اطبع هذه الصفحة


إجازة سعيدة

اضغط هنا لتحميل الكتاب على ملف وورد

عبداللطيف بن هاجس الغامدي

 
الحمد لله العزيز الغفار ، مكوِّر الليل على النهار ، عالم الخفيات والأسرار ، والصلاة والسلام على الرسول المختار ، وعلى آله وصحبه من المهاجرين والأنصار ، وأشهد أن لا إله إلا الله الواحد القهار ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، أما بعد :
ينتظر الناس بفارغ الصبر متى تلوح شمس الإجازة الصيفية في الأفق ، لأنها تأتي بعد عناء عام كامل من الأعمال المضنية والمشاغل المرهقة ، فيفرحون بها أشدَّ الفرح ليخلعوا عن ظهورهم مظاهر التعب ورواحل النصب ، ويتفيئون ظلالها ليعودوا بعدها وقد تجدد نشاطهم واستجمَّت أنفسهم وانشرحت صدورهم .
ويبدأ التخطيط لهذه الإجازات من شهور ماضيات ، وتطرح كثير من الأسئلة ، مثل : أين نقضيها ؟ وفيما نمضيها ؟ ماذا نفعل فيها ؟ كيف نتمتع بها ونستفيد منها ؟
ومن حقِّ كلِّ واحدٍ أن يطرح هذه الأسئلة وغيرها ويحاول أن يجيب عليها بإجابات علمية عملية تحقق الرغبات وترضي العقول والقلوب .
فالكلُّ في حاجة إلى
[ إجازة سعيدة ] !!
ولكنها ـ وللأسف ! قد تتحوَّل ـ عند البعض ـ إلى إجازة مؤسفة شقية نكيدة ، تملؤها الأحزان واللوعات وتغزوها الآلام والحرقات ، بل ولا تنتهي تبعاتها ولوعاتها في الدنيا بنهايتها ، وإنما تستطيل لتصل للآخرة حيث الحساب والعقاب والجزاء والعذاب .
وتحصل هذه الشقوة عندما تكون هذه الإجازة عوناً على معصية الله تعالى بتضييع الواجبات وفعل المحرمات وتعطيل الحقوق وتضييع الأمانات .
فالبعض يعتقد أنها إجازة من كثير من الأعمال الصالحة ..
والبعض الآخر يظنها فرصة مواتية لفعل ما كان محرماً وارتكاب ما كان محذوراً ..
والبعض يعتقد أنها مناسبة للتفلت من كل زمام والتحرر من أيِّ قيد ..
وحجَّة الجميع ؛ أننا نريد [ إجازة سعيدة ] !!
فيبحثون عن السعادة في مواطن الشقاء ، ويلتمسون الراحة في أماكن العناء ، كمن يشرب من البحر ليروى أو يحتضن الثلج ليدفأ ، ويتداوى بالتي كانت هي الداء !
فيقع في هذه الإجازات من المنكرات والمعاصي والموبقات ما تشقى به حياة الناس في دنياهم وأُخراهم بما عصوا خالقهم ومولاهم ..
فكيف يريد السعادة من حُرم لذَّة العبادة ؟!
وكيف يبحث عن الهناء من يحارب ربَّ الأرض والسماء ؟!
وكيف يرجو السرور من يواقع الفجور ، ويمارس الشرور وينتهك المحظور ؟!
وكيف يذوق لذة الحياة من ركب هواه وخالف مولاه وتمرَّد على الله ؟!
لذلك لزم على كلِّ ناصح صالح أن يبين للناس ما وجب عليهم وما حُرِّم عليهم ، ليحي من حيَّ منهم عن بينة ويهلك من هلك عن بينة ، ولا يهلك على الله إلاَّ الهالك .
ولهذا جمعت في هذا الكتاب بعض تلك المنكرات التي يكثر الوقوع فيها من بعض المسلمين في الإجازات الصيفية ، تحذيراً من عاقبتها ونذيرا من عقوبتها ، والمؤمن قريب الرجعة سريع الفيء ، لا يحتمل من نفسه التمادي في المعاصي ، بل يتوب إلى ربه ويؤوب إلى خالقه ، ويصلح من حاله ما فسد ، ويقوِّم من أمره ما انعوج !
قال تعالى :[ إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون ]
عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم :" ما مِن عبدٍ مؤمنٍ إلا ولهُ ذنبٌ يعتادُهُ الفينَةَ بعدَ الفينَةِ ، أو ذنبٌ هو مقيمٌ عليهِ لا يُفارقُه حتى يفارقَ الدُّنيا ، إنَّ المؤمنَ خُلقَ مُفتنَّاً توَّاباً نسَّاءً ؛ إذا ذُكِّرَ ذَكَرَ "
وسأذكر ـ بعون الله وتوفيقه ـ بعضاً من الأمور التي يقع فيها بعض الناس في الإجازة الصيفية وهي في أصلها الشرعي محرمة وأرمز لها برمز [ أ ] وما ليست في الأصل بمحرمة برمز [ ب ] ولكن قد يقترن بها أو يطرأ عليها ما ينقلها من الحلِّ إلى الحرمةِ أو الكراهة ، ومن الإباحة إلى المنع .
مستمداً من ربي التوفيق والصواب وموافقة السنة والكتاب ، والله الهادي إلى سواء السبيل .

أ ـ 1ـ السفر إلى بلاد الكفار :
فمن المعلوم أن الأصل في السفر إلى بلاد الكفار محرم ، لما يترتب عليه من إمكانية التأثير في حياة المسلم والتغيير في خلقه وسلوكه ومعتقده ، ولما يمكن أن يقع من الإعجاب بهم والانبهار من حياتهم ، فيورث ذلك من التعلق بهم والمحبة لهم والرضا بدينهم والإغضاء عن مخالفاتهم والسكوت على محرماتهم وغير ذلك ما يقدح في أصل الإيمان أو كماله .
ويستثنى من ذلك ما دعت إليه الحاجة كطلب علم دنيوي أو طب أو تجارة لا توجد إلا عندهم أو لدعوتهم إلى الإسلام ونشره بينهم .
وكم من مآسٍ رجع بها جمع من المسافرين من ديارهم بلغت ببعضهم إلى درجة الردة عن الدين والكفر بربِّ العالمين !
وكم عاد آخرون بالأمراض الفتاكة والأوبئة المهلكة أو بالإدمان على الخمور والمخدرات أو بالهزيمة النفسية والتردي المعنوي والكره للإسلام وأهله ودياره !
فعن جرير بن عبد الله ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم :" أنا بريء من كلِّ مسلمٍ يُقيمُ بين أظهُرِ المشركين "
وعن سمرة بن جندب ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم :" مَن جامَعَ المُشركَ ، وسكَنَ معَهُ ، فإنَّهُ مِثلُهُ "
فهل يفقه هذا من يفضِّل ديار الكافرين على ديار المسلمين ؟!
وهل يدرك هذا من طالت بينه وبين بيت الله الحرام بمكة والمسجد النبوي بالمدينة القطيعة الفظيعة سنين ؟!

أ ـ 2ـ ضياع الصلوات :

إن من أعظم ما يقع في الإجازات من المنكرات ؛ تضييع الصلوات والتفريط في الواجبات .
قال تعالى :[ فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيَّا * إلا من تاب ...]
والصلاة صلة العبد بربِّه ، ونوره في الدنيا ، وسروره يوم القيامة ، وهي الركن الركين من هذا الدين ، وأوَّل ما يحاسب عليه العبد من عمله يوم القيامة والدين .
فعن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم :" أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة ، فإن صلحت صلح له سائر عمله ، وإن فسدت فسد سائر عمله "
والإجازة من أعظم أسباب الحرص على الصلوات والمحافظة عليها في بيوت الله كما أمر الله ، لتفرغ العبد عمَّا يشغله عنها ، فكيف تصبح الإجازة سبباً من أسباب التفريط فيها والتضييع لها ؟!
والموجع في القضية والمفجع في البلية أنه ربما يفرط فيها لانشغاله عنها بالتفاهات كمتابعة المباريات أو الأفلام والمسلسلات أو لكثرة النوم والجلسات ، وغير ذلك مما يندى له الجبين وينقطع له حبل الوتين .
وحسبنا أن نذكر العقوبة المترتبة على إضاعة صلاة واحدة ـ دون استيفاء لكامل النصوص في هذا الشأن ـ لنرى حجم الخسارة التي مني بها من فرَّط فيها .
فعن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال :" الذي تفوتُهُ صلاةُ العصر كأنما وتُرَ أهلَهُ ومالَهُ "
عن بريدة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم :" مَن تركَ صلاةَ العصرِ فقد حَبِطَ عملُه "
فكيف يتمتع بالإجازة من هجر محراب العبادة ؟!
وكيف يصل إلى السعادة من قطع صلته بالله ؟!

أ ـ 3ـ اللعب بالألعاب المحرمة والمكروهة :
لقد غدت الإجازة الصيفية عند بعض الناس حكراً على اللعب والعبث ومخصوصة بالتسلية واللهو ، مجردة من كل جاد ، خالية من كلِّ أمر ذي بال ، ففي هذه الألعاب مضت الساعات الطوال ، فالعبث يستغرق آناء الليل وأطراف النهار ، كاللعب بالبلوت والكنكان والضومنة والشطرنج والنرد والألعاب الإلكترونية التي لا تخلو من منكرات كالصور والمعازف وغيرها ، فهي متلفة للأوقات ، ومجلبة للعداوات ، ومضيعة للمصالح ، محزنة للذريات والزوجات .
ويكفينا أن نذكر الوعيد الشديد لمن له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد في لعبة واحدة من هذه الملاهي التي أشغلت الناس وأغضبت ربَّ الناس ، ليكون زاجراً للغافلين ومذكراً للمؤمنين .
فعن بريدة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال :" من لعب بالنَّرد شِير ، فكأنما غمسَ يدَهُ في لحم خِنزير ودمَه "
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص ـ رضي الله عنهما ـ قال : اللاعب بالفصين قماراً ؛ كآكل لحم الخنزير ، واللاعب بهما غير قمار ، كالغامس يده في دم خنزير .
عن نافع : أنَّ عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ كان إذا وجد أحد من أهله يلعب بالنرد ، ضربه وكسرها .
وعن عائشة رضي الله عنها : أنه بلغها أن أهل بيت في دارها كانوا سكاناً فيها عندهم نرد ، فأرسلت إليهم :" لئن لم تخرجوها لأخرجنكم من داري " وأنكرت ذلك عليهم .
وعن أبي موسى الأشعري ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ قال :" من لَعِبَ بالنَّرد فقد عصى الله ورسُولَهُ "

أ ـ 4ـ متابعة المسلسلات والأفلام والقنوات الفضائية :
عجبت لمن يرى الفتنة أمامه فيلقي فيها أقدامه !
إنها صورة محزنة لمن مضى عمره هباءً ، وهو ينظر إلى المسلسلات والأفلام والبرامج الترفيهية المليئة بالمنكرات من صور بعض الرجال العصاة والنساء الفاسقات في أوضاع مزرية وصورة مخزية ومناظر مشينة ، يلين لها الحديد ، وتذوب بها الجلاميد ، ويتابعها المحروم في كلِّ يوم ، متغافلاً عن آثارها السيئة وثمارها المرَّة على الفرد خاصَّة والمجتمع بعامَّة .
فعن عمران بن حصين ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال :" في هذهِ الأمَّةِ خسفٌ ومسخٌ وقذفٌ " فقال رجل من المسلمين : يا رسول الله ! ومتى ذلك ؟
قال :" إذا ظَهرتِ القيانُ والمعازفُ وشُربتِ الخُمُور "
والسعيد من وقاه الله شرَّ نفسه وهي أوَّل أعدائه ، وحماه من شر الأشرار وكيد الفجار الذين يمكرون بدينه في الإعلان والإسرار ، وهم دعاة جهنَّم الذين يدعونه إلى الفتن ما ظهر منها وما بطن ، ويجلبون عليه بخيلهم ورجلهم ، ليلبسوا عليه دينه ، و ليصدوه عن التمسك به ، والثبات عليه .
ومن أعظم وسائلهم ما يعرضونه على عينه وسمعه ، وينكتونه في قلبه ، ويسكبونه في عقله ، عبر القنوات الفضائية من مشاهد الفسق ومناظر الفجور ، التي تمزِّق نياط قلب كلِّ غيور ، فيا عجباً لعاقلٍ أسلم قلبه وعقله لعدوه !
ومن وقي شرَّ الفتن فقد وقي !
فعن المقداد بن الأسود ـ رضي الله عنه ـ قال : سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم :" إنَّ السعيدَ لَمَن جُنِّبَ الفِتنَ ، إنَّ السعيدَ لَمَن جُِّبَ الفِتنَ ، إنَّ السعيدَ لَمَن جُِّبَ الفِتنَ ، ولَمنِ ابتُليَ فصَبر ، فواهاً ! "
واهاً .. ثم واهاً لمن وقاه مولاه شرَّ الفتن فيما يقرأه ويسمعه ويراه !
فعن أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم :" يُوشِكُ أن يكُونَ خيرَ مالِ المسلم غنمٌ يَتبَعُ بها شَعفَ الجبالِ ومواقِعَ القطرِ ، يفرُّ بدينه من الفِتنِ "

أ ـ 5 ـ حضور الحفلات المليئة بالمنكرات :

كثير من الحفلات الصيفية لا تخلوا من المنكرات والمخالفات الشرعية ، كسماع المعازف المحرمة ، والأغاني الماجنة ، والكلمات الكاذبة ، والشعارات الزائفة ، والرقصات الخليعة ، مما يحرم على العبد المسلم أن يستمع لها أو يحضر إليها أو يتواجد فيها .
بل الواجب على كل مسلم أن يعفَّ نفسه عنها ، وأن يحمي دينه من أذاها .
فعن نافع ـ رحمه الله تعالى ـ قال : سمع ابنُ عمر ـ رضي الله عنهما ـ مِزماراً ، قال : فوضع أصبعيه على أذنيه ، ونأى عن الطريق ، وقال لي : يا نافع هل تسمع شيئاً ؟ قال : فقلت : لا ! قال : فرفع أصبعيه من أذنيه ، وقال : كنت مع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فسمع مثل هذا ! فصنع مثل هذا .
فماذا أقول لمن يبذل من ماله الكثير ليسمع ما حرَّم الله عليه فيها ؟
وماذا أقول لمن يقضي الأوقات الطويلة وهو يحضرها ويتمتع بها ؟
ونسي أن الله يراه ويسمعه ، وأنه أقرب إليه من حبل الوريد ، وأن بطشه أليمٌ شديد !

أ ـ 6ـ قضاء الأوقات بالغيبة والنميمة والسخرية والاستهزاء :

الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك ، ونفسك إن لم تشغلها بالحلال شغلتك بالحرام والوقوع في الآثام ، ولسانك إن لم تحبسه حبسك وفي كل مردية أوقعك .
حقيقة مهمة يغفل عنها أكلة لحوم البشر الذين يجلسون المجالس الطويلة يأكلون في لحوم الناس بالغيبة والنميمة ، والسخرية والاستهزاء ، واللعن والطعن ، والتجريح والتقبيح ، والقذف والخسف ، والهمز واللمز ، والتندر والتهكم ، والتلصص والتنقص ، والعيب والرجم بالغيب ، وغيرها من آفات اللسان مما يغضب الرحيم الرحمن .
فلو رأيتهم في مجالسهم وهم ينهشون في لحوم المسلمين لعلمت أنهم من المخذولين ، قد غفلوا عن عيوبهم واشتغلوا بعيوب غيرهم ، وتناسوا نقائصهم التي سيسألون عنها ، وإلتهوا بمثالب غيرهم مما لن يحاسبوا عليه أو يسألوا عنه .
فعن جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنهما ـ قال : كنَّا معَ النبيِّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ فارتَفَعت ريحٌ مُنتِنةٌ . فقالَ رسولُ الله ـ صلى الله عليه وسلم :" أتدرونَ ما هذِه الريحُ ؟ هذه ريحُ الذين يَغتابونَ المؤمنينَ "
وعن عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال : كنا عند النبيِّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقامَ رجلٌ ، فوقعَ فيه رجلٌ مِن بَعدِه ، فقال النبيُّ ـ صلى الله عليه وسلم :" تَخَلَّل ! " .
فقال : وممَّا أتَخَلَّلُ ؟ ما أكلتُ لحماً ! قال :" إنَّك أكلتَ لحمَ أخيكَ "

** والمخالفات الشرعية في الإجازات الصيفية كثيرة لا يحدها حد ، ولا يحصرها عد ، لأننا نعيش في زمن الملهيات والمغريات ، ونحيى في عصر الفتن والمحن ، والمعصوم من عصمه الله !
فهاك أخي بعض المخالفات التي يقع فيها بعض الناس وهم يضنون أنها ليست كذلك لأن أصلها الجواز ، وهي كذلك لولا ما طرأ عليها ، ووقع فيها ، وتلبَّس بها من الخطأ أو الخطايا التي خرجت بها عن حكمها الأصل ، بينَّاها لقوم يعقلون ، لعلَّهم ينتهون فيهتدون !
ب ـ 1 ـ السفر إلى البلاد المسلمة التي يكثر فيها الفساد :
ومما يلفت الاهتمام ويسترعي الانتباه أن بعضاً من الناس يعبد الله تعالى في وطنٍ دون وطن ، وزمن دون زمن ، ومكان دون مكان ، وكأنما الإجازة الصيفية سبب من أسباب التفلُّت على أوامر الله ، وموسم من مواسم التضييع لفرائض الله وانتهاك حدود الله ، والتخلي عن كثير من المسئوليات ، والوقوع في عدد من المحرمات ، وهذا حال من يسافر إلى بعض البلدان الإسلامية التي يكثر فيها الفساد ، ويظهر الفجور والسفور في كل ناد ، ويصبح الفرد زعيم نفسه يفعل ما يشاء ويصنع ما يريد ، فيظهر المخبوء من كوامن النفس ، وينكشف المستور من أمراض القلب ، ويتجلَّى ضعف الإيمان وقلَّة الوازع عند غياب الرادع ، وتبدو آثاره في صورة محزنة كالتفريط في الحجاب ، وتضييع الصلوات ، والتواجد في أماكن الرقص والفجور ، ومواطن الخلاعة والخنى والفواحش والزنى ، وغير ذلك من موجبات الفساد .
وطالما سمعنا عن صالح ٍفسد ، ومستقيم انتكس ، ومقبل أدبر ، عندما خلوا بالمعاصي ، وتيسَّرت لهم أسباب مقارفة الذنوب ، فوقعوا في حمأة الرذيلة ، وتلطخوا بالموبقات الوبيلة ، وإذا أمنت العقوبة أسيء الأدب إلاَّ لمن كان قلبه حيَّاً ، وضميره متيقظاً ، وإيمانه مرتفعاً .
عن أسامة بن شريك ، قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم :" ما كرهتَ أن يراه الناس فلا تفعله إذا خلوت "
وحسبي أن أذكر معصية واحدة وقع فيها جمع من الناس وتهاونوا بها مع كبير جرمها وكثير إثمها ، وهي شرب الخمور التي شاعت في كثير من البلدان حتى غدت في كلِّ مكان .
فعن أبي الدرداء ـ رضي الله عنه ـ قال : أوصاني خليلي ـ صلى الله عليه وسلم :" لا تشرَبِ الخمرَ ، فإنَّها مِفتاحُ كُلِّ شَرٍّ "
وعنه ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال :" لا يدخلُ الجنَّةَ مُدمِنُ خمرٍ "
وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم :" مُدمِنُ الخمرِ كعَابِدِ وثَنٍ "
وعن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم :" مَن شرِبَ الخمرَ في الدنيا ولم يتُب ؛ لم يشرَبها في الآخرة ، وإن أُدخِلَ الجنَّة "
ومما تهاون به الكثير من الناس ؛ التواجد في حوانيت الخمر أو في مكان تُدار فيه كؤوسه .
فعن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال : نهى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن مطعَمَين ؛ عن الجلوس على مائدة يشرب عليها الخمر ، وأن يأكل وهو منبطح على بطنه "
وعن جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنهما ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم :" من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجلس على مائدة يدار عليها الخمر "

ب ـ 2 ـ النوم الكثير بالنهار :

والمقصود به النوم الذي يترتب عليه ضياع الصلوات ، والتفريط في الواجبات ، والتفلت من المصالح والحقوق والأمانات .
فالنوم من أعظم نعم الله على عباده ، ومن أجلِّ آياته الدالة عليه ، فبه راحة أبدانهم ، وتجديد نشاطهم ، وإذهاب التعب والنصب من أجسادهم .
قال تعالى :[ ومن آياته منامكم بالليل والنهار ]
لكن الزيادة فيه والإكثار منه وجعله في غير حينه يخرج به عن غايته والحكمة التي خلق من أجلها ، فيكون من أسباب الخسارة في الدنيا والعقبى .
وقد ابتلي بعض الناس بحب النوم أكثر مما ينبغي ، فجعل الإجازة الصيفية كالبيات الشتوي ، فينام حيث يستيقظ الناس ، وينتبه من رقدته حين ينام الخلق .
فأهله منه في عناء ، ونفسه منه في شقاء ، قد ضاعت مصالحه ، وتعطلت أعماله ، لا تكاد تراه إلا نائماً ، ويا ليت شعري ! ماذا أبقى لرقدة القبور ؟!
عن خوَّات بن جبير ، قال : نوم أول النهار خُرق ، وأوسطه خُلق ، وآخره حُمق .
فلا تسأله عن الأوقات المباركة واللحظات الماتعة فهو عنها في سبات عميق !
عن صخر الغامدي ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم :" اللهُمَّ بارك لأُمتي في بُكُورها "
قال : وكان إذا بعث سرية أو جيشاً ، بعثهم أول النهار .
وكان صخر رجلاً تاجراً ، وكان إذا بعث تجارة بعثهم أول النهار ، فأثرى وكثر ماله .
والمصيبة الرهيبة أن نومه ضيع عليه الفرائض وأخَّر الصلوات حتى خرجت عن الواجب من الأوقات .. وتلك ـ والله ـ الحالقة ، والمآسي الماحقة !
وإليك مثال واحد عن صلاة واحدة لتدرك عظم الجريمة وعواقبها الأليمة .
فعن أنس ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم :" تلك صلاة المنافق يجلس يرقب الشمس ، حتى إذا كانت بين قرني الشيطان قام فنقرها أربعاً لا يذكر الله عز وجل فيها إلا قليلا "
وعن رافع بن خديج قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم :" ألا أخبركُم بصلاةِ المنافق ؟ أن يُؤخِّرَ العصرَ حتى إذا كانت الشمسُ كثَربِ البقرة صلاها "

ب ـ 3 ـ السهر الطويل بالليل :

تحوَّل بعض الناس إلى ما يشبه الخفَّاش الذي يظهر في الليل ويختفي في النهار ، فليله سهر طويل ، ويومه نوم عميق ، فيسهر ـ في الغالب ـ على لهوه وسهوه ، وربما على معاصيه وآثامه ، حتى إذا دنا الفجر واقترب الصباح ، أقبل الشيطان على رأسه فأثقله ، وإلى جسده فكسَّله ، فأصبح يترنح ذات اليمين وذات الشمال ، فقد غلب عليه النوم ، واحتواه الكسل ، وقال له عدوه : نام ، فإن عليك ليلٌ طويل !
فتكون صلاة الفجر أولى ضحاياه !
فعن جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنهما : قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم :" إيَّاكَ والسَّمرَ بعد هدأةِ الليل ، فإنكم لا تدرون ما يأتي اللهُ من خلقه "
وعن أبي برزة الأسلمي ـ رضي الله عنه ـ قال : كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم يستَحبُّ أن يؤخرَ العشاءَ ، قال : وكان يكرهُ النومَ قبلها والحديثَ بعدها "
فما أظلم ليل الغافلين ! وما أجمل سهر الصالحين في طاعة رب العالمين ! ولكن ، أين هم ؟ أين ؟!
فعن عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم :" لا سَمَرَ إلا لمُصَلٍّ أو مسافِرٍ "

ب ـ 4 ـ التسكع في الأسواق :

الأسواق أماكن تنزه الفارغين ، ومواطن تسلية العاطلين ، يمضون عليها أغلى أوقاتهم دون فائدة تذكر أو عمل يُشكر ، وإنما ضياع للزمن وتعرُّضٌ للفتن .
لقد أصبحت الأسواق ـ وهي أبغض البقاع إلى الله ـ أفضل الميادين عند بعض الغافلين ليقتلوا فيها الوقت الثمين ، ويهدروا فيها العمر الغالي ، ويعرضوا أنفسهم لما لا قِبل لهم به من البلايا والرزايا .
فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم :" أحبُّ البلاد إلى الله مساجدها ، وأبغضُ البلادِ إلى الله أسواقُها "
فعن أم سلمة ـ رضي الله عنها ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال :" لا تكوننَّ إن استطعت أوَّل من يدخل السُّوق ، ولا آخر من يخرج منها ، فإنَّها معركة الشيطان ، وبها نصب رايته "

ب ـ 5 ـ الذهاب إلى المقاهي لشرب المحرمات :

فبعض الرجال تمضي عليه الساعات الطويلة وهو جالس على أريكته في هذه المقاهي والملاهي مع غيره ممن هم على شاكلته يلعبون الورق [ البلوت ، وغيره ..] ويشربون [ الشيشة والمعسل والدخان وغيرها ..] وينظرون في المحرمات في القنوات ، ويتكلمون ـ في الغالب ـ فيما لا ينفع ولا يرفع ، ويتحدثون فيما يضر ولا يسر، ويسمعون المعازف المحرمة والكلمات الآثمة ، فيمضي العمر سدى ، والعيش سبهللا ، في هذه المقاهي [ الكازينوهات ] التي قلَّ فيها الذاكر ، وعزَّ فيها الطائع ، وندر فيها الصالح .
عن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم :" ليبيتنَّ قومٌ من هذه الأمةِ على طعامٍ وشرابٍ ولهوٍ ، فيصبحوا قد مسخوا قردةً وخنازيرَ "
وكم من أسر كريمة ضاعت لضياع راعيها الذي ضاعت حياته في هذه المقاهي والملاهي !
فعن عبد الله بن عمرو بن العاص ـ رضي الله عنهما ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم :" كفى بالمرء إثمًا أن يُضيِّع من يقوت "

ب ـ 6 ـ الجلوس في المجالس التي لا يذكر الله تعالى فيها

لا يندم أهل الآخرة على شيء أكثر من ندمهم على ساعة مرَّت بهم من أعمارهم لم يذكروا الله تعالى فيها ، فيتحسَّرون على ضياعها منهم وفواتها عليهم ولم يُخطَّ في دواوينهم ما يرضي ربهم من ذكره وشكره والقيام بحقِّه .
فيتمنون الرجوع إلى الدنيا ليستدركوا ما فات عليهم ، ولكن ؛ هيهات ..هيهات ..
ضاعت الفرصة وعزَّ إلى الدنيا الرجوع !
وتلك أمنية أهل القبور أن يعودوا ليسبحوا ويحمدوا ويكبروا ويهللوا الله ، ولكن حيل بينهم وما يشتهون .
فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم :" ما جلس قومٌ مجلساً لم يذكروا الله فيه ولم يصلوا على نبيهم إلاَّ كان عليهم ترةٌ ، فإن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم "
وعنه ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم :" ما من قومٍ يقومون مِن مجلسٍ لا يذكرون الله فيه إلاَّ قاموا عن مثل جيفةِ حمارٍ وكان لهم حسرة "
ومما تتميز به الإجازة الصيفية كثرة المجالس مع الناس في المناسبات وغيرها ، فمن يعمر عمره ويحفظ وقته بذكر الله في مجامع الغافلين ؟!

ب ـ 7 ـ ضياع الإجازة في البحث عن المطاعم الجديدة :

لا همَّ لبعض الناس في الإجازات الصيفية إلاَّ البحث عن المطاعم الجديدة والاستراحات الفريدة ، وكأنما همهم بطونهم ، فلا يعيشون إلا ليأكلوا ، ولا يحيون إلا ليتمتعوا ، ولا يوجدن إلا ليتلذذوا ، وليس مباح الطعام بالحرام ، ولكن المشكلة أن يصبح البحث عنه مشغلة الأوقات ، ومحور الاهتمامات ، وأولى الأولويات ، حتى أنَّك لتسمع بمن يقطع مئات الأكيال [ الكيلو مترات ] ليأكل طعاماً جديداً عليه ، وبيت الله بجوار بيته بعشرات المترات ، ولا يذهب إليه أو يصلي فيه بحجة البعد عنه وعدم القرب منه !
ويستثقل الانتقال من بيته إلى أماكن المحاضرات الدينية مع دنوها منه ، ويحوم كالرحى لساعات وهو يبحث عن جديد الأصناف من المأكولات !
وقد قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم :" إن مِن شرارِ أمتي الذين غُذُّوا بالنعيم ، الذين يطلبون أوانَ الطعام وألوانَ الثيابِ ، ويتشدَّقُون بالكلام "

ب ـ 8 ـ ضياع الإجازة في الجلوس على الأرصفة :

الغفلة داءٌ عضال ، ومرضٌ فتَّاك ، وعلَّةٌ معطبة ، تبدو علاماتها على بعض جماعة البطالين الغافلين الذين يفترشون الأرصفة أطراف الليل والنهار، فيهدرون أعمارهم في الحديث الفارغ ، ويضيعون أوقاتهم بالألعاب المشغلة ، ويعصون ربهم بما يسمعون ويبصرون ويشربون ويلعبون ، و يرصدون الغادي والرائح ، ويؤذون العفيف الصالح .
وقد قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم :" من آذى المسلمينَ في طُرُقِهِم ، وجَبت عليه لعنَتُهُم "
وعن أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال :" إيَّاكُم والجُلُوسَ بالطرُقات " قالوا : يا رسول الله ! ما بُدّ لنا من مجالسنا نتحدث فيها ، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم :" إن أبيتُم فأعطوا الطريق حقه " قالوا : وما حق الطريق يا رسول الله ؟ قال :" غَضُّ البصر ، وكفُّ الأذى ، وردُّ السلام ، والأمرُ بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، وإرشاد السبيل ، وتُغيثُوا الملهُوفَ ، وتُهدُوا الضَّال "
وإنما دين كلُّ امرئ على دين جليسه ، وأخلاقه على خلق خدنه وأنيسه ، وإنما آفاتنا من جلسائنا !
فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال :" الرَّجُلُ على دين خليله ، فلينظر أحَدُكم من يخالِلُ "
وعن أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال :" لا تُصاحب إلاَّ مؤمناً ، ولا يأكل طعامكَ إلا تَقيٌّ "

ب ـ 9 ـ ضياع الإجازة بالانشغال بالدنيا عن الدين :

فلا تراه يحضر محاضرة ، ولا تسمع به يجلس مجالساً للذكر ، ولا يعود مريضاً ، ولا يصل رحماً ، و لا يبادر لطاعة ، وإنما همه الأموال ، يجمعها ليمنعها ، وشغله العقارات والعمائر والقصور ، يبنيها ليفاخر بها ، واسال مكاتب العقار عنهم ، فلديها الخبر اليقين عن أناس لا همَّ لهم إلا دنياهم ، ولا شغل لهم إلا الحديث عن أموالهم وممتلكاتهم .
قال تعالى :[ ألهاكم التكاثر * حتى زرتم المقابر * كلا سوف تعلمون ]
وإنما الأمر أعجل من لمح البصر !
فعن عبد الله بن عمرو ـ رضي الله عنهما ـ قال : مرَّ بي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأنا أُطيِّنُ حائطاً لي ! أنا ، وأمي ، فقال :" ما هذا يا عبد الله " ؟
فقلتُ : يا رسول الله ! شيء أصلحه ، فقال :" الأمرُ أسرعُ من ذاكَ "
وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : مرَّ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على قبر دفن حديثاً ، فقال :" ركعتانِ خفيفتان مما تحقرون وتنفلون يزيدهما هذا ـ يشير إلى قبر ـ في عمله أحبُّ إليه من بقية دنياكم "
ومن اشتغل بربه وجعله همه ، كفاه الله كلَّ الهموم ، وأغناه وأقناه !
عن معقل بن يسار ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم :" يقولُ ربُّكم : يا ابن آدمَ ! تفرَّغ لعبادتي ؛ أملأ قلبَكَ غنىً ، وأملأ يَديكَ رزقاً ، يا ابن آدم ! لا تُباعِد مِنِّي ؛ أملأ قلبك فقراً ، وأملأ يديك شُغلاً "
وستقضي الإجازة ـ وكذلك الحياة ! ـ دون أن يُدرك منها مأربه أو يشبع منها نهمته ، فالفقر في القلب ، ليس الفقر في الجيب .
فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم :" ليسَ الغِنى عن كثرةِ العَرضِ ، ولكنَّ الغنى غِنَى النَّفسِ "

ب ـ 10 ـ ضياع الإجازة باللعب بالحيوانات ورحلات الصيد :

ابتلي بعض الناس بحبِّ الصيد للحيوانات البرية أو بهواية تربية الحيوانات المستأنسة و المستوحشة وغيرها ، ولا بأس بذلك إذا كان في حدود المعقول والمقبول ، ولكن أن تصبح الهواية غاية ، فتُشغل الأوقات بهذه الهوايات إلى درجة هدر الأوقات ، وضياع الأعمار ، وانشغال القلب والعقل بها وبتوابعها ، فهذا ما نحذِّر منه وننهى عنه .
فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ رأى رجلاً يتبع حمامة ، فقال :" شيطان يتبَعُ شيطانة "
ومن تتبَّع الصيد غفل عن الطاعة والذكر ، ومن استرسل معه ضاع عمره وفني زمانه في غير نفع .
فعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم :" مَن سكنَ الباديةَ جفا ، ومن اتَّبَعَ الصَّيدَ غَفَلَ ، ومن أتى أبوابَ السُّلطانِ افتَتَن "
ـ ضياع الأعمار في متابعة الرياضة :
لقد أصبح الهوس الرياضي والجنون التشجيعي سِمةً بارزة لبعض المهتمين بالرياضة والعاشقين لها والمتفانين فيها .
وإنَّك لترى عجباً من بعض المشجعين للكره ، كيف استحوذت على قلوبهم ، وسيطرت على مشاعرهم ، واستغرقت أوقاتهم ، وتحكمت في طموحاتهم وأحلامهم ، وغلبت على آمالهم وآلامهم ، وأصبحت مبعث غمومهم وهمومهم ، وفرحهم وترحهم ، ومصدر ولائهم و برائهم .
فلا تكاد تراهم إلاَّ لاعبين بها ، أو متحدِّثين عنها ، أو ناظرين فيها ، أو قارئين لأخبارها باحثين عن أسرارها ، وإذا ناموا حلموا بها !
قال تعالى :[ أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً وأنكم إلينا لا ترجعون * فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم ]
ـ اللعب في الإنترنت :
الوقت وعاء العمر وإناء الحياة ، وهو أغلى من الدراهم والدنانير ، وخسارته من أغبن الخسارات ، فهو زمن الوجود في هذا الوجود .
فعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال : قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم :" نِعمتانِ مغبونٌ فيهما كثيرٌ من الناس ؛ الصحَّةُ ، والفراغُ "
وقد بُلينا بمن يتفنن في تضييع وقته الثمين ، ويبدع في وسائل إهداره ، ويبرع في أساليب تضييعه ، كحال أولئك الذين يمضون الساعات الطوال ، وهم عاكفون على الشبكة العنكبوتية [ الإنترنت ] وهم يتقلَّبون بين الصفحات والمواقع يدفعهم الفضول لاختراق الممنوع ، والبحث عن كلِّ مثير ، فيقعون في شراك هذه الشبكة المليئة بالفتن في دينهم والمضيعة لثمرة أعمارهم دون حدود أو قيود .
وكم سمعنا عن صالحين غدوا طالحين ، ومستقيمين أصبحوا منتكسين ، متأثرين بما رأوا وسمعوا وقرءوا في تلك المواقع المشبوهة !
فما بالك بمن هم دونهم في العلم والخشية والدين ؟!
إنَّ بعضاً من الناس يجلس مع هذه الشبكة العنكبوتية بالساعات في كلِّ يوم مضيعاً لوقته ومفرِّطاً في مصالحه ، مستغلاً هذه الإجازة الصيفية في البقاء أطول وقتٍ ممكن يعرض المِلل والنِّحَل والشهوات والشبهات على قلبه وعقله !
فمِن أين لنا بالسلامة من الندامة لمن ضاعت لياليه وأيامه وهو يرى الفتن أمامه ؟!
ولست أمنع من ينتفع بها أو ينفع بها دينه وأمته أن يستفيد منها بالضوابط الشرعية من غض البصر وحفظ السمع وضبط الوقت وعدم الاستسلام للفضول الذي يدفع المتابع لما لا تُحمد عقباه عند من رقَّ دينه وقلَّ يقينه ، وأصبح إيمانه أوهى من بيوت العنكبوت !!

ـ وماذا بعد ؟!
إنَّ في الحلال غُنية عن الحرام ، وفي المسموح كفاية عن الممنوع ، وفي المباح فسحة ، فقد بعث الله نبينا ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالحنفية السمحة .
فعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم :" لتعلم يهود أن في ديننا فسحة "
نقول هذا لمن يتسأل : وما البديل ؟
لنقول له : إن الحرام محدود ، والممنوع معدود ، والمباح كثير لا يجمعه جامع ، فالواجب المتحتم على كل مسلم أن يعلم أنه مأمور بأن يكون عبداً لله ، طائعاً له ، منقاداً لأمره ، مستسكاً بشرعه ، مستسلماً لحكمه طيلة أيَّام عمره .
فعن أنس ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم :" افعلُوا الخيرَ دَهركم .."
والمؤمن طيِّب كالنحلة مثمر كالنخلة ، لا تراه إلاَّ على خير ، ولا تبصره إلاَّ على طاعة في كلِّ ساعة .
فعن عبد الله بن عمرو ـ رضي الله عنهما ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم :" مثل المؤمن مثل النحلة ، لا تأكل إلا طيباً ، ولا تضع إلا طيباً "

فإياَّك .. إيَّاك ومعصية مولاك !

فعن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم :" إياك وكل ما يعتذر منه " !
حماك مولاك من أسباب الغواية والهلاك ، والحمد لله رب العالمين .
 

عبداللطيف الغامدي
  • كنوز دعوية
  • مقالات ورسائل
  • كتب ورسائل
  • الصفحة الرئيسية