اطبع هذه الصفحة


زنزانة نيلسون منديلا...!

د.حمزة بن فايع الفتحي
@hamzahf10000


حظيت برمزية عالية، وباتت مزارا لمثقفي العالم وساستها، وشدني ذلك، ولماذا يتهافت الناس إليها،،؟!
ورأيت لأن ساكنها ممن قاوم الظلم، وطالب بالحرية والعدالة، ووقف بكل شجاعة أمام نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا سنة ( ١٩٦٢)م حيث بدا رحلة السجن الشاقة، والتي استمرت( ٢٧ سنة)، عانى فيها المتاعب والأمراض...! .
فكانت قضيته عادلة، خاض معها مرارات الظلم والاضطهاد، ولذلك تعاطف معه الآلاف، وأبرزوه كزعيم شعبي وأفريقي له مكانته، واحتفظ التاريخ التراثي الأفريقي بموضع الزنزانة وشكلها، وتوالت الزيارات عليها،،،!
ووقف بعض الزعماء بتواضع داخلها احتراما لذلك النضال ..!
وهو أول رئيس أسود لجنوب أفريقيا، انتُخب في أول انتخابات متعددة وممثلة لكل الأعراق، وركزت حكومته على تفكيك إرث نظام الفصل العنصري، ومعالجة الفقر وتحقيق المساواة بين الناس...!وتصور أنه وبعد كل تلك المدة البئيسة الموحشة، ومنع في بعضها من الخبز، يخرج، ويرشح نفسه للرئاسة فينتصر ويبيت رئيساً لجنوب أفريقيا (سنة٩٤م)، واستمرت ولايته إلى (٩٩م ).
وقد دُعي إلى الإسلام من قبل الدكتور القرضاوي، ولكنه لم يفتح عليه في ذلك خلافا (لروجيه جارودي) الذي وصل إلى الإسلام بعقله واطلاعه،،!
ولا يعنينا ذلك إلا أننا نفرح بهداية كل إنسان، لا سيما المشاهير، وديننا عالمي، بزغ لهداية البشرية، ولا ريب أن الغرب حريص على إبراز شخصيات عالمية مناضلة كما يسميها، ولكن على هواه وطريقته، وإلا فثمة إسلاميون وعلماء تعرضوا للاضطهاد وقانون الاستبداد العنصري الفاشي، ولم يلتفت الإعلام الغربي والمنظمات الحقوقية إلى صبرهم ونضالهم،،،!
والجواب بكل بساطة: لأنهم مسلمون، ولا يروق للغرب الصليبي إظهار هؤلاء ومآثرهم وخصالهم، لئلا يُتخذوا قدوات، أو يكونوا بوابة لدخول الإسلام،،،! وهو ما يقلق الغرب كل حين وساعة،،،!
والاختراق الإسلامي لأوربا وأمريكا من خلال البعثات والعمال وقضايا الهجرة وجهد بعض السفارات، أحدث تأثيرا دعويا لا يستهان به، فكيف لو كُثفت الجهود، وتعاظمت العزائم، ومورست دعوة حقيقية مكتملة الخطط والأركان ،،؟!
والمقصود هنا حفاوة العالم بتلكم الزنزانة وتمجيده (للسيرة المندلية)،،،! وما احتفت به من مقولات مبدئية، نحو تناصر الفقراء وتسخط على الظلمة والعنصريين، كقوله مثلا:(نحن نعيش في عالم غريب، حيث يمشي الفقراء أميالاً ليحصلوا على الطعام، ويمشي الأغنياء أميالاً ليهضموا الطعام !).
ونحن مع وقوفنا ضد الظلام والظلم، وسرورنا بكل مقاوم له، نجهد في هذا العالم المترامي الأطراف أن نضع لنا موضع قدم، وأن نسهم في صناعة التاريخ، وأن لانجعل الغرب بمؤسساته، هو من يرسم لنا شجرة التاريخ، بل نزاحم ونقاتل وننافس،،،! وكذا هي الحياة،،! ومع اتساع وسائل الإعلام فقد أتاحت فرصة جوهرية للتعاطي الجاد، والمشاركة الفاعلة، وإن كان التاريخ يكتبه الأقوى دائماً، إلا أن ثمة ثغرات في هذا العالم المُجهم بالظلم والكبرياء واضطهاد الضعفاء،،،! والمهم هنا :

١/ الإسهام في كل عمل نافع ومنتج للأمة وسيوصل صوتنا للعالم الحر، والأخذ بزمام المبادرة .

٢/ حفاوتنا بكل مقاوم للظلم، لا يعني موافقته في كل مسالكه، ولكنها رسالة للعدل وتخير المحاسن، وإنصاف الناس والرد على المعتدين .

٣/ إذا رضي الصالح بضعفه ولم يتحرك لانتشال نفسه وقومه، فمتى عساه ينهض ويقوم، ويسجل تاريخا ذهبيا وضّاء..؟!

٤/ حب منديلا للحرية جعله يضحي تلك التضحية، ويفدي شعبه وقضيته، ومن كلماته العجيبة ( الحرية لا يمكن أن تُعطى على جرعات، فالمرء إما أن يكون حرّاً، أو لا يكون حرّاً).

٥/ شغف بعض الإسلاميين بقصته ومذكراته وزنزانته ،بسبب الانفراج الباهر، وتبدل حاله من الهوان السيادة، ومن الذلة للعزة، وصموده الطويل، وأتوقع لو لم يترأس لم يشتهر،،،! لأنه يوجد سجناء فلسطينيون في سجون الصهاينة مثل( كريم يونس ) أقدم أسير فلسطيني وعالمي، اعتقل سنة(٨٣) م، وأكمل العام (٣٣) ، ولم يهتم العالم المتحضر بصبرهم، لكونهم لم يترأسوا، وباعتبار أنهم مسلمون ليسوا على شرط الغرب ومبتغاه.،،! (( قد بدت البغضاء من أفواههم وما تُخفي صدورهم أكبر)) سورة آل عمران .

٦/ في تاريخنا الإسلامي قيم الصبر والتضحية والبسالة، وعلى رأس القائمة رسولنا الكريم الصبور والقائل(( وما أُعطي عبد عطاء خيرا ولا أوسع من الصبر ))، وسير الصحابة وأئمة الإسلام الأبرار نماذج يحتفى بها، وتشع بروائع الدروس وجميل التجارب..! كقول الإمام أحمد رحمه الله في فتنة خلق القرآن: ( أعز دين الله يعزك الله ).
ولكن من يكتبها ويقدمها للعالم الآخر،،؟!

ومضة/
( الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها ).

١٤٣٨/٢/٣


 

د.حمزة الفتحي
  • المقالات
  • رسائل رمضانية
  • الكتب
  • القصائد
  • قراءة نقدية
  • الصفحة الرئيسية