اطبع هذه الصفحة


رسالة إلى الباحثين عن السعادة

د. بدر عبد الحميد هميسه


بسم الله الرحمن الرحيم


الناس جميعاً يبحثون عن السعادة ويجدون في طلبها ويكدحون في تحصيلها , ولكن ليس كل من يطلب السعادة يجدها ؛ لأن فهم كل واحد منهم لها يختلف , ومشاربهم في سبل تحصيلها تتباين , فالبعض يظن أن السعادة في كثرة المال , فيسعي إلى تحصيله بكل السبل وشتى الوسائل والطرق , ولا يدري أن هذه السعادة وهمية غير حقيقية، وأن هناك يوماً سيأتيه ويصرخ فيه قائلاً : \" مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيهْ . هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ \". سورة الحاقة: 28-29.
بل قد يكون المال سبباً لشقاوته وعذابه , كما قال تعالى: \" وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ . يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَـذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ\". سورة التوبة: 34-35.
وقد أشار القرآن الكريم إلى شقاء أصحاب الأموال الذين لا يتقون الله تعالى في جمعها وإنفاقها، ومعرفة حق الله عز وجل فيها، فقال تعالى: \" فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ\" . سورة التوبة: 55 .
عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ ، قَالَ:سَأَلْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَعْطَانِي ، ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَأَعْطَانِي ، ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَأَعْطَانِي ، ثُمَّ قَالَ : هَذَا الْمَالُ وَرُبَّمَا قَالَ سُفْيان : قَالَ لِي : يَا حَكِيم ، إِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ ، فَمَنْ أَخَذَهُ بِطِيبِ نَفْسٍ بُورِكَ لَهُ فِيهِ ، وَمَنْ أَخَذَهُ بِإِشْرَافِ نَفْسٍ لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ ، وَكَانَ كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلاَ يَشْبَعُ ، وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى.أخرجه \"أحمد\" 3/434 (15659) و\"البُخَارِي\" 2/152(1472).
قال البستي :

ويا حريصاً على الأموالِ تجمعُها * * * أُنْسيتَ أنَّ سرورَ المالِ أحزانُ ؟
زع الفؤاد عن الدنيا وزينتها * * * فَصَفْوُها كدرٌ والوصلُ هِجْـرانُ

وقال آخر :

ولست أرى السعادة جمع مال ٍ * * * ولكن التقي هو السعيد ُ
وتقوى الله خير الزاد ذخراً * * * وعند الله للأتقى مزيدُ

يذكر أن زوجاً قال لزوجته بغضب: لأشقينَّك . فقالت الزوجة في هدوء وإيمان وعزة : لا تستطيع أن تشقيني كما لا تستطيع أن تسعدني.فقال الزوج في حنق : وكيف لا أستطيع ؟ فقالت الزوجة في ثقة : لو كانت السعادة في راتب لقطعته عني أو زينة من الحلي لحرمتني منها ، ولكنها في شيء لا تملكه أنت ولا الناس أجمعون !فقال الزوج في دهشة: وما هو ؟ فقالت الزوجة في يقين : إني أجد سعادتي في إيماني ، وإيماني في قلبي ، وقلبي لا سلطان لأحد عليه غير ربي .
ويحكى أن أحد الأثرياء كان لديه خادم يحرس القصر الذي يسكن فيه ذلك الثري ,فكان هذا الثري في قصره الكبير لا يحس بطعم الراحة فهو مريض يتناول الأدوية قبل الأكل وفي وسطه وفي آخره , بل يظل طوال الليل يتقلب من الألم ولا يستطيع النوم , وذاك الخادم الفقير يسكن بجوار باب القصر في غرفة صغيرة هو وزوجته وأولاده , فيظلون إلى منتصف الليل يضحكون ويصفقون ويغنون , فقال الثري في نفسه هؤلاء لا يملكون إلا قوت يومهم ويعيشون في هذه السعادة فما بالهم لو كان معهم بعض المال , فذهب إليهم ذات يوم وقال لهذا الحارس سأعطيك كل يوم خمسون جنيهاً تشترى بها بيضاً وتجلس تبيعه أما القصر ونتقاسم المكسب , وفي الليلة الأولى سمعهم يضحون ويغنون ولكن إلى ما بعد العشاء بساعة وليس إلى منتصف الليل , وفي الليلة الثانية سكتت أصواتهم بعد العشاء مباشرة , وفي الليلة الثالثة سمع أصوات الشجار والصراخ , ثم دخل عليه ذلك الحارس المسكين ومعه ما تبقى من البيض وما كسب من مال , وقال له يا سيدي هذا بيضك ومالك, ودعنا نعود إلى حالنا السابق من الضحك والغناء , فلقد أفسد علينا المال سعادتنا .
وكانت هناك امرأة تدعى \"كريستينا أوناسيس\": وهي ابنة المليونير اليوناني الشهير \"أوناسيس\"، مات أبوها وترك لها خمسة آلاف مليون ريال، وأسطولاً بحرياً ضخماً، وهي تملك جزراً كاملة، وتملك شركات طيران، تزوجت مرة وثانية وثالثة ورابعة، وفي كل مرة تبحث عن السعادة ولا تجدها.بل وسألها الصحفيون: هل أنت أغنى امرأة؟ قالت: نعم. أنا أغنى امرأة، ولكني أشقى امرأة. ثم عاشت بقية حياتها في تعاسة وهمّ، وبعد ذلك وجدوها ميتة في شاليه في الأرجنتين وحيدة شريدة.
وقد يظن البعض أن السعادة في الجاه والسلطان والمناصب والولايات : وهذا فهمٌ وظن خاطئ أيضاً، فأهل الجاه والسلطان والمناصب البعيدين عن الله، هم في شقاء وتعاسة وهمٍّ ونكد, عَنْ أَبِي ذَرٍّ ، قَالَ:قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، أَلاَ تَسْتَعْمِلُنِي ؟ قَالَ : فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى مَنْكِبِي ، ثُمَّ قَالَ : يَا أَبَا ذَرٍّ ، إِنَّكَ ضَعِيفٌ ، وَإِنَّهَا أَمَانَةٌ ، وَإِنَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ ، إِلاَّ مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا ، وَأَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيهَا.أخرجه مسلم 6/6(4746).
قال هشام بن عبد الملك – الخليفة -: عددت أيام سعادتي فوجدتها ثلاثة عشرة يوماً.
وكان أبوه عبد الملك يتأوه ويقول: يا ليتني لم أتولَّ الخلافة. فكان سعيد بن المسيب يقول عندما يسمع هذا: الحمد لله الذي جعلهم يفرُّون إلينا، ولا نفر إليهم.
فكم من منصب قتل صاحبه , وكم من إمارة كانت وبالاً ونكالاً على طالبها , قال الشاعر :

وأعز ما يبقى ودادٌ دائمٌ * * * إن المناصبَ لا تدوم طويلا ً

وقال آخر :

إن المناصب لا تـــدوم لواحــــــد *** فإن كنت في شك فأين الأول
فاصنع من الفعل الجميل فضائل *** فـــإذا عزلـــت فإنهـــا لا تعزل

لذا فقد وجدنا الأئمة الكبار من علماءنا وفقهاءنا من أمثال مالك والشافعي وأبي حنيفة وأحمد وغيرهم يفرون من المناصب والولايات , ويتعرضون بسبب هذا الرفض للضرب والسجن والتعذيب .
والبعض كذلك يظن أن السعادة في الشهرة: وهذا ظن خاطئ، إذ أن الشهرة تكون في غالب الأحيان سبب الشقاء والتعاسة ,تقول إحدى الممثلات الشهيرات قبل وفاتها أو انتحارها وهي تنصح المرأة: احذري المجد، واحذري كل من يخدعك بالأضواء، إنني أتعس امرأة على هذه الأرض، لم أستطع أن أكون أمّاً، إنني امرأة أُفضِّل البيت والحياة العائلية على كل شيء، إن سعادة المرأة الحقيقية في الحياة العائلية الشريفة الطاهرة، لقد ظلمني كل الناس، إن العمل في السينما يجعل من المرأة سلعة رخيصة تافهة مهما نالت من المجد والشهرة الزائفة.
أوقد يظن أن السعادة في نيل الشهادات العالية: وليس ذلك شرطاً لبلوغ السعادة , تقول إحدى الطبيبات والتي لم تذق طعم السعادة: \"السابعة من صباح كل يوم يستفزني، يستمطر أدمعي... لماذا؟ اركب خلف السـائق متوجهة إلى عيادتي – بل مدفني، بل زنزانتي- وعندما أصل إلى مكتبي – بل إلى مثواي- أجد النساء بأطفالهم ينتظرنني، وينظرن إلى معطفي الأبيض وكأنه بردة حريرية فارسية، هذا في نظر الناس وهو في نظري لباس حداد لي. ثم تواصل قولها: أدخل عيادتي أتقلد سماعتي، وكأنها حبل مشنقة يلتف حول عنقي، والعقد الثالث يستعد الآن لإكمال التفافهُ حول عنقي- أي بلغت الثلاثين- والتشاؤم ينتابني على المستقبل.
وأخيراً تصرخ وتقول: خذوا شهادتي، ومعاطفي، وكل مراجِعي، وجالب السعادة الزائفة – المال والمركز- وأَسْمِعُوني كلمة \"ماما\"، ثم قالت هذه الأبيات:

لقد كنت أرجو أن يقال طبيبة * * * فقد قيـل فما نالني من مقـالها
فقل للتي كانت ترى فيَّ قدوةً * * * هي اليوم بين الناس يُرثَى لحالها
وكل مُناها بعضَ طفلٍ تضمّهُ * * * فهل ممكن أن تشتريـه بمـالها

فالسعادة فد لا تكون في جمع الأموال واكتناز الكنوز , فكم من أغنياء هم أشقى الناس وكم من فقراء هم أسعد الخلق حالاً ومآلاً , وقد لا تكون السعادة في المناصب والوجاهات , فكم من صاحب منصب جر عليه منصبه أذيال الخيبة والتعاسة , وفقير معدم يعيش في رضا وسعادة , وقد لا تكون السعادة في الصحة فكم من صحيح معافى لا يحس بتلك النعمة وكم من مريض مبتلى راض عن ربه وربه راض عنه .
إذن فلطالما أن السعادة ليست في كل ما سبق , فأين يجد الإنسان سعادته ؟ بل أين يلاقي أمنه وراحته وهناءته؟ سؤال محير لكن ديننا الحنيف قد أجاب عليه ووضع له السبل السهلة الميسورة إليه , فالمسلم يجد سعادته في :

1ـ الإقبال على الطاعة والعبادة وترك الذنوب والمعاصي:

القلب السليم دائماً يحن ويشتاق إلى الطاعة أكثر من حنين الجائع إلى الطعام والشراب، ومن المعلوم أن من أحبَّ الله أحبَّ خدمته، وصارت العبادة والطاعة قوت قلبه، وغذاء نفسه، وسر سعادته، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يُصلِّي حتى تتورَّم قدماه، وهو الذي غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخَّر.
فالتقرب إلى الله تعالى بالطاعة والعبادة سبب لحب الله للعبد , وإذا أحب الله العبد هيأ له أسباب السعادة والإنس به , قال تعالى : \" وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ .. (165) سورة البقرة , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:إِنَّ اللَّهَ قَالَ مَنْ عَادَى لِى وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَىَّ عَبْدِى بِشَىْءٍ أَحَبَّ إِلَىَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِى يَتَقَرَّبُ إِلَىَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِى يَسْمَعُ بِهِ ، وَبَصَرَهُ الَّذِى يُبْصِرُ بِهِ ، وَيَدَهُ الَّتِى يَبْطُشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِى يَمْشِى بِهَا ، وَإِنْ سَأَلَنِى لأُعْطِيَنَّهُ ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِى لأُعِيذَنَّهُ ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَىْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِى عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ ، يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ. أخرجه البخاري 8/131(6502) .
والطاعة لله تعالى وحسن القرب منه , ليست كلمات تقال على الشفاه , بل هي عمل وسلوك يظهر في الكون والحياة . قال ابن المبارك:

تعصى الإله وأنت تزعم حبه * * * هذا لعمري في القياس بديع
ولو كان حبك صادقاً لأطعته * * * إن المحبَّ لمن يحب مطيع

قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ في كتابه : الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي( 136 ) : \"قال بعض العلماء: فكرت فيما يسعى فيه العقلاء، فرأيت سعيهم كله في مطلوب واحد، وإن اختلفت طرقهم في تحصيله، رأيتهم جميعهم إنما يسعون في دفع الهم والغم عن نفوسهم، فهذا بالأكل الشراب، وهذا بالتجارة والكسب، وهذا بالنكاح، وهذا بسماع الغناء والأصوات المطربة, وهذا باللهو واللعب.
فقلت: هذا المطلوب مطلوب العقلاء، ولكن الطرق كلها غير موصلة إليه، بل لعل أكثرها إنما يوصل إلى ضده، ولم أرَ في جميع هذه الطرق طريقاً موصلة إليه إلا الإقبال على الله، ومعاملته وحده، وإيثار مرضاته على كل شيء، فإن سالك هذه الطريق إن فاته حظه من الدنيا، فقد ظفر بالحظ الغالي الذي لا فوت بحظه من الدنيا ناله على أهنأ الوجوه، فليس للعبد أنفع من هذه الطريق ولا أوصل منها إلى لذته وبهجته وسعادته.
قال تعالى: \" فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى.وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى.قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا.قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى\". سورة طه: 123–126. قال ابن كثير – رحمه الله- في تفسيره: قال ابن عباس ـ رضي الله عنهما:{فَلا يَضِلُّ}: في الدنيا، { وَلا يَشْقَى}: في الآخرة، {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي} أي: خالف أمري، وما أنزلته على رسلي، أعرض عنه وتناساه، وأخذ من غيره هداه، {فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا} في الدنيا، فلا طمأنينة له ولا انشراح لصدره، بل صدره ضيق حرج لضلاله، وإن نعم ظاهره، ولبس ما شاء، وأكل ما شاء، وسكن حيث شاء.
فمن قرت عينه بالله قرت به كل عين، ومن لم تقر عينه بالله، تقطعت نفسه على الدنيا حسرات، والله تعالى إنما جعل الحياة الطيبة لمن آمن به وعمل صالحاً. كما قال تعالى: \" مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ\" . سورة النحل:97.
قال شيخ الإسلام ابن تيميةـ رحمه الله ـ كما في \"مجموع الفتاوى\" (8/206):إن سعادة النفس أن تحيا الحياة النافعة فتعبد الله، ومتى لم تحيَ هذه الحياة كانت ميتة، وكان مالها من الحياة الطبيعية موجباً لعذابها، فلا هي حية متنعمة بالحياة، ولا ميتة مستريحة من العذاب.
ويتأكد هذا أيضاً في قوله تعالى: \" قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ{1} الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ{2} وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ{3} وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ{4} وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ{5} إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ{6} فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ{7} وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ{8} وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ{9} أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ{10} الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ\" . سورة المؤمنون:1-11.
ولا يظن ظان أن الرزق ينحسر في المال فقط، بل أن سعة وانشراح الصدر رزق، وراحة البال رزق، واطمئنان القلب رزق، فمن يتقِ الله فهو من أهل الفلاح الذين يسعدوا في الدنيا وفي الآخرة.
عَنْ أَنَسٍ ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بِهِنَّ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ : أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا ، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إِلاَّ ِللهِ ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْقَذَهُ اللَّهُ مِنْهُ ، كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُوقَدَ لَهُ نَارٌ فَيُقْذَفَ فِيهَا. أخرجه أحمد 3/103(12025) . والبُخَارِي 1/10(16) و\"مسلم\" 1/48(74) .
نقل الحافظ في \"الفتح\" (1/78) عن البيضاوي ـ رحمه الله ـ أنه قال: إن المرء إذا تأمل أن المنعم هو الله تعالى، وأنه لا مانح ولا مانع في الحقيقة سواه، وأن ما عداه وسائط، وأن الرسول هو الذي بين له مراد ربه، اقتضى ذلك أن يتوجه بكليته نحوه، فلا يحب إلا ما يحب، ولا يحب من يحب إلا من أجله سبحانه، وأن يتيقَّن أن جملة ما وعد وأوعد حقاً يقيناً، ويخيل إليه الموعود كالواقع، فيحسب أن مجالس الذِّكْر رياض الجنة، وأن العود في الكفر إلقاءً في النار.أهـ
يقول ابن القيم في \"مدارج السالكين\" (1/411) \"فأطيب ما في الدنيا معرفته ومحبته، وألذ ما في الجنة رؤيته ومشاهدته، فمحبته ومعرفته قرَّة العيون، ولذة الأرواح، وبهجة القلوب، ونعيم الدنيا وسرورها، بل لذات الدنيا القاطعة عن ذلك تنقلب آلاماً وعذاباً، ويبقى صاحبها في المعيشة الضنك، فليست الحياة الطيبة إلا لله\".
عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:ذَاقَ طَعْمَ الإِيمَانِ مَنْ رَضِىَ بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالإِسْلاَمِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولاً. أخرجه أحمد 1/208(1778) و\"مسلم\" 1/46(60) .
يقول الدكتور أنس أحمد كرزون: فمن اجتهد في تزكية نفسه وترقيتها، حتى يبلغ درجة الإحسان، فقد فاز بسعادة الدنيا وسعادة الآخرة، وتلك هي السعادة الحقة التي تختلف اختلافاً كبيراً عن السعادة المتوهمة، التي يسعى إليها أهل الدنيا، يشقون ليحظوا بها، فلا ينالون إلا مزيداً من الشقاء والتعاسة. انظر : منهج الإسلام في تزكية النفس: 2/754.
قال الحسن البصري ـ رحمه الله ـ: تفقدوا الحلاوة في ثلاثة أشياء: في الصلاة، وفي الذِّكْر، وقراءة القرآن فإن وجدتم وإلا فاعلموا أن الباب مغلق.
وقال مالك بن دينار ـ رحمه الله ـ ما تلذذ المتلذذون بمثل ذكر الله تعالى.
وقال بعضهم: ما بقي من لذات الدنيا إلا ثلاث: قيام الليل، ولقاء الإخوان، وصلاة الجماعة.
وقال بعضهم: عالجت قيام الليل سنة وتمتعت به عشرين سنة.
وقال بعض العارفين: مساكين أهل الدنيا، خرجوا منها وما ذاقوا أطيب ما فيها، قيل: وما أطيب ما فيها؟ قال: محبة الله، ومعرفته، وذكره.
وقال آخر: أنه لتمر بي أوقات أقول: إن كان أهل الجنة في مثل هذا إنهم لفي عيش طيب.
ويقول ابن القيم كما في: ( الوابل الصيب\" صـ69 : 71): وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية – قدَّس الله روحه- يقول: إن في الدنيا جنةً، مَن لم يدخلها لا يدخل جنة الآخرة. وقال لي مرة: ما يصنع أعدائي بي؟ إن جنتي وبستاني في صدري أينما رحت، فهي معي لا تفارقني، إن حبسي خلوة، وقتلي شهادة، وإخراجي من بلدي سياحة. وكان يقول: المحبوس مَن حُبِس قلبه عن ربه تعـالى، والمأسور من أسره هواه، ولما دخل القلعة وصار داخـل سورهـا نظر إليه وقال: \" فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ\" . سورة الحديد: 13. يقول ابن القيم: والله ما رأيت أحداً أطيب عيشاً منه قط، مع ما كان فيه من ضيق العيش، والحبس، والتهديد، والإرهاق، وهو مع ذلك من أطيب الناس عيشاً، وأشرحهم صدراً، وأقواهم قلباً، وأسرَّهُم نفساَ، تلوح نضرة النعيم على وجهه، وكنا إذا اشتد بنا الخوف، وساءت منا الظنون، وضاقت بنا الأرض أتيناه، فما هو إلا أن نراه، ونسمع كلامه، فيذهب ذلك كله، وينقلب انشراحاً، وقوة، ويقيناً، وطمأنينة، فسبحان من أشهد عباده جنته قبل لقائه، وفتح لهم أبوابها في دار العمل، فآتاهم من روحها، ونسيمها، وطيبها ما استفرغ قواهم لطلبها والمسابقة إليها.
ويقول إبراهيم بن بشار - رحمه الله-: خرجت أنا وإبراهيم بن أدهم، وأبو يوسف الفولي، وأبو عبد الله السنجاري نريد الإسكندرية، فمررنا بنهر يُقال له: نهر الأردن، فقعدنا نستريح وكان مع أبي يوسف كسيرات يابسات، فألقاهم بين أيدينا فأكلنا وحمدنا الله، فقمت أسعى أتناول ماءً لإبراهيم، فبادر إبراهيم فدخل النهر حتى بلغ الماء ركبتيه، فمال بكفيه في الماء فملأها ثم قال: بسم الله وشرب، فقال: الحمد لله، ثم أنه خرج من النهر فمد رجليه وقال: يا أبا يوسف، لو علم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه من النعيم والسرور لجالدونا بالسيوف على ما نحن فيه من لذيذ العيش.فقلت له: يا أبا إسحاق، طلب القوم الراحة والنعيم فأخطأوا الطريق المستقيم. فتبسَّم إبراهيم بن أدهم وكأنه يقر أبا يوسف.
فالذنوب والمعاصي تهلك العبد، وتبعده عن الله، وتجعله شقياً غير سعيد، وللذنوب والمعاصي آثاراً خطيرة تضر بقلب العبد وبدنه، فتجلب له الشقاء والتعاسة.
قال ابن القيم : (الجواب الكافي ص 35 ) : وللمعاصي من الآثار المضرَّة بالقلب والبدن في الدنيا والآخرة ما لا يعلمه إلا الله، فمنها : أنها مدد من الإنسان يمد به عدوه عليه، وجيش يقويه به على حربه. ومن عقوبات المعاصي أنها تخون العبد في وقت أحوج ما يكون إلى معرفة ما ينفعه وما يضره. ومنها أنها تجرئ العبد على مَن لم يكن يجترئ عليه. ومنها الطبع على القلب إذا تكاثرت؛ حتى يصير صاحب الذنب من الغافلين,ومن عقوبات المعاصي: إفساد العقل، فإن العقل نور، والمعصية تطفئ نور العقل. ومنها أن العبد لا يزال يرتكب الذنوب حتى تهون عليه، وتصغُر في قلبه. ومنها أن ينسلخ من القلب استقباح الذنوب، فتصير له عادة. ومنها أن المعاصي: تزرع أمثالها، ويولد بعضها بعضاً. ومن عقوبات المعاصي: ظلمة يجدها في قلبه، يحسُّ بها كما يحسّ بظلمة الليل. ومنها أن المعاصي توهن القلب والبدن، أما وهنها للقلب فأمر ظاهر، بل لا تزال توهنه حتى تزيل حياته بالكلية، وأما وهنها للبدن، فإن المؤمن قوته في قلبه، وكلما قوي قلبه قوي بدنه.ومنها تعسير أموره، فلا يتوجه لأمر إلا يجده مغلقاً دونه أو متعسراً عليه. ومنها الوحشة التي تحصل بينه وبين الناس، ولاسيما أهل الخير. ومنها ذهاب الحياء الذي هو مادة حياة القلب.ومنها أنها تخرج العبد من دائرة الإحسان، وتمنعه ثواب المحسنين. ومنها أنها تضعف سير القلب إلى الله والدار الآخرة. ومنها أنها تصرف القلب عن صحته واستقامته. ومنها أنها تعمي بصيرة القلب وتطمس نوره، وتسد طرق العلم.ومنها أنها تصغر النفس، وتحقِّرها وتقمعها. ومنها أنها توجب القطيعة بين العبد وبين ربه.ومنها أنها تسلب صاحبها أسماء المدح والشرف. ومنها أنها تحرم العبد الرزق، كما ورد في الحديث الذي رواه ثوبان مرفوعاً: قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:لاَ يَزِيدُ فِي الْعُمُرِ إِلاَّ الْبِرُّ ، وَلاَ يَرُدُّ الْقَدَرَ إِلاَّ الدُّعَاءُ ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيُحْرَمُ الرِّزْقَ بِالذَّنْبِ يُصِيبُهُ.أخرجه أحمد 5/277(22745).
قال القرني : إذا عرفت الله وسبَّحْته وعبدْتَهُ وتألَّهْتهُ وأنت في كوخٍ ، وجدت الخَيْرَ والسعادةَ والراحة والهدوء .ولكنْ عند الانحرافِ ، فلوْ سكنت أرقى القصورِ ، وأوسع الدورِ ، وعندك كلُّ ما تشتهي، فاعلمْ أنَّها نهايتُك المُرَّةُ ، وتعاستُك المحققةُ ؛ لأنك ما ملكت إلى الآنِ مفتاح السعادةِ.لا تحزن ص 273.

2ـ كثرة الذكر والدعاء لله تعالى :

ترك ذكر الله تعالى يصيب القلب بالقسوة والجفاء ، وقاسي القلب مستحق لوعيد الله تعالى، قال سبحانه : \" وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ\" . سورة الزخرف:36.
عَنْ أَبِي مُوسَى ، قال : قال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ ، وَالَّذِي لاَ يَذْكُرُ رَبَّهُ ، مَثَلُ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ.رواية مسلم : مَثَلُ الْبَيْتِ الَّذِي يُذْكَرُ الله فِيهِ ، وَالْبَيْتِ الَّذِي لاَ يُذْكَرُ الله فيه ، مَثَلُ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ.أخرجه البخاري 8/107 ومسلم 2/188 .
وانظر لمَن يُكثِر من ذكر الرحمن، تجده دائماً في راحة واطمئنان، كما قال تعالى: \" الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ\" . سورة الرعد:28 .
وإذا اطمئن القلب انشرح الصدر، وارتاح البال وأنس بالله، وسعد في الدنيا والآخرة، وهذا هو عين الفلاح، الذي أرشدنا تعالى إلى تحصيله؛ وذلك بكثرة ذكره، فقال تعالى: \" َاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ\" . سورة الأنفال: 45.
وقـد ذكر ابن القيم في كتـابه : الوابل الصيب من الكلم الطـيب ( 61 ) : أكثر من مائة فائدة لذكر الله منها: أن الذِّكْر يرضي الله عزوجل . أن الذِّكْر يطرد الشيطان. أنه يزيل الهم والغم عن القلب. أنه يجلب للقلب الفرح، والسرور، والسعادة. أنه يقوي القلب، والبدن. أنه ينوِّر الوجه والقلب. أنه يجلب الرزق. أنه يكسو الذاكر المهابة والنضرة. أنه يورث المحبة. أنه يورث المراقبة، والإنابة، والقرب إلى الله . أنه يورث الهيبة لربه عز وجل. أنه يورث حياة القلب. أنه قوت القلوب والروح. أنه يحط عنه الخطايا ويذهبها. أنه يزيل الوحشة بينه وبين ربه. أن العبد إذا ذكر ربه في الرخاء عرفه الله تعالى في الشدة. أنه منجاة من العذاب. أنه سبب لنزول السكينة. أنه سبب لاشتغال اللسان عن الغيبة، والنميمة، والكذب، والفحش. أن الذاكر تجالسه الملائكة في المجلس الذي يذكر فيه ربه. الذِّكْر يسعد الذاكر، ويسعد به جليسه. أنه يؤمن العبد من الحسرة يوم القيامة. أن الذِّكْر مع البكاء في الخلوة سبب لإظلال الله تعالى للعبد يوم القيامة في ظل العرش. أن الذِّكْر سبب لإعطاء الذاكر أفضل ما يعطي السائلين. أنه أيسر العبادات، وهو من أجلها وأفضلها. أن الذِّكْر غراس الجنة. أن الذِّكْر ينبه القلب من نومه ويوقظه. أن الذِّكْر شجرة تثمر المعارف والأحوال التي شمَّرَ إليها السالكون. أن الذاكر قريب من مذكوره، ومذكوره معه، وهذه المعيِّة تثمر القرب والولاية، والمحبة، والنصرة، والتوفيق. أن الذِّكْر يعدل عتق الرقاب، ونفقة الأموال، والحمل على الخيل في سبيل الله عز وجل ، والضرب بالسيف في سبيل الله عز وجل. أن الذِّكْر رأس الشكر. أن أكرم الخلق على الله تعالى من المتقين مَن لا يزال لسانه رطباً بذكره. أن الذِّكْر يذيب قسوة القلب. أن الذِّكْر شفاء القلب ودواؤه. الذِّكْر يجلب النعم، ويدفع النقم. الذِّكْر يوجب صلاة الله عز وجل وملائكته على الذاكر. أن مَن شاء أن يسكن رياض الجنة في الدنيا، فليستوطن مجالس الذِّكْر، فإنها رياض الجنة. أن الله عز وجل يباهي بالذاكر ملائكته. ذكر الله عز وجل يُسهِّل الصعب، وييسِّر العسير، ويخفِّف المشاق. ذكر الله عز وجل يذهب مخاوف القلب. أن الملائكة تستغفر للذاكر. كثرة الذِّكْر أمان من النفاق. الذِّكْر حرز للذاكر من الشيطان.
كما أن صدق اللجوء إلى الله تعالى بالدعاء سبب للسعادة وانشراح الصدر , قال سبحانه : \" رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي . وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي\". سورة طه: 25-26.
قال الشاعر :

إني أويت لكل مأوى في الحياة * * * فما رأيت أعز من مأواكا
وتلمست نفسي السبيل إلى النجاة * * * فلم تجد منجى سوى منجاكا
وبحثت عن سر السعادة جاهداً * * * فوجدت هذا السر في تقواكا
فليرض عني الناس أو فليسخطوا * * * أنا لم أعد أسعى لغير رضاكا
أدعوك يا ربي لتغفر حوبتي * * * وتعينني وتمدني بهداكا
فاقبل دعائي واستجب لرجاوتي * * * ما خاب يوماً من دعا ورجاك


3ـ الرضا بالقضاء والقدر:

الساخط على ما قدَّر الله غير راضٍ بما قسمه الله له أو لغيره، لا تطمئن نفسه ولا يهدأ باله، متوتر دائماً، لا يحس بالراحة والسعادة؛ لأنه لم يشرب قلبه الرضا بقضاء الله، وعلى النقيض تجد المؤمن سعيداً؛ لرضاه بقضاء الله وقدره، الذي يغرز السعادة والراحة، وهدوء البال، وإن كان رزقه كفافاً.
وقد أوجب الله تعالى على عباده الرضا بقضائه سبحانه في السراء والضراء، بل وجعله ركناً من أركان الإيمان، فمتى رضي العبد بقضاء الله تعالى، خالط الإيمان بشاشة القلب، وأصبحت النفس مطمئنة راضية وتحققت له السعادة.
عَنْ أَنَسٍ ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، أَنَّهُ قَالَ:عِظَمُ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلاَءِ ، وَإِنَّ اللهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلاَهُمْ ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا ، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السُّخْطُ.أخرجه ابن ماجة (4031) والتِّرْمِذِيّ\" 2396.
يقول الحربي ـ رحمه الله ـ: مَن لم يؤمن بالقدر لم يتهن بعيش.
يقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: \"إن الله بقسطه وعلمه جعل الرَّوح والفرح في اليقين والرضا، وجعل الهمَّ والحزن في الشك والسخط\".
فالسعيد هو من يرضى بقضاء الله تعالى في السراء والضراء, عَنْ صُهَيْبٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم :عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلاَّ لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ.أخرجه أحمد 4/332(19142) و\"مسلم\" 8/227 (7610).
يقول ابن الجوزي كما في \"صيد الخاطر\" صـ329 : 330: \"رأيت سبب الهموم والغموم الإعراض عن الله U، والإقبال على الدنيا، وكلما فات فيها شيء وقع الغم لفواته، فأما مَن رزق معرفة الله تعالى وأطاعه استراح؛ لأنه يستغني بالرضا بالقضاء، فمهما قدر له رضي، ولم يختلج في قلبه اعتراض؛ لأنه مملوك مدبر، فتكون همَّته في خدمة الخالق، ومن هذه صفته لا يؤثر جمع مال، ولا مخالطة الخلق، ولا الالتذاذ بالشهوات، ولكن يقبل على عبادة وطاعة رب الأرض والسموات.
وها هو عُروة بن الزبير رضي الله عنه: بُتِرَت رجله، ومـات ابنه، وكـان ذلك في يوم واحد، فقال: \"اللهم لك الحمد إن كنت أخذت فقط أعطيت، وإن كنت ابتليت فقد عافيت، منحتني أربعة أعضاء وأخذت عضواً واحداً، ومنحتني أربعة أبناء وأخذت ابناً واحداً.
ودخل أبو الدرداء على رجل يموت وهو يحمد الله : فقال أبو الدرداء: أصبت، إن الله عز وجل إذا قضى أحبَّ أن يُرْضى به.
وها هو عمر بن عبد العزيز يقول: ما بقي لي سرور إلا في مواقع القدر، وقيل له: ما تشتهي؟ فقال: ما يقضي الله عز وجل به.
قال القرضاوي :

إن السعادة أن تعيش * * * لفكرة الحق التليد
لعقيدة كبرى تحل * * * قضية الكون العتيد
هذي العقيدة للسعيد * * * هي الأساس هي العمود
من عاش يحملها ويهتف * * * باسمها فهو السعيد


4ـ القناعة والرضا بما قسم الله تعالى:

القناعة والرضا بما قسم الله تعالى سبب للسعادة والعز في الدنيا والآخرة ,فقد أخرج الطبراني في الأوسط بسند حسن عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: \"يا محمد عِش ما شئت فإنك ميِّت، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعلم أن شرف المؤمن قيام الليل، وعزه استغناؤه عن الناس\" . الألباني في \"السلسلة الصحيحة\" 2 / 505.
وقال بعض السلف: عزَّ مَن قنع، وذل من طمع.فالقانع لا يزال عزيزاً سعيداً؛ لأنه لا يذله ولا يشقيه الطلب.
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:قَدْ أَفْلَحَ مَنْ أَسْلَمَ ، وَرُزِقَ كَفَافًا ، وَقَنَّعَهُ اللَّهُ بِمَا آتَاهُ.أخرجه أحمد 2/168(6572) و\"مسلم\" 3/102(2390) .
عَنْ سَلَمَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ مِحْصَنٍ الأَنْصَارِيِّ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ ، آمِنًا فِي سِرْبِهِ ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا.أخرجه البُخَارِي، في \"الأدب المفرد\"300 و\"ابن ماجة\"4141 و\"التِّرمِذي\" 2346 .
عَنِ الْحَسَنِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:مَنْ يَأْخُذُ مِنْ أُمَّتِي خَمْسَ خِصَالٍ ، فَيَعْمَلُ بِهِنَّ ، أَوْ يُعَلِّمُهُنَّ مَنْ يَعْمَلُ بِهِنَّ ؟ قَالَ : قُلْتُ : أَنَا يَا رَسُولَ اللهِ ، قَالَ : فَأَخَذَ بِيَدِي فَعَدَّهُنَّ فِيهَا ، ثُمَّ قَالَ : اتَّقِ الْمَحَارِمَ تَكُنْ أَعْبَدَ النَّاسِ ، وَارْضَ بِمَا قَسَمَ اللهُ لَكَ تَكُنْ أَغْنَى النَّاسِ ، وَأَحْسِنْ إِلَى جَارِكَ تَكُنْ مُؤْمِنًا ، وَأَحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ تَكُنْ مُسْلِمًا ، وَلاَ تُكْثِرِ الضَّحِكَ ، فَإِنَّ كَثْرَةَ الضَّحِكِ تُمِيتُ الْقَلْبَ.أخرجه أحمد (2/310 ، رقم 8081) ، والترمذي (4/551 ، رقم 2305) ، حديث رقم : 100 في صحيح الجامع.
وصدق القائل حين قال:

النفس تجزع أن تكون فقيرة * * * والـفقر خير مـن غنى يطغيهـا
وغنى النفوس هو الكفاف* * * فإن أبت فجميع مافي الأرض لا يكفيها

وقال آخر :

إنَّ الغنيَّ هو الغنيُّ بنفسهِ *** وَلَو أنّهُ عاري المَناكِبِ، حَافي
ما كلُّ ما فوقَ البسيطة ِ كافياً *** فإذا قَنِعتَ فكُلّ شيءٍ كافِ

وجاء في الحديث الذي أخرجه الترمذي عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: \"مَن كانت الآخرة همه جعل الله غناه في قلبه، وجمع له شمله، وأتته الدنيا وهى راغمة، ومَن كانت الدنيا أكبر همه، جعل الله فقره بين عينيه، وفرَّق شمله، ولم يأته من الدنيا إلا ما قُدِّر له\".صحيح الجامع: 6510.
ومن القناعة والرضا أن تنظر دائماً إلى من هو دونك من أهل الدنيا، ولا تنظر إلى من هو فوقك:إذا نظر الإنسان إلى مَن فُضِّل عليه في المال، والخَلْق، والدنيا، طلبت نفسه مثل ذلك، واستصغر ما عنده من نعمة الله تعالى، وحرص على الازدياد بذلك أو ما يقاربه، وهذا هو الموجود في غالب الناس، وإذا نظر في أمور الدنيا إلى مَن هو دونه، ظهرت له نعمة الله تعالى عليه؛ فشكرها وتواضع وجعل فيه الخير.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:انْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلاَ تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ فَإِنَّهُ أَجْدَرُ أَنْ لاَ تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ.أخرجه أحمد 2/254(7442) و\"مسلم\" 8/213 .
قال الشاعر :

من شاء عيشًا رحيبًا يستطيل به * * في دينه ثمّ في دنياه إقبالا
فلينظرن إلى من فوقه ورعًا ** ولينظرن إلى من دونه مالا

قال الترمذي: ويروى عن عون بن عبد الله بن عتبة قال:\" صحبت الأغنياء فلم أر أحداً أكثر همَّاً منى: أرى دابة خيراً من دابتي، وثوباً خير من ثوبي، وصحبت الفقراء فاسترحت\".
روي أن داود عليه السلام قال: كيف أشكرك يا رب، والشكر نعمة منك! قال: الآن قد عرفتني وشكرتني؛ إذ قد عرفت أن الشكر مني نعمة، قال: يا رب فأرني أَخْفَى نعمك عليّ. قال يا داوود تنفس، فتنفس داود،. فقال الله تعالى: من يحصي هذه النعمة الليل والنهار.
قال القرني : ليسِ السعادةُ قصر عبدِالملك بنِ مروان ، ولا جيوش هارونِ الرشيدِ ولا دُور ابنِ الجصَّاصِ ، ولا كنوز قارون ، ولا في كتابِ الشفاءِ لابنِ سينا ، ولا في ديوانِ المتنبي ، ولا في حدائقِ قرطبة ، أو بساتينِ الزهراءِ .السعادةُ عند الصحابِة مع قلَّةِ ذاتِ اليدِ ، وشظفِ المعيشةِ ، وزهادهِ المواردِ ، وشُحِّ النَّفقةِ .السعادةُ عند ابنِ المسيبِ في تألُّهِه ، وعند البخاري في صحيحِهِ ، وعند الحسنِ البصريِّ في صِدْقِهِ ، ومع الشافعيِّ في استنباطاتِه ، ومالكٍ في مُراقبتِه ، وأحمد في ورعِهِ ، وثابتٍ البنانيِّ في عبادتهِ ? ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَطَؤُونَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ ? . انظر : لا تحزن ص 229.

5- محبة الخير للناس وترك الحسد لهم:

محبة الخير للناس والسعي في قضاء حوائجهم ومصالحهم مما يجلب السعادة للمرء, عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:مَنْ نَفَّسَ عَنْ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا ، نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الآخِرَةِ ، وَمَنْ سَتَرَ عَلَى أَخِيهِ ، سَتَرَ اللهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ، وَاللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ. أخرجه أبو داود (4946) و\"التِّرمِذي\" 1425.
وأما الذي يحسد الناس على ما آتاهم الله من فضله، تجده في هم وغم وشقاء دائم؛ لأنه يري دائماً مَن فُضِّل عليه في المال أو الخلق، ويتمنى أن تزول هذه النعم وتنتقل إليه، وهو بهذا يعترض على حكم الله وقضائه، ويظن أن الذي خلق فسوَّى لم يحسن القسمة بين الناس.
وفي هذا المعنى يقول منصور الفقيه:

ألا قل لمَن كان لي حاسداً * * * أتدرى على من أسأت الأدب
أسأت على الله في حكمه * * * لأنك لم ترضَ لي ماوهب
فجازاك عنِّي بأنه زادني * * * وسدَّ عليك وجـوه الطلب

فقال بعضهم: الحاسد جاحد؛ لأنه لا يرضى بقضاء الواحد,وليعلم كل من يحسد أنه يضر بدينه ودنياه ؛ أما الضرر في الدين: فإنه يتسخَّط على قضاء الله وقدره، فهو بذلك يشارك إبليس في حسده، وأنه يكره النعمة التي أنعم الله تعالى بها على عباده المؤمنين، وأنه ترك العمل بقول النبي صلى الله عليه وسلم:\"لا يؤمن أحدُكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه . رواه البخاري ومسلم.
أما الضرر في الدنيا: لما يحدث له من ضيق في الصدر، حسرة في القلب، هم وغم، قلق واضطراب، يستولي عليه الفكر الدائم؛ فيفقد راحة البال، وهذا كله يضر بجسده فيذبل، هذا بجانب أنه ينشغل عن مصلحة نفسه بتتبُّع أخبار الناس والانشغال لهم.

6ـ حضُور مجالس العلم ومجالسة الصالحين:

قال تعالى : \" يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (11) سورة المجادلة .فأهل العلم هم أهل الرفعة والشأن في الدنيا والاخرة يسعد المرء بمجالستهم , ويأنس بذكرهم ,
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ:
إن ِللهِ ، عَزَّ وَجَلَّ ، مَلاَئِكَةً سَيَّارَةً فُضُلاً يَبْتَغُونَ مَجَالِسَ الذِّكْرِ ، فَإِذَا وَجَدُوا مَجْلِسًا فِيهِ ذِكْرٌ قَعَدُوا مَعَهُمْ ، فَحَضَنَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِأَجْنِحَتِهِمْ حَتَّى يَمْلَئُوا مَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ سَمَاءِ الدُّنْيَا ، فَإِذَا تَفَرَّقُوا عَرَجُوا ، أَوْ صَعِدُوا إِلَى السَّمَاءِ ، قَالَ : فَيَسْأَلُهُمُ اللهُ ، عَزَّ وَجَلَّ ، وَهُوَ أَعْلَمُ ، مِنْ أَيْنَ جِئْتُمْ ؟ فَيَقُولُونَ : جِئْنَاكَ مِنْ عِنْدِ عِبَادٍ لَكَ فِي الأَرْضِ يُسَبِّحُونَكَ وَيُكَبِّرُونَكَ وَيَحْمَدُونَكَ وَيُهَلِّلُونَكَ وَيَسْأَلُونَكَ ، قَالَ : وَمَاذَا يَسْأَلُونِي ؟ قَالُوا : يَسْأَلُونَكَ جَنَّتَكَ ، قَالَ : وَهَل رَأَوْا جَنَّتِي ؟ قَالُوا : لاَ ، أَيْ رَبِّ ، قَالَ : فَكَيْفَ لَوْ قَدْ رَأَوْا جَنَّتِي ؟ قَالُوا : وَيَسْتَجِيرُونَكَ ، قَالَ : وَمِمَّ يَسْتَجِيرُونِي ؟ قَالُوا : مِنْ نَارِكَ يَا رَبِّ ، قَالَ : وَهَلْ رَأَوْا نَارِي ؟ قَالُوا : لاَ ، قَالَ : وَيَسْتَغْفِرُونَكَ ؟ قَالَ : فَيَقُولُ : قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ وَأَعْطَيْتُهُمْ مَا سَأَلُوا وَأَجَرْتُهُمْ مِمَّا اسْتَجَارُوا ، قَالَ : فَيَقُولُونَ : رَبِّ فِيهِم فُلاَنٌ عَبْدٌ خَطَّاءٌ ، إِنَّمَا مَرَّ فَجَلَسَ مَعَهُمْ ، قَالَ : فَيَقُولُ : قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ ، هُمُ الْقَوْمُ لاَ يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ. أخرجه أحمد 2/252(7420) و\"البُخاري\" 6408.
ـ وقد سمَّى النبي صلى الله عليه وسلم مجالس الذِّكْر (أي: مجالس العِلْم) رياض الجنة,فـقد أخرج الترمذي بسند حسن حسنه الألبـاني كمـا في \"صحيح الترمذي\" (2787) عن أنس t عن النبي r قال: \"إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا، فقيل: وما رياض الجنة؟ قال: حِلق الذِّكْر\".
قال الإمام الماوردي: العلم هو عوض من كل لذةٍ، ومغنٍ عن كل شهوة.
قال الشاعر :

العلم أشرف مطلوب وطالبُه * * * لله أكرم من يمشي على قدم
العلم نور مبين يستضيء به * * * أهل السعادة والجهال في الظلم
العلم أعلى حياة للعباد ، كما * * * أهل الجهالة أموات بجهلهم

وقد أورد الإمام ابن القيم ـ رحمه الله ـ قصة في هذا المجال عن شيخه الإمام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ فقال: حدثني شيخنا قال: ابتدأني مرضٌ، فقال لي الطبيب: إن مطالعتك كلامك في العلم يزيد المرض، فقلت له: لا أصبر على ذلك، وأنا أحاكمك إلى علمك، أليس النفس إذا فرحت وسرت قويت الطبيعة؛ فدفعت المرض؟ فقال: بلى، فقلت له: فإن نفسي تسر بالعلم، فتقوى به الطبيعة فأجد به راحة، فقال: هذا خارج عن علاجنا.

7- متع حياتية تجلب السعادة :

فالمرأة الصالحة، والبيت الواسع، والمركب الهنيء والجار الصالح , وهذا كله رزق يسوقه الله لمَن أراد به الخير، والإنسان منا يسعى لتحصليها ليفوز بالسعادة ,فقد جاء في الحديث الذي أخرجه الحاكم عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: \"ثلاث من السعادة، وثلاث من الشقاوة، فمن السعادة: المرأة تراها تعجبك، وتغيب فتأمنها على نفسها ومالك، والدابة تكون وطيئة فتلحقك بأصحابك، والدار تكون واسعة كثيرة المرافق، ومن الشقاوة: المرأة تراها فتسوءك، وتحمل لسانها عليك، وإن غبت عنها لم تأمنها على نفسها ومالك، والدابة تكون قطوفاً، فإن ضربتها أتعبتك، وإن تركبها لم تلحقك بأصحابك، والدار تكون ضيقة قليلة المرافق\" . صحيح الجامع: 3056.
وفي رواية أخرى عند الإمام أحمد: \"أربع من السعادة: المرأة الصالحة، والمسكن الواسع، والجار الصالح، والمركب الهنيء، وأربع من الشقاوة: الجار السوء، والمرأة السوء، والمسكن الضيق والمركب السوء\".
وعنْ أَنَسٍ ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:حُبِّبَ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا : النِّسَاءُ ، وَالطِّيبُ ، وَجُعِلَ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلاَةِ.أخرجه أحمد 3/128(12318).
قال القرني : في كتابه القيم : ( لا تحزن ص 222 ) : إذنْ السعادةُ ليستْ في الزمانِ ولا في المكانِ ، ولكنَّها في الإيمانِ ، وفي طاعةِ الدَيَّانِ ، وفي القلبِ . والقلبُ محلُّ نظرِ الرَّبَّ ، فإذا استقرَّ اليقينُ فيه ، انبعثتِ السعادةُ ، فأضفتْ على الروح وعلى النفس انشراحا وارتياحاً ، ثمَّ فاضتْ على الآخرين ، فصارتْ على الظِّرابِ وبطونِ الأودية ومنابتِ الشجرِ .
رزقنا الله وإياكم السعادة في الدنيا والآخرة , وجعلنا ممن يقول فيعمل , ويعمل فيخلص , ويخلص فيقبل , ويقبل فيفوز فوزاً عظيما .


 

د. بدر هميسه
  • مقالات ورسائل
  • الكتب
  • وصية الأسبوع
  • سلسلة أحاديث وفوائد
  • واحة الأدب
  • الصفحة الرئيسية