اطبع هذه الصفحة


من حكمة الخمسين...!

د.حمزة بن فايع الفتحي
@hamzahf10000


تمرّ الأيامُ سراعا، وتجري السنوات بلا حسبان، ولا تحس إلا وقد دَهمك العمر، وتبدلت الأمور، وصرت معدودا في الشيوخ، وفِي الكبار، وتنادى ( يا عم )..! وقد تعمى عن عبرة، أو ادكار، أو تزود واتعاظ ...! ولما بلغ هنا مبلغه، وطارت به السنوات، فاضت القريحة هذه القصيدة، لعل فيها مقاصد العبر، ومقتصد العمر، ومقصود الكلام، والله المستعان....


رنّت عليَّ سنيّي اليوم بالعَتبِ/ أما لكم عبرة فالدهر في غيَبِ ؟!
بلغتُ خمسينَ يا للَهول وا عجباً/ مما أراه وما قد كان من لَعبِ!
بلغتُ خمسين والأفراحُ نائيةٌ/ليست كأزمانِ سفِّ الكعكِ والطرَبِ
بلغت خمسين لم أشعر بعاقبتي/ هلا اتعظتُ فإن اليوم كالذهبِ؟!
مرّت علينا بلا وعيٍ وتذكرةٍ/وكان مكنونُها كالطيف والكذبِ

مَن ذَا يصدّقُ أن العمرَ مختلفٌ/ بذي الحياة وقد يُرديك بالعطَب ؟!
أحقاً اليوم خمسونا بلا مَهَل/ ماذا يصيرُ بهذا المُدنَف التعِب؟!
قضّيتُها في ربوع الأرض معتمدا / على الإله فيا ربي بلا نشَبِ
يكفي من الهم ما ذقناه مكتنفا/ بالياسمين وبالأنكادِ والنصبِ

هذي الحياةُ فلا طيبٌ ولا سعَدٌ/ غير الشقاء وكم في الدار من عجَب!
رياضُها حلوةٌ والموت كدّرها/ والموت كدّر صفوَ العاقل الأرِب
بلغتُ خمسين ما حالي وما أرَبي/ لم يبقَ للمرء غيرُ الذكر والكتبِ

لم يبق للعاقل الوثاب غيرُ رجا/ إلى الإله وصبُّ المدمع السكِب
يا آل خمسين مدّكَّرا ومعتبَراً / هبّوا جميعاً فإن الخوف لم يَغبِ
وأطبقت سُبْلُهُ في كل ناحيةٍ/ والمرءُ ما بينَ تخييلٍ ومُرتقَبِ

إني تذكّرت أيامي ومَروحتي/ بين الزقاق وذاك القلب في طيَبِ
تعقّد الحالُ والدنيا على جُرُف/ من يفرح اليوم يلقَ العمرَ في ريَبِ
إن السعادة للأطفال وا كُربي/ من يُرجعِ اليوم طيفَ التين والعنبِ؟!

من يُهدِ للشيخ ألطافي وأحلامي/ من ينقذ الروحَ من غم ومن كُرَب؟!
تبدّل القومُ والدنيا لهم حُفرٌ / وأوجس القلبُ للتذكار واللُّعَبِ
وددتُ والله ريحاناً ومنسمةً/ من القديمِ ويومَ الأنسِ والرحَبِ

وددتُ والله أنغاماً لنا انسكَبت/ عند الهُيام ومرأى الضاحكِ اللعِبِ
كنّا صغارا ولكنْ فينا مروحةٌ / من الصفاء ووصلٌ غيرُ منقلِبِ
إنِ اختلفنا ففي غدِنا لنا طللٌ/ نهفو إليهِ بلا حقدٍ ولا حَرَبِ

خمسونَنا لم تزل حُلماً وداخلُنا/ روحُ المضيّ لذلك المحفل الذهبي
به ابتهجنا وعشنا مثلَ كوكبةٍ/ على العَنان وهلَّ الحُبُّ كالسُّحُبِ
طفولةٌ حلوةٌ كالبدر آنقَها/ زهرُ الصفاءِ بلا كيدٍ ولا وصَبِ

لو انتُدبتُ إلى مجدٍ إلى حُلمٍ/ لم ترغبِ الروحُ غيرَ المرتعِ العذِبِ
فاعلُوا سماحاً وطيْباً غير َمكتئبٍ/ فالفائزُ اليوم من يعفو بلا سببِ
والفائزُ اليومَ وضاءٌ بلا ثمنٍ/ يرجو العطاء ويرجو خيرَ محتسِبِ

١٤٤٠/١١/٤هـ

 

د.حمزة الفتحي
  • المقالات
  • رسائل رمضانية
  • الكتب
  • القصائد
  • قراءة نقدية
  • الصفحة الرئيسية