صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







ظاهرة التراجع الرمضاني...!

د.حمزة بن فايع الفتحي
@hamzahf10000


انطلق رمضان وقد لمعت نجومه، فانطلقنا جدا وسراعا وابتهاجا ، وغصّت المساجد بالمصلين والذاكرين .

ثم فُجاءة حصل التراجع بعد أسبوع أو عشرة أيام وبعضهم يصمد إلى العشرين ثم يدب فيه الكسل والانشغال بالعيد واستعداداته...!

وهذه قضية جديرة بالنقاش واستخراج حلول ناجعة لها، لا سيما وهي تتكرر كل سنة..!

وربما كان من أسبابها: الركون للهمة والطاقة الذاتية دون الاعتماد على الله وسؤاله البركة والتوفيق . ولذلك يستجيد الحكماء والمبتهلون سؤال الله البركة والمعونة، كما قال تعالى ( إياك نعبد وإياك نستعين ) سورة الفاتحة .

الاندفاع بلا روية ولا تركيز ، وإرهاق النفس دون مراعاة لميولها .

التوسع في المطاعم والعلاقات، والتساهل بالأوقات.

عدم إدراك معاني الصيام وغاياته وأسراره ، والتركيز على المقصود الأولي وهو الإمساك عن الطعام والشراب، متجاهلا المحظورات الأخرى..! وفِي رمضان رياضة روحية وبدنية من ألهمها أفلح وظفر، ومن ضيعها فقد حرم الخير كله...!

نسيان جوانب أخرى من العبادة، وعدم التنويع في الطاعات .

نسيان فضائل الصيام، والانصهار الدنيوي المورث للخلطة والقسوة والجفوة، حتى يصير المرء مستثقلا للطاعات .

إهمال الاستصلاح القلبي والذي هو جوهر العمل والصلاح والانطلاق والانبعاث للخيرات ( ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب ). قال الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى: ( القوم إذا صلحت قلوبهم فلم يبقَ فيها إرادة لغير الله عز وجل، صلحت جوارحهم فلم تتحرك إلا لله عز وجل، وبما فيه رضاه....) ! ويقول أيضًا: ( ويلزم من صلاح حركات القلب صلاح حركات الجوارح ) . وقال ابن القيم رحمه الله : ( اعلم أن العبد إنما يقطع منازل السير إلى الله تعالى بقلبه وهمته لا ببدنه ، فالتقوى في الحقيقة تقوى القلب لا تقوى الجوارح ).

الصيام الاعتيادي القائم على محاكاة الآخرين بدون استشعار العبادة وخلوصها لله، وعدم استغراق الزمان بالطاعات المجددة، والقُربات المنشطة، والاكتفاء بنزر يسير لا يقاوم ميلان النفس الراحة والشهوات والتوسع في المباحات .( إن هؤلاء يحبون العاجلة ) سورة الإنسان . أي يستعجلون متاع الدنيا ويؤثرونها على كنوز الآخرة ونعيمها المقيم .

ترك السنن بدعوى السنية والاستحباب والاكتفاء بمجرد الصيام الحائل دون الطعام الغذائي . كإهمال صلاة الجماعة، وجماعة التراويح المثبتة للمرء، والحافزة للعمل والانضباط ، وليعلم أن القيام لا يشرع جماعة إلا في رمضان، ومثله كاف في غرس محبة القيام وصناعة العمل، والتقوي على الطاعة واستئناس الصائم بإخوانه .

السلوك العامي في الصيام والطاعة، وعدم استشعار الفضل الأكبر وضروة المسارعة العظمى، والتنافس الأروع ( وفي ذلك فيلتنافس المتنافسون ) سورة المطففين . ومن المؤسف أن يبيت بعضهم في رمضان كالعامي البسيط، المفتقد للطموح والمبادرة...! وكما قيل : قد رشحوك لأمر لو فطنت له// فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهملِ

استسهال الذنوب المعروضة، والصور المطروحة، والكلمات المبتذلة، والتي تؤثر سلبا على الصوم وصاحبه وانطلاقاته، ويحرم جواهر المسابقة والتنافس . وفي الحديث الصحيح في المسند وغيره ( إن العبد ليحرم الرزقَ بالذنب يصيبه ). ومن الذنوب المتساهل فيها، ذنوب التلفاز والجوالات السالبة لمعاني العبادة واحترام شرف الزمان، وهيبة الصيام، ولذاك نقارف بلا تصور، ونشاهد بلت مبالاة واعتبار، وقد يكون فيها الشقوة والنقمة والمقتلة، ..! قال العلامة ابن القيم رحمه الله ( للذنوب جراحات .. وربَّ جرحٍ وقع في مقتل ). واشتهر عن الحَبر الفذ ابن عباس رضي الله عنهما : ( إن للحسنة ضياءً في الوجه، ونوراً في القلب، وسَعة في الرزق ، وقوة في البدن ومحبة في قلوب الخلق، وإن للسيئة سواداً في الوجه وظلمة في القبر والقلب ووهناً في البدن، ونقصاً في الرزق وبغضة في قلوب الخلق ). وبعضنا لا يستشعر مثل هذه الأضرار والتبعات القاتلة، ويظنه أمرا طبيعيا، أو يفسره تفسيرا مختلفا، لا يجعله يعمل على علاجه...!

عدم فهم حال النفس واحتياجها الدائم للتجديد الإيماني من خلال المسارعة والدعاء الخالص، قال الرسول الله صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه: ( إن الإيمان ليخلَق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب -يبلى- فاسألوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم ).

فيا صائمون :
تأملوا فضل رمضان، وسارعوا في لحظاته، واستشعروا الهدي النبوي، والسباق السلفي فيه، وكيف ثمراته المبهجة، وغاياته الساحرة، ونتائجه الباهرة ، وسعادته الغامرة، ومناه الآسرة، وأفضاله الختامية، وما ينتهي به المفرط والغفلان، وضخامة نداماته...! وفي الحديث الصحيح:( رغم أنف رجل أدرك رمضان ثم انسلخ فلم يغفر له ) رواه الترمذي والبخاري في الأدب ...!

قال العلامة المناوي –رحمه الله في فيض القدير:( أي رغم أنف من علم أنه لو كفَّ نفسه عن الشهوات، شهرا في كل سنة، وأتى بما وظف له فيه من صيام وقيام، غفر له ما سلف من الذنوب، فقصَّر ولم يفعل حتى انسلخ الشهر ومضى، فمن وجد فرصة عظيمة بأن قام فيه إيمانا واحتسابا عظمه الله، ومن لم يعظّمه حقره الله وأهانه )

وفيه من اللذات بحر وقد سرت/ ينابعُه الحسنى بكل جمالِ...! هو الدرُّ محفوفٌ بكل سبيكةٍ/ وكم فيه من حُسن وحلو منالِ....!

ومضة/
تراجعنا في رمضان من ذنوب مورست، ومعان رمضانية ضُيعت..!

١٤٣٩/٩/٢١


 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
د.حمزة الفتحي
  • المقالات
  • رسائل رمضانية
  • الكتب
  • القصائد
  • قراءة نقدية
  • الصفحة الرئيسية