اطبع هذه الصفحة


الواتساب والدفق الحواري..!

د.حمزة بن فايع الفتحي


العائش في أجواء من الانغلاق، يرحب بكل نسمة تظلله، او فرجة تسعده، او لقمة تنعشه، لمعاناته المرارات، وتجرعه المنغصات، وانتهائه الى حالة من الوعي المتردي، والتأمل المخروق ،،،،!
وما ينفعُ الانسانُ إن كان وعيُه// كفرحة ذاك الغمر بالظلماءِ.،!

ولذا لا يشك عاقل، او يتشكك حكيم، من عجيب آثار الاتصالات، وتدفق الفضائيات، والتي احدثت تقدمات في العقل البشري، وغيرت او تدافعت مع مسلمات موروثة، وربما حطمت قواعد بالية في التفكير الإنساني ،،،،! بالذات العربي....! وكسرت أغلالا، وحرقت انكالا، وهلت إهلالا،،،.!
فقد غشينا النت بكل تحولاته، ولم يتكيف معه الا اجيال الشباب والصغار، وحينما داهمنا الواتساب، اخترق العقل المشيخي، والجنس العجائزي، والكوكبة البرجوازية والتجارية والإدارية، ولم يبق للعنصر القواريري الرومانسي باقية من عقل ،،،!
صور وتعليقات، وأخبار، ونكت وتقليعات، ومقاطع من كل الأطياف،،!
وأضحى للناس قروبات عمل وإخاء، وبزنس وتواصل ومفاهمات، وقرابة ولجان وتنسيقيات ،،،.الخ
وكان لذاك محاسن تطول، ومساوئ لا تنقضي ،...!
بل أخرج بعضنا من عزلته، وكسر (جدران الصمت)، وفتح ثغرات في وحول السدود والصدود،،،،!
ومع ضيقنا بالواتس كثيرا، إلا أنه خدمنا احيانا، وسهل علينا (مستصعبات)،،،!
وربما من أجل مكاسبه وفوائده:
(المساحة التنفسية) التي صنعها للخلائق، وأجواء الحرية التي لم يكن يحلم بها الانسان العربي، برغم أن كل شئ محسوب مرصود !! فليست امريكا وبريطانيا فقط المتجسسة على الاتصالات،،،! بل عوالم ثلجية وصخرية وترابية،،،،!! ومع ذلك انكسر الحاجز الى حد ما،،،،،!
ونتج عن ذلك التنفس والأنداءِ نثار الحوارات الطويلة، والنقاشات المديدة، التي جرأت على الكلام، وقلصت الخجل، وداوت العجز، وبات أكثرنا صراخا وجعجعة وعويلا،،،.!!
ومع ذلك فلا تزال شعوبنا العربية تعيش ما قبل الحوار، في لغته وسمته وآدابه وأصوله، بل حتى موضوعاته،،،..!
بسبب تراجع مناهج الإعلام والتعليم، والتضييق على الحريات، والتربية الأسرية المنغلقة، وغيرها وليس هذا محل نقاشها الآن ،،،!
وما يجري في الواتس هو عمليات تأهيل وتدريب، سيكون لها ما بعدها بإذن الواحد الأحد سبحانه وتعالى.....!
فمن نكتة إلى دردشة وخصام ووئام، وانسحاب واعتذار، الى أن تنتهي القضية الى ثمرة مفيدة، او إنشاء عديم التأثير،،،،!
ومع ذلك هو خير من سكوت جاثم، او صمت قاتل،،،.!
فلا أقل من الكلام في زمن النت، ولا أدنى من التعبير في زمن المتغيرات والتطورات،،،،!!
قال بعضهم :( لا احد يحب قيوده، ولو كانت من ذهب )!!
ومن لم يدخل من كبارنا وعجائزنا النت، دخل الواتس، وبات بعقلية طفولية تراسل الجميع ، شغفا بالفائدة، وحبا للتواصل، وابتهاجا بهذا الفتح الاتصالي الآسر الفاتن،،،،!
والذي لا يكلف جهدا طويلا، ولو كلف مالا كثيرا،،،!!
فحوارات الواتس، لا تزال في بعض المناطق والبيئات، محل اندهاش وسخرية، او تعجب وتندر، إذ البعض يغرد خارج السرب، او لم يفقه محل النزاع، او يهرف بما لا يعرف،،،!
وإذا عرف، حاد او كابر، او رمى لمتشابهات حيلة وخداعا ،،،،!
والصراحة المؤيدة بالبرهان تغضب الجهلة والسذج، فينكر او يسخط، فيشتم،،،!
وإن استحسر ولم يطق وهج الحجج، غادر، وادعى جهالة الآخرين، وعدم وعيههم بالحوار ،،،!!
ولكي تدرك ضبابية الحوار وتراجعه الفكري والمنهجي، انظر لمستوى الموضوعات، وطريقة النقاش، وكثرة المغادرين للمجموعات، باستثناء المغادر بوجه حق،،،،!
وذلك حينما تطل الإساءات، وتهبط الأخلاق والحوارات ،،،!
فلم يعد الجسد النقي يطيق البقاء مع وضعية بمثل هذا التردي والانحطاط ،،!!
ومع كل ذلك، ستعتاد الشعوب العربية ذلك، وسيكون مستقبلها مشرقا بإذن الله تعالى،،،!
وتحققت مقولة (العرب ظاهرة صوتية)، وفي الواتس باتت كتابية صوتية، لأن التعبير وقتئذ صوت ونبر، يعرف من خلاله شخصية المحاور، وهمه الثقافي، وقدرته على الكلام والأخذ والعطاء، والصبر والصفح،،،،!
والواتس فتح المساحة الإنشائية، ولم يحقق (الضبط الفكري) الى الآن، بحيث يتقيد العضو بهدف المجموعة: تعليم، شعر، بزنس، صلح، دعوة، مطالبات، قبلية،،،الخ
بل باتت جل المشاركات فوائد او نكت وملصقات ، تلف المملكة من سكاكا الى الطوال،،،! وفي نشأته الاولى، تشعر وكأنه يدار من قروبات محدودة، بحيث تكرر الرسائل في جميع القروبات،،،!
والقروبات المتأخرة وبالشصيات الجديدة، يعيدون رسائل ما قبل السنتين، وتدخل في غم تكرار المعلومة ، وسذاجة المتعلمين،،،،!
حتى آثر بعضنا الانزواء، او الاعتذار، او رسم حالة مصرحة بعدم التفاعل، ليدفع الحرج،،،،!
ومن الأخطاء هنا: ضم الأعضاء بلا استئذان بدعوى الفائدة، وهذا وإن مورس ابتداء عن جهل، ولكننا نرى وبعد سعار القروبات وزخمها، ان لايضاف إنسان الا باستئذان، ويلتزم بآداب المجموعة،،،!
والواتساب سارق للاوقات، ومن لديه مهام عظمى، وأشغال جسيمة لا يستطيع التفاعل فيه بكل حال،،،!
ولذلك وقت الدروس والارتباطات الجادة، يقفل عند بعضهم للتحضير والإتقان ،،،!
لان الالتفات كل دقيقة، يفوت فضائل الزمن، وينسيك الاستعداد التام ،،،!
ومع ذلك كله رفع (الحس القرائي) لدى الفرد العربي، ومن لا يعرف الكتب عرف الواتس بفوائده الإيمانية والعلمية والتربوية والدعوية والاجتماعية،،،!
فهو بحر من المعارف المنسابة، والأضرار المتعاقبة، فانتبه ودقق، وخذ الحذر، واجعل من نعمته نفعا وأجرأ، لا وزرا وسوء نتيجة،،، والسلام ...!

ومضة : نحن أحرار بمقدار ما يكون غيرنا أحراراً ..!!

 

د.حمزة الفتحي
  • المقالات
  • رسائل رمضانية
  • الكتب
  • القصائد
  • قراءة نقدية
  • الصفحة الرئيسية