اطبع هذه الصفحة


رحَماتُ الكهفِ الأُسبوعية...!

د.حمزة بن فايع الفتحي
@hamzahf10000


سبحان الله، رحماتٌ تُنشر كل جمعة، ونتغافل عنها، وتبث أسبوعيا ونتجاهلها، وتتردد على الدوام، ونحن في دوامة من الغفَلات والانشغال الدنيوي... !!

هلا اتعظتَ بذاكَ الكهف وا عجبًا ... ممن رأى الكهف ما صلى ولا صاما... تلك القرونُ وما أبدته من عجبٍ...هلا وجدتَ لهم ذكرا وإعظاما .،! ينبه الله بالجُمْعات ما نفضت .. غبارها النفسُ طغيانا وإجراما ...! حوادثُ الكهف فتيان لهم مقةٌ...إلى الإله وقد فدّوه إقداما ...! تهيّبوا اللهَ ما هابت لهم قدمٌ...عند الشرور ولا ذلوها إرغاما...! آووا إلى الكهف فانزاحت لهم كربٌ...وأطبق الكهفُ إرفاقاً وإطعاما...! وقلّب اللهُ أجسادا لهم خشَعت... تلك السنين وما لاقت ولا ذاما..!

( فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقًا ) فحضرت لهم رحمات، ونزلت بهم بركات من الحفظ والتأييد والتثبيت .

ولنا فيهم قدوة، إذا استمسكنا بديننا، وصنا شريعتنا، ولم ننهزم أو نبدل أو نغير ..! ومن تلكم الرحمات والومَضات:

أولًا: في تلاوتها كل جمعة تذكير بإيمانهم وصبرهم وثباتهم، وما انطوت عليه السورة من دروس أخرى .

ثانيا : أن الكون كله بيد الله، ولا يمكن لمخلوق أذية مخلوق إلا بعلم الله وأمره ، فقد نجاهم الله من بطش الظالم، ومكر قومهم ، وكما في وصية ابن عباس( احفظ الله يحفظك ) ، فقد دلت على سنة الله في الحفظ والنصرة . ( ويهئ لكم مرفقا ) أي يَسْهُل عَلَيْكم ما تَخافُونَ مِنَ المَلِكِ وظُلْمِهِ، ويَأْتِكم بِاليُسْرِ والرِّفْقِ واللُّطْفِ.

ثالثا: ذكرى بالتوحيد وصدعهم به، وأن هذا الكون دليل على وجود الله ووحدانيته واستحقاقه للعبادة ( إذ قاموا فقالوا ربنا ربُّ السموات والأرض لن ندعوا من دونه إلها ) . فهو الخالق الحق، المستحق للعبادة .

رابعاً : فضل الرفقة الصالحة ( سبعةٌ وثامنهم كلبهم ) ( فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى ) وهو من وسائل التثبيت والشورى والسلوان والمذاكرة .

خامسا : الصدع بالحق والقيام بالدِّين ( إذ قاموا فقالوا ربنا ) وعدم الخوف والتردد .

سادسا: إيثارهم الإيمان على الدنيا، والهدى على المتعة، والتعب على الملذات ، فقد لقوا فيه أنسهم وسعادتهم .

سابعا : صبرهم على البلاء والمحاسبة الظالمة ، مع صغر سنهم، وحوارهم بالعقل والمنطق ( لولا يأتون عليهم بسلطان بين ) . أي دليل واضح لا شك فيه .

ثامنا : سؤالهم دائما طلب الرحمة والرشاد من الله، دليل على أن المؤمن لا يغتر بدينه، ولا يركن لاستقامته ، وهو دائم اللهج، كثير الذكر والتوكل على خالقه( وهيئ لنا من أمرنا رشَدا ) .

تاسعاً : فضل الاجتماع الشبابي على خير وذكر ومنفعة ، وأن الإيمان مفتاح الخيرات ( إنهم فتية آمنوا وزدناهم هدى).

عاشرًا : أن الإيمان لابد له من تغذية وتنمية، وتوسيع وتعميق، فلا يدوم مع الهجران، ولا يستقر مع الذنوب والطغيان . والذي يزيده أعمال صالحات، ومبرات وصدقات .

حادي عشر : أن المرء يقوى إيمانه بإخوانه ، ويشتد بحضورهم ودعمهم .

ثاني عشر: حفظ الله لعباده المؤمنين، وتجنيبهم كل الشرور والمخاطر ( لو اطلعت عليهم لوليتَ منهم فرارا ولملئت منهم رعبا ).

ثالث عشر: بيان قدرة الله العظيمة، في إيوائهم الكهف، وميلان الشمس عنهم، وانتفاعهم بالهواء، وفي بعثهم بعد ثلاثمائة سنة وتسع، من المنام الطويل ، وهو رد على منكري البعث في زمانهم، فنبههم الله بهذه الآية العجيبة، لأنها من دلائل القدرة .

رابع عشر: التماس الطعام الطاهرِ الطيّب ، فلم يسوغ لهم جوعهم أكل أي شيء ، بل طلبوا أطيبَه وأزكاه ( فلينظر أيها أزكى طعامًا ..) .

خامس عشر : استيقاظهم بدون متاعب وأعباء، وقد سكنت أرواحهم، وطابت قلوبهم، وتم الأمن والهدوء... فلم ينلهم سوى جوع يسير، طلبوا لأجله الطعام..!

سادس عشر: ثباتهم الساطع بالإيمان، ورفضهم دين قومهم، وخشيتهم القبض عليهم ، فينتفي الفلاح، وتهدر الحياة( أو يعيدوكم في ملتهم ولَن تفلحوا إذاً أبداً ) .

سابع عشر : قوة يقينهم العجيب، الذي انقشع لأجله الخوف، وازدادوا إيمانا مع إيمانهم، فلم يخشوا الدوائر، وجاءتهم المناعم والمرافق ( ينشر لكم من رحمته...).

ثامن عشر : فضل العزلة في زمنها وشرطها، الحامية من الخطر، والحافظة من الانحراف والتبدل ( فأووا إلى الكهف ).

تاسع عشر: فضلُ الرشد وأهمية طلبه وسؤال الله عنه ، لأنه ضمان العقل والسلوك ، وهو خلاصة الهداية ، ومن لم يرشد زلَّ صوابُه، وغاب عقله ، واشتدت حيرته، وبات مرتعا لكل ناعق وصاعق ...!

عشرون : عدم الاستهانة بالفتيان ونباهتهم المبكرة، وأن الهداية بيد الله( فتية آمنوا بربهم ). فكيف إذا حظوا بتربية خاصة، وتوجيه آسر، فبلا شك سيكون له أعظم الأثر والعاقبة .

واحد وعشرون: حملهم لكلب الراعي معهم، فيه ما فيه من الرفق وقد حاز شرف صحبتهم( وكلبهم باسط ذراعيه بالرصيد ) أي الفناء خارجا عنهم . قال بعضهم: كلب أحب قوماً فذكره الله معهم، فكيف بنا وعندنا الإيمان وكلمة الإسلام وحب النبي وآله وصحبه، وقول الله (ولقد كرمنا بني آدم) الآية، وفي هذا تسلية وأنس للمؤمنين المقصرين عن درجات الكمال المحبين للصالحين والأنبياء والعلماء المخالطين للأولياء والأصفياء.

ثم عرجت السورة على ثلاث قصص، فيها خطر المال، والعلم، وفتنة السلطان.. ( الرجلين والجنتين، وموسى والخضر، وذي القرنين ) وفيها من الدرس والحكمة والموعظة ما لا يخفى ، وقد أشير إلى بعض ملامحها في مقالات سابقة، والله الموفق .

١٤٤١/٤/٢٩هـ
hamzah10000@outlook.com

 

د.حمزة الفتحي
  • المقالات
  • رسائل رمضانية
  • الكتب
  • القصائد
  • قراءة نقدية
  • الصفحة الرئيسية