اطبع هذه الصفحة


لا ومقلبِ القلوب، ذكرى وسنة...!

د.حمزة بن فايع الفتحي
@hamzahf10000


القلب جوهر الانسان ومركز تأثره وتأثيره ، وهو مستودع الأنوار ومحل الحكمة والمعارف .

قال أبو حامد الغزالي رحمه الله( هو لطيفة ربانية روحانية ، لها بهذا القلب الجسماني تعلق، وتلك اللطيفة هي حقيقة الإنسان....)

وهنا وصف لله تعالى ببعض صفاته وأفعاله، وأن قلوب العباد بين يديه يصرفها كيف يشاء.( ونقلب أفئدتهم وأبصارهم ) سورة الأنعام .

فهي ذكرى من حيث التحذير من الركون للنفس أو الاتكال على ما عندها من خير، وترك الدعاء وسؤال الثبات، وسنة في عدم الاهتمام بهذا القسم الملهم، والمذكّر بما ينبغي تجاه القلب، وضرورة التعلق بالله تعالى .

قال ابن عمر رضي الله عنه كما في صحيح البخاري ( كانت يمينُ النبي صلى الله عليه وسلم لا ومقلبِ القلوب ).

يقسم صلى الله عليه وسلم لثبيت أمر أو نفيه فيستعمل هذه الجملة التوحيدية المرعبة ليذكر العباد بحقيقتهم وضعفهم ( أنتم الفقراء إلى الله ) سورة فاطر .

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله : ومقلب القلوب هو المقسم به ، والمراد بتقليب القلوب تقليب أعراضها وأحوالها لا تقليب ذات القلب ، وفي الحديث دلالة على أن أعمال القلب من الإرادات والدواعي وسائر الأعراض بخلق الله تعالى .

وجعل القلوب في وضع القسم، دليل على أهميتها وخطورة التساهل فيها تربية وتزكية، وأن المرء مهدد من جهة قلبه واعتداله .

وصح من دعائه صلى الله عليه وسلم( اللهم يا مقلبَ القلوب ثبت قلبي على دينك ) فسئل عنه فقال: (نَعَمْ، إِنَّ الْقُلُوبَ بَيْنَ أُصْبعَينِ مِنْ أَصابعِ الله يُقَلِّبُهَا كَيْف يَشَاءُ)

ومن دعائه (اللَّهُمَّ مُصَرِّفَ القُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِك). والتصريف أي التثبيت نسأل الله من فضله.

لا ينفك عن هذا الدعاء كل مؤمن أدرك عظمة الثبات والحاجة إليه زمن الفتن والكروب( ولولا أن ثبتناك لقد كِدت تركن إليهم شيئا قليلا ) سورة الإسراء .

وسبب تقلب القلوب معاص مقترفة، أو غفلة جاثمة، وقلة تعاهد وتجديد.. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه ( كل يوم أُجدد إسلامي، ولم أسلم بعد إسلاما جيدا ).!

وإهمالنا لعوامل تقوية الإيمان مما يسبب الضعف والارتخاء، ويزين الشيطان وسائل وملهيات من شأنها تجذير الغفلة، وترسيخ اللهو والترف والله المستعان.

وأهل الإيمان يتعاهدون قلوبهم ويعملون على إصلاحها على الدوام ( ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب ).

دعا رسولنا بالثبات والحفظ من الميلان، وتعلمنا في القران ( وربطنا على قلوبهم ) فوجب الاعتماد على الله لا همة المرء..!

والفتن خداعة، والدنيا غرارة والقصص القرآني دافع للثبات ( وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبّت به فؤادك ) سورة هود .

قصة الثبات الإسلامي أشبه ما تكون بسير السفينة في البحر وتأرجحها، فإذا تعوهدت مضت بالأمان، وإن أُهملت أخافت وغرقت .

ويحتاج الثبات إلى ينبوع اليقين الذي يَصب فيه، فلا يكلّ ولا يتخبط، أو تخالطه الأحزان وفِي الدعاء الصحيح : ( ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا ) .

وليس للعبد فضل في الثبات دون تعويله على ربه واعتماده عليه ( يثبت الله الذين آمنوا في الحياة الدنيا وفِي الآخرة ويضل الله الظالمين ) سورة إبراهيم .

والعبادات مِقبض القلب الحسي والمعنوي، لا سيما خفيّها وسرها، الملتهب بالإخلاص ، والذي ينقطع تبتلا وتألهاً لله العزيز الكبير.

ورؤيتنا المتغيرين والمبدلين، مما ينبغي أن يقذف الخوف في النفوس، ويشحذها للتصحيح والمعالجة، وأن شأن القلب كبير، وتقلباته خطرة.

ولئلا يتقلب القلب لابد له من تجديد إيماني ومسارعة في الخيرات والتباعد عن المعايب الممرضات ، وسؤال الله الثبات دائماً .

وتقلبات الحياة ومحنها مما يهز الإنسان، فإذا لم يعد لها عدتها تورط وابتلي على قدر إيمانه ، قال الفُضيل رحمه الله( اللهم لا تبتلينا فتفصخنا ). وقال بعضعم( لولا ستر الله لافتضحنا )

وجعل هذه المقولة في أيمانه عليه الصلاة والسلام مما ينبه ويذكر وينذر، وتصبح قضية القلب حاضرة في حس كل مسلم.

وخُلوقُ الايمان في القلب من أعظم التهديدات له فتعيّن المجاهدة والدعاء( إن الإيمان ليخلَقُ في جوف أحدكم كما يخلَق الثوب فاسألوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم ) رواه الطبراني والحاكم بسند حسن.
 وأحسن الله قلوبنا وختامنا إنه جواد كريم.....!

 

د.حمزة الفتحي
  • المقالات
  • رسائل رمضانية
  • الكتب
  • القصائد
  • قراءة نقدية
  • الصفحة الرئيسية