صيد الفوائد saaid.net
:: الرئيسيه :: :: المكتبة :: :: اتصل بنا :: :: البحث ::







سير مختصرة لعبر مزدهرة...(١٠)

د.حمزة بن فايع الفتحي
@hamzahf10000


الحمدُ لله ، والصلاةُ والسلام على رسول الله وعلى آلهِ وصحبه ومن والاه .....
أما بعد :
فثمة كلماتٌ كالدرر، وعباراتٌ كالتحف، تمر بها في الكتب وإبان القراءة، ويصعب تجاوزها بلا تقييد وانتفاع ، ولذلك كان لزاما في أدب القراءة الذاتي ، تقييد مثل هذه النوادر، وتسطير هذه الشوارد، وزمّها بزمام القلم والقرطاس المبين ، لتنتفع بها النفوس، وتزكو بها العقول، وقد قيدنا بحمد الله سابقا تسعة أجزاء، وهذا عاشرها، وفيه مشاعل قوة وإيقاظ ، ومعالم وعي وإرشاد ، ونفائس فكر واعتبار..! ومن الضروري تحفظها والعمل بما فيها ، وجعلها كالمواعظ الحافزة في حياة الشباب وطلاب العلم .
وما انطلقت تلكم العبارات إلا من جراء علمٍ ووعي، وحُسن ديانة وضَي، استلزم على مطالعها الوقوف عندها، واستلهام درسها، وأن تجعل منارات وهدايات لكل سالك وعابر ، نفعنا الله وإياكم بدرسها، ووفقنا لانتهاجها، إنه جواد كريم .

الصدِّيقُ واتباعِ السنة : قال رضي الله عنه :( لستُ تاركًا شيئًا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل به، إلا عملتُ به، وإني لأخشى إن تركت شيئًا من أمره أن أزيغ )! . وهذا ينبغي أن يكون موقفا مبدئيا عند كل مؤمن، وقد بلغته سنة ثابتة، فضلا عن طالب علم، قد تكلّف العلم، واعتنى بوسائله..؟!

الشافعي وجوهر العلم: قال رحمه الله: ( العلمُ ما نفع، ليس العلمُ ما حُفِظ ). وهذه حقيقة ملموسة، كم من حفاظ لم يعملوا، وعباقرة لم يطبقوا، واذكياء لم يتعثروا، وبقي الذين انتفعوا بالعلم فنفعوا الناس، ولو قلت محفوظاتهم، وعزت كتبهم ...!

مالك وبُنيات الطريق : قال رحمه الله: ( عليك بالدين المحض، وإياك وبُنيَّات الطريق، وعليك بما تعرف، واتركْ ما لا تعرف ). أي اهتم بأمور الدين العظيمة، ودعكَ من الأمور اليسيرة، التي تصرفك عن الأصول والجواهر والأسس ، واقتفِ المعروف المعلوم، وذركَ المجهول المغمور .

الزهري وفن أخذ العلم : قال رحمه الله :( إن هذا العلم، إن أخذته بالمكاثرة ، غلبك ولم تظفر منه بشيئ، ولكن خذه مع الأيام والليالي أخذا رفيقا ، تظفر به ). وهذا درس في تحصيل العلم وجمعه، وأنه لا يُجمع دفعةً واحدة، أو يُلتهم بالكثرة الكاثرة ، والاستعجال الحارق... كلا إنما يؤخذ أخذا رفيقًا ، ويجمع جمعا رقيقا، كحديث وحدثين، ومسألة ومسألتين، ومع مرور الزمن ترسخ أصولك، وتدوم علومك ...!

ابن الجوزي ووظيفةُ العقل : قال رحمه الله :( اعلمْ يا بني وفقك الله: أنه لم يميَّزِ الآدميُ بالعقلِ إلا ليعمل بمقتضاه ، فاستحضر عقلك ، وأعمِلْ فِكرَك ). وهو آلة لفقه العلم، واستنباط الشرع، وقفو الحق، من ضيعه ضاع، ومن وعاه ذاع وسطع .

ابن القيم ومكر المستفتين: قال رحمه الله :( ينبغي للمفتي أن يكون بصيرًا بمكر الناس وخداعهم وأحوالهم، فإن لم يكن كذلك : زاغَ وأزاغ ). لأن بعضهم يلف ويدور، وقد يخفي بعض الحقيقة، فينسب العالم الجواز، أو التحريم تحريفا وخداعا .
الطرطوشي وبدعة قرآنية: قال رحمه الله:( ومما ابتدعه الناس في القرآن ، الاقتصار على حفظ حروفه؛ دون التفقُّه فيه !). وهذا حق ، فقد انتشر في العصور المتأخرة تحفيظ الناشئة دون تفقيههم ، مما تسبب في تخريج متدينين غير فقهاء، وشيوخ بلا نباهة ، وأئمة بلا وعي وإدراك، كان لبعضهم أخطاء وشطحات..! والواجبُ قرنُ الحفظ بالفقه، وهو من عوامل التدبر والتثبيت .

الماوردي وقناعةُ طالبِ العلم: قال رحمه الله :( وَلَا يقنع منَ العلمِ بما أدركَ، لأن القناعة فيه زهدٌ، والزُّهد فيه تركٌ، والترك له جهلٌ )! . والمعنى لا تكتفي فيه بشهادة، أو تنتهي إلى كتاب، أو ترضى بمجلدات، فإن رضيت كنت زاهدا، ومضيعا لما أمامك، فالعلمُ بحر فسيح، لا يشبع منه ولا يكتفى، وكلما ازددت منه زدت تعلقا، وشعرت بالجهالة والنقصان.

الفضيل وحامل القرآن: قال رحمه الله :( حَامِل القُرآن حَامل رايةِ الإسلام، لا يَنبغِي أن يلهو مَع مَن يَلهو، ولا يَسهو مَع مَن يَسهو ، ولا يَلغو مَع مَن يَلغو؛ تَعظيمًا لِحقّ القُرآن ). وهي موعظة لطالب علم لهّاء ضحاك ،لا يفقه مافي جوفه، ولا يراعي قلبه وروحه ..!

الشافعي وعواملُ فتح القلب : قال رحمه الله:( ‏مَنْ أَحَبَّ أنْ يَفتَحَ اللَّهُ قَلْبَهُ أو يُنَوِّرَهُ ، فَعَلَيهِ : بِتَرْكِ الڪَلامِ فِيمَا لا يَعْنِيه، وإجتِنَابُ المَعَاصِي، ويَڪُونُ لهُ خَبِيئَةٌ فِيمَا بَينَهُ وبَينَ اللَّهِ تَعَالى مِنْ عَمَلٍ ). لأن مغاليق العلم لا تفتح إلا بزكاة القلب وانشراحه، وتلك أقفالٌ تمنعه الخير والنور والاستنباط .

حبر الأمة وفقه التوازن : قال ابن عباس رضي الله عنه :( تَدَارُسُ الْعِلْمِ سَاعَةً مِنْ اللَّيْلِ خَيْرٌ مِنْ إحْيَائِهَا ) . وهذا من الفقه المهجور والمجهول، لأن نفع العلم متعدٍ سار وهاج، ينفع الله به صاحبه والخلائق .

ابن الجوزي وعلاج الكسل : قال رحمه الله:( ومن أنفع الطرق في علاج الكسل : النظر في سِيَر المجتهدين ). وصدق رحمه الله، لأن النظر فيها دواء كل علة، وحفز كل همة، وتنشيط للعزمة والرغبة ، يعرّفك الأكابر ، ويريك الأعلام ، ويدعوك للتشبه والمحاكاة ، وردع الدون والهوان ، وكلما شعرت بهون واستضعاف هلم إلى السير لتنفض عنك الغبار والمهانة والأوجاع .

الشافعي وحفاظ الأصل : قال رحمه الله :( إذا رأيتُ رجلا من أصحاب الحديث ، فكأنّي رأيت رَجُلا من أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جزاهم اللَّه خيرًا، حفظوا لنا الأصل، فلهم علينا الفضل ). لأن من عرف قدرهم أجلهم، وأحسنَ صحبتهم، وعدهم في الأئمة المهديين ، فقد ضبطوا لنا السنن، وصانوا التراث، وجنبونا الآراء والخرافات ..!

الثوري وعظمة القرآن: قال رحمه الله :( ليتني كنتُ اقتصرت على القرآن ) يقصد أنه لم يعط القرآن حقه من العناية والتدبر لزخارة ما فيه من العلوم والدلائل والاستنباطات ، وإلا فإنه كان من اكابر العلماء العباد رحمه الله ، وحصل مثل هذا الأسف لكثير من أهل العلم .

أبو منصور الخياط والتعليم: قال السمعاني رحمه الله : رئي بعد موته فقيل: ما صنع الله بك؟ فقال رحمه الله : (غفر لي بتعليم الصبيان الفاتحة). فلا تتقالّ علما تنشره، ولا خير تبذله، أو جهلا تدفعه، أو محتاجا تنفعه، كالاحتساب على تعليم صغار الحي، وأطفال المسجد الفاتحة وأخواتها ، فهي بابُ مغفرة، ونافذةُ عز وميرة ومسرة..! لاسيما وأنت تدرس فاتحة الكتاب وأم القرآن ، والسبع المثاني، والشافية المباركة .

ابنُ عيينة والنضارة الحديثية : قال رحمه الله :( ما مِنْ أحدٍ يطلب الحديث، إلا وفي وجهه نضرة؛ لقول النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: ( نَضَّر اللهُ امرأ سَمِعَ مِنَّا حَدِيْثًا فَبَلَّغَهُ ). وهذا شرف رمزية لطلاب الحديث وحملة الآثار ، يكسوهم الله الجمال، ويحليهم بالنضارة ، نسألُ الله من فضله .

الشعبي وتبدل العلم : قال رحمه الله:( لا تقوم الساعة ، حتى يصير العلمُ جهلا، والجهلُ علماً ). وهذا في زمان السنوات الخداعات، وانقلاب المفاهيم، وشيوع الرؤوس الجهال، وتسلط الخافقين والسفهاء، ولا حول ولا قوة إلا بالله ...!

ابن القيم وصور الغربة : قال رحمه الله:( اذا اشتدت غربة الإسلام، قلّ العلماء ، وغلب السفهاء ) . وسببها شيوع الباطل والشهوات ، وتسلط الاعادي والمجرمين ، وتراجع الأخيار وأعوانهم .

ابن مسعود وضابط الإطالة العلمية : قال رضي الله عنه :( حدّثِ القوم ما رمقوك بأبصارهم، فإذا رأيت منهم فترة فانزِع). وهذا درس في الإلقاء والتعليم ، من الضروري حفظه وانتهاجه .

أحمد والصحبة اللطيفة : قال ابن معين صاحبه رحمه الله:( ما رأيتُ مثل أحمد بن حنبل، جربناه خمسين سنة ما افتخر علينا بشيء وكان يقول: نحن قومٌ مساكين لولا سترُ الله لافتضحنا ). وهذا درس في التواضع وحُسن الصحبة والمخالطة ، من الذين يفيضون الندى، ويكفون الأذى، ولا يظهرون الغلظة والتعالي .

ابن القيم وتكوين الملكة : قال رحمه الله في مفتاح دار السعادة :( فإن كثرة المزاولات تعطي الملكات ). أي كثرة المحاولات وديمة الممارسة على الشيء واعتياده تصنع ملكة الابداع فيه، وتخفف صعوبته، وتفك عقدته، وهكذا العلم، من ادامه استلان له، ومن أدمنه ، فقهه وأصاب غوره، وبلغ غايته .

الفُضيل وعالم الدنيا : قال رحمه الله: ( إني لأرحم ثلاثة : عزيز قوم ذلّ ، و غني قوم افتقر ، و عالماً تلعب به الدنيا ) . فهو وإن خاب مسلكه، وشان نهجه ، إلا أنك ترحمه من جهة تلاعب الشيطان بعقله، وركونه الى الدنيا، وعدم اعتباره العلم الذي تعلمه، والفقه الذي تفقهه، والتقوى التي شاهدها، والله المستعان .

ابن مسعود وفقه الحق والباطل: قال رضي الله عنه :( ومن جاءك بالحق فاقبل منه وإن كان بعيداً قصياً، ومن جاءك بالباطل فاردده وإن كان قريبا حبيباً ). وهذا قانون في العلم، وأدب في تلقي الحق، أن لا نكابر ، ولا نرد، ولا نجحد، ونأخذُ الحق بلا مكابرة .

الشافعي وإطعام العلم: قال رحمه الله لتلميذه الربيع بن سليمان :( لو أستطيعُ أن أطعمكَ العلمَ لأطعمتكهُ ). ربما لحرصه ولما رأى من نجابته، وسرعة تجاوبه ، فيحزن عليه أن يفوّت علما، أو يضيع ساعة..!

الشاطبي وترك إنكار البدع : قال رحمه الله :( لما كثرت البدع والمخالفات، وتواطأ الناس عليها؛ صار الجاهل يقول: لو كان هذا منكرًا لما فعله الناس )!. لأن من وظيفة العلماء النصح والبيان والإنكار ، وليس مجرد الذكرى العارية، والموعظة الغايبة ، قال تعالى :( لتبينُنه للناس ولا تكتمونه ) سورة آل عمران .

محمد بن أسلم والحرص على السنة: قال رحمه الله:( ما بلغني سنةٌ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا عملتُ بها، ولقد حرصت على أن أطوف بالبيت راكباً، فما مُكّنت من ذلك ) . فأين من علم السنن وتكاسل، وفقه الشرع وما بادر، والله المستعان .

الحسن وثمرة العلم : قال رحمه الله :( حَسبُكَ مِنَ العِلمِ أَنْ تَخشَى اللهَ، وَحَسبُكَ مِنَ الجهل أَنْ تُعجَبَ بِعِلْمِك ). لان كل استزادة علمية ثروة قلبية، تملأه خشبة ومهابةً لله ولدينه .

ابن الجوزي وميدان السباق ‏:قال رحمه الله : ( واعلَم أنَّك فِي مَيدانِ سِباق، و لَا تخلُد إلَى الكسَل،فمَا فَات مَا فَات إلاَّ بالكَسل، و لَا نَال مَن نَال إلاَّ بالجِد والعَزمِ ) . وهو كما قال، ما أجهضَ السباق إلا التورط في الكسل ، والاستسلام لقيوده ، المغرية بالراحة ونزع المسؤولية .

ابن تيميةَ والخلق السلفي في الخلاف : قال رحمه الله:( إنَّ السَّلف كانوا يختلفون في المسائل الفرعيَّة مع بقاء: الأُلْفَـــــــــة، ‏والعصمـــة، وصلاح ذات البين ) . ويا ليتنا نتعلم ذلك الخلق الحسن، ونختلف بلطف، ونتحاور بأدب، ونحفظ التآلف ، وننبذ التنازع والتناحر ، حتى تصان المودة، وتبقى الرابطة .

ابن الجوزي ومكانةُ الأدب: قال رحمه الله:( كادَ الأدبُ يكون ثلثي العلم ). وكيف يستقيم علم بلا أدب، أو ينبغ طالب بلا أخلاق ، أو يسود عالم، وهو فظ غليظ، قد نهر الناس، فنفروا ، وأغلظَ لهم فهجروا...! لن يبقى لهؤلاء باقية، ولن تغني عنهم المطالعات العالية...!!

ابنُ وهب وجمعُ أدب العالم: قال رحمه الله: ( ما تعلَّمنا من أدبِ مالكٍ ، أكثرُ مما تعلّمنا من علمهِ ). لأن ثمة آدابًا وأخلاقيات لا تجتنى إلا من صحبة الشيوخ ومجالسة العلماء، ومنهم من يشع خلقه قبل علمُه وفقهه لما فيه من ودين وتقوى ذات قرار ومعين... والله الموفق ...!

١٤٤١/١٢/٤هـ

hamzah10000@outlook.com


‫‬

اعداد الصفحة للطباعة      
ارسل هذه الصفحة الى صديقك
د.حمزة الفتحي
  • المقالات
  • رسائل رمضانية
  • الكتب
  • القصائد
  • قراءة نقدية
  • الصفحة الرئيسية