اطبع هذه الصفحة


رمضان بغير الأحبة...!

د.حمزة بن فايع الفتحي
@hamzahf10000


ما أجملَ الاجتماعَ الأسري في رمضان، والترابط العائلي، والإفطار المشترك ، تشعر بينابيع الحب تنصب على القلوب، ورياحين الوداد تغطي المكان .. تحاب وتواد، وخلق وتواضع، وأنس وتضاحك، وطعومة للعيش والصوم لا نظير لها...!

وفُجاءة يحضر القدَر، ويتخطف الموت أصحابه، فينقص العدد، ويضعف الاجتماع، وتقل البهجة، ويعلو الاعتبار ...! وتشعر أن لا طعومة، والارتياح ولا استقرار... لولا أن ذلك قدر محتم، ووعد مؤكد، آمن به الجميع ...!( كل نفس ذائقة الموت ) سورة آل عمران .

وأحُس بالشهر العظيم مغايرا/ من فقدِه والورد لا ألقاهُ... طاب الزمانُ برمزه وحضورِه/ والآن بعد فِراقه أنعاهُ... أبتاه يا نبضَ الوئام وريحه/ جفّ اللقاءُ وغاب من يرعاه...!

يدخل علينا رمضان هذه السنة، وقد افتقدنا كريما غاليا علينا- والدنا رحمه الله- نتذكر أنسه وضحكته، وصلاته وأذانه، وحرصه ومحبته، يسلم علينا ويهنئنا بالشهر، وقد أشرقت منه الأسارير، وطابت منه التراحيب .

وقد رأيته أول الشهر وكأنه يؤذن في مسجد، صوته وحسه ونبرته المعروفة، وأرى قفاه ووقفته،،،، وقد دخلت ذاك المسجد، فجدد عندي الانشراح، ولعلها رؤيا خير له وحسن عاقبة، لا سيما وقد عُرف بالأذان في مسجد الاستراحة، أو كان أول الداخلين ولَم يحضر المؤذن ....!

ويهُب مباركاً لجماعة المسجد ، وواصلا للأرحام ، حتى من هو أصغر منه سناً، وأقل قدراً... ولا يحسب معايير الناس،... على رأسه تاج التواضع، وتظلله خيمة الحلم والصفح ( والعافين عن الناس والله يحب المحسنين ) سورة آل عمران .

تذكرته ونحن صغار، والصلاة هاجسه، والمصحف في يديه، وصوته يدوي في أنحاء المنزل...!

يشعرك بأن رمضان شهر القرآن والتسامح ، ويحثنا على ذلك...!

تذكرته والسفرة القديمة والأطباق المحدودة وطعومتها الرائعة، ثم السفرة الحديثة وتنوعاتها ومبالغاتها، ولكنها تحلو بوجوده، وبكلماته وتوجيهاته، ولا تخلو من قصصه وطرائفه .

ينام مبكراً كطريقة الأوائل، ولا يعرف السهر، والسحور أساسي لديه ، والصلوات في أوقاتها، ويحضر الطلبات اليومية بانتظام، ولما طلعنا على الحياة أراحه الأولاد، وأذكر أنني أحضرتها مدة وأنا صغير..!

وفِي رمضان لديه انعطافة على المساكين، يصلهم بيده، ويرفق بهم، ويهدي إليهم، ولما مات ذكر لي غير واحد ذلك، وأنه ما رد سائلاً قط، ويؤثر التواصل والتراحم، ولا يترفع على الفقراء والمحتاجين .

وبرغم أن شخصيته سمحة في الجملة لينة، إلا أنها تزدان حُسنا مع رمضان، ويستشعر حاجتهم في الأحياء وعند أبواب المساجد، ويبعثنا الى بعضهم في بيوتهم .

وفِي صومه عفّ اللسان، قليل الكلام، ولَم يكن من جيل السهرات والسمرات الرمضانية اللاغية...!

وصوّمنا في أبها قديماً مرتين- وقت انعدام الكهرباء في محايل- وكان يغيب عنا وأستغرب غيبته، فأسال : يقولون في العمل والدوام، ولا يأتي إلا آخر الأسبوع، فإذا جاء تهلل البيت فرحا، واتسعت السُفرة، وتجددت عندنا أفانين الفرح والسرور .

وتشعر بامتلاء الفرحة الرمضانية، وقد تكاملت الأسرة، وزاد عليها حضور الأقارب من مدينة جدة، فطابت الفرحة، وازدانت مباهجها .

وانشرح الجميع بغصون السعادة المكتملة : أنسام أبها الجميلة، وسهولة الصيام، واجتماع الوالد والأحباب ...! ولا زلت أذكر نسائم ذلك اللقاء... أو كل الشهر ، وما خالطنا فيه من سرور ولطائف روحانية .

والسحور سنة مؤكدة في حس الوالد، ويوقظ له البيت كله، كبيرهم وصغيرهم، ويمر على مفارشهم مذكرا ومنبها .

وورده القرآني بُعيد العصر وليلا أحيانا، وما قبل الإفطار، وهذه كان يواظب عليها، ويعتقد أن لها صلة بالدعوة المستجابة عند الإفطار ، فيدعى وهو واضع للمصحف .

ويخص بصدقة الفطر جيرانه من الفقراء، ويزيدهم على كيس الأرز نقودا، وكنت أوصلها بعيد الفجر وقبل الصلاة، وهو أفضل أوقاتها ، وبذلك عرفت المحتاجين في الحي حينما كبرنا .

فيا صائمون: حافظوا على أهليكم واجتماعكم بأحبابكم، واستثمروا فرصة وجود الأبوين ( وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا ) سورة الإسراء .

ومن لديه أسفار وأشغال تخفف منها قدر الإمكان، وعِش أروعَ لحظات الاجتماع والتصافي الرمضاني .

ورمضان يحلو بالأسرة وكبيرها وأبويها وصغارها ، وطلاوة الاجتماع، إفطاراً وسحورا، وقد قال زيد بن ثابت الأنصاري في الصحيح على وجه الافتخار والتبعية ( تسحرنا مع رسول الله...)

فاجتمعوا بلا جفاء، وتواصلوا بلا قطيعة، وافرحوا مؤمنين صائمين، فما أجمل الإيمان ، وما أروعَ الصيام والقرآن، تقبل الله منا جميعا، وختم بالصالحات أعمالنا .

١٤٤٠/٩/٧هـ

‏‫
 

د.حمزة الفتحي
  • المقالات
  • رسائل رمضانية
  • الكتب
  • القصائد
  • قراءة نقدية
  • الصفحة الرئيسية