جوانب كثيرة مضيئة من الجهاد الأفغاني ..
لم يسلط عليها الضوء ..
و لم يعرفها أحد .. و لم تدون
قصص كثيرة .. غريبة .. عجيبة
قصص في البطولة و الشجاعة .. و البأس و الإقدام
قصص في العبادة و الزهد ..
قصص في الإيثار و البذل ..
قصص في الصبر و الشدة ..
كنا نرى .. في بعض الأحداث .. تكراراً لقصص كنا نسمعها و نقرأ عنها في كتب
السلف
قيام الليل مثلاً .. أحدثكم عن قيام الليل
كان من الطبيعي جداً ..
في معسكر تدريب .. أو في الجبهة .. سواء في خندق أو في خيمة أو في بيت من
الطين
أن تستيقظ في أي ساعة من ساعات الليل .. فترى شباب هنا و هناك قياماً يصلون
رحم الله أبا حسين المدني ..
و الله العظيم إني كنت أعجب من هذا الرجل ..
كنت لا أستيقظ في أي ساعة من أول الليل أو وسطه أو آخره .. إلا و أجده قائماً
يصلي
في بعض الجبهات .. كان الشباب يرتبون الفرش للنوم بشكل عمودي جهة القبلة
حتى يستطيع من أراد أن يقوم لصلاة الليل أن يصلي في فراشه دون أن يضايق من
بجانبه
.. في بعض الليالي كنت أحياناً أفتح عيني .. فأرى أنني الوحيد النائم .
و عن يميني و يساري الشباب قيام يصلون .. و ما أقوم إلا من قرائتهم
أذكر .. في أحد معسكرات التدريب ..
كان هناك شاب مغربي اسمه مهند .. كان بمثابة الساعة المنبهة للمعسكر
تعطيه الوقت الذي تريد أن تقوم فيه و مكان نومك ..
فيأتيك ليوقظك في الوقت الذي حددته له بالضبط
يصلي من أول الليل .. ثم يذهب يوقظ فلان و فلان و فلان
ثم يرجع يصلي ساعة أو ساعتين .. ثم يذهب يوقظ فلان و فلان .. و هكذا
في أي وقت تريد .. يوقظك .. إن شئت تنام في المسجد .. و إن شئت يأتيك إلى
خيمتك
كان المسجد لا يخلو من المصلين طوال الليل ..
كل يصلي ما كتب له .. ثم ينام .. أما هو
… فلا ينام .. يصلي الليل كله ..
قد يوقظك فتجد نفسك كسلان فتقول له .. أوقظني بعد ساعة ..
فيذهب ثم يرجع يوقظك بعد ساعة .. منبه بشري
أذكر .. في أحد الجبهات .. و نحن في مركز في جبال تورغر
مر بنا مجموعة من المجاهدين العرب .. خمسة عشر نفراً
مجهدين .. قد ساروا في الجبال منذ الفجر .. و بلغ منهم التعب مبلغه
قدمنا لهم الأكل .. ثم ما إن مست رؤوسهم الأرض حتى غطوا في نوم عميق
أميرهم .. لما أحس أن الجميع نيام رفع رأسه … نظر إلى الجثث الهامدة من التعب
لم أكن نائماً .. و لكني كنت في مكان بعيد نائم على التراب
لأننا أخلينا لهم مكاننا ليناموا .. كان عليهم أن يواصلوا المسير في الصباح
كنت أسمع عنه أنه لا يترك قيام الليل .. و الله لو كان تاركه لكان حري به أن
يتركه تلك الليلة
قام .. و انسل من بينهم .. ذهب إلى الماء و توضأ
ثم ذهب إلى شجرة بعيدة .. و شرع في الصلاة
نمت .. و لا أدري كم صلى ..
أحد الشباب رحمه الله .. من شباب الشرقية
في جلال آباد .. في آخر الليل و الناس هجوع
و الهدوء يعم المكان .. يصلي في خيمته و اخوانه حوله نيام
يركع .. فتأتيه رصاصة طائشة ..
العدو في الليل يرمي كل حين رمي عشوائي خوفاً من تقدم المجاهدين
فيقتل في مكانه .. راكعاً لله .. في وقت السحر ..
لقمان الليبي .. رحمه الله .. من لا يعرفه يحسبه أبكم
كان قليل الكلام .. كثير العمل .. شديد السمرة .. ابتسامته لا تفارقه
كنت عقبه في الحراسة .. إذا انتهت حراسته أيقظني
ثم ذهب و توضأ .. و شرع في الصلاة
أقضي حراستي ساعة و نصف أو ساعتين
ثم أرجع لأوقظ الذي بعدي فأرى لقمان ما يزال قائماً يصلي
أوقظ الحارس .. و أخلد إلى النوم .. و هو قائم
ذهب الى مركز الهاون .. ثم أتانا خبره بعد أيام .. قتل و هو يقرأ القرآن
يخبرني أحد الشباب ( أخي الذي أخبرتكم قصته في يوميات مرافق )
يقول عندما قتل لقمان كان جالساً يقرأ القرآن فسقطت بجانبه قذيفة فقتل في
مكانه
و سقط رأسه على المصحف على الصفحة التي كان يقرأ بها ..
يقول فلما رفعته و رفعت المصحف .. فإذا به كان يقرأ في سورة لقمان ..
قيام الليل .. كان هدي الشهداء ..
في بعض المراكز كان الشباب يوقظونك للصلاة دون أن تطلب منهم ذلك
أذكر أحدهم .. يندسني برفق فأفتح عيني فإذا الشباب كلٌ في زاوية يصلي
فيقول لي .. ألا تقوم تصلي لك ركعتين .. و هو مبتسم
كان ليلنا طويلاً ( لعدم وجود الكهرباء ) .. شديد الظلمة .. هادئاً
فكان له روحانية و إيمانية عجيبة .. تحلق بك في ملكوت الله
فتشعر أنك لا تقف على الارض ..
كان في أحد المعسكرات .. معنا شاب جزائري .. بكّاء
لم أر في حياتي أكثر بكاءً منه .. كان يبكي في الفروض الخمسة
فإذا دخلت المسجد في الليل .. و جدته في المحراب قائماً يصلي و يبكي ..
و الله إن على وجهه لهالة من النور لا تخطئها العين ..
و قد سأل أحد السلف عن سر النور في وجوه قواّم الليل
قال : خلوا بخالقهم بالليل فكساهم من نوره في النهار
القصص كثيرة جداً .. و المقام لا يتسع لبسطها
و لعله يتسنى لي أن أكتب لكم عن جوانب أخرى مضيئة من حياة الشباب العرب
هناك .. من صيام و زهد و اقدام و صدقة و محبة و ايثار و فداء
لعلنا .. نسلط الضوء على جوانب خفية لم يطرقها أحد
من الذين ركزوا على عيوب ظاهرة و نفخوا فيها ..
حتى أصبحت صورة شباب الجهاد .. عند كثير من الناس
تقابل الجهل و الحماس و التهور و الطيش و قلة الفقه و بغض الناس و حب القتل و
التخريب
لعلنا ننصفهم ..
إذ لم ينصفهم أحد ..
هؤلاء الصفوة من الشباب .. ظلمهم العالم أجمع
و رماهم الناس عن قوس واحدة ..
و ظلم ذوي القربى
أشدُ مضاضةً ..
همام