اطبع هذه الصفحة


وصية الأسبوع
الوصية الثامنة : قل آمنت بالله ثم استقم

د. بدر عبد الحميد هميسه


عن عُرْوَةَ , عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ اللهِِ الثَّقَفِىِّ , قَالَ:قُلْتُ : يَارَسُولَ اللهِ , قُلْ لِى في الإِسْلاَمِ قَوْلاً لاَ أَسْأَلُ عَنْهُ أَحَدًا بعدك. قَالَ : قُلْ آمَنْتُ بِالله ثُمَّ اسْتَقِمْ. أخرجه أحمد 3/413(15494) و\"مسلم\"1/47(68) .
والمعنى: استقيموا واثبتوا على التقوى حتى يأتيكم الموت وأنتم على ذلك، كما في الحديث قال تعالى آمراً نبيه صلى الله عليه وسلم بالاستقامة : \" فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (112) وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ (113) وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ (114) وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (115)\" سورة هود .
وقال سبحانه مبيناً جزاء أهل الاستقامة في الدنيا والآخرة : \" إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (32) سورة فصلت .
وقال : \" إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (13) أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (14) سورة الأحقاف.
وقال : \" وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا (16) سورة الجن .
وخرّج الطبراني والحاكم من حديث عبد الله بنِ عمرو بن العاص : أنَّ معاذَ ابن جبل أراد سفراً ، فقال : يا رسولَ الله أوصني ، قال : (( اعبد الله ، ولا تشرك به شيئاً )) قال : يا رسول الله زِدني ، قال : (( إذا أسأتَ فأحسنْ )) ، قال :يا رسول الله زدني ، قال : (( استقم ولْتُحْسِنْ خلقك )) . أخرجه ابن حبان ( 1922 ) و الحاكم ( 4 / 244 )الألباني في \" السلسلة الصحيحة \" 3 / 230 .

1- معنى الاستقامة:
الاستقامة في اللغة : ضد الاعوجاج والانحراف فالشَّيء المستقيم هو المعتدل الذي لا اعوجاج فيه، وهذا يأتي في الحسيات، تقول: هذا طريق مستقيم و هذا طريق مُعْوَجٌّ. انظر: التعريفات للجرجاني ص37 .
ومعناها في الشرع كما قال ابن حجر : \" قَوْله ( اِسْتَقِيمُوا )أَيْ اُسْلُكُوا طَرِيق الِاسْتِقَامَة وَهِيَ كِنَايَة عَنْ التَّمَسُّك بِأَمْرِ اللَّه تَعَالَى فِعْلًا وَتَرْكًا ، عَنْ أَبِي نُعَيْم شَيْخ الْبُخَارِيّ فِيهِ \" فَإِنْ اِسْتَقَمْتُمْ فَقَدْ سَبَقْتُمْ \". الفتح 20/334.
والاستقامة تتضمن في الشرع أمرين:
السَّير على الطريق.
الاستمرار و الثبات عليه حتى الممات .
فالأول: السير على الطريق :
وهذا المعنى يُفَسِّرُهُ قوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ) [آل عمران:102] .
اتقوه حق التقوى بحسب الاستطاعة ، قال تعالى: (( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ)) [التغابن:16].
والثاني: الاستمرار والثبات عليه حتى الممات:
وذلك في قوله تعالى: (( وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ )) [آل عمران:102] .
فهذا يتضمن الأمر بالدوام والاستمرار .

2- طرق تحقيق الاستقامة:
وكي يحقق العبد الاستقامة , ويسلك طريقها لا بد له من هذه الأشياء :
أولاً : الإخلاص لله تعالى :
قال تعالى : { وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ } (البينة:5).
عَنْ أَبِى أُمَامَةَ الْبَاهِلِىِّ قَالَ:جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ أَرَأَيْتَ رَجُلاً غَزَا يَلْتَمِسُ الأَجْرَ وَالذِّكْرَ مَا لَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لاَ شَىْءَ لَهُ فَأَعَادَهَا ثَلاَثَ مَرَّاتٍ يَقُولُ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لاَ شَىْءَ لَهُ ثُمَّ قَالَ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَقْبَلُ مِنَ الْعَمَلِ إِلاَّ مَا كَانَ لَهُ خَالِصًا وَابْتُغِىَ بِهِ وَجْهُهُ.
أخرجه النسائي 6/25 وفي \"الكبرى\" 4333.
عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:بَشِّرْ هَذِهِ الأُمَّةَ بِالسَّنَاءِ ، وَالرِّفْعَةِ ، وَالدِّينِ ، وَالنَّصْرِ ، وَالتَّمْكِينِ فِي الأَرْضِ (وَهُوَ يَشُكُّ فِي السَّادِسَةِ) ، قَالَ : فَمَنْ عَمِلَ مِنْهُمْ عَمَلَ الآخِرَةِ لِلدُّنْيَا ، لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي الآخِرَةِ نَصِيبٌ. أخرجه أحمد 5/134(21539) ( صحيح ) انظر حديث رقم : 2825 في صحيح الجامع .
ثانياً: متابعة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قولاً وعملاً .
قال - تعالى : { قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } (آل عمران:31).
قال الحسن البصري: قوم ادعوا محبة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فابتلاهم الله بهذه الآية: { قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }.
فمحبة النبي صلى الله عليه وسلم من محبة الله تعالى ,وطاعته من طاعة الله سبحانه قال تعالى : \"مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا (80)سورة النساء.
عَنْ ثَابِتٍ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ؛أَنَّ رَجُلاً قََالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، مَتَى السَّاعَةُ ؟ قَالَ : وَمَاذَا أَعْدَدْتَ لِلسَّاعَةِ ؟ قَالَ : لاَ ، إِلاَّ أَنِّي أُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ ، قَالَ : فَإِنَّكَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ.قَالَ أَنَسٌ : فَمَا فَرِحْنَا بِشَيْءٍ ، بَعْدَ الإِسْلاَمِ ، فَرَحَنَا بِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : إِنَّكَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ.
قَالَ : فَأَنَا أُحِبُّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، وَأَبَا بَكْرٍ ، وَعُمَرَ ، وَأَنَا أَرْجُو أَنْ أَكُونَ مَعَهُمْ ، لِحُبِّي إِيَّاهُمْ ، وَإِنْ كُنْتُ لاَ أَعْمَلْ بِعَمَلِهِمْ. رواه أحمد (13419 و13886) ، وعَبْد بن حُمَيْد (1296) ، ومُسْلم (7520) .

تعصي الإله وأنت تظهر حبه * * * هذا محال في القياس بديع
لو كان حبك صادقا لأطعته * * * إن المحب لمن يحب مطيع

وقال آخر:
وقال الشاعر:

أتحب أعداء الحبيب وتدّعي * * * حباً ما ذاك في إمكان
وكذا تعادي جاهداً أحبابه * * أين المحبةُ يا أخا الشيطان؟
شرط المحبة أن توافق من تحبُّ * * على محبته بلا عصيان
فإذا ادّعيت له المحبة مع خلافك * * ما يحب فأنت ذو بهتان

ثالثاً : فعل الطاعات واجتناب المحرمات :
فإن مما يعين العبد المسلم إلى الوصول إلى الاستقامة وتحقيقها محافظته على الطاعات فرائض كانت أو نوافل ، وهي من أهمّ الوسائل التي تجلب للعبد محبة سيده ومولاه .
ففي الحديث القدسي الذي رواه الإمام البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - :قال : قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - :قال الله - عز وجل - : مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ، حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ. أخرجه البخاري 8/131(6502).

أمرتك الخير لكن ما إتمرت به * * * وما استقمت فما قولي لك استقم

وقال ابن المعتز:

خلّ الذنوبَ صغيرها* * * وكبيرها فهو التُّقى
واصنع كماشٍ فوق أرض* * * الشوك يحذر ما يرى
لا تحقرنّ صغيرةً * * * إن الجبال من الحصى

وقال آخر:

من يتق الله يحمد في عواقبه * * * ويكفه شر من عزوا ومن هانوا
من استجار بغير الله في فزع * * * فإن ناصره عجز وخذلان
فالزم يديك بحبل الله معتصماً * * * فإنه الركن إن خانتك أركان

فيا من راح في المعاصي وغَدا، يقول: سأتوبُ اليومَ أو غدا، يا مَن أصبحَ قلبه في الهوى مبدَّدًا، وأمسَى بالجهل جلمدًا، وبالشهوات محبوسًا مقيَّدًا، تذكَّر ليلةً تبيتُ في القبر منفرِدًا، وبادِر بالمتابِ ما دمتَ في زمن الإنظار، واستدرِك فائتًا قبلَ أن لا تُقالَ العِثار، وأقلِع عن الذنوب والأوزار، واعلَم أنَّ الله يبسُط يدَه بالنهار ليتوبَ مسيءُ الليل، ويبسط يدَه بالليل ليتوب مسيءُ النهار.
ويا من تقلَّبتَ في أنواعِ العبادة، الزَم طريقَ الاستقامة، وداوِم العملَ فلست بدار إقامة، واحذَر الإدلاء والرّياء فرُبّ عملٍ صغير تعظِّمه النّية، ورُبَّ عملٍ كبير تصغِّره النية، يقول بعض السلف: \"من سرّه أن يكمُل له عمله فليحسِن نيته\".
وكن على خوفٍ ووجَل من عدَم قبولِ العمل، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: سألتُ رسول الله عن هذه الآية: وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا ءاتَواْ وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ [المؤمنون:60]، فقلتُ: أهُم الذين يشرَبون الخمر ويسرِقون؟ فقال رسول الله : ((لا يا بنتَ الصديق، ولكنّهم الذين يصومون ويصلّون ويتصدّقون وهم يخافون أن لا تقبَل منهم، أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِى الْخَيْراتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ [المؤمنون:61])) أخرجه الترمذي,سنن الترمذي: كتاب تفسير القرآن، باب: ومن سورة المؤمنون (3175)، وأخرجه أيضا أحمد (6/205)، وابن ماجه في الزهد (4198)، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي (2537).
قال بعض السلف: من اتقى الله فقد حفظ نفسه، ومن ضيّع تقواه فقد ضيّع نفسه والله الغني عنه، ومن عجيب حفظ الله لمن حفظه أن يجعل الحيوانات المؤذية بطبعها حافظة له من الأذى! على العكس، كما جرى لسفينة مولى رسول الله r ، سفينة مولى النبي r أطلق عليه هذا الاسم؛ لأنهم كانوا في سفرهم يحمّلونه كل أثقالهم فسموه سفينة وكان مولى للنبي r؛ إذ كسر به المركب الذي يركبه، وخرج إلى الجزيرة، فرأى الأسد فقال له سفينة: أنا سفينة مولى رسول الله r يقول: فجعل يمشي معه حتى دلّه على الطريق، فلما أوقفه عليها جعل يهمهم كأنه يودعه، ثم رجع، وهذا الحديث حديث حسن.رواه البزار في مسنده (5/265) حديث (3838) .
فالمسلم المستقيم تتطابق أفعاله مع أقوله , فتراه حيث أمره الله تعالى , وتفتقده حيث نهاه .

رابعاً العلم :
إن الله تعالى أمر نبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أن يستزيد من العلم فقال: { وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا } (طه : 114).
وروى الطبراني في الكبير وابن حبان في صحيحه من حديث أبي شريح الخزاعي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - : إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ سَبَبٌ طَرَفَهُ بِيَدِ اللهِ، وَطَرَفَهُ بِأَيْدِيكُمْ؛ فَتَمَسَّكُوا بِهِ، فَإِنَّكُمْ لَنْ تَضِلُّوا، وَلَنْ تَهْلَكُوا بَعْدَهُ أَبَدًا . أخرجه ابن أَبي شَيْبَة 10/481 (30006) وابن حِبَّان (122) .
وفي سنن ابن ماجة من حديث كثير بن قيس قال : كنتُ جالسا مع أبي الدَّرْدَاء في مسجد دِمَشْقَ ، فجاءه رجل ، فقال : يا أبا الدرداء، إِني جئْتُكَ من مدينَةِ الرَّسولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ، لحديث بلغني أَنَّكَ تُحَدِّثُه عن رسولِ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ما جئتُ لحاجة ، قال : فإِني سمعتُ رسولَ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يقول : « مَن سَلَكَ طريقا يَطلُبُ فيه علما : سَلَكَ الله بِهِ طريقا من طُرُقِ الجنَّة، وَإِنَّ الملائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضى لطالبِ العلم ، وَإِنَّ العالمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَن في السمواتِ ومَن في الأرضِ ، والحِيتَانُ في جَوفِ الماء ، وَإِن فَضْلَ العالمِ على العَابِدِ كَفضل القمر ليلة البدرِ على سائرِ الكَوَاكِب، وَإِن العُلماءَ وَرَثَةُ الأنبياء، وَإِنَّ الأنبياءَ لم يُوَرِّثُوا دِينارا ولا دِرْهما ، وَرَّثُوا العلم ، فَمَن أَخَذَهُ أَخَذَ بِحظّ وَافِر ».أخرجه أحمد 5/196(22059) و\"الدارِمِي\" 342 و\"أبو داود\"3641 و\"ابن ماجة\"223 .

خامسا : الذكر
ففي مسند الإمام أحمد من حديث أنس بن مالك قال : قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - : لا يَسْتَقِيمُ إِيمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ، وَلا يَسْتَقِيمُ قَلْبُهُ حَتَّى يَسْتَقِيمَ لِسَانُهُ . أخرجه أحمد 3/198(13079).
وما رواه مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قال: قَالَ رَسُولُ اللَّه ِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ:مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا؛ نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ؛ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا؛ سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ، وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا؛ سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ، وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللهِ: يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَةُ، وَحَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ، وَذَكَرَهُمْ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ. وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ. أخرجه ابن أَبي شَيْبَة \"أحمد\" 2/252(7421و\"الدارِمِي\" 344 و\"مسلم\" 6952 .
وعَنْ عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ بُسْرٍ يَقُولُ:جَاءَ أَعْرَابِيَّانِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ أَحَدُهُمَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَىُّ النَّاسِ خَيْرٌ قَالَ مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَحَسُنَ عَمَلُهُ وَقَالَ الآخَرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ شَرَائِعَ الإِسْلاَمِ قَدْ كَثُرَتْ عَلَىَّ فَمُرْنِى بِأَمْرٍ أَتَشَبَّثُ بِهِ فَقَالَ لاَ يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْبًا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.أخرجه أحمد 4/188(17832) و\"ابن ماجة\" والتِّرْمِذِيّ\" 2329 و3375.
قال شقيق أربعة أشياء من طريق الاستقامة لا يترك أمر الله لشدة تنزل به ولا يتركه لشيء يقع في يده من الدنيا فلا يعمل بهوى أحد ولا يعمل بهوى نفسه لأن الهوى مذموم ليعمل بالكتاب والسنة. الحلية 8/71.
فاجعل إيمانك بالله تعالى طريقا تصل به إليه سبحانه , واجعل استقامتك تطبيقاً عملياً لهذا الإيمان, فقد ربط الله بين الإيمان والعمل , قال سبحانه : \" وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (25)سورة البقرة . وقال : \" إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (277) سورة البقرة .وقال : \" إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (8)سورة فصلت .
اللهم اجعلنا ممن,يقولون فيعملون, ويعملون فيخلصون,ويخلصون فيقبلون.

 

د. بدر هميسه
  • مقالات ورسائل
  • الكتب
  • وصية الأسبوع
  • سلسلة أحاديث وفوائد
  • واحة الأدب
  • الصفحة الرئيسية