اطبع هذه الصفحة


عاد إلى البيت ولم يجد إفطارا...!

د.حمزة بن فايع الفتحي
@hamzahf10000


تخيل أنك ترجع إلى بيتك، ولا تجد ما تسُد به رمقك، لا ماءً مبردا، ولا رُطبا زاهيا، فضلا عن سفر طويلة، أو موائد شهية عريضة ..!

بعضنا يستشيط غضبا وينزل موبخا أهل بيته، ولِم لَمْ تخبروني من قبل، حتى احتاط واتجه لبعض المطاعم،،..! فلا تقدير لظرف الأهل، ولا تدريب على كظم الغيظ وفي الحديث المشهور ( لا تغضب ) رواه البخاري رحمه الله.

وربما تأفف وشتم، وتناسى أن ثلاجة المنزل لم تخلُ من بواقي صالحات، وقدور متخمات. وأن المعدة يسكّنها ماء بارد أو رغيف يابس وقد قيل: الجوع يُدفع بالرغيف اليابسِ/ فعلام أكثر حسرتي ووساوسي؟!

فاذا اعتراك هذا الشعور، فتذكر أن مسلمين صائمين يعودون إلى بيوت خالية، وموائد خاوية، قد خلت الدور من معالم الطعام، ورائحة الشراب، وفنون الفواكه والعصائر..!

وجلس بعضهم في بعض الحدائق عصرا في بعض الدول المقترة، فقال له صديقه: انظر لتلك الأسرة بأولادهم... ينتظرون من يمر عليهم بوجبات رمضان....! وكان المنظر حزينا للغاية، وقد بان فقرهم من ملابسهم ونظراتهم، فقال: نظرتُ ولكن في فؤآديَ غصةٌ/ على كل فرد قد هوَى وتكدّرا....على كل دار ٍلا ترف طيورُها/ وتلقى بها هُوناً مهينا محقّرا...!

وفي السابق قبل عقود لم يكن الآباء والأجداد يجدوا تلك الموائد الزاهرة بالأطعمة...!

وفي زمن رسول الله والسلف، كان الفقر على أشده، والفاقة منتشرة، فلا يُعرف بيت رسول بنيار الطبخ والشواء( ثلاثة أهلة في شهرين ) كما أخبرت عائشة رضي الله عنها. وغالب طعامهم الأسودان التمر والماء...؟

ويرجع قيس بن صِرمة الأنصاري رضي الله عنه من مزرعته في مبدأ الصيام في الإسلام، فيسأل زوجته: هل عندك شيء؟! فتعتذره في قصة محزنة أسيفة، وقد نام الرجل من شدة الإعياء والجوع، حتى أنزل الله( أُحل لكم ليلةَ الصيام.. وقوله( وكُلُوا واشربوا حتى يتبين لكم...)سورة البقرة .

ولم يزل الفقر يتعاظم مع اتساع الناس، وتسلط الظلم، والقانون الطبقي، وعدم حل مشكلة البطالة وتوفير العيش الكريم للشعوب المسلمة، إلا ما ندر والله المستعان.

وبعضهم فقير بئيس ينتظر عطف الآخرين، ورحمة المسلمين ليجودوا عليه بما طاب وتيسر...

وفئات تعود ولا بيت باق، أو رزق حاصل، أو نعمة منتظرة، سوى الحروب المتلاحقة، أو القلق المطبق، والخوف المتزايد والله المستعان .

وطوائف مشردة لاجئة، اضطرتها الأحداث والحروب إلى مغادرة البلاد، والعيش في الصحاري وأماكن اللجوء ، فلا هم من إفطار شهي، أو صيام رضي زكي...!!

فيا من يتأفف من النعم أو يبالغ في الإسراف، تذكر أولئك الفقراء والمضطهدين، وعش حالهم ومعاناتهم، وخذ منها عبرة وحلا، وعلاجا لإسراف طال بغيه، وعظم شره...( وكُلُوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين )سورة الأعراف .

وصائمون يعمدون إلى التصوير والتشهير، زعما أنهم يشكرون أهاليهم، وفي الحقيقة أنهم يعرّضونهم للعين، ويكسرون خواطر الفقراء والمساكين...! وفي ظل بلاد منكوبة في عالمنا الإسلامي ما ينبغي التصوير بذلك المشهد المتبلد رحمة وعاطفة، والله المستعان .

والعجيب مع تقريب خدمة الواتس لتلكم البلاد المنكوبة أحداثا وواقعا، فلا يزال بعضنا يصور ويبالغ في الإسراف، ولا يشعر بشعوب منكوبة مضطهدة مشردة...! وتصل إليهم جل تلك المشاهد، والتي تتنافى مع الوعي الإسلامي والضمير الإنساني والله المستعان .وفي الحديث الصحيح ( ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء ).

يتزايد جياع المسلمين، ولا يكاد يتحرك لهم إلا القلائل والله المستعان .. ربّ دارٍ قضت قتيلةَ جوعٍ/ والدنانير أبحر والنقودُ—- وفتاةٍ من عريها تتلوى— وحرير ثيابنا والبرودُ

ومرات كثيرة ، الجياع في أحيائنا وقليل من يهتم أو يحفل بهم، قال صلى الله عليه وسلم ( ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به ) رواه البخاري في الأدب المفرد والطبراني في الكبير وهو صحيح .
لنحاول مرة أن نعيش رمضان بتلقائية وبلا توسع مادي مبالغ فيه، ولنرضى بالميسور، فقد كان صلى الله عليه وسلم يأكل الميسور ولا يعيب طعاما قط، ولا يرد موجودا أو يتكلف مفقودا..!

ولعل في دروس الفقر والفاقة التي نشاهدها في البلدان المنكوبة أن نرحم ضعفاءنا، وأن نرعى حرمة النعم، ونترك الإسراف، وأن ندرك أن رمضان ليس شهر أكل وتجميع، أو تسابق مادي مثير، ينسينا حلاوة الشهر ورحماته وبركاته، وتلكم هي التجارة الرابحة، والمغنم الثمين الزاهي والله الموفق...

١٤٣٩/٩/٥

 

د.حمزة الفتحي
  • المقالات
  • رسائل رمضانية
  • الكتب
  • القصائد
  • قراءة نقدية
  • الصفحة الرئيسية