اطبع هذه الصفحة


آتيناه آياتنا فانسلخ منها...!

د.حمزة بن فايع الفتحي


تعبأ بالعلم واحتشى، وذاق حلوه واحتسى، حتى اذا اكتملت الرحلة، وطابت الثمرة، أمتها الغوائل لتنهشها، واغتمت بها المناكد لترهقها،فإن استسلمت ولانت تورطت، وإن أبت وحادت، نجت وارتفعت، وضربت أروع الأمثال في الصمود، ورفض الابتزاز، وتجاوز سلالم الابتلاء،،،!
وما أروعَ قول القاضي الجُرجاني رحمه الله:

أأشقى به غرسا واجنيه ذلةً// إذن فاتباع الجهل قد كان أحزما ..!!

(( ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين )) سورة العنكبوت .
والمخزي هنا، أن العلم بمكوناته من الخشية والوعي والبصيرة، وإدراك العواقب، قد ينكسر لضعف صاحبه، او اغتراره بالدنيا، او خوف البطش والمحاصرة، ولذلك ينقلب انقلابا كارثيا بعض الأحيان، فيمكن الجهلة ، ويعادي الأخيار، ويتقرب للمترفين، ويبيت من تجار الدنيا وليس ممن قال الله فيهم : (( الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون احدا الا الله ))سورة الأحزاب .
وقد يزعم بعد ذلك كله، والفضائح المتعاقبة، أنه يختط الفقه الشرعي السليم، ويتوخى الحكمة المنشودة ، فيزين له الشيطان باطلا فوق باطل، الى ان يبيت عبدا لهواه، جاريا ، وراء دنياه ومناصبه ولذائذه،،،!فيشتري بآيات الله ثمنا قليلا، ويشوه الدين، وينتهج التحريف، ويغدو ممن علم وتعلم، ولكنه استهوى واستذل، ليصيب متاعا من الدنيا قليل،،،!!
(( ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد الى الارض واتبع هواه ))سورة الأعراف .
فواحسرتاه على علم بُذل، ووقت أُضني، ونفس طارت وضحت، وكتب عُلقت، وكراريس سُودت،، ثم انتهى الأمر ، فلا مقام للقران وبيناته، او الأحاديث وأفنانها،،،! رغم انه حفظ وحفظ ، ودقق ومهر، وجد والتهب،،،! وسهر الليالي، وقطع المسافات ليلتقي ويحصل، ويضبط ويتقن،،،،! ولكن هيهات ،،،!
لمعت أمامه الدراهم، واخضرت المتاجر، وازينت العلائق، فركب المركب، ودب في المعطب، وصار من تبَبٍ الى تبب، متورطا في الباطل، قد جهم وجهه، وساءت أخلاقه، ،،!!

ومن صور انسلاخ العالم وصيرورته عالم سوء وخيبة، تحت (المدرسة البلعامية)، بلعام بن باعوراء، ما يلي :

1/ تحليل الحرام وتحريم الحلال محاباة للسلاطين، او التقرب للوجهاء، او لنيل مال او منصب،،،!
2/ منافقتهم الى درجة السخف والمبالغة والطغيان ، من نحو قول ذاك الضال في سفكة الدماء، إنهم كالأنبياء صلاحا وفضلا واستنقاذا،،،!! كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولوا الا كذبا،،،!
قال وهب بن منبه رحمه الله( إن للعلم طغيانا كطغيان المال ).
3/ جعل العلم مطية الى دنيا، او منصب، او حيازة شرف او منَعة ،،،!!
(( لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت )) سورة المائدة.
فلا إخلاص يطلب، ولا صدق يؤمل، ولا ارتياب أن نهايته حينئذ مؤلمة وقد قال حماد بن سلمة رحمه الله( من طلب الحديث لغير الله مُكر به ))
4/ استخدام العلم لمصالحه الذاتية، ورغباته الشخصية .
5/ تطبيقه على الناس وليس على نفسه وسلوكه.(( أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم أفلا تعقلون ))سورة البقرة.
وكلما أوغل العالم المضل في ذلك، فارقته الهداية، وفقد حلاوة العلم ورونقه، وبات يتفلت بلا حياء، ويتعامل بجلاء خالص، الى أن يصل الى النهاية البئيسة، وهي الانسلاخ، والمحاماة عن الباطل، وكتمان الحق، والشعور بثقل البراهين، والإفاضة في تتبع الرخص ،،،!!
6/ توظيفه للانتقام والتشفي من الآخرين ، وذاك بسوق الأدلة، وحبك البراهين التي جاءت لفئام مخصوصة، فينزلها في الصالحين الصادقين، لهوى او خلاف او دنيا ونفاق،،،!
ويجمَل ذلك بحسن منطق، او روعة عبارة، فيفتن الناس ويغرهم وقد صح في الحديث (( أخوف ما أخاف على أمتي كل منافق عليم اللسان )) رواه احمد والبزار.
والله الموفق،،،

1436/1/21هـ

 

د.حمزة الفتحي
  • المقالات
  • رسائل رمضانية
  • الكتب
  • القصائد
  • قراءة نقدية
  • الصفحة الرئيسية