صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







الحُضور الرمضاني والغَياب الإنساني

د.حمزة بن فايع الفتحي
@hamzahf10000


تنبيه نبوي، وموعظة موقظة للسامعين، أن استعدوا لرمضان، وتهيؤا لجماله ، وافرحوا بمحاسنه، فقد حضرت الرحمات، وحلّت البركات، وتراقصت الأفنان ابتهاجا وانشراحا .

هلّ الهلال ودقت الأفراحُ/ رمضان طل وطلت الأرواحُ

حضر بالثواب المعظّم، والمغفرة المضاعفة، والرحمات المتوالية ، والمحاسن الباهرة ، قال صلى الله عليه وسلم( إِنَّ هَذَا الشَّهْرَ قَدْ حَضَرَكُمْ، وَفِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَهَا فَقَدْ حُرِمَ الْخَيْرَ كُلَّهُ، وَلَا يُحْرَمُ خَيْرَهَا إِلَّا مَحْرُومٌ ). رواه ابن ماجة وسنده حسن .

حضرت رمضان فحضرت الأفراح، وابتسمت الأرواح، وغردت البلابل ، وشعت المساجد، وتغيرت الأجواء .

حضر رمضان فحضرت الجنان المفتحة، والنيران المغلقة، والشياطين المصفدة، والخيرات المنبعثة، والحسنات المتلهفة ...!

حضر بحُلوه وجماله، وحضر بحسنه وخصاله، وحضر بنهاره اللامع، وليله الساطع، ولحظاته العامرة، وروحانيته الآسرة..( إن هذا الشهرَ قد حضركم..).

حضر رمضان ولَم يتغير، ولكن تغير الإنسان، وبدأ يعامل الشهر الكريم بصفات مختلفات، وباستعداد عجيب..!

ثوابه وسيع كما نُقل، ورحماته زاخرة، ومغفرته شاهدة، وحلاوته يانعة.. ولكن الإنسان - إلا من رحم الله- يستقبله بمبالغات الصرف في الطعام والشراب، وبمشتريات غريبات، تجعل الطعام سمة غالبة.. ولكأننا لم نأكل أو نعرف الطعام من قبل...!

وفِي ذلك خطورة على السلوك في الأداء والهيبة والتوقير، ويرتبط المعنى الطعامي بعقول الصغار، فيشبوا على رمضان المأكولات والمطعومات.... وليس القيام والصيام ومحاسن الأخلاق ...!

وفِي عشره الأخيرة ليله باهرة، وسهرة إيمانية خالصة، قد تعطرت بمباهج الحُسن والجلال، وهي ليلة القدر المباركة ( إنا أنزلناه في ليلة القدر ) سورة القدر. وهنا في الموعظة النبوية قال:( فيه ليلةٌ خير من ألف شهر ).

ومن لم يهتم لرمضان، ويستقبله استقبال أهل الدنيا قد لا يكترث لليلة القدر، وتمضي عليه وقد لجّ في الأسواق مسارعا فيها ومقاتلاً على بضاعاتها.... ( من حُرمها فقد حُرم الخير كله )..!

سنغيب في رمضان إذا جعلنا الطعام أكبر همنا ومبلغ علمنا، وأن زحامنا في الأسواق لمؤذن بتحول خطر في فهم الشعائر الإيمانية ومقاصدها...!

ويغيب المؤمن في رمضان إذا عامله معاملة صديق عابر يسلم عليه وينصرف... ونحن إذا استقبلنا رمضان بالصيام العابر، والإمساك الظاهر، فقد فاتنا خير عظيم، وثمرات نادرة..!

( إن هذا الشهر قد حضركم ) شهر مميز، وموسم مفضل، وأيام معدودات، وساعات زاخرات، هي ملأى بالأجور، وأحيطت بالدثور، واستنارت بالخيور...! فكيف يضيعها غافل عاين فضلها، وشم ريحها، أو استطعم حلاوتها...؟!!

رمضان فينا حاضرةٌ مفاتنه، باسقة أفنانه، رائعة موائده، ولكن الإنسان قد يغيب، وينغمس في عاداته اليومية، وأعراف ما أنزل الله بها من سلطان، فيكتفي بصيام منقوص، وقيام مختل،،! وتذهب الساعات سدى، بلا وعي ولا تفكير ...! ( أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا ) سورة المؤمنون .

وترى عبثنا في المصروفات والمطعومات واللقاءات، حتى أضحى رمضان موسم أكل ولعب وجولات فنية، وصولات درامية عبثية....! أسمى مقاصدها ومراميها اختزال الشهر في دنيويات تافهة، وتفريغه من جوهره الحقيقي، المتمثل في إصلاح الإنسان وزيادة معدل التقوى والإخبات...! (لعلكم تتقون ) سورة البقرة .

لن تحضر في رمضان حتى يحضر قلبك، ويستيقظ ضميرك، وتشعر أنك مخاطب بهذا الشهر، وأن سياط الرمضاء تنبهك وتنذرك أن لا تهمله وتذهب به في الفلوات الضائعات ( رُبَّ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلَّا الْجُوعُ، وَرُبَّ قَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ إِلَّا السَّهَرُ ).

فيا من بلغه الله رمضان تذكر فضائله ، وعش مزاهره، وتأمل عجائبه، وغص في نفائسه، وخذ على نفسك عهد الجد والجهد، وميثاق النبوية والمبادرة ( بادروا بالأعمال ..).

وفِي الحديث معنى التهنئة والتذكير، ومغزى الحث والتنبيه، وأن الناس صنفان: فائز ومحروم، وناجح وخاسر، وجاد ومفرط، ويقِظ وغافل( ولا يُحرم خيرها إلا محروم ).

وفِي حضور رمضان تحريك للهمم، وتنشيط للعزائم، وأن الساعة والتبشير به كاف في الاهتمام والحفاوة والمسارعة ( وسارعوا إلى مغفرة من ربكم...) سورة آل عمران .

فلا تغِب يا صائم.. ولا تغِب يا قائم، وسارع الطاعة، وسابق الإحسان، وإياك والغفلة ومجالس اللهو، أو أندية اللغو، ولو باسم التلاقي والتنفيس ، ودعوة الآخرين، فإن الغفلة جائحة، و الهوى غلاب، والراحات خطافة..!

فاحضر للشهر الكريم بهمة عالية، ونية خالصة، وروح متوثبة، ومسارعة متفانية، وتذكر أنه أيام معدودات، تُختطف سريعا، وتنسلخ بلا مقدمات وإرهاصات ، والله المستعان .

والمحروم هو من لا يحفل برمضان، أو ينشغل عنه، أو يغوص في غفلاتة، ويتجاسر على معاصيه، ولا يجعل منه عبرةً للمعتبرين، أو عظةً للمتعظين..!

وإن من الحرمان أن لا تحركه نصوصه، ولا تجذبه فصوصه، ولا تستحثه رجاله وصوامه، أو تستدعيه فنونه وغصونه...!

ففي رمضان أمهات الفضائل، وجواهر المحاسن، ومعالي النفائس والأطايب... فكيف لعاقل رزين، أن يغيب عنها أو يتجاهلها، فجِدّ عبدالله، وسارع في حدائق المسارعة، وانطلق إلى أفانين المسارعة والتنافس ( وفِي ذلك فليتنافس المتنافسون ) سورة المطففين .

فاللهم بلغنا رمضان، واكتبنا فيه من المسارعين الفائزين... ١٤٤٠/٩/١هـ
 

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
د.حمزة الفتحي
  • المقالات
  • رسائل رمضانية
  • الكتب
  • القصائد
  • قراءة نقدية
  • الصفحة الرئيسية