اطبع هذه الصفحة


الفرصة الأخيرة...!

د.حمزة بن فايع الفتحي
@hamzahf10000


تعبير عن الحظ السانح، والبشرى اليانعة، والمخرج الجميل لمن يعرض له فرص كثيرة، فيبددها أو يتغافل عنها أو يلهو غير مبال ولا مهتم..!

وكم تأتينا من فرص، وتتهيأ لنا من أرزاق ومشاريع فنؤخرها، ونسوف، وقد تغيب، وتختفي أمدا ..! ويردد العوام: الحياة فرص، ويقصدون الإسراع والبدار، قبل حلول الندامة، وجثوم الحسرة .

وكم فرصةٍ لاحت ولاح نميرُها/ وأهواؤنا في ضدها تتسكعُ

التاجر يندم على ثغرات أُتيحت فأخّرها، والشباب وظائف تقاعسوا عنها، والعالم والداعية، طابت لهم مسالك فآثروا عليها أشياء أخرى وندموا بعد ذلك .

وشباب في الجامعة يتوقدون همةً ويشتعلون نشاطا، لم يستثمروا ذلك في الحفظ والتحصيل ومقارعة المعالي .

وليس عند الإنسان بعد ذلك سوى الصبر والتفكير الموضوعي المنقذ من التحير والتكاسل والتهاون .

لم تكن ( خذوا ما آتيناكم بقوة ) وقوله ( وسارعوا إلى مغفرة من ربكم ) إلا ضربا من علو الهمة والمبادرة المنيفة المنيعة التي يتكسر عليها حواجز الكسل والتراخي .

وكم في القرآن والسنن الصحاح من ساقيات دافعات إلى حب العمل واقتناص المبادرات، والفرص الرائعات .

لا تؤجل ولا تتقاعس، ولا تتمايل ولا تتكاسل.. كلمات ومضامين حاول أن تتجاوزها بالعزيمة والإصرار، وسابق إلى النفاذ والتطبيق والسلوك الأولي الإيجابي .

تجنح الفرصة الأخيرة لتعديلك، وهدايتك الرشاد، فاستثمرها للتغيير والإصلاح، وتبديل الوضعية التعيسة بوضعية أخرى جديدة.

ولا يعقل ذلك إلا من وعى واكتسب حكمة ودراية، وعركته الحياة كما يقال، وبات في أمس الحاجة للخروج من الوضع الراهن المهين .

والمكابرة حينها ضرب من الجهالة والتخلف وعدم التبصر، وقلة النصَحة والزمالة الشورية المثمرة ( وشاورهم في الأمر ) سورة آل عمران .

وأرزاء الحياة ملاذات أخيرة للعاصي والمقصر والمستكبر.

وحضور الشيخوخة وكبر السن، وتوالي الأسقام فرص قد لا تتكرر إذا تغافل المرء عنها ولجّ في دنياه عابثا مترفا، ولم يحدث توبة أو تراجعا وانتفاضة، تزيل غبار الماضي...!

لا يستطيع أحد الجزم بأنها الفرصة الأخيرة، ولكن تلوح في الأفق أنها قد لا تعود، لا سيما مع تعقد الحياة وكثرة تشعباتها، واعتقاد البعض خيبة الحظ، فالنبيه الذكي من استعجل أمره، واهتبل فرصته، ولَم يسوف، أو يتباطأ ..!

في مثل كردي جميل: أخّر غداءك ولا تؤخر عملك،،،! والطعام مدروك في أية لحظة، وأما العمل فتأخيره يعني التراكم والتأجيل وقلة الإنجاز، وضعف العزمات ..،!

الادخار وحسن التدبير فرصة المدين الأخيرة ليعيش في أمن وعزة وسلام.

وفراغ الشباب فرصتهم الأخيرة قبل ولوج دهاليز الحياة المظلمة وهمومها المتشعبة .

والشاعر بالإحباط من جراء المعاصي والذنوب فرصته الأخيرة في التوبة والاستغفار والرجوع الحثيث إلى الله تعالى .

وكروب الحياة لك ولزملائك فرص متناثرة لتصحيح المسار، والعودة للجادة، ولزوم المنهج الصحيح .

إذا تحركت همتك، وانبعثت عزيمتك، فلا تحبسها عن منالها، أو تحرمها عن مرادها، أو تخنقها عن طموحها، فلكل روح طاقة، ولكل همة مدى، فاجعلها تسبح في سعادتها، وتتلذذ بمناها...!

والفرصة الأخيرة للكسول أن يتعظ من مريض هزيل، والنومان من عمّال الصباح الباكر، والمراهق من جلَد الأشياخ، والمضطرب من نجاح العاقل، والمستعجل من صبر المسافرين .

وصلاة الفجر فرصة أخيرة لمضيعي القيام، والجمعة فرصة المنشغل أسبوعيا، ورمضان مدرسة للعائد التائب، والحج لمن لم يعرف الإسلام في أركانه السابقة وشرائعه .

وسلوا كبار السن، وكيف تأسفهم على ساعات ذهبية، ومراحل خصيبة من حياتهم ندموا أن لم يجمعوا فيها ويحرزوا أجل ثروة، وأعظم ميراث..!

والعجيب أن الفرص قد توافق نجاحا أو موهبة، واستعدادا داخليا للمرء، لكنه يسوف ويتباطأ حتى تفوت، والمقصد أن بعض الفرص يجتمع معها استعداد داخلي يزيدها طيبا وجمالا..! ولكن المقصر يسوف ويتراخى، وقد لا تتكرر آمادا وسنوات...!

وتمر بالقلب ساعات يشوق حدائق الاستقامة، فتعرض له فيؤثر هواه على هداه، ودنياه على مستقبله، وعاجلته على آجلته، فيندم ولات ساعة مندم...!

والفرصة الأخيرة شقوقات في جدار مظلم موحش، تأتيك للفتح والتغيير والتعويض، وتدارك الحال، لا سيما عند استفحال الأمور، وضياع الأحوال، وتشوش النفوس، وفقدان المسار، وضبابية المصير، والله المستعان .

كان أمام فرعون الطاغية فرصة تاريخية وقد حضره موسى وهارون عليهما السلام، وأرياه الآيات ولكنه كذب وأبى، وعاند واستكبر ..!

وتشتد بعض الفرص الأخيرة وتضيق مساراتها حتى تبيت مصيرية، إن لم تأخذها هلكت وأهلكت، لا سيما التي على مسرح النجاة، وحافة الهاوية، والطوق الأخير .

وتبقى الفرصة الأخيرة ضربا من دروس الحياة، والعاقل من لا يفرط أو يقصر أو يفوت... والله الموفق..

 ١٤٣٩/٦/٢٩

 

د.حمزة الفتحي
  • المقالات
  • رسائل رمضانية
  • الكتب
  • القصائد
  • قراءة نقدية
  • الصفحة الرئيسية