اطبع هذه الصفحة


أحاديث وفوائد (5)
فوائد من حديث \" كل أمتي معافى إلا المجاهرين\"

د. بدر عبد الحميد هميسه

 
عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : \" كُلُّ أَمَّتِى مُعَافًى إِلاَّ الْمُجَاهِرِينَ ، وَإِنَّ مِنَ الْمَجَانَةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلاً ، ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللَّهُ ، فَيَقُولَ يَا فُلاَنُ عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا ، وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللهِ عَنْهُ \" .
أخرجه البخاري 8/24(6069) و\"مسلم\" 8/224 .

1- بشارة المعافاة لهذه الأمة :

في هذا الحديث الشريف بشرى طيبة لأمة محمد صلى الله عليه وسلم , بأنها أمة المعافاة في الدنيا والآخرة . فالمعافاة في الدنيا بأن الله لن يهلكها بسنة عام كما خسف بالأمم السابقة , فقد ابتلى الله الأمم الغابرة بأصناف العذاب البالغة، وهذا العذاب على ضربين:أولهما: عذاب الاسئئصال، وهو الذي يودي بجميع الأمة فلا يبقي منها ولا يذر، كما حصل مع قوم نوح عاد وثمود. والثاني: هو ذلكم العذاب الشديد الذي يصيب الأمة ويزلزلها كالطواعين والطوفان والكوارث من خسف ومسخ، وقد عذب الله به فرعون وبني إسرائيل، وهذا النوع من العذاب لا يؤدي إلى فناء الأمة المعذبة برمتها.قال تعالى \" فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (40) سورة العنكبوت .
وعَنْ ثَوْبَانَ ، مَوْلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:إِنَّ اللهَ زَوَى لِيَ الأَرْضَ ، فَرَأَيْت مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا ، فَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا , وَأُعْطِيتُ الْكَنْزَيْنِ : الأَحْمَرَ وَالأَبْيَضَ.وَإِنِّي سَأَلْت رَبِّي لاُِمَّتِي أَنْ لاَ يُهْلِكَهَا بِسَنَةٍ عَامَّةٍ , وَأَنْ لاَ يُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ , فَيَسْتَبِيحَ بَيْضَتَهُمْ ، فَإِنَّ رَبِّي قَالَ : يَا مُحَمَّدُ , إِنِّي إِذَا قَضَيْت قَضَاءً ، فَإِنَّهُ لاَ يُرَدُّ , وَإِنِّي أُعْطِيكَ لاُِمَّتِكَ أَنْ لاَ أُهْلِكَهُمْ بِسَنَةٍ عَامَّةٍ , وَأَنْ لاَ أُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ ، فَيَسْتَبِيحَ بَيْضَتَهُمْ , وَلَوِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ، أَوَ قَالَ : مِنْ بَيْنِ أَقْطَارِهَا ، حَتَّى يَكُونَ بَعْضُهُمْ يُهْلِكُ بَعْضًا ، وَيَسْبِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا.
أخرجه أحمد 5/278(22752) و\"مسلم\" 8/171 و\"أبو داود\" 4252.
وأما المعافاة في الآخرة بعدم الخلود في النار , عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:أَخْرِجُوا مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ : لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِنَ الْخَيْرِ مَا يَزِنُ شَعِيرَةً ، أَخْرِجُوا مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ : لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِنَ الْخَيْرِ مَا يَزِنُ ذَرَّةً ، أَخْرِجُوا مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ : لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِنَ الْخَيْرِ مَا يَزِنُ بُرَّةً.
- وفي رواية : عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، أَنَّهُ قَالَ : يَقُولُ اللَّهُ ، عَزَّ وَجَلَّ : أَخْرِجُوا مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ : لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، فِي قَلْبِهِ مِنَ الْخَيْرِ مَا يَزِنُ ذَرَّةً ، أَخْرِجُوا مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ : لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، فِي قَلْبِهِ مِنَ الْخَيْرِ مَا يَزِنُ شَعِيرَةً ، أَخْرِجُوا مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ : لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، فِي قَلْبِهِ مِنَ الْخَيْرِ مَا يَزِنُ دُودَةً. أخرجه أحمد 3/116(12177 و\"البُخَارِي\" 1/17(44) و\"مسلم\" 1/125(397) و\"ابن ماجة\" 4312 والتِّرْمِذِيّ\" 2593 و\"النَّسائي\"، في \"الكبرى\" 11179 .
في صحيح مسلم، عن أبي بُردَةَ عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: \"يجيء يوم القيامة ناس من المسلمين بذنوب أمثال الجبال، فيغفرها الله لهم، ويضَعُها على اليهود والنصارى\" .
وفي لفظ له: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: \"إذا كان يوم القيامة دَفَعَ الله لكل مسلم يهوديًّا أو نصرانيًّا، فيقال : هذا فَكَاكُكَ من النار. صحيح مسلم برقم (2767).

2- التحذير من المجاهرة بالمعاصي :

فالنفس متى ألفت ظهور المعاصي زاد انهماكها فيها ولم تبالي باجتنابها، لذا حذر الشرع المطهر من مجاهرة الله بالمعصية وبين الله تعالى أن ذلك من أسباب العقوبة والعذاب فمن النصوص الدالة على ذلك قوله تبارك وتعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ) النور:19. هذا الذم والوعيد فيمن يحب إشاعة الفواحش فما بالك بمن يشيعها ويعلنها.
إذَا رُزِقَ الْفَتَى وَجْهًا وَقَاحًا *** تَقَلَّبَ فِي الأمور كَمَا يَشَاءُ
وقوله تبارك وتعالى: \" ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ \"الروم: 41, قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسير الآية: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ) بأن النقص في الزروع والثمار بسبب المعاصي وقال أبو العالية: ( من عصى الله في الأرض فقد أفسد في الأرض لأن صلاح الأرض والسماء بالطاعة ) تفسير ابن كثير:3/576.
و في الحديث عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الناس إذا رأوا المنكر لا يغيرونه أوشك الله أن يعمهم بعقابه .رواه الترمذي:5/256.
إن المجاهرة بالمعصية والتبجُّحَ بها بل والمفاخرة قد صارت سمةً من سمات بعض الناس في هذا الزمن، يفاخرون بالمعاصي، و تباهون بها، وينبغي على الإنسان أن يتوبَ ويستتر، ولكن هؤلاء يجاهرون.
قال النووي رحمه الله: \"يكره لمن ابتُلي بمعصية أن يُخبر غيره بها\"، يعني: ولو شخصًا واحدًا، بل يُقلع عنها ويندَم ويعزم أن لا يعود، فإن أخبر بها شيخَه الذي يعلّمه أو الذي يفتيه أو نحوَه من صديق عاقلٍ صاحب دين مثلاً، يرجو بإخباره أن يعلّمه مخرجًا منها، أو ما يَسْلَمُ به من الوقوع في مثلها، أو يعرّفه السببَ الذي أوقعه فيها، فهو حسن، وإنما يحرُم الإجهار حيثُ لا مصلحة؟ لأن المفسدةَ حينئذ ستكون واقعة، فالكشفُ المذموم هو الذي يقع على وجه المجاهرة والاستهزاء، لا على وجه السؤال والاستفتاء، بدليل خبر من واقَعَ امرأته في رمضان، فجاء فأخبر النبي لكي يعلّمه المخرج، ولم ينكر عليه النبي في إخباره.
والمجاهرة بالمعاصي دليل على نزع الحياء من المرء الذي هو لب الدين وخلقه , عَنْ أَنَسٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:إِنَّ لِكُلِّ دِينٍ خُلُقًا ، وَخُلُقُ الإِسْلاَمِ الْحَيَاءُ.أخرجه ابن ماجة (4181) .
وعَنْ أَنَسٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:مَا كَانَ الْفُحْشُ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلاَّ شَانَهُ ، وَلاَ كَانَ الْحَيَاءُ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلاَّ زَانَهُ.أخرجه أحمد 3/165(12719والبُخَارِي ، في (الأدب المفرد) .601 .
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ عَبْدًا نَزَعَ مِنْهُ الْحَيَاءَ فَإِذَا نَزَعَ مِنْهُ الْحَيَاءَ لَمْ تَلْقَهُ إِلاَّ مَقِيتًا مُمَقَّتًا فَإِذَا لَمْ تَلْقَهُ إِلاَّ مَقِيتًا مُمَقَّتًا نُزِعَتْ مِنْهُ الأَمَانَةُ فَإِذَا نُزِعَتْ مِنْهُ الأَمَانَةُ لَمْ تَلْقَهُ إِلاَّ خَائِنًا مُخَوَّنًا فَإِذَا لَمْ تَلْقَهُ إِلاَّ خَائِنًا مُخَوَّنًا نُزِعَتْ مِنْهُ الرَّحْمَةُ فَإِذَا نُزِعَتْ مِنْهُ الرَّحْمَةُ لَمْ تَلْقَهُ إِلاَّ رَجِيمًا مُلَعَّنًا فَإِذَا لَمْ تَلْقَهُ إِلاَّ رَجِيمًا مُلَعَّنًا نُزِعَتْ مِنْهُ رِبْقَةُ الإِسْلاَمِ.أَخْرَجَهُ ابن ماجة (4054).
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:اسْتَحْيُوا مِنَ اللهِ حَقَّ الْحَيَاءِ ، قَالَ : قُلْنَا : يَا رَسُولَ اللهِ ، إِنَّا نَسْتَحْيِي وَالْحَمْدُ ِللهِ ، قَالَ : لَيْسَ ذَاكَ ، وَلكِنَّ الاِسْتِحْيَاءَ مِنَ اللهِ حَقَّ الْحَيَاءِ : أَنْ تَحْفَظَ الرَّاْسَ وَمَا وَعَى ، وَالْبَطْنَ وَمَا حَوَى ، وَلْتَذْكُرِ الْمَوْتَ وَالْبِلَى ، وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا ، فَمَنْ فَعَلَ ذلِكَ ، فَقَدِ اسْتَحْيَا مِنَ اللهِ حَقَّ الْحَيَاءِ.أخرجه أحمد 1/387(3671).
يقول الشاعر :

إذَا لَمْ تَخْشَ عَاقِبَةَ اللَّيَالِي * وَلَمْ تَسْتَحِ فَاصْنَعْ مَا تَشَاءُ
فَلاَ وَاَللَّهِ مَا فِي الْعَيْشِ خَيْرٌ * وَلاَ الدُّنْيَا إذَا ذَهَبَ الْحَيَاءُ
يَعِيشُ الْمَرْءُ مَا اسْتَحْيَا بِخَيْرٍ * وَيَبْقَى الْعُودُ مَا بَقِيَ اللِّحَاءُ

قال أبو حاتم البستي : \" الحياء أسم يشتمل على مجانبة المكروه من الخصال والحياء حيا آن أحدهما استحياء العبد من الله جل وعلا عند الإهتمام بمباشرة ما خطر عليه والثاني استحياء من المخلوقين عند الدخول فيما يكرهون من القول والفعل. قال ابن حبان : الواجب على العاقل لزوم الحياء ؛ لأنه أصل العقل ، وبذر الخير ، وتركه أصل الجهل ، وبذر الشر . والحياء يدل على العقل كما أن عدمه دال على الجهل. وقال في روضة العقلاء : الحياء من الإيمان ، والمؤمن في الجنة ، والبذاء من الجفاء ، والجافي في النار ، إلا أن يتفضل الله عليه برحمته فيخلصه منه .

إذا قل ماءُ الوجه قلّ حياؤه * * * ولا خير في وجه إذا قل ماؤه
حياءك فاحفظه عليك فإنما * * * يدل على وجه الكريم حياؤه

خلا رجل بامرأة فأرادها على الفاحشة، فقال لها: ما يرانا إلا الكواكب. قالت: فأين مكوكبها؟(تعني أين خالقها)
ولله در القائل:

وإذا خـلـوت بــريبــة فـي ظلمـــة * * * والنفس داعية إلى الطغيان
فاستحيي من نظر الإله وقل لها * * * إن الذي خلق الظلام يـراني

قال بعض السلف: من عمل في السر عملاً يستحيي منه في العلانية فليس لنفسه عنده قدر.
إن الحياء تمام الكرم، وموطن الرضا، وممهِّد الثناء، وموفِّر العقل، ومعظم القدر.

إني لأستر ما ذو العقــل ساتــــره.. ... ..من حاجةٍ وأُميتُ السر كتمانًا
وحاجة دون أخرى قد سمحتُ بها.. ... ..جعلتها للتي أخفيتُ عنــــوانًا
إني كأنــــي أرى مَن لا حيــــاء له.. ... ..ولا أمانة وسط القـــوم عريانًا

دخل رجل على أحمد بن حنبل وأنشده :

إذا قال لى ربى * * * أما استحييت تعصيني
وتخفى الذنب عن خلقي * * * وبالعصيان تأتيني
فما قولي له لما * * * يعاتبني ويقصيني

فكررها احمد بن حنبل وهو يبكى.
فنزع الحياء يجعل المرء يألف المعصية ويستمرأها فتخرج المرأة متعطرة متبرجة , ويشرب الناس المنكرات علانية كما نراهم يدخنون في الأماكن والطرقات , وكذا يستمعون إلى الأغاني الصاخبة ويسمعونها غيرهم .

3- اللهم استرنا بسترك الجميل:

الله تعالى يستر على عبده ما لم يفضح العبد نفسه , والغفار من أسماء الله الحسنى هي ستره للذنوب ، وعفوه عنها بفضله ورحمته ،والله لا يفضح عبده إلا إذا انتهك حماه , ولم يخش عقابه . عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ الْمَازِنِىِّ قَالَ بَيْنَمَا أَنَا أَمْشِى مَعَ ابْنِ عُمَرَ رضى الله عنهما آخِذٌ بِيَدِهِ إِذْ عَرَضَ رَجُلٌ ، فَقَالَ كَيْفَ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِى النَّجْوَى فَقَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:إِنَّ اللَّهَ يُدْنِى الْمُؤْمِنَ فَيَضَعُ عَلَيْهِ كَنَفَهُ وَيَسْتُرُهُ فَيَقُولُ أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا فَيَقُولُ نَعَمْ أي رَبِّ. حَتَّى إِذَا قَرَّرَهُ بِذُنُوبِهِ وَرَأَى في نَفْسِهِ أَنَّهُ هَلَكَ قَالَ سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ في الدُّنْيَا ، وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ فَيُعْطَى كِتَابَ حَسَنَاتِهِ وَأَمَّا الْكَافِرُ وَالْمُنَافِقُونَ فَيَقُولُ الأَشْهَادُ (هَؤُلاَءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ).
أَخْرَجَهُ أحمد 2/74(5436) و\"البُخَارِي\" 3/168(2441) و\"مسلم\" 8/105(7115) .
وقال ابن القيم رحمه الله: \"الذنوبُ جراحاتٌ، ورُبَّ جرحٍ وقع في مقْتَلٍ، وما ضُرب عبدٌ بعقوبةٍ أعظمَ من قسوةِ القلبِ والبعدِ عن اللهِ، وأبعدُ القلوبِ عن الله القلبُ القاسي\" ورحم الله أبا العتاهية حين تخيل لو أن للذنوب رائحة كريهة تفوح فتفضح المذنب كيف يكون حالنا؟ وكيف أن الله قد أحسن بنا إذ جعل الذنوب بلا رائحة. فقال:
أحسَنَ اللهُ إليْنا ... أنَّ الخَطايا لا تَفوح
فإذا المرْءُ منَّا ... بين جَنبيْه فُضُوح
وقال الحارث المحاسبي رحمه الله: \"اعلَمْ يا أخي أنَّ الذُّنوبَ تورِثُ الغَفْلةَ، والغفلةُ تورِثُ القسوةَ، والقَسوةُ تورِثُ البعدَ من اللهِ، والبعدُ منَ اللهِ يورثُ النارَ، وإنما يتفكَّرُ في هذا الأحياءُ، وأما الأمواتُ فإنَّهم قد أَماتُوا أنفسَهم بحُبِّ الدُّنْيا\". وصدق من قال:
رأيتُ الذُّنوبَ تُميتُ القلوبَ ... وقد يُورِثُ الذلَّ إدمانُها
وترْكُ الذُّنوبِ حياةُ القلوبِ ... وخَيْرٌ لنفْسِك عِصْيانُها
يروى أنهم أتوا إلى عمر رضي الله عنه برجل قد سرق فقال هذا السارق : أستحلفك بالله أن تعفو عني فإنها أول مرة ، فقال عمر رضي الله عنه : كذبت ليست هي المرة الأولى فأراد الرجل ان تثار الظنون حول عمر فقال
له : أكنت تعلم الغيب ؟ فقال عمر رضي الله عنه : لا ، ولكني علمت أن الله لا يفضح عبده من أول مرة ، فقطعت يد الرجل فتبعه علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال : أستحلفك بالله أهي أول مرة ؟
فقال : والله إنها هي الحادية والعشرون.
يروى أنه في عهد سيدنا موسى عليه و على نبينا الصلاة و السلام جف المطر وطلب منه قومه أن يدعو ربه بالغيث و ينزل عليهم المطر فصعد سيدنا موسى الجبل و دعا ربه بأن ينزل عليهم المطر فقال له ربه عز و جل
يا موسى كيف انزل المطر و بينكم عاص فرجع موسى إلى قومه وبلغهم بأن بينهم عاص ولم ينزل الله المطر إلا إذا خرج فلم يخرج احد ثم انزل الله المطر فصعد موسى الجبل وقال لربه يا رب جمعت القوم و أبلغتهم بأن بيننا عاص فليخرج ولم يخرج احد وقد أنزلت المطر يا رب فقال سبحانه و تعالى يا موسى أنى أنزلت المطر بعد ما تاب العاصي توبة نصوحة فقال موسى لربه من هو يا رب حتى نعرفه قال الله عز و جل لموسى يا موسى سترته وهو عاص فكيف لا أستره وقد تاب إلى.
قال أحد السلف:\"قد أصبح بنا من نعم الله ما لا نحصيه مع كثرة ما نعصيه, فلا ندري أيهما نشكر!! أجميل ما ينشر؟ أم قبيح ما يستر؟.
فيا أيها – الحبيب - ضع أمام عينيك قول الله تعالى : \" يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ (19) وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (20) سورة غافر.
وقوله سبحانه : \" أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (7) سورة المجادلة .
وقول النبي صلى الله عليه وسلم : \" اعبد اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ\" ( متفق عليه ).
عَنْ ثَوْبَانَ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، أَنَّهُ قَالَ:لأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي ، يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا ، فَيَجْعَلُهَا اللهُ ، عَزَّ وَجَلَّ ، هَبَاءً مَنْثُورًا. قَالَ ثَوْبَانُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، صِفْهُمْ لَنَا ، جَلِّهِمْ لَنَا، أَنْ لاَ نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لاَ نَعْلَمُ. قَالَ : أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ ، وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ ، وَيَأْخُذُونَ مِنَ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ ، وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللهِ انْتَهَكُوهَا.أخرجه ابن ماجة (4245).
اللهم استرنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العَرض عليك , اللهم استرنا بسترك الجميل , اللهم لا تبتلينا فنفتضح , واقبل عذرنا وتولى أمرنا وأحسن خلاصنا .

 

د. بدر هميسه
  • مقالات ورسائل
  • الكتب
  • وصية الأسبوع
  • سلسلة أحاديث وفوائد
  • واحة الأدب
  • الصفحة الرئيسية