اطبع هذه الصفحة


جيئةُ الحقّ وزُهوقُ الباطل..!

د.حمزة بن فايع الفتحي
@hamzahf10000


لتكن قلوبُنا منشرحةً بجيئة الحق وغلبته على الحياة دائما، فإنه كلمة الله، ووعده وقدره المحتوم، لا مفر منه ولا محيص...!

مهما اشتدت الظلمةُ، وجلجَل الباطل، وتضاعف الشر، فإن له نهايةً، وتنتظره عاقبة، مؤذنة لولادة الحق، وسطوع النور، واندحار الشرور والأخطار ، قال تبارك وتعالى :( وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا ) سورة الإسراء .

فالحقُ أبلج منير، والباطل لجلج قمئ، قد بانت عيوبه، وظهرت خسارته، وأنه محيط بأهله، بائر بأصحابه .

وقد روي عن ابن مَسْعُودٍ رضي الله عنه ( أنَّ رَسُولُ اللهِ ﷺ دَخْلَ مَكَّةَ وحَوْلَ البَيْتِ ثَلاثُمِائَةٍ وَسِتُّونَ صَنَمًا، فَجَعَلَ يَطْعَنُها ويَقُولُ: " جاءَ الحَقُّ وزَهَقَ الباطِلُ إنَّ الباطِلَ كانَ زَهُوقًا " ) .

الحق باقٍ ثابث ولو قلّت أنصاره، وضعفت عدته، والباطل هالك مضمحل، ولو تضخمت قوته، وتضاعفت أتباعه ، فمصيرهُ إلى زوال . قال الفُضيل رحمه الله:( عليك بطريق الحق ولا تستوحش لقلة السالكين، وإياك وطريق الباطل ولا تغتر بكثرة الهالكين ) .

كان رسولُ الله عليه الصلاة والسلام في مكة غريبا وحيدا، فردا بين جماعات وثنية، تعالت على دعوته، ورفضت رسالته ، وفِي أيديهم القوة والعتاد، والجند والأتباع ، فصبر واحتمل حتى اتبعه آخرون، أحبوه وانشرحوا لدعوته ، فقوّوا عزيمته..!

ثم إنه هاجر المدينة، حتى يؤسس لأتباع جدد، وكيان خالص، وعزمات متّقدة متكاثرة، فحقق الله له أمنيته، وقيّض له أنصاراً أبطالا، اقتنعوا به ورأوا فيه مخرجاً لهم من ضلالتهم، وعزةً لهم على اليهود والأعداء، فسبقوا إليه، واعتنوا به محبة وإخلاصاً ..!

ومع قلة القوة والعتاد مكّنه الله، وأطلق دعوته، وانبهر الناس بشريعته، وأعجبوا بأخلاقه، فكانت المحاسن تنساب في الآفاق انسيابا، وترفُ المباهج في كل الأنحاء ، فلم يحتج إلى قوة في القناعة به، بل كانت درره قناعات، وبراهينه حججا دامغة ، لا يمكن لعاقل تجاهلُها ...!

والباطل يجمع حوله الأموال المنهوبة، والجنود المستعبدة، والحشود المستغفلة، ولكنه لا يصمد أمام شمس الحقيقة، ولا سطوع البرهان، ولا صفاء الكلمات الآسرة ، ولذلك سُرعان ما يضمحل، ويضيق بالأطراف المحقة...!( فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرةً ثم يُغلبون ) سورة الأنفال .

فهذا فرعون جمع السحرة والحشود ووعدهم العطاء، وثبات ٌوحق من موسى عليه السلام زلزل كيانهم، وغلب سحرهم( قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى، وألقِ ما في يمينك تلقف ما صنعوا ..) سورة طه .
ومثل هذا النص يُعدّ نورا ودليلا تفاؤلياً، يحملنا على الصبر والثبات وحسن الاستقامة، وأن نعتقد على الدوام أن العاقبة للمتقين، وأن العاقبة لمن صبر وأحسن عملا...!

قوةُ الحق في مصداقيته وجماله ونزاهته، وضعف الباطل في إفكه وانتفاخه ، وضعف حجته وسريانه في الناس ،،،! فهو لا ينتشر بمنطقية ولا قناعة، ولكنه ينتشر بالعسف والمال والاستئجار ، ومخادعة الجماهير ...!

وجيئةُ الحق تكون بثبات خالص، أو موقفٍ مؤثر، أو انتصار عزيز، أو دعوة منظمة، أو سنن مُحياة، وأن لا يمل أهل الحق من حقهم، وأن يثبتوا على مبادئهم ، ويصبروا على وهن الطريق، وشدائد المرحلة ..! .

الحقُ يأوي إلى براهين قرآنية، ومواعظ حية، تحي الفؤاد، وتوقد البصيرة، وتثبت الأقدام، خلافاً للباطل المهترئ فلا أساس من علم، ولا عماد من وحي، ولا رسوخ في مضمون ..! بل تزييف وتخريف وتحريف، يستند إلى مال ممحوق، أو كيان غاشم ، أو جموع غثائية ﴿قد مكر الذين من قبلهم فأتى الله بنيانهم من القواعد فخر عليهم السقف من فوقهم وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون﴾ سورة النحل . نصر الله ديننا، وجمع كلمتنا، إنه على كل شيء قدير .!

hamzah10000@outlook.com


 

د.حمزة الفتحي
  • المقالات
  • رسائل رمضانية
  • الكتب
  • القصائد
  • قراءة نقدية
  • الصفحة الرئيسية