اطبع هذه الصفحة


محاسبة المفسدين من الفنانين والرياضيين

د. بدر عبد الحميد هميسه


بسم الله الرحمن الرحيم


يظن بعض الناس أن الفساد الذي كان موجوداً بمصر إبان عهد النظام السابق كان يقتصر على الساسة وبعض رجال الأعمال ممن استغلوا مناصبهم وثرواتهم لتحقيق مصالحهم الخاصة على حساب إفساد الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في مصر ؛ لكن المحقق في الأمور والراصد لها يجد أن بعض الفئات الأخرى قد شاركت في هذا الفساد مثل بعض الفنانين الذين لوثوا الحياة الاجتماعية في مصر بأعمالهم وتصرفاتهم , فبدل أن يكون الفن وسيلة للارتقاء بأخلاقيات الناس ومشاعرهم صار وسيلة لاستفزازهم وإفسادهم , فأصبحت الأغاني الهابطة – على سبيل المثال – وسيلة من وسائل التلوث السمعي والبصري , لا طعم لها ولا لون ولا هدف , حتى صار بعض المشايخ يقعون في حرج حينما يُسألون عن حكم الغناء فيفتون بتحريمه كلية , والبعض الذي يبيح الغناء الذي له أهداف نبيلة ولا يحرك الغرائز ولا يثير المشاعر ولا يعطل عن عبادة أو عمل نافع , ويلتزم بالآداب والأخلاقيات العامة , وتكون كلماته هادفة , يسأله الناس وأين هذا من الأغاني المنتشرة في جميع وسائل الأعلام ؟ فيسكت الشيخ ولا يستطيع الجواب , كما أن الأفلام والمسلسلات لم تعد تعبر عن هموم الناس ومشاكلهم , فأين مشـاكل الطبقة الكادحة وعامة الشعب المطحون من الأفلام والمسلسلات ؟ فلقد اقتصرت تلك الأفلام والمسلسلات عن الحديث عن الطبقات العليا في المجتمع فلا تكاد تخلو من قصة واحدة تتكرر وهي قصة بنت رجل الأعمال التي أحبت ابن رجل الأعمال الذي بينه وبين أبيها صراع وعداء , وهكذا صارت هذه الأعمال الفنية تدور هي الأخرى حول السلطة والثروة , أو حول الحب والجنس وإثارة الغرائز بكل الوسائل والسبل , وكما حكى أحد الإعلاميين أن هناك أوامر عليا كانت تأتيهم بعدم الحديث عن هموم ومشاكل الطبقة الكادحة الذين هم غالبية الشعب المصري بحجة أن ذلك يشوه صورة مصر أمام العالم , وأن إظهار صور الفقراء أو الفلاحين ( الغلابة ) يسيء إلى مصر والمصريين , وهكذا ظل مخطط التضليل الإعلامي والإفساد الفني يسيطر على حياة الناس ؛ حتى أظهر الإعلام هؤلاء الفنانين وكأنهم القدوة والمثل الذي يجب أن يحتذي به جميع الناس , وصارت حياة الفنانين العامة والخاصة هي المادة الدسمة التي يعيشها الناس كل يوم .

أما عن الرياضيين والإعلام الرياضي فحدث ولا حرج , فالإعلام الرياضي لا يقل إفسادا عن الإعلام الفني , فلقد شغل الناس بأخبار لاعبي الكرة , وصراعات الأندية والتنافس على خطف هذا اللاعب أو ذاك بملايين الجنيهات , في الوقت الذي يجلس فيه حملة المؤهلات العليا بل والماجستير والدكتوراه على الأرصفة بدون عمل , وقد أصابهم الهول والذهول مما يسمعون ويقرأون من أخبار عن هؤلاء اللاعبين ؛ بل حينما فاز المنتخب الوطني ببطولة إفريقيا قام وزير البترول في العهد السابق بتعيين بعض اللاعبين في وزارة البترول بآلاف الجنيهات , وراتب الواحد منهم يكفي لتعيين عشرين بل ثلاثين من خريجي الجامعات , على الرغم أن هؤلاء اللاعبين لا يحتاجون هذا الراتب وبالطبع لن يكلفوا بعمل يستحقون عليه هذا الراتب , لكن كما قيل في المثل الشعبي ( المال السايب يعلم السرقة ) , وإضافة إلى هذا الفساد المادي فإن روح التعصب الكروي بين الجماهير كانت تنذر بالخطر وأن هناك مفاهيم وقيم مغلوطة عن الرياضة والروح الرياضية ,ولقد كتبت منذ زمن بعيد كتابا عن : ( الإسـلام والروح الرياضية ) ومقالاً عن : ( التعصـب الكروي \" الصنم الجديد \" ) رصداً لتلك الظواهر الخطيرة التي حادت بالرياضة عن مسارها التربوي والأخلاقي , والتي شارك فيها الإعلام الرياضي على وجه الخصوص ,والذي جعل من هؤلاء اللاعبين نماذج وقدوات لجميع الشباب , ولقد ذكرت مرة , وفي ندوة لي بإحدى المدارس سألت طلاب الإعدادي عن أسماء لاعبي الكرة فعددوا لي أسماءهم جميعا دونما تلعثم أو تردد , فلما سألتهم عن أسماء أولاد النبي صلي الله عليه وسلم , أو عن أسماء عشرة من علماء مصر البارزين في شتى العلوم , تلعثموا وعجزوا عن الإجابة , ساعتها أدركت خطورة الإعلام وكيف يشكل فكر الناس وثقافاتهم وتوجهاتهم .

فإذا كان علينا – الآن – وبعد هذه الثورة المباركة أن نبدأ صفحة جديدة فإن علينا أن نحاسب هؤلاء الفنانين والرياضيين الذين أفسدوا حياة الناس الاجتماعية والأخلاقية , كما نحاسب السياسيين ورجال الأعمال الذين أفسدوا حياة الناس سياسياً واقتصاديا واجتماعيا وأخلاقيا , وأن لا ندعهم يفسدون حياتنا مرة أخرى .


 

د. بدر هميسه
  • مقالات ورسائل
  • الكتب
  • وصية الأسبوع
  • سلسلة أحاديث وفوائد
  • واحة الأدب
  • الصفحة الرئيسية