإذا بإبن سليمان يقول حاول يمني طعن الملك عبد العزيز وقد جاءت الطعنة في الأمير سعود وهو في غرفة الزمازمة والملك يطلب الشيخ وقاص ليذهب ويرقي الأمير سعود ).

وقال ابنه الشيخ عبدالملك بن الشيخ سعد وقاص: ( بعد وفاة والدي زرت الشيخ عبدالعزيز بن باز وكنت انذاك شابا فلما عرفته بنفسي دعا لي وقال نفع الله بك ثم سكت قليلاً ثم قال ذكرتني بوالدك قدّس الله روحه ثم قال: عام 1353هـ قدّمني الشيخ عبد اللطيف آل الشيخ لوالدك وطلب منه أن يتولى تعليمي تجويد القرآن وحفظه فكنت أحضر دروسه في الحرم المكي ثم أتبعه إلى دكانه حيث كان يدرس بعض الطلبة في الدكان الذي كنت اسميه دكان العجائب ففيه الكتب فتحسبه مكتبة وفيه الطلبة فتحسبه مدرسة وفيه السكر فتحسبه بقاله وإذا ما أتى شخص شق ثوبه خاطه له فتحسبه محل خياطة وإذا ما أتى شخص شق نعله أصلحه له فتحسبه محل إسكافي وكنت أسأل كثيرًا لحبُّي في طلب العلم فإذا لم يجب على سؤالي أعرف أني أكثرت الأسئلة فأسكت وبعد إنتهاء الدرس يقول أنت سألتني كذا وجوابه كذا . وذات مرة كنت أكثرت الأسئلة وإذا بسؤال خطر على بالي فسألته فضحك الطلبة وشعرت بحرج وقلت عمي الشيخ أدعو لي بأن الله يهديني ويصلحني فدعا لي بهذا الدعاء نفع الله بك وأنت ذكرتني بهذا الموقف فدعوت لك بهذا الدعاء نفع الله بك , وقال لي إن والدك أجازني في القراءات وانا اجيزك ،قلت :_ولم يحصل أحد من العلماء على إجازة في القراءات من والدي الا الشيخ ابن باز رحمه الله_ثم أمر الشيخ بأن يُصرف لي ألفين ريال فقلت إننا في نعمة من فضل الله فأصر أن أخذها وأعطيها الوالدة ففعلت وودعته ، ثم تكررت زياراتي له وكان دائما يعبر عن حبه لوالدي .وأتذكر أنه في إحدى محاضراته في جمعية تحفيظ القرآن نسب تصحيح القراءات إلى الشيخ سعد وقاص) .

مذهبه وعقيدته :

كان الشيخ في أول حياته تفقه على المذهب الحنفي بحكم أنه كان المذهب السائد في بلده ‘ ثم لمّا استقر في مكة تفقه على المذهب الحنبلي ثم بعد ذلك ترك التمذهب فأصبح يتّبع الدليل وما ترجّح لديه من الاقوال ،وكان له سعة اطلاع عجيبة في جميع المذاهب الفقهية حتى استحق أن يطلق عليه أستاذ الفقه المقارن ، يقول الشيخ عبدالله بن خثلان :
(سألت الشيخ مرة عن فتوى بعد صلاة العصر فقال سأجيبك بعد صلاة المغرب فقلت أنت فقيه حنبلي وأنا سألتك مسألة في مذهب الإمام أحمد بن حنبل فقال: قد أكون فقيهاً حنبليًا ولكني لست الإمام أحمد بن حنبل , ومرة أخرى سألته بعد صلاة العصر وقلت له سأسمع منك الجواب بعد صلاة المغرب قال بل الآن وأفتاني فقلت كيف ؟ فرفع يده وقال كم عدد أصابع يدي فقلت خمساً قال كيف عرفت ؟ قلت هذا واضح أمامي ،فقال :كذلك معرفتي بجواب مسألتك هذه فكان يرحمه الله لا يفتي إلا بما يعلم).
أما عقيدته فكان سلفي العقيدة ، ومن مواقفه في الدفاع عن العقيدة ، يقول الشيخ ضياء الدين خوجه :
(سمع الشيخ أن قبر والده السيد سلطان في بيشاور أصبح مزارًا ويفعل عنده من الأمور التي لايرضاها المسلم الغيور، فأرسلني لأهدم المزار وأبني مسجدًا ومكتبة ، ففعلت وعدت ثم سمع أن قبر جده السيد صديق في جنوب الصين أصبح مزار فأرسلني لأهدم المزار وأبني مسجدًا ولكن منعني الصينيين من هدم المزار وهددوني بالقتل فعدت فأرسل لهم الشيخ محمد أمين مخدوم الذي كان يتحدث اللغة الصينية , فمنعوه كذلك , وحيث أن الشيخ وقاص هو الذي كان مصرًا على هدم المزار، فأطلقوا عليه قبر الشيخ سعد وقاص ، وأرسلوا معه فتاتين هدية للشيخ وقاص مع وكالة لتزويجهما فزوَّج واحدة للشيخ محمد أمين والثانية لأخيه مختار مخدوم )
قلت : ومع مرور السنين حرفّت العامة اسم هذا القبر من سعد وقاص الى ان نسبته الى الصحابي الجليل سعد بن ابي وقاص –رضي الله عنه- وأصبح الآن من المعالم المشهورة لدى مسلمي الصين ،والمعروف أن الصحابي سعد -رضي الله عنه- توفي سنة 55 هـ ودفن في البقيع ،والصين لم تفتح الا في سنة 94 هـ ، فالله المستعان .

ذريته:

تزوج الشيخ رحمه الله في أفغانستان أربع زوجات ثم طلقهن كما ذكرنا، ولم تنجب منهن الا واحدة أنجبت شريفة.
ثم لما قدم مكة تزوج السيدة فاطمة عاشور،وأنجبت : امنة .
وتزوج بعدها السيدة رقية بخاري وانجبت: عبدالله ومحمد .
ثم تزوج السيدة هداية بنت محمد صابر وأنجبت من الأبناء: عبدالرحمن ،وعبدالملك ،وسعد –وسمي باسم والده لأنه ولد بعد وفاة أبيه بعشرة أيام- ، ومن البنات : نور الهدى، وزهرة.

وفاته :

توفي يوم 21 / 4 / 1373 هـ بمكة المكرمة رحمه الله وأسكنه فسيح جنانه .


*******
- المصدر ــ كتاب تراجم العلماء السلفيين بالحجاز خلال القرن الرابع عشر الهجري ، ماهر بن خيشان السويهري الهذلي .(مخطوط)
أخذت هذه الترجمة عن ابنه الشيخ عبدالملك بن الشيخ سعد وقاص – شافاه الله -،ولم يترجم له أحد فيما سبق .
*أئمة الحرمين _ عبدالله بن أحمد العلاف
 

عبد الله آل علاف
  • كتب وبحوث
  • مقالات دعوية
  • اللوحات الحائطية
  • الصفحة الرئيسية