معركة القلم (٢)...!

د.حمزة بن فايع الفتحي
@hamzahf10000

• هو سلاحُكَ عند انعدام الأسلحة، وقوتك وقت اضمحلال القوى، وشعارك زمن سقوط الشعارات، ومجدك الذي تسامي به الأمجاد...! ولذلك إذا فُقهت رسالته، خضتَ به البحر العُباب، ولم تبال بالنقاد والأضراب ، لا سيما للمحقين الألباب .

• فهو لايزال خائضًا لمعارك مختلفة، يُحق الحق، أو يبطل الباطل، أو يشرح الأفكار، أو ينشر الأزهار ، وليس بالضرورة أنها معركة جدلية قاسية، بل قد تكون معركة لإثبات واستحقاقات الكتابة الهادفة ، والفكر الرصين، والشموس المستطابة .

• وفيه قوةٌ تختلف عن باقي القوى، وطاقة تفوق كل الطاقات، ومن ثم خشِيَه الكبار، وتهيّبه العظماء ، وحسب حسابه الشرفاء، وتمناه من عرفَ قدره، واستطعم مجده وفضله .

• ومن تلك المعارك التي هو بصدد التصدي لها :

• معركة الإبداع : يكتبُ ليستروح َالناسُ نبضاتِ القلم الصاعدة، ومنائره الزاهية ، وليُري الناسَ فن الكتابة وكيفية امتطاء القلم ..! فكم من كتاب يقسرك على إتمامه، وآخر تضيق من مقدمته، وقلم سيال يجتر عقلك، وضده معقّد يزكمك ويعصرك، وهي مواهب يقسمها الله تعالى ، فلا يتقاله إلا جاهل أو خامل ، وقد قال بعضهم: ( ‏القلم أصمُّ يسمع النجوى‏، وأخرس يفصح بالدعوى‏، وجاهل يعلم الفحوى‏) ‏‏.‏ وإنما عُرف الأسلاف والأعلام بالأقلام الغاليات، والكتابات الفائقات كالأئمة الأربعة وأئمة الحديث والتفسير وأشباههم، والأساتذة الأفذاذ من أئمة اللغة والأدب ومشاهيرهم .

• معركة الكفاءة : يثبت من خلالها كفاءته الإنشائية والبلاغية، ومقدرته العالية على امتطاء القلم، والتصدر للتحليل والتبيين والتنظير . قال بعضهم:( الأقلام مطايا الفطن‏) . نحو ما تجد عند الأئمة المحققين كالنووي وابن الجوزي وابن تيمية وابن القيم وابن حجر والعراقي رحم الله الجميع .

• معركة الإقناع : حين تنازعِ الآراء ، وضعف القناعات ، فيقيم الحجج، وينشر البراهين، فتجرف كل الأهواء .... ! وهذا تجده لدى الغزالي والقرافي، وابن القيم، وابن هشام وابن رجب وابن خلدون وغيرهم رحمه الله .

• وأشوقه القلمَ البهيَّ ولذتي... في فوحه وحُدائه الدفاقِ..! أنا إذ أعيش فسلوتي في نبرهِ... ولنبره شكولاتةُ الترياقِ .،! لا ليس يُشبههُ الجمال وسحره... كلا ولا مالُ الفتى التواقِ..! أسمو به أو قد أصيدُ فريسةً... حسناءَ من شهدٍ ومن أطواقِ..! كلُّ اللذائد دونه بمراحلٍ...ولذيذه كالنور في الأحداقِ...! هذي هي الأقلامُ سر وجودنا ... ورحيقنا في قفرةٍ ومحاقِ...! سنظل نسكب للحياة نسيمَها... ونُغيثها بالوعي والإشفاقِ..! وإذا يَعزُّ الصوت فالقلم الذي ... في جوفنا كمباهج الإيراقِ... فيزفُّ للخلق الضياءَ ويرتقي... بالعقل عن معنىً وعن أذواقِ..! قلمٌ كصارم "خالدٍ" ومحنّكٍ.. بالحذق يُغدق أيَّما إغداقِ...!

• معركة الملء: يغطي الساحات، ويملأ الفضاء، وينشر الورد والزهر، بعد استنقاذها من طبول جوفاء، أو سُذج مهرجين، أو متجولين تائهين ..!

• معركة الإصرار : الرافض للذل والضيم، والجهل والسفه، وكل صور التسطيح الثقافي والاجتماعي ..! وهذا تلقاه عند أذكياء العلماء، وطبقة المفكرين المشتغلين بالدفاع عن الإسلام وقضاياه ، ونقص شبه الأعادي .

• معركة الدفاع: عن الحق وأنواره، والهدى وسبله، والدعوة ورجالاتها ، والعلم وأقطابه . ككتاب الردود ضد الأعداء نحو الغزالي وابن حزم وابن تيمية وهو ظاهر في مسيرته العلمية ككتبه منهاج السنة ونصيحة الإخوان، ونقض المنطق وغيرها، وتلميذه ابن القيم في الصواعق المرسلة وعدالة الحيارى وغيرها .

• معركة البيان : المحافظ على اللغة وجمالها ، واللسان وأساليبه، والملافظ وسرها، والكلام وفصيحه وبليغه ( الرحمن خلق الإنسان ، علمه البيان ) سورة الرحمن . وليس كل كاتب لغوي مبينًا فصيحًا ، ولكنها مهارة تكتسب مع مرور الأيام ، وذلك مما يصقل الشخصية دينا وفكرا، ويورثها الرفعة والمكانة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية _ رحمه الله :" أعلم أن اعتياد اللغة يؤثر في العقل والخُلق والدين تأثيراً قوياً بيناً ، ويؤثر أيضاً في مُشابهة صدر هذه الأمة مِن الصحابة والتابعين ، ومُشابهتهم تزيد العقل والدين والخُلق ".

• معركة السمو الخلقي: الذي يحعلك تترفع عن السفساف، وترتقي الى الألطاف، فلا تقول إلا خيرا، ولا تبث إلا نوراً وذكرا ، وتشيع في ربيع الكتابة مزامر الخلق الحسن، والأدب الرفيع، فلا يرفعك إلا أطايب الكلم، وروائع الحكم، وليس التهجم واستعمال معاور الجُمل والسقم ...! والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل .

١٤٤١/٦/٩هـ

hamzah10000@outlook.com